سلام يعمل لـ«إرضاء الأكثرية النيابية والشعبية» في تشكيل الحكومة اللبنانية

رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام متحدثاً بالقصر الرئاسي في بعبدا يوم 14 يناير 2025 (رويترز)
رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام متحدثاً بالقصر الرئاسي في بعبدا يوم 14 يناير 2025 (رويترز)
TT
20

سلام يعمل لـ«إرضاء الأكثرية النيابية والشعبية» في تشكيل الحكومة اللبنانية

رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام متحدثاً بالقصر الرئاسي في بعبدا يوم 14 يناير 2025 (رويترز)
رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام متحدثاً بالقصر الرئاسي في بعبدا يوم 14 يناير 2025 (رويترز)

لا يزال تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة عالقاً عند مطالب الأفرقاء السياسيين والكتل النيابية، لا سيما «الثنائي الشيعي (حزب الله) و(حركة أمل)» الذي يتردد أنه يتمسك بحصوله على 5 وزارات؛ بينها وزارة المالية، وهو ما يعوق حتى الآن تشكيل الحكومة التي يحاول الرئيس المكلف، نواف سلام، إنهاءه وفق معيارين أساسيين؛ هما: «ما يرضي الأكثرية النيابية، والأكثرية الشعبية».

وفي حين بات ثابتاً أن الحكومة التي يعمل عليها سلام ستتكوّن من 24 وزيراً، فإن توزيع الحقائب يأخذ حيزاً كبيراً من المشاورات التي يجريها مع مختلف الأفرقاء، سعياً لتأليف مجلس وزراء يكون قادراً على إنجاز الإصلاحات التي يحتاجها لبنان في هذه المرحلة.

وفي حين تأتي لقاءات سلام ومشاوراته مع كل الكتل النيابية في الإطار الطبيعي الذي يجريه أي رئيس مكلف مع كل المكونات اللبنانية، يعدّ النائب مارك ضو، المطلع على مشاورات سلام، أن «الفرصة متاحة اليوم، وإذا استمر (الثنائي) في شروطه، فليتحمل مسؤولية قراراته».

الرئيس اللبناني جوزيف عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام (أ.ف.ب)

ومع تأكيد ضو أن ما يعمل عليه سلام هو تشكيل حكومة «ترضي الأكثرية النيابية والأكثرية الشعبية» على حد سواء، فإنه ينفي ما يقوله مسؤولون في «الثنائي» لجهة حسم حصوله على «وزارة المالية»، مؤكداً أنها لا تزال مطروحة للنقاش، ومذكراً بما سبق أن قاله سلام من أنه «لا احتكارات لوزارات».

وبينما لم يستبعد ضو أن سلام قد يقدم على خطوة تقديم تشكيل الحكومة بغض النظر عن رضى «الثنائي» أو أي فريق آخر، ليكون الحسم للبرلمان، يقول: «المواجهة ليست عددية؛ لأنه لا مشكلة في هذا الموضوع، ومن الممكن أن تحصل التشكيلة على ثقة أكثرية البرلمان؛ أي 65 نائباً، لكن هو يبذل جهوده لتأمين التوازن السياسي».

وعمّا إذا كان تأليف الحكومة بات قريباً أو إن من شأن هذه العوائق تأخيره، يؤكد ضو أن «هناك تقدماً يسجل على أكثر من خط، والتركيبة باتت واضحة في هذا الإطار؛ إنما لا شك في أن مطالب (الثنائي) هي التي لا تزال تخضع لمزيد من التشاور مع المطالبة التي بدأت من (المالية) ولم تنته بشرط الحصول على 5 وزارات».

مارك ضو
مارك ضو

وتحدث النائب في حزب «القوات اللبنانية»، رازي الحاج، عن «لعبة الفريق الآخر»، وقال في حديث إذاعي: «مسار التّأليف طبيعيّ جداً، والمناخ بنّاء وفعّال، وكل ما يُقال في الإعلام هدفه ذرّ الرماد في العيون من الفريق الآخر الذي لا يزال يمارس اللعبة نفسها؛ بدءاً من انتخاب رئيس الجمهورية، إلى التكليف، وصولاً إلى مقاطعة الاستشارات غير الملزمة».

