إرباك إداري بانتخابات طرابلس في شمال لبنان يخرج المحتجين إلى الشوارع

الحكومة تطمئن... وناشطون يدعون إلى إعادة الاقتراع

محتجون أمام قصر العدل في طرابلس ليل الاثنين يطالبون بالإسراع في إعلان نتائج الانتخابات (الوكالة الوطنية)
محتجون أمام قصر العدل في طرابلس ليل الاثنين يطالبون بالإسراع في إعلان نتائج الانتخابات (الوكالة الوطنية)
TT

إرباك إداري بانتخابات طرابلس في شمال لبنان يخرج المحتجين إلى الشوارع

محتجون أمام قصر العدل في طرابلس ليل الاثنين يطالبون بالإسراع في إعلان نتائج الانتخابات (الوكالة الوطنية)
محتجون أمام قصر العدل في طرابلس ليل الاثنين يطالبون بالإسراع في إعلان نتائج الانتخابات (الوكالة الوطنية)

تحوَّلت مدينة طرابلس في شمال لبنان، إلى مركز مواجهة سياسية وإدارية نادرة، بعدما تأخر إصدار نتائج الانتخابات البلدية فيها، التي أُجريت الأحد الماضي، وسط آمال شعبية بأن تستعيد المدينة دورها البلدي. لكنَّ هذه الآمال سرعان ما اصطدمت بسلسلة عثرات تنظيمية وتجاوزات إدارية، وبينما كان المواطنون ينتظرون صدور النتائج، تأخرت هذه الأخيرة لأيام، ما أثار جدلاً محتدماً بلغ حد المطالبة بإعادة الانتخابات من جديد.

وشهدت مراكز الاقتراع إقبالاً متفاوتاً، غير أن العملية برمتها سرعان ما تحوَّلت إلى ساحة سجال سياسي، بعدما ارتفعت الاتهامات بالتزوير، والتعطيل المتعمد، والتدخل الإداري. وشهدت المدينة ليلاً متوتراً إثر تصعيد لافت في الأوضاع الأمنية، حيث سُمع إطلاق نار متفرق في عدد من أحياء المدينة، بالتزامن مع ازدياد أعداد المحتجين أمام قصر العدل وسرايا طرابلس؛ احتجاجاً على تأخر صدور نتائج الانتخابات البلدية، وتوقف عمل لجان القيد الابتدائية والعليا المعنية بفرز الأصوات.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، بأنَّ التحركات الشعبية أدت إلى إقفال عدد من الطرق، منتصف ليل الاثنين، أبرزها مسارب ساحة النور والشوارع المحيطة بها؛ ما تسبب بحال من الشلل المؤقت في حركة السير، وعلى الفور، تدخَّل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، واستُقدمت تعزيزات كبيرة إلى المدينة؛ بهدف ملاحقة مطلقي النار، وإعادة فرض الأمن، ومنع أي انفلات قد يهدِّد السلامة العامة، ما استدعى وصول وزيرَي الداخلية والبلدية أحمد الحجار، والعدل عادل نصار، إلى قصر العدل على عجل؛ لمواكبة عملية الفرز والاطلاع على المعوقات التي تعترض تأخيرها والعمل على تذليلها.

رئيس الحكومة نواف سلام ونائبه طارق متري ووزير الداخلية أحمد الحجار يشرفون على انطلاق فرز الأصوات... الأحد (وزارة الداخلية)

وتدخَّلت الحكومة لتطويق موجة الاعتراض، وأعلن رئيسها نواف سلام أنه يواكب من كثب الوضع في طرابلس، وشدَّد على ضمان نزاهة العملية الانتخابية، ومنع حصول أي مخالفة، داعياً المتظاهرين إلى ضبط النفس، والثقة بأن الحكومة لن تتهاون مع أي عملية تلاعب أو تزوير. وأشار، مساء الاثنين، إلى أن وزير الداخلية أحمد الحجار موجود في طرابلس ويشرف على شفافية إصدار النتائج.

«طوارئ حكومية» غير معلنة

ووصل وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، مساء الاثنين، إلى قصر العدل في طرابلس، يرافقه وزير العدل، القاضي عادل نصار، في مشهد أقرب إلى «إعلان طوارئ سياسية» منه إلى جولة تفقدية روتينية. وجاءت الزيارة بعدما خرج محتجون إلى الشارع؛ اعتراضاً على تأخر النتائج وتداول معلومات عن إخفاء صناديق، أو التلاعب بمحاضر الفرز.

وأكد الحجار، من قصر العدل، أنّ «العملية تتم تحت إشراف كامل من القوى الأمنية، وبمشاركة مندوبي المرشحين»، مضيفاً أن «لا نتائج رسمية قبل انتهاء أعمال الفرز لدى لجان القيد الابتدائية والعليا، وهما الجهتان الوحيدتان المخولتان بإصدار النتائج». وشدَّد على أن «أي إعلان جزئي لا يُعتدُّ به قانوناً، وأي اعتراض يجب أن يسلك المسار القانوني أمام مجلس شورى الدولة».

