دون رقابة أمنية مسبقة... أهالي اللاذقية يناقشون الشرع بمخاوفهم

طلب منهم الوثوق بإدارته وربط تحسن الاقتصاد بالوضع الأمني

الشرع يحضر اجتماعاً مع مسؤولين وقادة محليين في مدينة طرطوس الساحلية (الرئاسة السورية - أ.ف.ب)
الشرع يحضر اجتماعاً مع مسؤولين وقادة محليين في مدينة طرطوس الساحلية (الرئاسة السورية - أ.ف.ب)
TT

دون رقابة أمنية مسبقة... أهالي اللاذقية يناقشون الشرع بمخاوفهم

الشرع يحضر اجتماعاً مع مسؤولين وقادة محليين في مدينة طرطوس الساحلية (الرئاسة السورية - أ.ف.ب)
الشرع يحضر اجتماعاً مع مسؤولين وقادة محليين في مدينة طرطوس الساحلية (الرئاسة السورية - أ.ف.ب)

قال الرئيس السوري، أحمد الشرع، إن تحسن الوضع الاقتصادي في البلاد مرتبط بتوطيد الأمن الذي هو من الأولويات، وطلب خلال لقائه عدداً من أهالي محافظة اللاذقية التي زارها، يوم الأحد، الوثوق بإدارة ملف التسويات الذي يقلقهم.

وقال خلال الاجتماع بنخب من المدينة التي كانت معقلاً للنظام، إنه عندما وصلت قيادات المعركة إلى دمشق، كانت هناك جهات تتحضر لإشاعة الفوضى، إلا أن التفاوض مع بعضها وإجراء بعض التسويات السياسية، حافظا على الأمان النسبي في العاصمة وإنهاء عملية تحريرها بأقل قدر ممكن من إراقة الدماء، مشدداً على استعداد «درع العدوان» آنذاك، وامتلاكها القدرة على دخول معركة عنيفة، إلا أن الأولوية كانت لحقن الدماء.

صورة جامعة للشرع مع أهالي اللاذقية الأحد (فيسبوك)

ونقلت مصادر حضرت الاجتماع لـ(الشرق الأوسط)، أن المشاركين في اللقاء تلقوا في الأساس، دعوات شخصية للقاء محافظ اللاذقية، وتبين لاحقاً أن اللقاء تَأَخَّرَ قليلاً مع الرئيس الشرع، الذي وصل متأخراً بسبب الاستقبال الحاشد في ساحة الشيخ ضاهر، ما تَسَبَّبَ بازدحام مروري. وقد جرى الاعتذار عن التأخير من قبل الشرع، وأفسح الرئيس المجال للمجتمعين للتحدث أولاً، وكان هناك رجال دين من مختلف الطوائف والأديان ومدنيون ورجال أعمال، ورجال ونساء وشباب.

استقبال شعبي للرئيس أحمد الشرع في اللاذقية (فيسبوك)

وقالت المصادر إن ضيق الوقت لم يسمح للجميع بتقديم مداخلاتهم التي تركزت على الأوضاع المعيشية الصعبة، والخشية من التهميش، كون مناطق الساحل محسوبة على النظام المخلوع. هذا بالإضافة إلى التعبير عن مخاوف تتعلق بالتسويات ومصير الموالين السابقين للنظام، ووقوع انتهاكات وتجاوزات أقر بها الشرع بوصفها «أخطاءً تتصل بالطبيعة البشرية»، وفق تعبير المصادر التي حضرت اللقاء.

مداخلة خلال لقاء الشرع مع الأهالي في اللاذقية (فيسبوك)

وقد طلب الرئيس الشرع من أهالي اللاذقية الوثوق بإدارة هذا الملف الأمني، مؤكداً أن الأولوية لإعادة الأمن، وتوحيد السلاح تحت سلطة الدولة، وأن «ما تم إنجازه يعد جيداً، لكنه ما زال مفتوحاً، ويحتاج إلى مزيد من الوقت». كما ربط بين تحسُّن الوضع الاقتصادي بإعادة الأمن للبلاد.

تحدث أحمد الشرع أيضاً عن صعوبة إعادة بناء دولة من نقطة الصفر، لأن سوريا كانت دولة أمنية، ومؤسساتها بحاجة لإعادة هيكلة كي تلائم العصر، وهذا يحتاج إلى وقت وبعض الصبر، متعهداً بإعادة اللاذقية لتكون أكثر المحافظات جذباً للاستثمار على الساحل. مع التأكيد على أن المعركة لم تنته بسقوط النظام، بل بدأت معها، فهناك معركة أصعب وهي بناء الاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية، معتبراً الاهتمام الدولي بسوريا «فرصة يجب استثمارها لتسريع وتيرة البناء وحرق المراحل».

الشرع يحضر اجتماعاً مع مسؤولين وقادة محليين في مدينة طرطوس الساحلية (الرئاسة السورية - أ.ف.ب)

حول ردود فعل الشارع في الساحل على زيارة الشرع، قالت المصادر إنها المرة الأولى التي تشهد فيها مدينة اللاذقية لقاءً مع رئيس جمهورية، يخلو من التصفيق وخطابات التبجيل وهتافات «بالروح بالدم»، ورفع صور الرئيس في كل مكان. وقالت المصادر: «لم يُرْفع سوى العلم السوري».

