امتناع كامل لـ«حزب الله» عن الرد على الاغتيالات والخروقات الإسرائيلية... وتمسك بالسلاح

لهجتان في خطاب الحزب: شدّ عصب بيئته وتفادي المواجهة الداخلية والخارجية

تشييع جماعي لمقاتلين من «حزب الله» في بلدة كفركلا الحدودية مع إسرائيل بجنوب لبنان (إ.ب.أ)
تشييع جماعي لمقاتلين من «حزب الله» في بلدة كفركلا الحدودية مع إسرائيل بجنوب لبنان (إ.ب.أ)
TT

امتناع كامل لـ«حزب الله» عن الرد على الاغتيالات والخروقات الإسرائيلية... وتمسك بالسلاح

تشييع جماعي لمقاتلين من «حزب الله» في بلدة كفركلا الحدودية مع إسرائيل بجنوب لبنان (إ.ب.أ)
تشييع جماعي لمقاتلين من «حزب الله» في بلدة كفركلا الحدودية مع إسرائيل بجنوب لبنان (إ.ب.أ)

ينتهج «حزب الله» سياسة «الفصل بين الخطابين»؛ خطاب موجّه إلى الداخل وتحديداً إلى بيئته، وخطاب موجّه إلى الدولة اللبنانية ومن خلفها الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يجد طريقه إلى التنفيذ لو لم يوافق عليه الحزب بنفسه.

من هنا تعكس مواقف مسؤولي «حزب الله» ما يمكن وصفه بـ«لهجتين»؛ لهجة تصعيدية وتهديدية من جهة؛ حيث الاستمرار بالمقاومة والاحتفاظ بالسلاح، ولهجة «العودة إلى كنف الدولة» من جهة أخرى، وهو ما يظهر في خطابات أمين عام الحزب، نعيم قاسم، وما يصدر على ألسنة نواب الحزب.

إذ في حين شارك «حزب الله» في حكومة نواف سلام عبر تسمية وزراء له، وكان أول مانحي الثقة لها موافقاً على بيانها الوزاري الذي أسقط للمرة الأولى بند المقاومة وأكد حصرية السلاح بيد الدولة، لا يزال مسؤولوه يهّددون بالاستمرار بالمقاومة متحدثين عن «فرصة يمنحونها للدولة» في ظل الخروقات الإسرائيلية المستمرة في جنوب لبنان والتي تطال مخازن أسلحة وعملية اغتيال لقياديين في صفوفه.

رئيس الحكومة نواف سلام يستمع إلى شرح من الجيش في بلدة الخيام الحدودية جنوب لبنان (إ.ب.أ)

وفي آخر إطلالة تلفزيونية له، قبل أيام، قال أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم: «نعطي الدولة الفرصة في العمل السياسي لكي نثبت للعالم كله أنّ إسرائيل لا تنسحب بالسياسة بل بالمقاومة»، متوجّهاً إلى جمهور الحزب بالقول: «اطمئنوا، قيادتكم ومقاومتكم والمقاومون موجودون وقادرون على التصرف في الوقت المناسب».

وتحدث في الوقت عينه عن حصرية السلاح، قائلاً: «نحن نقول أيضاً بحصريّة السّلاح لقوى الأمن الدّاخلي والجيش لضبط الأمن في لبنان وللدّفاع، ولسنا ضد أن يكونوا مسؤولين، ونرفض منطق الميليشيات، وأن يشارك أحد الدّولة في حماية أمنها، لكننا مقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي، ونعتبر أنّ من حقّ المقاومة أن تستمر».

الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم خلال مقابلة تلفزيونية مساء الأحد (إعلام الحزب)

وأتى ذلك بعدما كان قاسم قد هدّد في 4 يناير (كانون الثاني) بالرد على الخروقات الإسرائيلية المستمرة؛ أي قبل نحو ثلاثة أسابيع من مهلة الانسحاب الأولى، (قبل أن يتم تمديدها إلى 18 فبراير «شباط»)، وقال: «لا يوجد جدول زمني يحدد ما تقوم به المقاومة، لا بالاتفاق ولا بعد انتهاء الـ60 يوماً للاتفاق، قلنا إننا نعطي فرصة لمنع الخروقات الإسرائيلية وتطبيق الاتفاق»، مضيفاً: «قيادة المقاومة هي التي تقرر متى وكيف ترد على الجيش الإسرائيلي، وصبرنا قد ينفد قبل انتهاء مهلة الـ60 يوماً».

مع العلم أنه لا يسجل حتى الآن، منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) أي رد من قبل «حزب الله» الذي قال أمينه العام في آخر مقابلة له إن الخروقات الإسرائيلية بلغت 2000 خرق في الجنوب والبقاع.

في المقابل، كان قد أكد عضو كتلة «حزب الله» النائب حسن فضل الله، قبل أسبوع، أنهم سيكونون شركاء حقيقيين وفعليين في الدولة ومؤسساتها، «ونحن أقوياء بشعبنا ووحدتنا وثباتنا وحضورنا وقوانا السياسية ووجودنا في داخل مؤسسات الدولة، وسنتجاوز هذه المرحلة الصعبة، ولن يستطيع أحد أن يمنعنا من إعادة الإعمار لقرانا وبلداتنا ومدننا، أو من الدفاع عن بلدنا، ولا من شراكتنا الفعلية في وطننا».