وزيرا العدل والداخلية اللبنانيان في قصر العدل بطرابلس يواكبان إصدار النتائج (الوكالة الوطنية)

وفي تصريح جديد أدلى به، الثلاثاء، من قصر العدل أيضاً، بعدما شهدت المدينة هدوءاً، أكّد وزير الداخلية أنّ عملية فرز الأصوات في الانتخابات البلدية والاختيارية لا شكّ فيها، وأن النتائج موثوقة. وأوضح أن «لجان القيد تقوم بعملية فرز دقيقة، وقد حصل بعض الملاحظات، وتبيَّن لنا أن اللجان كانت تنظر لكل الملاحظات؛ لإعادة احتساب الأصوات في حال حصول خلل»، مشدداً على أن «الفرز يتم على 3 مراحل، ما يؤكد نزاهة وشفافية العملية».

ورغم تطمينات الوزير، فإن الاحتجاجات تواصلت، وبدأت الأسئلة تتصاعد حول أسباب التأخير. وفي حين تحدَّثت تقارير إعلامية عن منع بعض الصحافيين من دخول لجان القيد رغم امتلاكهم تصاريح رسمية، أرجع الحجار ذلك إلى «تقدير القضاء»، بينما شدَّد الوزير نصار من جانبه على أن «نجاح العملية الديمقراطية هو حجر أساس لاستعادة دور الدولة».

مطالبات بإعادة الانتخابات

وبينما تابعت رئاسة الحكومة تحركاتها بعيداً عن الأضواء، فأوعزت إلى أجهزة رقابية بالتدخل في الأقلام التي سجَّلت خروقات، طالبت «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي)» بإعادة الانتخابات في طرابلس بالكامل، وذلك بعد رصدها سلسلة من المخالفات الميدانية «الجسيمة». واتهمت الجمعية مسؤولين إداريين بمنع إصدار تصاريح لمندوبي بعض اللوائح المتنافسة، الأمر الذي حال دون مراقبة عملية الفرز، ونسف مبدأ تكافؤ الفرص.

وعدَّت «لادي» أن «التأخير في إعلان النتائج مردّه سوء تدريب رؤساء الأقلام، وغياب الجهوزية الإدارية، وصولاً إلى فوضى الفرز وتناقض المحاضر»، ما أدى إلى «فقدان ثقة المواطنين في العملية برمتها».

وشدَّدت الجمعية على أن «إعادة الانتخابات وحدها لا تكفي، ما لم تترافق مع إجراءات صارمة بحق المقصرين، وتدريب شامل للعاملين في العملية الانتخابية، وإرساء قواعد شفافة تُبعد السياسة عن الإدارة الانتخابية».


مقالات ذات صلة

خبراء يستبعدون مساندة «حزب الله» لإيران

المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يستقبل وفداً نيابياً من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد (رئاسة الحكومة)

خبراء يستبعدون مساندة «حزب الله» لإيران

يجمع متابعون لمواقف «حزب الله»، بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، على أن الحزب سيكتفي بالإدانة الشفهية، ولن يحاول جرّ لبنان إلى حرب جديدة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي مسافرون ينتظرون في مطار بيروت بعد تأخير رحلاتهم إثر الهجوم الإسرائيلي على إيران 13 يونيو 2025 (إ.ب.أ)

الهجوم الإسرائيلي على إيران يُربك لبنان

أرخت الضربات الإسرائيلية على إيران بثقلها على الوضع اللبناني، وخلقت حالة إرباك واسعة في المطار، كما انعكست سلباً على مؤسسات مدنية في مناطق نفوذ «حزب الله».

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون مترئساً جلسة الحكومة (رئاسة الجمهورية)

قرار لبناني حاسم بتحييد البلاد... وعلى «حزب الله» الالتزام

أجمعت مواقف المسؤولين اللبنانيين على إدانة الضربات الإسرائيلية لإيران في وقت نشطت فيه الاتصالات على أكثر من مستوى لتحييد لبنان وتجنيبه أي تداعيات سلبية.

كارولين عاكوم (بيروت)
العالم العربي فرق الإنقاذ تزيل الأنقاض أمام مبنى استهدفه هجوم إسرائيلي في العاصمة الإيرانية (أ.ف.ب) play-circle

«يعرقل جهود خفض التصعيد»... إدانات عربية وإسلامية لـ«العدوان» الإسرائيلي على إيران

ندَّدت دول عربية عدة، بينها السعودية والإمارات وعمان ومصر، بالضربات الإسرائيلية التي طالت، الجمعة، أماكن مختلفة من إيران.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نار ودخان يتصاعدان عقب غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت 5 يونيو (حزيران) 2025 (أ.ب)

قتيل في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان

قالت وزارة الصحة اللبنانية إن غارة شنتها طائرة مسيّرة إسرائيلية على دراجة نارية في بلدة النبطية الفوقا أدت إلى سقوط قتيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

خبراء يستبعدون مساندة «حزب الله» لإيران

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يستقبل وفداً نيابياً من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يستقبل وفداً نيابياً من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد (رئاسة الحكومة)
TT

