الحكومة اللبنانية تبحث عن مقر خاص لجلساتها

تطبيقاً للدستور وبهدف «استقلالية» قرارات مجلس الوزراء

جلسة الحكومة اللبنانية منعقدة في القصر الجمهوري (الرئاسة اللبنانية)
جلسة الحكومة اللبنانية منعقدة في القصر الجمهوري (الرئاسة اللبنانية)
TT
20

الحكومة اللبنانية تبحث عن مقر خاص لجلساتها

جلسة الحكومة اللبنانية منعقدة في القصر الجمهوري (الرئاسة اللبنانية)
جلسة الحكومة اللبنانية منعقدة في القصر الجمهوري (الرئاسة اللبنانية)

بعد نحو 20 عاماً على العرف الذي قضى بعقد جلسات مجلس الوزراء بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي، عاد الحديث عن ضرورة تنفيذ الدستور و«اتفاق الطائف» (وثيقة الوفاق الوطني)، اللذين ينصان على أن «يجتمع مجلس الوزراء دورياً في مقر خاص».

وكان رئيس الحكومة نواف سلام قد أعلن بداية مارس (آذار) أن جلسات الحكومة ستُنقل إلى المقر الذي كان معتمداً سابقاً في منطقة المتحف، لكن الضرورات الأمنية، وربما السياسية، حالت دون التنفيذ حتى الآن، ولا يزال البحث جارياً عن مقر آخر.

وفي حين طُرحت علامات استفهام حول إعلان سلام الذي لم يلقَ طريقه إلى التنفيذ حتى الآن، مع المعلومات التي أشارت إلى عدم حماسة من رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي ينص الدستور على حقه بترؤس جلسات الحكومة، ولا سيما أن العرف المستمر منذ عشرين عاماً قضى بعقد جلسات الحكومة مداورة بين السراي والقصر الجمهوري، أو أن تعقد الجلسات التي يحمل جدول أعمالها بنوداً مهمة في قصر بعبدا والجلسات العادية في السراي الحكومي. لكنّ كلاً من وزير الإعلام بول مرقص ومصادر رئاسة الجمهورية ينفيان أي تباين أو خلاف بين عون وسلام حول هذا الأمر ويؤكدان الاتفاق بينهما على الانتقال إلى مقر ثالث.

ويقول مرقص لـ«الشرق الأوسط» إن المادة 65 من الدستور تنص على عقد جلسات الحكومة في مقرّ خاص، والسبب هو ضمان استقلالية مجلس الوزراء، وهذا الأمر لا يحتاج إلى قانون بل فقط تقرير مكان لا يسبب ازدحاماً مرورياً على غرار المقر في منطقة المتحف، ولا يزال البحث مستمراً عن مقر مناسب من كل الجهات».

وبدورها، تؤكد مصادر الرئاسة، لـ«الشرق الأوسط»، حرص رئيس الجمهورية على تنفيذ الدستور، مشيرة إلى أن إعلان سلام عن اعتماد مقرّ ثالث كان بالاتفاق مع عون، لكن الأسباب الأمنية حالت دون تنفيذ هذا الأمر، وبدأ البحث عن مقر آخر، علماً أن معظم جلسات الحكومة منذ بدء عهد الرئيس عون وحكومة سلام عقدت في القصر الجمهوري، باستثناء الجلستين الأخيرتين اللتين عقدتا في السراي.

وأوضحت المصادر أن رئيس الحكومة حين أعلن عن التوجه لعقد جلسات الحكومة في «المتحف» كان قد اتفق على ذلك مع رئيس الجمهورية، لكن وبعدما قامت الأجهزة الأمنية باستطلاع المنطقة، أشارت في تقريرها إلى أن عقد الجلسات في هذا المقر الذي يقع في منطقة باتت مكتظة، مع ما يتطلبه من إجراءات أمنية وإقفال طرق، سيسبب إزعاجاً للمواطنين وزحمة سير في المنطقة، إضافة إلى عدم وجود موقف للسيارات بعدما تم تشييد مبنى في الموقف القديم. وبناء على ذلك، اُتخذ قرار بالبحث عن مقر آخر يتمتع بمواصفات مريحة أمنية للمشاركين في الجلسة والمواطنين على حد سواء، من هنا تقول المصادر «سيتم البحث عن مقر آخر، وفي النهاية يكون القرار سياسي باتخاذ القرار بشأنه».

وفي هذا الإطار يؤكد الوزير السابق بطرس حرب، على أهمية تطبيق الدستور في كل الأمور، مشدداً على أن طرح هذا الموضوع خطوة جيدة وإشارة إيجابية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن عقد جلسات الحكومة في مقر خاص، قد يكون غير مهم بالشكل لكن من ناحية المضمون فهو مهم وله بعده الدستوري، بحيث يجعل مجلس الوزراء هيئة مستقلة قائمة بذاتها وصلاحيات السلطة التنفيذية ليست لدى رئيس الحكومة ولا عند رئيس الجمهورية إنما عند مجلس الوزراء.

