600 يوم على حرب غزة... أرقام وحقائق صادمة لواقع مأساوي

صحة غزة: طفل قتيل كل 40 دقيقة وسيدة كل 60 دقيقة

فلسطينيون يسيرون وسط ركام مبان مدمرة بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
فلسطينيون يسيرون وسط ركام مبان مدمرة بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
TT

600 يوم على حرب غزة... أرقام وحقائق صادمة لواقع مأساوي

فلسطينيون يسيرون وسط ركام مبان مدمرة بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
فلسطينيون يسيرون وسط ركام مبان مدمرة بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)

بعدما أتمّت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 600 يوم، لا يزال سكانه يكابدون معاناة هي الأقسى منذ عقود، يذوقون فيها كل يوم مرارة الفقد والموت والتدمير والتجويع، وذهاب أطفال نتيجة سوء التغذية.

وعلى الرغم من أن الحياة في القطاع قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كانت مليئة بظروف اقتصادية صعبة، مع اعتماد أكثر من 80 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية، لكن المأكل والمشرب والعمل... كلها كانت أموراً متاحة للسكان بسهولة أكبر مما عليه الحال حالياً. كانت هناك أزمات كهرباء ونسبة بطالة عالية، لكن ليس بنفس سوء الوضع الحالي.

فما إن بدأت الحرب على القطاع، حتى أجبرت القوات الإسرائيلية أهله على النزوح من مناطق سكنهم. ولم تكتفِ بالقصف الجوي والمدفعي والبحري، بل تعمدت تدمير البنية التحتية، بما في ذلك مصادر الماء والكهرباء والمنازل والمباني وغيرها، في خطوة هدفت في الأساس إلى إعادة غزة للعصر الحجري.

أحياء غزة

كانت في العديد من مناطق قطاع غزة أحياء راقية يقطنها من يُطلق عليهم أصحاب الطبقة العليا، كما كان هناك الكثير من الأبراج والعمارات السكنية التي تم تعميرها على مدار سنوات، وتسكنها طبقات من المتوسطة إلى العليا، لكن كل هذه المناطق، ومنها أحياء الرمال، وتل الهوى، والنصر، والكرامة، والمخابرات، والمشتل، والعودة، تحولت إلى أكوام من الركام.

كانت تلك الأحياء تنبض قبل الحرب بالحياة، كانت عامرة بالمطاعم والمقاهي والمتنزهات والمحال التجارية التي تعرض أفخم الماركات العالمية، لكنها جميعاً أصبحت لا تضم سوى خيام تؤوي نازحين. ومن بين هذه الخيام نبتت مقاهٍ بسيطة تقدم مشروبات خفيفة، لكن عملها متقطع لا يدوم بسبب نقص الاحتياجات الأساسية.

وهناك أحياء أخرى ظلت لسنوات وعقود رمزاً لقطاع غزة، مثل الشجاعية والزيتون، وكانت توجد بلدات ومخيمات، مثل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، وصولاً إلى مخيمات الوسط وخان يونس وبلداتها الشرقية ورفح التي كان يُطلق عليها البعض «عاصمة التجارة الحرة»، قبل أن تتحول جميعها إلى خرابة بعد تعمُّد هدم مبانيها ومنازلها، بالقصف الجوي تارة، وبالنسف باستخدام أطنان من المتفجرات تارة أخرى.

وتشير إحصائيات حكومية غير نهائية إلى أن نسبة الدمار الشامل وصلت إلى 88 في المائة.

صورة للدمار بشمال غزة التُقطت من الجانب الإسرائيلي من الحدود في 17 مايو 2025 (رويترز)

ربما كان التدمير في بعض فترات الحرب عشوائياً؛ لكنه في معظم الفترات، وخاصةً بعد أول اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 والذي استمر سبعة أيام فقط، أصبح أكثر منهجية من خلال تدمير شامل تضاعف وتكثف خلال آخر ثلاثة أشهر سبقت هدنة مؤقتة دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) 2025.

غلب الركام والدمار على مشاهد الأحياء والمخيمات والبلدات المختلفة في قطاع غزة، فنادراً ما يوجد منزل سليم؛ فمن بين كل عشرة منازل هناك منزلان فقط يصلحان للسكن بعد إجراء إصلاحات بسيطة، بينما الأخرى إما متضررة ضرراً بالغاً وإما مدمَّرة بالكامل.

