أشاع إعلان حركة «حماس» التوصُّل لاتفاق مع الوسطاء بإلزام إسرائيل بتنفيذ اتفاق المرحلة الأولى وإدخالها مساعدات إنسانية مقابل إتمام تبادل الأسرى، حالةً من الإيجابية في أوساط سكان قطاع غزة الذين كانوا يخشون تجدُّد الحرب يوم السبت بعد تهديدات إسرائيلية.
ومع ذلك، لم تُبدِّد الفرحةُ بابتعاد الحرب، ولو مؤقتاً، وعودة الأسعار لسابق عهدها، القلقَ لدى عدد من الغزيين، الذين تحدَّثوا إلى «الشرق الأوسط» من شبح التهجير الذي يطرحه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ورغم نفي مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التوصُّل لأي حلول جديدة بشأن الأزمة الأخيرة، فإن مصادر إسرائيلية أكدت أن الأمر سيسير وفق ما هو مخطط له بعد اتصالات مع الجانب الأميركي والدول الوسيطة.
وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن وفد الحركة خلال اللقاءات التي جرت في الدوحة والقاهرة «قدَّم كل مرونة ممكنة لحل الخلاف الذي كان قائماً، وبعد حصوله على ضمانات من الوسطاء بإدخال كل ما يلزم من احتياجات وفق اتفاق البروتوكول الإنساني، أكدت الحركة التزامها بالمضي قدماً في تسليم الدفعة الجديدة من الأسرى الإسرائيليين».
وبحسب المصادر، فإن «الكرة حالياً في ملعب الاحتلال الإسرائيلي، ومدى التزامه بالاتفاق يعني التزام المقاومة به وتنفيذه»، مؤكدةً أن «المقاومة غير معنية بأن تكون هي مَن تُفشل الاتفاق الذي تتحمَّل حكومة الاحتلال المسؤولية عن التنصل في تنفيذه».
تضارب
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، عومر دوستر، إن «لا معدات ثقيلة» ستدخل قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر رغم أن مشاهد تلفزيونية أظهرت اصطفاف عشرات الشاحنات عند الحدود.
وأوضح المتحدث عبر منصة «إكس»: «لا دخول للكرفانات (المنازل المتنقلة) أو معدات ثقيلة إلى قطاع غزة، ولا تنسيق بهذا الخصوص».
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، يُستخدَم معبر رفح لإجلاء الجرحى والمرضى، في حين تدخل المساعدات الإنسانية والبضائع عبر معبر كرم أبو سالم.
لكن في المقابل تؤكد مصادر حكومية في قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»، أن «إسرائيل أدخلت عبر موقع زيكيم العسكري الواقع شمال غرب القطاع، مساء الأربعاء، نحو 12 ألف خيمة، ليصل إجمالي ما وصل إلى القطاع من خيام نحو 70 ألفاً من أصل 200 ألف كان من المقرر أن تدخل فور وقف إطلاق النار».
وبحسب المصادر، فإنه «من المفترض أن تدخل الخميس، كمية أخرى من الخيام عبر (زيكيم) وكذلك معبر كرم أبو سالم، إلى جانب دخول أول مجموعة من البيوت (الكرفانات)».
ووفق الضمانات التي قدَّمها الوسطاء لحركة «حماس»، فإن إسرائيل ستسمح بشكل تدريجي بإدخال الخيام، والكرفانات، وكذلك المواد الطبية اللازمة، والمعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام والأنقاض، والوقود لصالح القطاع الخاص والمستشفيات وغيرهما.
وبحسب بيان لـ«حماس»، فإن وفدها أجرى «مباحثات مع الوسطاء بمَن في ذلك رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، اللواء حسن رشاد، ومباحثات هاتفية مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، ومسؤولو ملف المفاوضات بمصر وقطر، والفرق الفنية التي تتابع تنفيذ الاتفاق، وتم التأكيد على ضرورة الالتزام بتطبيقه، وتم التأكيد على إزالة كل العقبات وسد الثغرات، وبناءً عليه تقرر الاستمرار في تطبيق الاتفاق وفق ما تم التوقيع عليه بما في ذلك تبادل الأسرى وفق الجدول الزمني المحدد».
ارتياح
وأبدى سكان في غزة، ارتياحهم الكبير إزاء بيان «حماس»، عادّين أنه «يفوِّت الفرصة على إسرائيل لاستئناف الحرب»، كما هدَّدت بذلك.
وقال محمود الغول، وهو من سكان حي النصر بمدينة غزة لـ«الشرق الأوسط»، هذه «الأنباء أسعدتنا، وكان لها تأثير على كل مجريات الحياة هنا، بما في ذلك عودة الأسعار إلى ما كانت عليه بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ».
وأضاف عبر الجوال: «شعرنا لوهلة بأن الحرب ستعود مجدداً، وكنا على ثقة بأن الوسطاء وكذلك الفصائل الفلسطينية لن تتيح لإسرائيل الفرصة لأن تستأنف حربها من جديد»، مشيراً إلى أن «الخوف كان ينبع بشكل أساسي من تحركات الاحتلال وتهديداته، التي توحي بأنه يخطط لاستئناف الحرب فعلاً، وهذا ما أخاف السكان ودفع التجار لرفع أسعار البضائع».
بحسب ما رصد مراسل «الشرق الأوسط»، في أسواق في حي الشيخ رضوان والشاطئ (شمال غزة) فإن أسعار البضائع الأساسية، والخضراوات والمجمدات وغيرها، عادت لوضعها الطبيعي الذي كانت عليه بداية دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وخلال تجولها في سوق حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، قالت الشابة جنين علاء: «مرَّ يومان كأنهما كابوس بعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، والآن عادت لوضعها الذي اعتدنا عليه في الأسابيع القليلة الماضية».
وأشارت إلى أن الأسعار في متناول اليد رغم أنها ليست كما كانت قبل الحرب، معربةً عن أملها في أن تتحسَّن الأوضاع تدريجياً، ويستمر اتفاق وقف إطلاق النار.
مخاوف التهجير
ورغم الارتياح الذي سرى بين كثير من الغزيين؛ فإن استمرار الرئيس الأميركي والمسؤولين الإسرائيليين في الحديث عن تهجير سكان القطاع، يقلق كثيراً من أهالي غزة من إمكانية تنفيذه، ومن هؤلاء السيدة سحر العامودي المقيمة بمخيم الشاطئ: «إحنا بدنا نضل (نظل) في بلادنا، يكفينا تهجير ونزوح وقصف ودمار، بدنا نعيش بأمان»، مشيرةً إلى أنه رغم تمسُّكها بموقفها هذا فإنها تخشى أن تُفرَض على الغزيين الهجرة إلى الخارج في حال نُفِّذت مخططات الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة.
وقال الشاب أحمد الحلبي، وهو من سكان حي الشجاعية: «ضايلين هان (هنا)، وما راح نهاجر، بكفينا (يكفينا) اللي عشناه في الحرب هذه، والحروب السابقة». بينما أبدى فضل أبو هاني، ويسكن حي الشاطئ، قلقه من نجاح خطة ترمب «في ظل التفكك الفلسطيني، وانقسام المواقف المستمر»، عادّاً أن «تنازل (حماس) عن الحكم لصالح السلطة الفلسطينية قد يحل هذه الأزمة ويفككها دون رجعة، في ظل الموقف العربي الواضح الرافض لأي تهجير».