هل تدفع التحولات الإقليمية شيعة العراق إلى إحياء فكرة الأقاليم؟

مسؤولون وقادة أحزاب عراقية خلال حفل (أرشيفية - إكس)
مسؤولون وقادة أحزاب عراقية خلال حفل (أرشيفية - إكس)
TT
20

هل تدفع التحولات الإقليمية شيعة العراق إلى إحياء فكرة الأقاليم؟

مسؤولون وقادة أحزاب عراقية خلال حفل (أرشيفية - إكس)
مسؤولون وقادة أحزاب عراقية خلال حفل (أرشيفية - إكس)

حتى قبل بضعة أشهر ماضية، كان الحديث عن قصة الأقاليم غير وارد في فضاء الأحزاب والفصائل الشيعية، وبل وكانت تلك الجماعات توجه سيلاً من الاتهامات بـ«الخيانة والسعي إلى التقسيم» للأصوات التي تطالب بإنشاء إقليمها الخاص، وغالباً ما كانت تلك المطالبات تصدر عن الشخصيات والأحزاب السنية، التي تتهم شيعة السلطة في التمديد واحتكار السلطة على حساب بقية المكونات القومية والإثنية العراقية.

وتردد أن أحد أسباب إقالة رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي، من منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 كان سعيه إلى تشكيل إقليمه السني الخاص الذي يضم محافظات (الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين).

وحتى مع إقرار المادة 119 من دستور البلاد الدائم بحق محافظة واحدة أو أكثر بتشكيل دستورها الخاص، كانت المطالبات بذلك تعامل بوصفها «مشبوهة» حتى داخل المكون الشيعي.

إن رفض فكرة إنشاء الأقاليم الدستورية تجاوزت فضاء القوى الشيعية لتمتد إلى أكبر جهة قضائية في البلاد، حيث رفض رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان (شيعي) منتصف فبراير (شباط) 2024، الفكرة وكذلك رفض مقارنتها بواقع إنشاء إقليم كردستان بعد عام 2003، بذريعة أن «الظروف تغيرت»، وقال زيدان وقتذاك، إن «فكرة إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة في العراق مرفوضة لأنها تهدد وحدة العراق وأمنه».

اليوم تغير الوضع، وباتت شخصيات نافذة في القوى الشيعية وفصائلها المسلحة تتحدث علناً عن إمكانية ضم 9 محافظات في وسط البلاد وجنوبها لتشكيل إقليمها الخاص.

ولمح رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي إلى فكرة الإقليم، مستنداً بذلك على أن معظم ثروات البلاد النفطية تتركز في محافظاتها الجنوبية، وتالياً فإن الأذى سيلحق بقية المحافظات غير النفطية في حال تقسيم البلاد إلى فيدراليات، لكنه عاد ونفى أن ذلك يمثل دعوة لإقامة إقليم شيعي.

لكن النائب حسين مؤنس، العضو في «كتائب حزب الله» كان أكثر وضوحاً في هذا الاتجاه، حين قال في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إن «الوضع الشيعي في البلاد حتى الآن متمسك بموضوعة الحاكمية (رئاسة الحكومة)». وأضاف: «في تشكيل كل حكومة يتعرض المكون الشيعي إلى الابتزاز لتثبيت الشخصية الفلانية في منصب رئاسة الوزراء... المعادلة السياسية يُفترض أن تصاغ بصيغة أخرى، حيث تُعطى الشيعة خيارات غير الحاكمية، وهي أن يتم تخيير الشيعة بين الفيدرالية والاستقلال الشيعي وأخذ تسع محافظات، وبين الحاكمية».

أنصار نوري المالكي يرفعون صورته خلال مظاهرة قرب المنطقة الخضراء في بغداد 12 أغسطس 2022 (إ.ب.أ)
أنصار نوري المالكي يرفعون صورته خلال مظاهرة قرب المنطقة الخضراء في بغداد 12 أغسطس 2022 (إ.ب.أ)

الدعوات الجديدة واجهت موجة انتقادات غير قليلة على المستويين الشيعي والسني، فالأخير رأى فيها انقلاباً على تمسك القوى الشيعية بموقفها الرافض لفكرة الأقاليم، رغم أن ذات القوى هي من أصرت على تثبت فقرة الأقاليم في دستور البلاد الذي أُقر عام 2005، فيما يعتقد طيف واسع من الشيعة أن طرح الفكرة على مستوى القوى الشيعية مرتبط بخشية تلك القوى من التحولات السياسية العميقة في المنطقة، وإمكانية أن تطاول تلك التحولات نفوذها وسلطتها في البلاد.

ويرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إبراهيم العبادي، أن الدعوة إلى تأسيس إقليم شيعي، تعود إلى عاملين، يتمثل الأول في «إخفاق الدولة في تحقيق مستوى من التنمية المتوازنة، حيث تشعر محافظات ذات أغلبية شيعية بأنها لم تحظ بتخصيصات مالية كافية ترفع كفاءة الخدمات، وتقلل مستويات الفقر، وتوفر فرص تشغيل وعمل لأفواج الخريجين والعاطلين».