وخلال فترة وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية في يناير الماضي، عاد الغزيون لمناطق سكنهم، ونصبوا خيامهم فوق الركام وفي الساحات، لكن سرعان ما تبدد وقف إطلاق النار بعد نحو شهرين، ليعاودوا النزوح من مكان إلى آخر تحت نيران القصف المتجدد.

أما شواطئ القطاع التي كانت تعج بالمصطافين والاستراحات والمطاعم والمقاهي وصالات الأفراح، فقد تحولت، خاصةً في مناطق الوسط والجنوب، إلى أماكن لاستيعاب مئات الآلاف من النازحين الذين أقاموا في خيام وسط ظروف بالغة القسوة. وبات ميناء غزة في الأسابيع القليلة الماضية ساحة كبيرة من آلاف الخيام بعد نزوح سكان الشمال.

وفي أحيان، كانت هذه الشواطئ - خاصة في شمال القطاع ومدينة غزة - مسرحاً للعمليات العسكرية تمر عبره القوات الإسرائيلية وتستخدمه ممراً لدخولها وخروجها.

رأساً على عقب

جاءت الحرب فقلبت واقع حياة الغزيين رأساً على عقب، ومع اختفاء مصادر المياه النظيفة، اضطروا في مرات عديدة لشرب مياه لا تصلح حتى للاستهلاك الآدمي، ما تسبب بأزمات صحية وبيئية خطيرة، خاصةً في مناطق النزوح، مثل مواصي رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة.

ومع الانقطاع الكامل للكهرباء، باتوا يعتمدون على ما يتوفر من طاقة شمسية لدى بعض المقتدرين منهم، الأمر الذي فتح لهؤلاء تجارة، ليست دائمة ولا بالكبيرة، لكنها تجلب لهم جزءاً من قوت يومهم.

واختفت غالبية أنواع الطعام؛ وبعدما كان من النادر أن ينام أحد جائعاً في السابق، لا تجد الآن الغالبية - صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً - ما يسد رمقهم.

ووصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأربعاء، قطاع غزة بأنه «أكثر الأماكن جوعاً على وجه الأرض»، محذراً من أن الوقت ينفد بسرعة كبيرة، «والأرواح تزهق كل ساعة».

تَدافُع للحصول على غذاء من تكية خيرية في منطقة المواصي بخان يونس يوم الجمعة الماضي (أ.ب)

وخلال فترات الحصار المتكرر في الحرب، فقد أكثر من 60 طفلاً حياتهم نتيجة سوء التغذية، فيما تُوفي 242 بسبب نقص الغذاء والدواء، كما تؤكد إحصائية لمكتب الإعلام الحكومي بغزة التابع لـ«حماس».

تعليم في مهب الريح

ضاع التعليم في قطاع غزة مثلما ضاعت أشياء كثيرة، فأصبح الطلاب بلا مدارس أو معاهد أو جامعات، وتحولوا من دارسين إلى مشردين أو منتظرين في طوابير طويلة أملاً في الحصول على لقمة طعام أو شربة ماء لهم ولأهليهم.

وتحول القليل الذي بقي من المدارس والجامعات لمراكز إيواء لم تسلم هي الأخرى من القصف بمن فيها، وحاصرت القوات الإسرائيلية مباني تعليمية أخرى وعملت على تجريفها بعد اقتحامها واعتقال من بداخلها أو إجبارهم على النزوح في أعقاب التحقيق معهم.

مخيمات نازحين في مدرسة تابعة للأونروا بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)

ووفقاً لإحصائيات متطابقة من مصادر مختلفة، فقد نحو 13 ألف طالب حياتهم خلال الحرب التي حاولت إسرائيل من خلالها إنشاء جيل جديد بغزة لا يعرف القراءة أو الكتابة؛ لكن سرعان ما تدارك المعلمون وبعض المنظمات الشبابية والدولية ذلك، فصنعوا من الخيام والصفيح صفوفاً يذكّرون بها الجيل الصاعد بمناهج الدراسة، لكن القصف كان يلاحقهم في كل مرة، الأمر الذي صعَّب من مهمتهم.