وكان رئيس الحكومة الراحل سليم الحص أول الذين دفعوا باتجاه عقد جلسات مجلس الوزراء في مقر خاص، وذلك في عهد رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود، ووقع الخيار عندها على مقر رئاسة الجامعة اللبنانية في منطقة المتحف، الواقعة في المنطقة الفاصلة بين «شطري بيروت الشرقي والغربي»، وفق ما كان معروفاً خلال الحرب الأهلية.

ومنذ ذلك الحين عقدت جلسات مجلس الوزراء في المقر الجديد، واستمرت كذلك حتى عام 2005 بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وبدء موجة الاغتيالات، ومع بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 وانكشاف المقر أمنياً بحيث بات هناك خوف من استهدافه بالطيران الإسرائيلي، تقرّر حينها الانتقال إلى مقر المجلس الاقتصادي - الاجتماعي في وسط بيروت، وبعد ذلك ومع الخلافات السياسية التي أدت إلى اعتصام في وسط بيروت بين عامي 2007 و2008 من قِبَل ما عرف حينها بـ«قوى 8 آذار»، أي فريق «حزب الله» وحلفائه، عمد حينها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة إلى عقد جلسات الحكومة في السراي الحكومي. ومع بداية عهد الرئيس ميشال سليمان في شهر مايو (أيار) 2008، تم الاتفاق على عقد جلسات الحكومة مداورة، بشكل أسبوعي، بين القصر الجمهوري السراي الحكومي، وهو العرف الذي بقي عليه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون.

مع العلم أنه عام 2012 تم الحديث عن خطة لإعادة تأهيل مقر المتحف لعودة مجلس الوزراء إليه، وقال حينها وزير الدفاع، سمير مقبل، إنه سيتم العمل على إعادة تأهيل المقر وجعله ملائماً للاجتماع فيه، معلناً أن الخرائط الخاصة به جاهزة، لكن لم يتم اتخاذ أي خطوة عملية في هذا الاتجاه.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي ناخبات أمام قلم اقتراع للتصويت في الانتخابات البلدية عام 2016 (أرشيفية - أ.ف.ب)

القوى السياسية اللبنانية ترفض تأجيل الانتخابات البلدية

لا يبدو أن معظم القوى السياسية اللبنانية ستسير باقتراح القانون الذي تقدم به النائبان وضاح الصادق ومارك ضو، لتأجيل تقني للانتخابات البلدية لـ5 أشهر.

بولا أسطيح (بيروت)
الخليج نائب أمير منطقة مكة المكرمة مستقبلاً رئيس الوزراء اللبناني لدى وصوله إلى جدة (واس)

رئيس الوزراء اللبناني يصل جدة

وصل إلى جدة، فجر الأحد، رئيس الوزراء اللبناني الدكتور نواف سلام.

«الشرق الأوسط» (جدة)
المشرق العربي قائد الجيش العماد رودولف هيكل في ثكنة بنوا بركات في صور (قيادة الجيش)

قائد الجيش اللبناني يتفقد الحدود: إسرائيل عائق وحيد أمام انتشارنا

أكد قائد الجيش العماد رودولف هيكل على الالتزام بتنفيذ القرار 1701 عادّاً عمليات إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية تخدم إسرائيل

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية (من اليسار) رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوناكيس والرئيس اللبناني جوزيف عون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس في الإليزيه الجمعة (أ.ب)

«قمة باريس» تعطي الشرع تعهداً مشروطاً بدعم مطلب رفع العقوبات

الشرع حصل من القمة الخماسية في باريس على تعهد مشروط بدعم مطلب رفع العقوبات عن سوريا، وفرنسا تعرض مساعدتها لترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا.

ميشال أبونجم (باريس)

هلال العيد يتسبب بأول خلاف سني - سني في العراق منذ قرون

من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)
من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)
TT
20

هلال العيد يتسبب بأول خلاف سني - سني في العراق منذ قرون

من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)
من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)

نشب خلاف فقهي بين علماء أهل السنة في العراق، للمرة الأولى، بشأن تحديد هلال شوال وعيد الفطر المبارك، بين أن يكون يوم الأحد هو أول أيام العيد مثلما أُعلن في المملكة العربية السعودية وعدد كبير من الدول الإسلامية، أو أن يكون الأحد متمماً لشهر رمضان ويكون العيد يوم الاثنين.

هذا الخلاف النادر لم يحدث منذ قرون في العراق، بصرف النظر عن أنظمة الحكم التي توالت عليه، من العثمانية والملكية إلى الجمهورية. ففي الغالب الأعم، ومنذ النظام الملكي (1921 - 1958) والنظام الجمهوري (1958 حتى اليوم )، فإن المرجعيات السنية في العراق لا سيما الحنفية والشافعية، توحد مواقفها حيال تحديد شهر رمضان وعيد الأضحى بناءً على ما يصدر عن المملكة العربية السعودية، بينما يعتمد شيعة العراق على ما يصدر من مراجعهم الدينية.

