سكان جنوب لبنان يتوافدون إلى بلدات منكوبة إثر الانسحاب الإسرائيلي

خرابها يمنع الإقامة فيها قبل إعادة الإعمار... والدمار شُبّه بـ«هيروشيما»

رجل يسير بين ركام المنازل في كفركلا (رويترز)
رجل يسير بين ركام المنازل في كفركلا (رويترز)
TT

سكان جنوب لبنان يتوافدون إلى بلدات منكوبة إثر الانسحاب الإسرائيلي

رجل يسير بين ركام المنازل في كفركلا (رويترز)
رجل يسير بين ركام المنازل في كفركلا (رويترز)

بدأ سكان المنطقة اللبنانية الحدودية مع إسرائيل، الثلاثاء، بالتوافد إلى بلدات منكوبة مسحتها التفجيرات، وتفتقد إلى معالم الحياة، ويعيق تدمير البنى التحتية فيها أي احتمال لعودة قريبة للمتحدرين منها، وذلك بعدما سحبت إسرائيل، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع «حزب الله»، قواتها من جنوب البلاد، مبقية سيطرتها على 5 نقاط استراتيجية.

وكانت بلدات القطاع الشرقي، وبعض بلدات القطاع الأوسط، آخر البلدات التي أبقت إسرائيل على وجودها فيها، وواظبت على تنفيذ تفجيرات وحرائق فيها حتى يوم الاثنين، عشية التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار. وكانت القوات «الإسرائيلية» انسحبت فجراً من القرى والبلدات التي كانت تحتلها في الجنوب، وهي: يارون، ومارون الراس، وبليدا، وميس الجبل، وحولا، ومركبا، والعديسة، وكفركلا والوزاني، في حين أبقت على وجودها في 5 نقاط رئيسية على طول الحدود.

لبنانيون يوجهون تحية للجيش اللبناني على مدخل بلدة كفركلا (رويترز)

ومنتصف الليل، استكمل الجيش انتشاره في البلدات المحررة، وباشرت فرق من فوجَي الهندسة والأشغال بإزالة السواتر الترابية ومسح الطرق الرئيسية من الذخائر والقذائف غير المنفجرة. كما سيّرت قوات «اليونيفيل» دوريات في تلك القرى، وأقامت نقاطاً عدة إلى جانب الجيش اللبناني.

وقال الجيش اللبناني إن وحداته بدأت بالانتشار في تلك القرى، موضحاً في بيان، أن الانتشار تم في بلدات العباسية، والمجيدية، وكفركلا، والعديسة، ومركبا، وحولا، وميس الجبل، وبليدا، ومحيبيب ومارون الراس والجزء المتبقي من يارون، كما انتشرت في مواقع حدودية أخرى بمنطقة جنوب الليطاني، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، وذلك بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.

وقال الجيش: «باشرت الوحدات المختصة إجراء المسح الهندسي وفتح الطرقات ومعالجة الذخائر غير المنفجرة والأجسام المشبوهة في هذه المناطق».

ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، شنّت إسرائيل ضربات جوية ونفذت عمليات نسف تطال منازل في قرى حدودية، أوقعت أكثر من 60 قتيلاً، نحو 24 شخصاً منهم في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو الموعد الأول المحدد لانسحاب إسرائيل بموجب الاتفاق، أثناء محاولتهم العودة إلى بلداتهم الحدودية.

عنصر من الجيش اللبناني يواكب النازحين العائدين إلى كفركلا (أ.ف.ب)

خراب

وبدت القرى والبلدات الحدودية التي تتعرض للقصف والتفجير والنسف والتجريف منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أشبه بخراب، حيث تم تدمير آلاف المنازل بالكامل، وفقدت البلدات معالم الحياة فيها، ولم تظهر الشوارع والمنشآت التي كانت في السابق. وظهرت المنازل على شكل أكوام من الركام، تمتد على مساحات واسعة.

وقالت مصادر محلية في الجنوب لـ«الشرق الأوسط»، إن معظم السكان عادوا لتفقد منازلهم، ومعاينة ما تم تدميره بعد نحو 16 شهراً على النزوح من تلك البلدات، كما عاد آخرون للبحث عن رفاة ضحايا من عائلاتهم قتلوا في الحرب.

ولفتت المصادر إلى أن الخراب في المنطقة «لا يسمح لأحد بالإقامة في تلك القرى»، موضحة أن المنطقة، وبمعزل عن المنازل المدمرة، «لا تتضمن طرقات أو شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي واتصالات وإنترنت»، خصوصاً أن منشأتي تغذية المياه الرئيسيتين اللتين تغذيان المنطقة بمياه الشفة، وهما محطة ضخ الوزاني ومحطة آبار الطيبة، قد فجرتهما إسرائيل، مما يعني أن تغذية المنطقة بالمياه مستحيل. وأضافت المصادر أن معالم الخدمات الأخرى مثل المستشفيات والمدارس والمنشآت الحيوية أيضاً، كلها دُمرت، مما يعني أن العودة بسرعة ستكون صعبة.