وبحسب الإحصائيات، دمرت القوات الإسرائيلية 149 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية كلياً، و369 جزئياً، وقتلت 800 من المعلمين والكوادر التربوية.

توسيع دائرة الاستهداف

لم تقتصر الهجمات الإسرائيلية على استهداف المسلحين أو عناصر «حماس» وحسب، بل طالت عامة المدنيين في منازلهم أو خيامهم، إضافة إلى أطباء وصحافيين وأكاديميين، فقُتل المئات منهم في هجمات مباشرة.

وتشير إحصائيات متطابقة إلى أن 1581 من الكوادر الطبية قُتلوا خلال الحرب، فيما قُتل أكثر من 220 صحافياً، وأكثر من 150 عالِماً وأكاديمياً من أصحاب العلوم المميزة في جامعات غزة.

تعبيرات الوجيعة في جنازة فلسطينيين قتلوا في ضربات إسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة يوم الأربعاء (رويترز)

وبحسب وزارة الصحة في غزة، خرج 22 مستشفى من أصل 38 من الخدمة، وأصبح رصيد 47 في المائة من قائمة الأدوية الأساسية، و65 في المائة من قائمة المستهلكات الطبية صفراً. ولا يعمل حالياً سوى 30 مركز رعاية أولية من أصل 105 مراكز، وتوفي 41 في المائة من مرضى الفشل الكلوي خلال الحرب.

الضحايا

لا يكاد يخلو منزل في قطاع غزة من شخص فُقد ضحية لقصف هنا أو هناك، أو جريح أصيب، أو أسير، أو مفقود لا يُعرف مصيره.

آخر الإحصائيات كما تعلن وزارة الصحة بغزة تفيد بمقتل 54 ألفاً و84 فلسطينياً وإصابة أكثر من 123 ألفاً آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023، ولا يزال آلاف الضحايا في عداد المفقودين. وتشير بيانات الوزارة إلى أن إسرائيل ارتكبت «14 ألف مجزرة بغزة، وتسببت بمسح 2483 عائلة من السجل المدني بالكامل»، فيما بقيت 5620 عائلة ليس بها إلا ناجٍ واحد.

ووفقاً للإحصائية ذاتها، يسقط طفل قتيل كل 40 دقيقة، وسيدة كل 60 دقيقة. كما تشير إلى مقتل 16854 طفلاً منذ بداية الحرب بواقع 31.5 في المائة من أعداد الضحايا، مشيرةً إلى أن من بين هؤلاء 931 طفلاً كانت أعمارهم أقل من عام واحد.

فلسطيني يحمل جثمان جنين قُتلت أمه في ضربة إسرائيلية بمدينة غزة الأربعاء (رويترز)

وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بأن أكثر من 950 طفلاً قتلوا في غضون شهرين فقط، فيما كانت قد أشارت سابقاً إلى أن نحو 50 ألف طفل قُتلوا وأُصيبوا منذ بداية الحرب.

«حماس» قبل الحرب وبعدها

قبل الحرب، كانت حركة «حماس» قوية تبسط سيطرتها على القطاع حكومياً وعسكرياً وسياسياً، لكن الأمر اختلف بعد هجومها المفاجئ في السابع من أكتوبر 2023، فمرت بالكثير من المنعرجات، وحالات ضعف ثم قوة ثم ضعف.

ارتبط هذا بطرق الاستهداف الإسرائيلي لقياداتها وكوادرها، والذي بقي لأشهر ضعيفاً غير قادر على اغتيال أو قتل أبرز قياداتها والوصول إليهم.

غير أن إسرائيل تمكنت من القضاء على أبرز الوجوه، خاصةً في أعقاب استئناف الحرب في 18 مارس (آذار) الماضي، وشن أكبر الهجمات وأخطرها على الحركة، والتي يقول كثيرون إنها أضعفتها فعلياً بعد سلسلة اغتيالات مؤثرة.