جانب من المصلين خلال أول أيام العيد في كردستان (د.ب.أ)
جانب من المصلين خلال أول أيام العيد في كردستان (د.ب.أ)

وتقليدياً وعبر كل العقود الماضية، فإن الاختلاف في تحديد الرؤية بين السنة والشيعة، يتمثل في تأخير يوم واحد عند الشيعة، خصوصاً على صعيد عيد الفطر، بسبب الخلاف حول الرؤية الشرعية.

لكن هذا العام، وبينما كان أهل السنة ينتظرون ما يصدر عن كبريات المرجعيات السنية في العالم الإسلامي لتصدر بعدها البيانات المؤيدة سواء عبر المؤسسة الرسمية ممثلةً في «ديوان الوقف السني»، الذي هو دائرة حكومية بدرجة وزارة، أو «المجمع الفقهي العراقي» الذي يتخذ من «جامع أبي حنيفة» مقراً له، فضلاً عن مرجعيات أخرى منها «هيئة علماء المسلمين»... فإن الأمر هذه المرة لم يكن كذلك.

صبيحة يوم العيد في داهوك بكردستان (د.ب.أ)
صبيحة يوم العيد في داهوك بكردستان (د.ب.أ)

وحسب التقاليد الشعبية العراقية، فإن المصلين السُّنة في أول أيام العيد، يهرعون إلى محلات بيع «القيمر والكاهي» وهي إحدى الأكلات العراقية الشعبية وقت الفطور، لتكون هي المائدة الصباحية الأولى بعد شهر من الصيام... وطبقاً للتقليد السائد بشأن تحديد العيد عند السُّنة والشيعة، فإن الشيعة يتأخرون في العادة يوماً واحداً عن السُّنة لإعلان العيد طبقاً لمراجعهم... والطرفة السائدة دائماً بين الطرفين، رغم الاختلافات الفقهية، أن السُّنة سوف يتناولون الكاهي والقيمر في أول يوم العيد بينما لا يتبقى منه إلا القليل في اليوم التالي، وهو ما يعني ومن باب المزاح بين أبناء الطائفتين، أن الشيعة سيكونون مظلومين، لأنهم لن يحظوا لا بالكمية ولا بالنوعية المناسبة، من القيمر والكاهي.

عراقيات يتبضعن قبل العيد في إحدى أسواق بغداد (أ.ب)
عراقيات يتبضعن قبل العيد في إحدى أسواق بغداد (أ.ب)

وطبقاً للمعلومات التي ترشحت من الأوساط العلمية لدى أهل السُّنة، فإن الارتباك الذي حصل عندهم، تمثَّل في أن الكرد أعلنوا عبر دائرة الأوقاف لديهم، أن يوم الأحد هو أول أيام عيد الفطر المبارك، وهو ما جعلهم يتوجهون إلى المساجد لأداء صلاة العيد، بينما انقسم العرب السُّنة في بغداد وباقي مناطق البلاد، بعد أن أصدر «ديوان الوقف السُّني» بياناً ثم تراجع عنه، مما أدى إلى خلاف داخل المرجعيات السُّنية «الحنفية والشافعية».

وفي الوقت الذي بقي الشيعة ينتظرون ما يصدر عن مرجعيتهم في النجف، لا سيما مرجعية السيستاني، رغم أن مرجعاً شيعياً مقيماً في إيران هو كمال الحيدري، أعلن أن الأحد هو أول أيام العيد، فإن سُنة العراق انقسموا إلى ثلاثة أقسام: الأول إقليم كردستان الذي أعلن الأحد عيداً، وأهالي بغداد الذين انقسموا بين ما صدر عن «الوقف السُّني» باعتبار الأحد مكملاً لرمضان والعيد الاثنين، وبين من اعتمد ما صدر عن المرجعيات في العالم الإسلامي وبالذات المملكة العربية السعودية.

وطبقاً للمعلومات، فإنه وطوال ساعات الليل، حاول عدد من المراجع الدينية السنية، وجهات سياسية سنية، حسم الأمر باتجاه توحيد الموقف السني، لكن من دون جدوى، الأمر الذي انعكس على أداء الصلاة في الجوامع والمساجد السُّنية.

من إحياء ليلة القدر بباحة مسجد «عبد القادر الجيلاني» في بغداد (أ.ف.ب)
من إحياء ليلة القدر بباحة مسجد «عبد القادر الجيلاني» في بغداد (أ.ف.ب)

غير أن التطور اللافت على صعيد هذا الخلاف السني - السني النادر، هو ما حصل من إرباك وارتباك وتبادل حاد للاتهامات بين الكثير من النواب السُّنة في البرلمان و«ديوان الوقف السُّني»، فضلاً عن خلافات حادة بشأن طريقة أداء الصلاة، داخل المساجد... ونظراً إلى هذه الخلافات، اتخذ «ديوان الوقف» قراراً بإغلاق المساجد في بغداد وعدد من المحافظات ذات الغالبية السنية، الأمر الذي أدى إلى قيام عشرات آلاف المصلين بتأدية صلاة العيد في الشوارع، وأمام المساجد، وفي المقبرة الملكية في مدينة الأعظمية في بغداد.