ويقول العبادي لـ«الشرق الأوسط» إن السبب الثاني مرتبط بـ«ازدياد الشعور بالغبن مقارنة بما يحصل عليه إقليم كردستان، إذ إن المناطق الشيعية الجنوبية هي المورد الأكبر للموازنة بسبب ما تنتجه من نفط وغاز، لكنها لا تحصل على حصة موازية لما يحصل عليه الإقليم».

ويشير العبادي إلى أنه لاحظ مؤخراً أن نخباً شيعية كانت تدعو إلى إرساء قواعد الدولة في العراق على أساس المواطنة وليس على أساس المكونات، لكنها اليوم «بدأت تنقلب على هذا المبدأ، وصارت أكثر تقبلاً وميلاً إلى المعاملة الخاصة؛ لأنها تعتقد أن المناطق الشيعية صارت مثل البقرة الحلوب، يبدد المركز إيراداتها بترضيات سياسية، فيما لا تتوقف الأطراف الأخرى عن افتعال مزيد من الأزمات والضغط على الموازنة العامة، والتسبب بعجز كبير نتيجة ما يُنفق على الإقليم والمناطق الأخرى».

ورغم ذلك يتحمل الشيعة مسؤولية إدارة الدولة ويقدمون التضحيات من دون مقابل، لكن العبادي لا يتجاهل الأسباب المتعلقة بالتحولات والاضطرابات الإقليمية وتأثيراتها على دعوات الفدرلة الجديدة، إذ إن «التغيير الذي حصل في سوريا، وازدياد الانقسامات الطائفية، وتنامي الحس الانعزالي، أو الرغبة في هيمنة القوى المتوجسة من الصعود الشيعي السابق، في مقابل تراجع المحور الشيعي (محور المقاومة)، كل ذلك يدفع بعض القوى الشيعية إلى مراجعة حساباتها، والبناء على فكرة الكتلة الصلدة، والتمركز حول الذات في فضاء من الريبة السياسية الإقليمية والدولية».


مقالات ذات صلة

العراق لإقرار «الحشد» بصلاحيات للجيش

المشرق العربي 
تمرين عسكري لفصائل من «الحشد الشعبي» في العراق (أ.ب)

العراق لإقرار «الحشد» بصلاحيات للجيش

رغم أن مسودة قانون جديد، يعمل عليها البرلمان العراقي، تهدف إلى هيكلة «الحشد الشعبي» إدارياً، فإنها تمنح «الهيئة» صلاحيات موازية للجيش.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يدعو الجيش العراقي إلى «اليقظة»... ويتعهد بالتسليح

دعا رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، القوات المسلحة إلى البقاء في حالة الجاهزية واليقظة والحذر، فيما تعهد بمواصلة التسليح وتأهيل القواعد العسكرية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي سفينة ضبطتها البحرية العراقية للاشتباه في تهريبها نفطاً يوم 18 مارس 2025 (رويترز)

بغداد تتهم طهران بتزوير وثائق عراقية لتصدير نفطها

كشف وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، عن إبلاغ بلاده واشنطن بأن طهران تستخدم وثائق عراقية مزورة لتصدير نفطها.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي جانب من العاصمة العراقية بغداد (أرشيفية - رويترز)

العراق وأميركا يناقشان استمرار التعاون ضد الإرهاب

أكد مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، والقائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد، السفير دانيال روبنستاين، الأحد، «أهمية دور العراق المحوري بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري عبد المهدي خلال كلمة له في مؤتمر اليمن (مواقع التواصل)

تحليل إخباري ما «مضمون» زيارة عادل عبد المهدي اليمن؟

ما زال الظهور الأخير لرئيس وزراء العراق الأسبق، عادل عبد المهدي، في اليمن رفقة بعض القيادات الحوثية يثير مزيداً من التكهنات والجدل بشأن طبيعة الزيارة وأهدافها.

فاضل النشمي (بغداد)

ورشة إصلاحية في «جهاز أمن الدولة» اللبناني

مدير عام «أمن الدولة» اللواء إدغار لاوندس (إعلام أمن الدولة)
مدير عام «أمن الدولة» اللواء إدغار لاوندس (إعلام أمن الدولة)
TT
20

ورشة إصلاحية في «جهاز أمن الدولة» اللبناني

مدير عام «أمن الدولة» اللواء إدغار لاوندس (إعلام أمن الدولة)
مدير عام «أمن الدولة» اللواء إدغار لاوندس (إعلام أمن الدولة)

استعاد «جهاز أمن الدولة» اللبناني مئات العناصر الموزعين على سياسيين من رؤساء جمهورية سابقين ورؤساء أحزاب ونواب ووزراء حاليين، بالإضافة إلى قضاة وسيدات ورجال أعمال، وذلك بهدف «سدّ النقص» لديه، وتعزيز الدور الأمني للجهاز.