فلسطينيون يحملون مساعدات تلقوها من «مؤسسة إغاثة غزة» في خان يونس بجنوب القطاع يوم الأربعاء (رويترز)

وطوال فترة الحرب، كانت لدى «حماس» القدرة على توفير رواتب لموظفيها وعناصرها من مختلف المستويات الحكومية والعسكرية والتنظيمية، ولو بالحد الأدنى؛ لكن منذ استئناف الحرب، لم تعد قادرة على ذلك، وباتت تجد صعوبة بالغة في توفير أي مبالغ مالية بسيطة لهم.

وأصبحت الحركة تعاني فراغاً إدارياً ومالياً، حتى على المستوى العسكري وتوفير القدرات اللازمة لعناصرها؛ لكنها ما زالت تحاول إظهار تماسكها من خلال عمليات تنفذها بين الفينة والأخرى ضد القوات الإسرائيلية، وإن لم تكن بذات الزخم السابق.

وفعلياً، فقدت «حماس» قدرتها على إدارة الوضع الحكومي بغزة؛ كضبط الأسعار في الأسواق، أو القدرة على حماية المساعدات أو ضبط اللصوص وغير ذلك. وباتت الحركة تعمل فعلياً بشكل غير منظم تنظيماً كاملاً.

ومع هذا، لا تزال الحركة متماسكة في بعض المناطق، لكن ليست بذات القوة التي كانت تتمتع بها من قبل، ما سهَّل على خصومها أمر انتقادها، بل التهجم عليها علناً، والخروج بمسيرات ضدها، وهو ما لم يكن معهوداً من قبل.


مقالات ذات صلة

خاص الرئيس الفلسطيني محمود عباس (د.ب.أ)

خاص عباس دعا «حماس» لتسليم سلاحها وإسرائيل للانسحاب من غزة

بينما يمر اتفاق غزة بوضع حرج، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتنفيذ فوري للمرحلة الثانية، عبر انسحاب إسرائيل، وتسليم «حماس» سلاحها للسلطة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

مقتل 7 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

قال تلفزيون فلسطين إن سبعة أشخاص قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

«الشرق الأوسط»
المشرق العربي طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

خلال ساعات ليل ونهار السبت، استخدمت القوات الإسرائيلية الطائرات الحربية تارةً والعربات المفخخة تارةً أخرى، لقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية داخل قطاع غزة

المشرق العربي على اليمين صورة لمريم إبراهيم قبل الإصابة في الحرب... ويساراً صورة لها بعد الإصابة (وسائل إعلام محلية - إ.ب.أ)

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

نجت فتاة من غزة كانت تعاني من إصابة في جمجمتها، جراء شظية إسرائيلية، بعد جراحة تمت لها في الأردن.

«الشرق الأوسط» (غزة)

مناصرون لـ«حزب الله» يسخرون من الأسد ويذكّرون بحقبات القتال

بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)
بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)
TT

مناصرون لـ«حزب الله» يسخرون من الأسد ويذكّرون بحقبات القتال

بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)
بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)

سخر مناصرون لـ«حزب الله» في لبنان من تصريحات لونا الشبل، مستشارة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، التي وردت في مقاطع فيديو بثتها قناة «العربية/الحدث»، السبت، وتقول فيها إن «(حزب الله) لم يُسمع له صوت في النهاية»، كما أعربوا عن غضبهم من سكوت الأسد عن تلك العبارات «لعلمه بأنه لولا الحزب لسقط نظامه منذ 2012».

وبثّت «العربية» تسريبات غير مؤرخة من جولة الأسد في الغوطة الشرقية، ويُعتقد أن الفيديو مسجل في مارس (آذار) 2018، إثر انسحاب مسلحي المعارضة من الغوطة في ذلك الوقت.

وكانت مستشارته السابقة لونا الشبل ترافقه في الجولة، إضافة إلى شخص ثالث يسجل الفيديو. وحين صادف الأسد مسلحين مجهولين، قال إنهم من لبنان، في إشارة إلى مسلحي «حزب الله»، لتفتح لونا الشبل حديثاً عن الحزب.

وقالت في الفيديو: «الجيش السوري تعلّم وصارت عنده خبرات يدرّسها لغير جيوش»، مضيفة: «(حزب الله) في النهاية لَبَدْ (أي تراجع عن ادعاءاته)». وتابعت: «لم نسمع صوته».