وقدّرت السلطات تكلفة إعادة الإعمار بأكثر من 10 مليارات دولار، كما دفعت الحرب أكثر من مليون شخص إلى الفرار من منازلهم، ولا يزال أكثر من مائة ألف منهم في عداد النازحين، وفق الأمم المتحدة. وتزداد العودة صعوبة جراء الردميات التي تعم الشوارع، ولم تتوصل السلطات إلى حل بعدُ لإزالتها من مكانها. ويقول أحد سكان المنطقة الحدودية إن جدران وسقف منزله، دُمِّرت جراء النسف، لكن ما يعيق إعادة إنشائها فوق الأرضية الخرسانية، الردميات التي لا يعرف أين سينقلها، ولا الآلية لذلك.

متحدرون من كفركلا يتنقلون بين ركامها (رويترز)

وتزداد الأمور صعوبة في ظل التلوث القائم بالنسبة للمنازل التي لم تدمر آبارها، ويشرح أحد أبناء ميس الجيل لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن معظم سكان المنطقة يجمعون مياه الشتاء في خزانات أرضية، لكن حجم الفوسفور الأبيض الذي قصفته القوات الإسرائيلية، استقر على السطوح، مما يعني أنه انزلق مع مياه الأمطار إلى الخزانات والآبار، ممل يجعل إمكانية استخدام المياه مستحيلة.

كفركلا والوزاني

ولم ينتظر السكان طويلاً للعودة إلى كفركلا الحدودية التي تعرّضت لدمار هائل، حيث سار العشرات من الأهالي منذ الصباح بين حقول الزيتون متوجهين نحو قريتهم التي غادروها منذ أشهر طويلة ليعاينوا تباعاً منازل مدمّرة بالكامل. ومن بين هؤلاء، علاء الزين الذي قال متأثراً، إن «القرية منكوبة، أشبه بهيروشيما وناغازاكي، وكأن حرباً نووية شنّت على كفركلا». وعلى الرغم من الدمار الهائل، فإن «سكّان القرية جميعهم عائدون»، مضيفاً: «سننصب خيمة ونفترش الأرض». وانتظر آخرون عند أحد مداخل كفركلا برفقة الجيش اللبناني وسيارات الإسعاف التي استعدّت للدخول لانتشال جثث مقاتلين، على غرار سميرة جمعة التي جاءت بحثاً عن شقيقها المقاتل. وتقول المرأة بتأثّر: «جئت بحثاً عن أخي الشهيد في كفركلا، جاء إلى هنا مع رفاقه (...) ولا نعرف عنهم شيئاً حتى الآن، لدينا يقين أنهم استشهدوا؛ لكن نأمل في أن يظهر عنهم شيء».

مشهد عام لبلدة كفركلا المدمرة بالكامل إثر عودة السكان إليها (إ.ب.أ)

وفي حين يبحث كثر عن جثامين أبنائهم، عثر على شابين «على قيد الحياة» في القرية، الثلاثاء، «بعد فقدان الاتصال بهما منذ أكثر من 3 أشهر»، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية. وتم تداول صورة لأحدهما على مواقع التواصل على أنه قتيل من «حزب الله»، وهو يرتدي لباساً عسكرياً.

ودخل عدد كبير من أهالي بلدة الوزاني إلى بلدتهم سيراً على الأقدام. كما دخل أهالي ميس الجبل منذ ساعات الصباح الباكر، إلى بلدتهم سيراً على الأقدام وعبر الدراجات النارية. وتوجه موكب مشترك من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» والصليب الأحمر اللبناني نحو سهل المجيدية بعد انسحاب القوات الإسرائيلية. كما تجمع أهالي حولا عند مدخل البلدة، بانتظار إذن الجيش لدخولها.

ورغم انسحابها من القرى، نفّذت القوات الإسرائيلية «تفجيراً كبيراً» في محيط بلدة كفرشوبا الحدودية، على ما ذكرت «الوكالة الوطنية». كما سقط جريحان برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال عمليات التمشيط من مركز المنارة في اتجاه منطقة كركزان شمال شرقي بلدة ميس الجبل.