كما أنها المرة الأولى التي يشارك فيها الحضور بمداخلات دون تنسيق مسبق مع الأجهزة الأمنية، أو مراقبة لكل كلمة يجري التفوه بها، فقد اتسم اللقاء بالأريحية، رغم عدم تخلي رجال الدين عن خطاباتهم المعهودة في «المحاباة»، وفق تعبير المصادر.

وأضافت أنه رغم ضعف الحضور النسائي من حيث العدد، فإنهن شاركن بالنقاش، وطالبن بأن يكون للمرأة دور ومكان في السلطة يناسب حجم دورها في الثورة السورية.

الرئيس السوري أحمد الشرع يزور مخيم يؤوي النازحين في مدينة إدلب شمال غربي البلاد السبت الماضي (أ.ف.ب)

وأثارت الحفاوة التي استقبل بها أهالي مدينتي اللاذقية وطرطوس الرئيس السوري أحمد الشرع، عاصفة من التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ جاءت خارج التوقعات، بعد حملات التخويف وإثارة النعرات من قِبل حسابات وهمية.

وبحسب المصادر، فإن زيارة الرئيس الشرع إلى اللاذقية كشفت أن الواقع لا يشبه الصورة التي تروَّج في العالم الافتراضي، وأن هناك متضررين من سقوط النظام يسعون جاهدين لتعزيز المخاوف من الحكام الجدد، فالاستقبال الشعبي «العفوي»، كشف أن أهل الساحل مثل كل بقية السوريين، عانوا لعقود طويلة من «وحشية عائلة الأسد».

وأضافت المصادر أن الشرع بدوره تصرف بثقة، وتحرَّك وسط حراسة أمنية بسيطة، مقارنةً بالإجراءات التي كان يتخذها النظام المخلوع لدى زياراته، وحالة الاستنفار العام التي تفرض على المدينة عموماً.


مقالات ذات صلة

«الدفاع» التركية تؤكد الاستعداد لإنشاء قاعدة عسكرية في سوريا

المشرق العربي قوات تركية في شمال سوريا (أرشيفية - «الدفاع» التركية)

«الدفاع» التركية تؤكد الاستعداد لإنشاء قاعدة عسكرية في سوريا

أكد مصدر في وزارة الدفاع التركية ما تردد عن الاستعداد لإقامة قاعدة عسكرية في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي متداولة لقصف إسرائيل فجر الخميس على اللاذقية

إسرائيل تستهدف مواقع في اللاذقية وتتوغل في شمال القنيطرة ووسطها

وسَّعت إسرائيل من رقعة اعتداءاتها في سوريا، وشن طيرانها الحربي، الخميس، غارات استهدفت مواقع في اللاذقية، بالتزامن مع توغل جنودها وآلياتهم في قرى في القنيطرة

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي حاكمة مصرف سوريا ميساء صابرين في مكتبها بدمشق 12 يناير 2025 (رويترز)

حاكمة مصرف سوريا المركزي تُقدّم استقالتها

قالت ميساء صابرين، حاكمة مصرف سوريا المركزي، إنها قدّمت استقالتها، بعد أقل من ثلاثة أشهر على توليها المنصب على نحو مؤقت.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي اعتقال مفتي سوريا السابق أحمد حسون في مطار دمشق

اعتقال مفتي سوريا السابق أحمد حسون في مطار دمشق

اعتقل الأمن العام في سوريا المفتي السابق في البلاد أحمد حسون، خلال سفره من مطار دمشق الدولي، مساء الأربعاء، حسب مواقع إعلامية سورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزيرا داخلية ألمانيا والنمسا في جولة داخل العاصمة الأردنية الأربعاء قبيل إلغاء زيارتهما لدمشق (د.ب.أ)

«تهديدات إرهابية» تلغي زيارة وزيرَي داخلية ألمانيا والنمسا لدمشق

ألغى وزيرا داخلية ألمانيا والنمسا زيارة غير معلنة لسوريا في اللحظات الأخيرة، بسبب «تهديدات أمنية من مجموعات إرهابية تهدف لزعزعة استقرار الحكومة الانتقالية».

راغدة بهنام (برلين)

«حاكم المركزي»: مهندس السياسات النقدية في لبنان والمشرف على إعادة هيكلة المصارف

«حاكم المركزي»: مهندس السياسات النقدية في لبنان والمشرف على إعادة هيكلة المصارف
TT

«حاكم المركزي»: مهندس السياسات النقدية في لبنان والمشرف على إعادة هيكلة المصارف

«حاكم المركزي»: مهندس السياسات النقدية في لبنان والمشرف على إعادة هيكلة المصارف

تكتسب حاكمية مصرف لبنان راهنا أهمية استثنائية لكون الحاكم الجديد إلى جانب رئيس الجمهورية والحكومة، اللذين توليا مهامهما حديثاً، عنصراً أساسياً من تركيبة «لبنان الجديد» المفترض أن يبدأ بتطبيق الإصلاحات المطلوبة دولياً لمساعدته على النهوض من أزمته المالية والاقتصادية المتواصلة منذ العام 2019.