ورأى مناصرون لـ«حزب الله» في لبنان أن سكوت الأسد عن كلام مستشارته، «إساءة لكل التضحيات وإنكار للواقع»، وقال أحدهم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «سكوته يعني أنه راضٍ عما ادعته الشبل... وهذه إساءة أخرى». وتابع: «هذا إنكار، ويعني أنه ليس وفياً، ولا يقدّر التضحيات».

وسخر مناصر لـ«حزب الله» من تصريحات لونا الشبل، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن ما تقوله في الفيديو «ادعاءات وأوهام». وأضاف: «الأسد يعرف، كما الشبل التي تبدو في هذه اللقطة تمالق بشار، أنه لولا مقاتلو الحزب، لكان المسلحون (المعارضة) في دمشق منذ شتاء 2012». وتابع: «هي تافهة وكاذبة وممالقة».

مقاتلو «حزب الله» يؤدون القسم خلال تدريب عسكري مُنظم في معسكر بقرية عرمتى جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

ويتناقل مناصرو «حزب الله» روايات عن قتالهم في سوريا في الشوارع والمقاهي، فضلاً عن أن الحزب في السنوات الماضية نشر فيديوهات لعملياته، ولا سيما الهجوم على القُصير وقرى القلمون في ربيع وصيف 2013، والقتال في حلب والزبداني والغوطة في 2016. وباتت تلك العمليات العسكرية جزءاً من مأثورات الحزب الذي يعترف بأن هجوم حلب ما كان ليتم لولا الإسناد الناري الروسي، وأن القتال في ريف اللاذقية تصدره الجيش السوري الموالي للأسد آنذاك.

وينقل مناصر للحزب عن مقاتل في التنظيم كان قد تعرّض لإصابة طفيفة في سوريا، قوله إن الجيش السوري «لم يكن يدرك كيف يوقف الهجمات في 2012 في جنوب دمشق، خصوصاً في الديابية والحسنية المتاخمتين للسيدة زينب، قبل أن يضع الحزب الخطط ويوزع المجموعات».

صورة من فيديو لقيادي في المراسم يقدم بندقية هدية للأمين العام الراحل لـ«حزب الله» هاشم صفي الدين خلال عرض في جنوب لبنان (أرشيفية - إعلام الحزب)

ويشير إلى أن هجوم مقاتلي المعارضة آنذاك في درعا البلد «صدّه الحزب وحده، وبعض المقاتلين السوريين الذين يقاتلون إلى جانبه»، مضيفاً أنه في الغوطة الشرقية، حيث أصيب المقاتل السابق، «كان مقاتلو جيش النظام يتراجعون، بينما كان أفراد من الحزب يقاتلون لساعتين وحدهم، قبل أن يعيد قادة في الحزب تنظيم المقاتلين على المحاور». وتابع: «كان على الشبل أن تقول من وضع خطط السيطرة على قرى القلمون والزبداني، ومن قاتل فيها قبل أن تقول إن الحزب لم يُسمع صوته».

رسالة لمن يدافع عن الأسد

هذا الاحتقان تفجّر أيضاً في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قال أحد مناصري الحزب: «الحمد لله لم يخب ظني بهذا ومن معه في النظام»، في إشارة إلى الأسد وأركان نظامه. فيما أعاد آخر التذكير بأن الخصومة بين «حزب الله» والنظام السوري «تعود إلى الحرب الأهلية في لبنان، وتم تصحيحها شكلاً، لكنها بقيت مخفية ما دام النظام كان بحاجة للحزب». وقالت مغردة أخرى: «هذه رسالة لمن لا يزال يدافع عن الأسد».

علاقة متوترة

ولم تكن علاقة «حزب الله» بالأسد في فترة ما قبل سقوطه، مستقرة، فقد اتهم قياديون في الحزب في مجالسهم الخاصة، الأسد، بالتخلي عنهم في «معركة الإسناد» مع غزة، ولم يتخطَّ موقف موسكو وتعليماتها.