عناصر من «الدفاع المدني» يحملون رفاة قتيل في كفركلا (رويترز)


مقالات ذات صلة

لبنان يوكّل مدنياً للتفاوض مع إسرائيل لاحتواء الضغوط وإحباط التصعيد

المشرق العربي دورية لـ«يونيفيل» على الحدود مع إسرائيل في منطقة الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب) play-circle 02:21

لبنان يوكّل مدنياً للتفاوض مع إسرائيل لاحتواء الضغوط وإحباط التصعيد

خطا لبنان، الأربعاء، خطوة كبيرة باتجاه محاولات احتواء الضغوط الأميركية وإحباط التهديدات الإسرائيلية بشن حرب عليه، عبر تكليف مدني ترؤس وفد البلاد للمفاوضات.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي آلية عسكرية تابعة لقوات «يونيفيل» عليها شعار الأمم المتحدة وأمامها سيارة تتبع الجيش اللبناني خلال دورية مشتركة (يونيفيل)

سيمون كرم يدخِل جنوب لبنان في مرحلة جديدة برئاسته وفد الـ«ميكانيزم»

يقف جنوب لبنان على أهبة الاستعداد للدخول في مرحلة سياسية جديدة، بتكليف رئيس الجمهورية السفير الأسبق سيمون كرم ترؤس وفد لبنان للجنة الـ«ميكانيزم».

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي طائرة إسرائيلية من طراز «إف 15» تطلق صاروخاً تحذيرياً خلال تحليقها فوق غزة كما يظهر من الجانب الإسرائيلي للحدود (رويترز)

تضارب حول طلب أميركي من لبنان تسليم «صاروخ الطبطبائي»

تضاربت الأنباء حول طلب رسمي أميركي من السلطات اللبنانية، يقضي بإعادة صاروخ لم ينفجر، استهدف به الجيش الإسرائيلي قيادياً في «حزب الله» في الضاحية الجنوبية.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني قرب الجدار الفاصل مع إسرائيل في منطقة علما الشعب بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

التفسيرات المتضاربة لقرار وقف النار تطلق يد إسرائيل في لبنان

بعد عام كامل من سريان «اتفاق وقف الأعمال العدائية» بين إسرائيل و«حزب الله»، لا تزال بنوده محاصرة بسلسلة من التعقيدات.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يعودون إلى الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 نوفمبر 2024 إثر دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (أرشيفية - إ.ب.أ)

لبنان يدخل منطقة التجاذب الإسرائيلي – الإيراني حول سلاح «حزب الله»

دخل لبنان منطقة التجاذب بين إيران وإسرائيل، إذ أكدت طهران أن وجود «حزب الله»، «لا غنى عنه بالنسبة للبنان»، فيما حذّرت إسرائيل من أنه لن ينعم بالهدوء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مقتل شخص وإصابة 3 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة

سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

مقتل شخص وإصابة 3 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة

سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)

قُتل فلسطيني وأُصيب 3 آخرون برصاص الجيش الإسرائيلي في منطقة شمال غربي قطاع غزة، وفق ما أفادت به وسائل إعلام محلية اليوم.

وأشارت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) إلى أن القوات الإسرائيلية استهدفت مجموعة من المدنيين في محيط المنطقة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.


مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية اليوم (السبت)، إن مصر ترحب بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لمدة 3 سنوات.

وأضافت «الخارجية» المصرية في بيان نشرته في صفحتها على «فيسبوك»، إن مصر تشدد على أن دور وكالة الأونروا محوري، ولا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله.

ودعت المجتمع الدولي إلى توفير التمويل المستدام لوكالة «الأونروا»، لضمان «استمرار خدماتها الحيوية».

وأشارت إلى أن وجود «الأونروا» يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوهر قضية اللاجئين ذاتها، وبالمسؤولية الدولية تجاه إيجاد حل دائم لها، وفق قرارات الشرعية الدولية.


احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
TT

احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)

في موازاة احتفالات مستمرة في سوريا بمرور قرابة سنة على إسقاط حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، تسربت معلومات أمس عن خطط يقف وراءها رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد لإطلاق انتفاضتين في الساحل السوري ضد حكم الرئيس أحمد الشرع.

وجاءت هذه المعلومات، في وقت شهدت ساحة العاصي بمدينة حماة، الجمعة، فعالية حاشدة بمناسبة مرور عام على تحريرها من قوات الأسد. ورفع مشاركون في الفعالية علماً سوريّاً بطول 500 متر، وعرض 4 أمتار، وسط الساحة «في مشهد رمزي يؤكد وحدة الأرض والشعب»، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة «سانا» الرسمية.

تزامناً مع هذه الاحتفالات، نشرت «رويترز» تحقيقاً ذكرت فيه أن اللواء كمال حسن المسؤول السابق في المخابرات السورية، وابن خال الأسد الملياردير، رامي مخلوف، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين؛ أملاً في إشعال انتفاضتين ضد الحكومة الجديدة.

وقال 4 أشخاص مقربين من العائلة إن الأسد، الذي فرّ إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش في المنفى بموسكو.