ويتحدث أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، عماد سلامة، عن اعتماد «حزب الله» على خطابين متناقضين لأسباب استراتيجية تتعلق بالحفاظ على موقعه السياسي والعسكري في مرحلة حساسة، حيث الظروف الإقليمية والمحلية ليست لصالحه.

ويوضح لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «يرفع الحزب سقف خطابه أمام قاعدته الشعبية، متحدثاً عن التمسك بالمقاومة والسلاح والتصدي للمؤامرات الداخلية والخارجية، عبر خطاب ضروري لشدّ العصب الداخلي، خاصة مع تزايد النقمة الشعبية ضده، وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، وتحدياته في سوريا التي أصبحت عبئاً استراتيجياً بدل أن تكون ورقة قوة»، موضحاً: «الحزب يدرك أن أي تفكك في قاعدته قد يشكل تهديداً وجودياً له في ظل تراجع الدعم الإيراني المباشر، وبالتالي، يلجأ إلى خطاب تعبوي يعزز وحدتها».

ويضيف سلامة: «في المقابل، يتبنى الحزب خطاباً مختلفاً تجاه الدولة اللبنانية، حيث يظهر انفتاحاً على المشاركة في مؤسساتها ودعمها ظاهرياً، رغم أن سياسات الدولة في كثير من الأحيان تتناقض مع مواقفه، والهدف من هذا الخطاب هو تجنب التصادم المباشر مع أي طرف داخلي أو خارجي في ظل التوازنات الحالية، حيث يسعى الحزب إلى تمرير هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة. كما يدرك أن الظروف السياسية والاقتصادية تتطلب منه إبقاء قنواته مفتوحة مع الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي لتفادي عزلة خانقة أو إجراءات قد تهدد وجوده على المدى البعيد».

من هنا، يرى سلامة أن «المعادلة التي يتبعها الحزب هي المناورة السياسية للحفاظ على نفوذه الداخلي، مع إبقاء قبضته محكمة على قاعدته الشعبية من خلال خطاب تعبوي حاد.


مقالات ذات صلة

سلام: على الجيش الإسرائيلي الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية

المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام (رويترز)

سلام: على الجيش الإسرائيلي الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية

شدد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام خلال لقاء مع قائد عسكري بريطاني «على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام ووزير الأشغال فايز رسامني خلال جولة في مطار بيروت (رئاسة الحكومة)

أمن مطار بيروت وتطويره يتصدران أولويات الحكومة اللبنانية

تصدر أمن «مطار رفيق الحريري» في بيروت، وتسهيل حركة المسافرين، قائمة اهتمامات الحكومة اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم (الوكالة الوطنية للإعلام)

تحليل إخباري رسائل «حزب الله» الداخلية والخارجية... توجّه نحو الواقعية والتهدئة

اتسمت مواقف أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم الأخيرة بـ«الواقعية وتوجّه تكتيكي نحو التهدئة» بعد فترة من التصعيد.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي محتجون أمام قصر العدل في طرابلس ليل الاثنين يطالبون بالإسراع في إعلان نتائج الانتخابات (الوكالة الوطنية)

إرباك إداري بانتخابات طرابلس في شمال لبنان يخرج المحتجين إلى الشوارع

تحوَّلت مدينة طرابلس في شمال لبنان، إلى مركز مواجهة سياسية وإدارية نادرة، بعدما تأخر إصدار نتائج الانتخابات البلدية فيها، التي أُجريت الأحد الماضي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان جرّاء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (إ.ب.أ)

قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، الثلاثاء، سقوط قتيل جرّاء غارة إسرائيلية استهدفت دراجة نارية في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت )

مسؤول أممي يدعو مجلس الأمن إلى التحرك «لمنع وقوع إبادة» في قطاع غزة

فلسطينيون يزيلون الأنقاض والحطام بعد غارات إسرائيلية ليلية في جباليا في شمال قطاع غزة، 12 مايو 2025 (أ.ف.ب)
فلسطينيون يزيلون الأنقاض والحطام بعد غارات إسرائيلية ليلية في جباليا في شمال قطاع غزة، 12 مايو 2025 (أ.ف.ب)
TT

مسؤول أممي يدعو مجلس الأمن إلى التحرك «لمنع وقوع إبادة» في قطاع غزة

فلسطينيون يزيلون الأنقاض والحطام بعد غارات إسرائيلية ليلية في جباليا في شمال قطاع غزة، 12 مايو 2025 (أ.ف.ب)
فلسطينيون يزيلون الأنقاض والحطام بعد غارات إسرائيلية ليلية في جباليا في شمال قطاع غزة، 12 مايو 2025 (أ.ف.ب)

دعا منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، اليوم الثلاثاء، مجلس الأمن الدولي، إلى اتّخاذ إجراءات «لمنع وقوع إبادة» في غزة، بعدما أعلنت إسرائيل أن جيشها سيستأنف «بكل قوته» عملياته في القطاع.

وتساءل فليتشر خلال إحاطة للمجلس: «بالنسبة لأولئك الذين قتلوا وأولئك الذين أسكتت أصواتهم: ما الذي تحتاجونه بعد من أدلة؟»، متحدثاً عن ممارسات «غير إنسانية» لإسرائيل في غزة، ومضيفاً: «هل ستتحركون بشكل حاسم لمنع وقوع إبادة وضمان احترام القانون الإنساني الدولي؟»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.