وخلال الأشهر الماضية، بدأت تتكشف فصول من العلاقة المتوترة مع النظام؛ إثر معلومات عن أن الأسد «لم يسمح لـ(حزب الله) بإطلاق الصواريخ الدقيقة من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل»، وأن مقاتليه «تعرضوا لمضايقات، شملت أيضاً القيود السورية على إمداد الحزب بالأسلحة خلال المعركة الموسعة» التي يُطلق عليها الحزب اسم «معركة أولي البأس»، واندلعت في 23 سبتمبر (أيلول) 2024، وتوقفت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إثر توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية برعاية أميركية.


«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
TT

«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)

وسط انشغال السوريين، على المستويين الرسمي والشعبي، باحتفالات الذكرى الأولى لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، ظهرت مقاطع فيديو له وهو يتحدث إلى مستشارته الإعلامية لونا الشبل، خلال جولة وهو يقود سيارة في محيط العاصمة دمشق قبل سنوات.

وبينما أشار سوريون إلى أن الأسد تحدث عن سوريا بقرف وخجل، أظهر آخرون عدم اكتراثٍ بما جاء في التسريبات، وحمدوا الله على أنه «أصبح في خبر كان».

واعتبر آخرون أن ما كشفته التسريبات بصوت الأسد يشير إلى أنه سقط مرة ثانية الآن في أعين مناصريه والذين قاتلوا إلى جانبه في سوريا ومن دول الجوار، بعدما سقط في المرة الأولى عسكرياً بدخول فصائل المعارضة دمشق، وإطاحة نظامه قبل سنة من الآن.

وبثت قناة «العربية/ الحدث» السبت، تسجيلات مصوَّرة حصرية تجمع الأسد بمستشارته السابقة لونا الشبل، التي قُتلت في ظروف غامضة عام 2024؛ إذ قيل وقتها إنها توفيت بحادث سير؛ لكن معلومات أخرى أشارت إلى أن الحادث كان مدبراً.

وظهر الأسد في أحد المقاطع وهو يوجِّه شتائم حادة متعلقة بالغوطة، قائلاً: «يلعن أبو الغوطة»، قائلاً لفريقه من الغوطة: «سندخل (منطقة) سقبا وكأني لا أعلم أنها (تحررت)».

كما تتضمن التسجيلات التي بثتها «العربية» مشاهد يسخر فيها الأسد ولونا الشبل من جنود سوريين ظهروا وهم يقبِّلون يد الرئيس المخلوع خلال لقاءات سابقة.

وفي مقطع آخر، قال الأسد للونا الشبل إنه لا يشعر بشيء عند رؤية صوره بالشوارع، وذلك بعد سؤالها له عمَّا يشعر به عند رؤية صوره بالشارع.

دمار من جرَّاء المعارك بين قوات الأسد وفصائل المعارضة السابقة في مخيم اليرموك بضواحي دمشق (إ.ب.أ)

كما أظهرت التسجيلات أن بشار الأسد ولونا الشبل وجَّها سخرية لاذعة تجاه الشرطة السورية ووزير الداخلية، وقالت مستشارته: «شو مبسوط وزير الداخلية بالشرطة تبعه، وكل شوية ينزلوله خبر على الفيس».

وعن الوضع في سوريا، قال الأسد: «لا أشعر بالخجل فقط؛ بل بالقرف». أما لونا الشبل فسخرت -من جهتها- من اللواء سهيل الحسن، قائلة: «مو فاضي، حاطط رجله على جبل قاسيون وعم يتصوَّر، ومعه مرافقون روس».

وفي مقطع آخر، ظهر الأسد وهو يسخر من اسم عائلته، قائلاً: «يجب تغييره باسم حيوان آخر».

واستقبل بعض السوريين تلك التسريبات باستخفاف؛ إذ عبَّر الصحافي وائل يوسف (40 عاماً) عن عدم اهتمامه، قائلاً إن «أصحاب هذه (الفيديوهات) أصبحوا من الماضي»، مضيفاً أنه يزعجه النظر إليهم وسماع أصواتهم. وتابع مستدركاً: «لكن يبدو أن الخوارزميات تفرضهم علينا». وقال: «أنا شخصياً لم أقدر على الاستماع لبشار حتى عندما (كان) يلقي خطاباً يُفترض أنه مهم، وإذا كنت مضطراً فإنني أقرأه مكتوباً، واليوم -والحمد لله- أصبحوا في خبر كان».