وعينت الحكومة اللبنانية قبل أسبوعين، اللواء إدغار لاوندس، مديراً عاماً لـ«أمن الدولة». واستهل عمله باستعادة مئات العناصر الموزعين على سياسيين وحزبيين ورجال أعمال، بالإضافة إلى عشرات السيارات التابعة للجهاز، التي وُضعت تحت تصرّف نافذين في السلطة وشخصيات مقرّبة منهم.

وأفاد أمني متابع هذه الإجراءات بأن الجهاز «تمكن حتى الآن من سحب نحو 300 عنصر للاستفادة منهم في المهام الأمنية، وأكثر من 150 سيارة وُضعت بتصرف هذه الشخصيات»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن المدير العام الجديد «منصرف الآن إلى معالجة هذا الملفّ بصمت ومن دون إحداث ضجّة».

وقال المصدر إن «العناصر الذين استعادهم الجهاز بدأوا الالتحاق بالمديرية العامة لأمن الدولة، وينتظرون تشكليهم وتوزيعهم على المراكز التابعة للجهاز، للتفرغ للعمل الأمني الذي من أجله جرى تعيينهم في (أمن الدولة)»، مشيراً إلى أن «هذا التدبير سيساعد في سدّ النقص في (العديد) الذي يعانيه الجهاز وضبط الوضع الأمني بشكل أفضل، في انتظار فتح دورات لتطويع عناصر ورتباء».

إعادة نظر في هيكلية الجهاز

التدابير المتخذة لا تقتصر على العناصر والرتباء، وفق المصدر الأمني، «بل تشمل الضبّاط بجميع الرتب، خصوصاً ممن كانوا مقرّبين من المدير العام السابق أو الذين عملوا من سياسيين ورؤساء أحزاب؛ إذ بدأت عملية تقييم أداء الضباط كافة في المرحلة الماضية، وعلى أساسها سيجري وضع كلّ منهم في الموقع المناسب»، عادّاً أن «هناك ما تُشبه إعادة نظر في وضع الجهاز أو هيكلته من جديد، وبما يتناسب مع المسؤوليات التي يتولاها كلّ ضابط، خصوصاً أصحاب الرتب العالية».

دورية لـ«أمن الدولة» توقف متهماً بسرقة دراجة نارية في عام 2023 (إعلام أمن الدولة)
دورية لـ«أمن الدولة» توقف متهماً بسرقة دراجة نارية في عام 2023 (إعلام أمن الدولة)

«وحدة حماية الشخصيات»

وعزّز جهاز أمن الدولة عديده بفتح دورة في ربيع العام الماضي، وإلحاق 254 عنصراً جديداً بصفوفه، إلّا إن مصادر مطلعة أكدت أن «أغلب متخرجي هذه الدورة أُلحقوا بـ(وحدة حماية الشخصيات) ووُزعوا على شخصيات نافذة تابعة للأطراف السياسية كافة، وليس لطرف واحد». وأشار المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي «وجه 3 مذكرات إلى (جهاز أمن الدولة) الذي يخضع مباشرة لسلطة رئيس مجلس الوزراء، طلب فيها سحب هذه العناصر، لكن رئيس الجهاز السابق لم ينفّذ طلبه، وذلك بغطاء ودعم من الرئيس ميشال عون، لا سيما أن أغلب الوزراء والسياسيين المحسوبين على ميشال عون كان لديهم عدد كبير من عناصر (أمن الدولة)، خصوصاً صهره النائب جبران باسيل الذي وضع بتصرفه ضابطاً وأكثر من 20 عنصراً».

وقال المصدر: «حتى بعد مغادرة عون القصر الجمهوري، وجه ميقاتي ما يشبه التحذير إلى (الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة) اللواء طوني صليبا، لسحب عناصر الجهاز من السياسيين، تحت طائلة تحميله مسؤولية الإجراء الذي سيُتخذ بحقّه، إلّا إن صليبا تجاهل هذه التحذير مجدداً. واشتداد التصعيد الإسرائيلي على لبنان صرف الاهتمام عن هذه الموضوع».

حملة سياسية

وعدّ مصدر مقرّب من اللواء صليبا أن «الأرقام التي يجري تداولها عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مبالغ فيها، وتأتي في سياق حملة سياسية غايتها إثارة الشكوك بشأن مسيرة اللواء صليبا على رأس الجهاز». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: إن «فزر عناصر من أمن الدولة على الشخصيات السياسية والقضاة يأتي ضمن القانون، وليس عملاً مزاجياً أو استنسابياً»، مذكراً بأن «هذه المسؤولية كانت ضمن اختصاص قوى الأمن الداخلي، لكنّها انتقلت إلى (جهاز أمن الدولة)، وشُكلت وحدة تسمّى (وحدة حماية الشخصيات)، ومن خلالها جرى فرز عناصر على رؤساء ووزراء ونواب وقضاة بما يتناسب مع القانون، ويتلاءم مع الوضعية الأمنية لكل منهم».