خبراء يستبعدون مساندة «حزب الله» لإيران

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يستقبل وفداً نيابياً من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يستقبل وفداً نيابياً من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد (رئاسة الحكومة)

يجمع متابعون لمواقف «حزب الله»، بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، على أن الحزب سيكتفي بالإدانة الشفهية، ولن يحاول جرّ لبنان إلى حرب جديدة، وذلك لسببين رئيسيين؛ الأول تراجع قدراته العسكرية إلى حدودها الدنيا بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وخسارته أبرز قادته، والثاني القرار اللبناني الرسمي الحاسم بوجوب تحييد لبنان عن هذا الصراع، ورفض كل مكونات الشعب اللبناني أي تدخل، ومن ضمنها بيئة الحزب المنهكة، التي لم يتم حتى الآن إعمار منازلها وقراها المدمرة.

وبانتظار ما سيكون عليه الوضع في الأيام المقبلة، تبقى الخشية من قرار يتخذه الحزب بالانجرار إلى الحرب، أو تجبره إيران على اتخاذه، بحسب الخبراء الذين يؤكدون أنه سيكون «قراراً انتحارياً».

ويعدّ رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري» (أنيجما)، رياض قهوجي، أن «(حزب الله) هو الذي يملك القرار، وإذا أراد نجدة إيران، فهذا القرار سيكون عبثياً بعدما خسر كثيراً من قدراته، ولم يعد يملك قوة عسكرية مباشرة على الحدود مع إسرائيل، إذ جلّ ما يملكه من الأسلحة هو مسيرات، وبضعة صواريخ بعيدة المدى، لن تُحدث أي فرق في مسار هذه المواجهة بين إيران وإسرائيل».

ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الدخول في هذه المواجهة العبثية سيكون قراراً انتحارياً أيضاً، لأنه سيؤدي إلى استئناف إسرائيل حربها على لبنان، مع إمكانية كبيرة لاحتلال مساحات أكبر من الجنوب، وحتمية تدمير هائل يطول أيضاً بنية تحتية في لبنان»، ويعدّ أن «الرأي العام اللبناني بكامل أطيافه سيحاسبه عند ذلك، مع ما يعنيه ذلك من عواقب وخيمة». ويرجح قهوجي أن يبقى ردّ الحزب في إطار «الكلام والخطابات والإدانات، مقابل موقف حازم من قبل الحكومة اللبنانية».

الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (رويترز)

الخشية من فرق متفلتة

من جهته، يرى أستاذ القانون والسياسات الخارجية في باريس، الدكتور محيي الدين الشحيمي، أن «هذه الحرب تضع المنطقة كلها في الهاوية، وليست على حافتها»، لافتاً إلى أن «لبنان يشكل جزءاً من هذه المنطقة الساخنة، وهو حلقتها الأضعف بحيث عليه أن يسرّع مقاليد خطوات حصرية السلاح».

وقدّر أنه على لبنان اليوم القيام بأمرين أساسيين؛ الأول «الاصطفاف تحت المظلة العربية، والانطواء مع حزمة مقرراتها وتدابيرها، ولا سيما أنه لا يزال في حالة حرب، ويتعرض للاعتداءات الإسرائيلية». والأمر الثاني يتمثل في «امتحان للدولة والعهد الجديد على قدرة الاحتفاظ بقراري الحرب والسلم داخل المؤسسات الدستورية في مجلس الوزراء، والضغط على الحزب لعدم التهور في معركة إسناد جديدة، ولو كان عاجزاً وغير قادر عليها».

وقال الشحيمي لـ«الشرق الأوسط» إن «التخوف من الحزب بعد مرحلة أمينه العام السابق، حسن نصر الله، فهو مختلف عما قبله، ومنقسم إلى فرق مختلفة، وأحياناً مختلفة في مقاربة القرارات»، لذا يلفت إلى أن هناك «خشية من احتمال تفلت إحدى هذه الفرق بمجموعة متحمسة تجرّ البلد إلى ويلات جديدة».

وشدّد على أن «الأمر يقع على عاتق الدولة، الممثلة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في حصر كل القرارات بيدها، والضغط على الحزب لمنعه من جرّ لبنان مجدداً إلى مخاطر جديدة».

أما العميد المتقاعد حسن جوني فيستبعد هو أيضاً أن يكون هناك تحرك للحزب من الأراضي اللبنانية، معتبراً أن «قدراته لا تسمح له بذلك، كما أن الدولة اللبنانية ملتزمة بقرار وقف النار، وبالقرار 1701، اللذين يمنعان أي عملية عسكرية باتجاه إسرائيل. وبالتالي، فإن الدولة أمام تحدي الالتزام بالاتفاق وتطبيقه». وأضاف جوني لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «وضع الحزب في حال قرر إقحام نفسه في هذه الحرب سيكون صعباً على مستوى المعادلة الداخلية وعلى مستوى بيئته، لذلك نستبعد تدخلاً كهذا».