وقال رضوان (50 عاماً)، وهو من أهالي حي جوبر بدمشق الذي دمَّرته قوات الأسد: «نحن نعرف أنه أهبل (عبيط)، ولذلك ثُرنا عليه. عندما كان يقصفنا بالطائرات كنا نقول: من المستحيل أن يكون بشار الأسد سورياً؛ لأن عداءه لسوريا والسوريين غير طبيعي، والفيديوهات أثبتت ذلك، وقد شتم الغوطة وأهلها لأنها كانت مخرزاً في عينه».

سوريون يحتفلون بذكرى سقوط الأسد في دمشق يوم 5 ديسمبر الحالي (أ.ب)

وقالت المحامية نبال حمدون التي تتحضر للاحتفال بـ«عيد التحرير» مع أصدقائها: «لم نفاجأ بكلام الأسد، فقد عبَّر عنه فعلاً خلال 14 عاماً من القتل والتدمير. وإذا كانت سوريا مقرفة فالسبب فساد حكمه وحكم أبيه (الرئيس الراحل حافظ الأسد)». وأردفت: «الذين استحوا ماتوا».

أما المهندس بدر رحمة، فعبَّر عن فضوله الشديد لمعرفة إحساس الأسد وهو يراقب من موسكو الاحتفالات التي تشهدها سوريا في ذكرى سقوط نظامه، و«هل سيرى صوره تحت أقدامنا ما دام لم يكن يراها وهي معلَّقة (في الشوارع السورية) رغماً عنا في كل مكان». وقال: «أمنيتي معرفة شعور من كانت تطلب منهم لونا الشبل الصمود، وهم يسمعون اليوم صوتها تضحك وتسخر من ولائهم لرئيسها»، وكذلك «شعور الذين ما زالوا يعلِّقون الآمال على عودته مع شقيقه (ماهر) المدمن».


التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)

عكست الوقفات والتحركات الاحتجاجية في قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، احتقاناً شعبياً على خلفية التأخر في دفع التعويضات للمتضررين، ما اضطر كثيرين للخروج وبدء حياة جديدة خارج قراهم.

وقبل أسبوعين، قام أحد المواطنين في بلدة الطيبة (جنوب لبنان)، بقطع الطريق أمام منزله الذي تضرر جراء غارة إسرائيليّة طالت المكان.

وقبله، أقدم عدد من أهالي دير سريان على إقفال الطريق في البلدة، فأشعلوا الإطارات على أطراف الشارع، احتجاجاً على التأخر في تعويض أصحاب الآليات المستهدفة. أما في حولا، فظهر أحد المواطنين في مقطع فيديو، قائلاً إن خسائره لا تقل عن 6 ملايين دولار، مطالباً الدولة بالتعويض لأهل الشريط الحدودي، أسوة بما حصل في مناطق أخرى.

وتأتي هذه التحركات بعد مرور أكثر من عامين على بدء الحياة المأساوية التي يعيشها سكان البلدات الحدودية، الذين ما زالوا يختبرون تجربة النزوح بعدما خسروا منازلهم وممتلكاتهم، ولم يحصلوا على تعويضات إعادة الإعمار بعد، علماً بأن الاستهدافات الإسرائيلية لا تزال شبه يوميّة هناك، والأضرار قابلة للازدياد أكثر مع الوقت.

لحظة تدمير منزل في بلدة المجادل بقصف إسرائيلي يوم الخميس الماضي (أ.ف.ب)

ولا يكترث أبناء هذه القرى للجهة التي ستكون قادرة على تأمين الأموال ودفعها لهم، كي يتمكنوا من إعادة إعمار أحيائهم وبلداتهم هناك، فهم ينفذون احتجاجاتهم ووقفاتهم الفردية، أو على شكل مجموعات، في وجه «حزب الله» والدولة اللبنانية على حد سواء.

رفع الصوت

ويقول منسّق تجمع أبناء القرى الحدودية الجنوبية طارق مزرعاني، إن مثل هذه التحركات التي تُعد خجولة حتى الآن، ستتكرر دائماً بهدف رفع الصوت عالياً.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مطالب الأهالي تذهب في الاتجاهين، الدولة والأحزاب؛ إذ لا يهم الناس من هي الجهة التي ستقوم بالتعويض»، ويتابع: «الدولة لا تزال غائبة هناك، ولكنها تقوم ببعض التقدم على مستوى الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه».