ويُعتبر «الحاكم» مهندس السياسات النقدية للبلد والمولج مع أعضاء المجلس المركزي تنظيم القطاع المصرفي والإشراف عليه، لذلك ستكون له مهام أساسية في ملف إعادة هيكلة المصارف، والتواصل والتفاهم مع المؤسسات المالية والدولية على خطة النهوض.

وقد تعاقب على حاكمية مصرف لبنان، الذي تم تأسيسه عام 1963، 6 شخصيات هم فيليب تقلا، إدوار نقاش، أدمون نعيم، ميشال خوري، رياض سلامة ووسيم منصوري (بالإنابة). وتولى نقاش الحاكمية لـ21 عاماً فيما تولاها سلامة لـ30 عاماً قبل أن يتم توقيفه في سبتمبر (أيلول) الماضي بشبهة «اختلاس أموال عامة من البنك المركزي وصرف نفوذ وتبييض أموال وإثراء غير مشروع»، خلال توليه مهام الحاكم، وتحويل هذه الأموال إلى الخارج. وهو لا يزال موقوفاً حتى تاريخه.

طريقة التعيين

ووفق أحكام المادة 18 من قانون النقد والتسليف، يُعيّن حاكم المصرف المركزي لمدة ست سنوات بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية. ويوضح الخبير الدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك أن المرسوم يجب أن ينال موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، باعتباره من القضايا المدرجة ضمن الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور، والتي تتعلق بتعيين موظفي الفئة الأولى.

ويشير مالك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «درجت العادة على أن يكون حاكم المصرف المركزي من حصة رئيس الجمهورية على الصعيد المعنوي. أما على الصعيد الدستوري والقانوني، فإن مجلس الوزراء هو صاحب الصلاحية في التعيين، ووزير المالية هو الجهة المخوَّلة اقتراح الاسم»، لافتاً إلى أن «ما يحدث فعلياً هو ما يُعرف بـ(عدة الرئيس)، التي تشمل قائد الجيش، وحاكم المصرف المركزي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، حيث يكون لرئيس الجمهورية الدور الحاسم في هذه التعيينات، رغم أن الدستور ينيط هذه الصلاحية بمجلس الوزراء». ويضيف: «في مرات سابقة، درجت العادة على أن يتم تعيين حاكم المصرف المركزي بموافقة رئيس الجمهورية وبناءً على تسميته، إلا أن هذا ليس قاعدة ملزمة، إذ يظل التعيين من صلاحيات الحكومة بناءً على اقتراح وزير المالية».

سبائك الذهب المحفوظة في خزائن مصرف لبنان في صورة وزعها المصرف لحاكمه السابق رياض سلامة نوفمبر 2022 (رويترز)

صلاحيات ودور الحاكم

وعن صلاحيات ودور حاكم «المركزي» يشير الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور محمود جباعي إلى أن «الحاكم والمجلس المركزي يلعبان دوراً مهماً جداً بالسياسة النقدية باعتبارهما يحددان أطر هذه السياسة، ويكون المجلس هو المنظّم لعمل المصارف... وبالتالي كل ما له علاقة بالنقد في البلد فالمجلس الذي يرأسه الحاكم هو الجهة المسؤولة عنه»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على وجوب أن يكون هناك «تماهٍ بين السياسة النقدية لـ(المركزي) والسياسة المالية التي تضعها الحكومة، وعبر هاتين السياستين يُدار البلد». ويوضح جباعي أن «رأي (المركزي) مهم بملف إعادة هيكلة المصارف، فهو المسؤول بنهاية المطاف عن هذه العملية مع لجنة الرقابة على المصارف وكل الداتا موجودة لديه». ويضيف: «أما فيما يتعلق بخطة رد الودائع، فمصرف لبنان يُقدّم معلومات، أما الرؤية الأساسية فتضعها الحكومة بالتعاون مع المركزي».

ويلفت جباعي إلى أهمية ألا يعود «المركزي» لتمويل الدولة من أموال مصرف لبنان، «وهو تمويل توقف خلال عهد منصوري ويفترض أن يستمر على هذه الحال لأن الحكومات المتعاقبة وانطلاقاً من المادة 91 من قانون النقد والتسليف كانت تستدين من المصرف ولا تعيد الأموال كما تنص المادة 113، ما أدى لاتساع الفجوة المالية في البلد ووصولها لنحو 67 مليون دولار».

ويختم جباعي: «بالمحصلة أهم مهام الحاكم تنظيم عمل المصارف، والحفاظ على الاستقرار النقدي، ومحاربة الاقتصاد النقدي، والامتثال للقرارات المالية الدولية عبر وضع ميزانيات واضحة، ومراعاة مبدأ الشفافية بالتعاملات مع المصارف لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية، وعدم إدراجه على اللائحة السوداء».