ويلفت مزرعاني إلى أمر آخر يسعى المحتجون إلى تحقيقه، وهو تحسين واقع النازحين من هذه القرى، الذين يواجهون أزمة حقيقية، بعد أن فقدوا ما لديهم من رزق ومال ومصالح، وباتوا غير قادرين على دفع كلفة معيشتهم الأساسية؛ كدفع بدل إيجارات المنازل التي نزحوا إليها، وكلفة الطبابة، وغيرهما من الأمور.

من هنا، يؤكد مزرعاني أن بعض أبناء هذه القرى يعلمون بصعوبة تحصيلهم تعويضات إعادة الإعمار، لكنهم يطالبون الأحزاب الفاعلة في المنطقة والدولة اللبنانية بالوقوف إلى جانبهم وتحسين واقعهم، ويضيف: «منذ تأسيس التجمع، قبل نحو ستة أشهر، لمسنا تأثيره الحقيقي، ولكننا حتّى اليوم لم نرَ أي قرارات فعلية على الأرض».

القرى شبه متروكة

وكانت «كتلة التنمية والتحرير» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، استضافت، في الشهر الماضي، لقاءً تنسيقياً في «مجمع نبيه بري الثقافي» في المصيلح، لوضع استراتيجية لإعادة الإعمار، بحضور وزراء وممثلين عن جهات رسمية وأهلية، وتمت مناقشة الواقع الميداني.

ولا يزال الجنوبيون ينتظرون موافقة البرلمان اللبناني على قرض البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لإعادة إعمار البنى التحتية التي تضررت جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتعثر إقراره إثر مقاطعة قوى سياسية، بينها «القوات اللبنانية» و«قوى التغيير»، لجلسات البرلمان؛ بسبب الخلاف على قانون الانتخابات.

لبنانيون يراقبون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي علي الأمين، إن بروز مثل هذه التحركات «أمر طبيعي؛ لأن هذه القرى شبه متروكة»، ويتابع: «تأتي هذه الاحتجاجات في وجه من أدار ظهره للناس، وفي ذهنهم أن مواقفه أي (حزب الله)، تسهم في إغلاق الأفق أمام أي إمكانية للمعالجة»، على اعتبار أن مسألة حصرية السلاح هي شرط أساسي من أجل تمكين لبنان من إعادة الإعمار.

وتأتي أيضاً في سياق الضغط على الدولة اللبنانية التي «هي إلى حد كبير عاجزة»، وفق ما يقول الأمين، والذي يرى أن «الموقف الإسرائيلي الذي يمنع أي محاولة لإعادة الإعمار، والحديث عن تحويل هذه القرى إلى منطقة عازلة وغير قابلة للعيش وتحت سيطرة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة، كل هذا الوضع القائم يثبت أن لا إعادة إعمار في الوقت الراهن».

عقدة سياسية دولية

ويرى الأمين أن هناك أهمية كبيرة لمثل هذه التحركات؛ إذ «رغم كل ما سبق، ورغم القبضة الأمنية الممارسة من قبل (حزب الله) على الناس، والكلفة العالية التي قد يدفع ثمنها أبناء القرى المحتجين، مثل التهديد بعدم دفع التعويضات مستقبلاً، والذي قد يكون الباب الوحيد لهم، فإنهم يرفعون الصوت عالياً».

مع العلم أن منازل وأرزاق سكان هذه المناطق مدمرة بالكامل، على عكس المناطق الأخرى التي تضررت فيها المنازل والمصالح بشكل جزئي أو كامل.

ويضيف الأمين: «هناك عقدة سياسية إقليمية دولية، والناس على دراية بأن مطالبهم ليست سهلة التحقيق في ظل الظروف الراهنة، إلا أنهم يرفعون الصوت، وهذا أضعف الإيمان؛ للتعبير عن وجعهم مما أصابهم»، وبأن «تراكم الاحتجاجات سيساعد حتماً باتجاه تحريك ومعالجة هذا الملف في المستقبل».