وقال إنه «لا يمكن لأحد تصوير تأخير التأليف على أنه فرملة للانطلاقة الجديدة، ولا يمكن التلميح إلى ثلاثية: (جيش... شعب... مقاومة)، التّي أصبحت من الماضي، فالرئيس المكلف لن يقبل بفرض الأسماء، وهو مصرّ على الاطلاع والرئيس جوزيف عون على الأسماء وإبداء الرأي فيها». وأوضح أن «قنوات التواصل بين حزب (القوات اللبنانية) والرئيس نواف سلام مفتوحة، والعمل قائم على تحديد نوعية الحقائب وعدد الوزراء، بالإضافة إلى كفاءة الأشخاص لتكون المشاركة فعالة»، مشيراً إلى أن «الأمر بحاجة إلى سرية؛ لذا (القوات) لا تدخل به في الإعلام». وأكّد أن «(القوات) ستشارك في الحكومة، ما دام التّوجه السّياسي واضحاً، وهو يتماشى وخطاب قسم الرئيس»، متوقعاً أن «تكون ولادة حكومة العهد الأولى أسرع من ولادة الحكومات السابقة».

وفي الإطار نفسه، كتب النائب وضاح الصادق عبر «إكس»: «يجب أن يتعلم البعض في الكتل النيابية أن الدستور هو المرجعية الوحيدة لنا، وأن تشكيل الحكومة لن يخرج عن هذا السياق». وأضاف: «زمن اختراع البدع للسيطرة على القرار وعلى الوزارات لمصالح مالية وسياسية وخدماتية انتهى. كما ركِبوا في اللحظة الأخيرة رَكْبَ التغيير في الرئاستين الأولى والثالثة، سيَركَبون بالطريقة نفسها رَكْبَ النهج غير التقليدي في تشكيل الحكومات... وإلا فليبقوا خارجها، ولينتقلوا إلى المعارضة كما كنا لسنوات طويلة. هم أبعدونا بالسلبية وفائض القوة والاعتداء على الدستور، أما نحن ففتحنا ذراعينا لبناء دولة معاً كما نص الدستور و(الطائف). لا عودة إلى الوراء بعد الآن».

وطرح النائبُ فؤاد مخزومي تشكيلَ سلام حكومة مصغرة من 14 وزيراً، وكتب في حسابه على منصة «إكس»: «أكرّر اليوم ما كنت قد طرحته أمام الرئيس المكلف نواف سلام خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة، عندما أكدت ضرورة تشكيل حكومة إنقاذية مصغّرة مؤلفة من 14 وزيراً من الاختصاصيين وأصحاب الكفاءات، على أن تتمتع بصلاحيات استثنائية تمكّنها من قيادة المرحلة الصعبة والمثقلة بالأزمات».

وأضاف: «الحكومة العتيدة يجب أن تحاكي تطلعات اللبنانيين وتلبّي طموحاتهم، خصوصاً أنها ستكون أمام تحديات ومسؤوليات كبيرة؛ بدءاً بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية غير المسبوقة التي نعاني منها، مروراً بمسألة أموال المودعين، وجريمة تفجير مرفأ بيروت، والتدقيق الجنائي في حسابات (مصرف لبنان) ووزارات الدولة ومؤسساتها، وصولاً إلى ملف إعادة الإعمار، وضمان تطبيق القرار (1701)، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار. نتطلع إلى تشكيل حكومة مصغرة تنال ثقة مجلس النواب، وتصوغ بياناً وزارياً يتماشى مع طبيعة المرحلة الدقيقة التي نمر بها في لبنان، إضافة إلى أن تنطلق أسس هذا البيان من الدستور و(اتفاق الطائف)».


مقالات ذات صلة

وعود رسمية بـ«حل منصف» لأموال المودعين اللبنانيين

المشرق العربي بري مستقبلاً وفداً من مجلس التنفيذيين اللبنانيين في السعودية (رئاسة البرلمان)

وعود رسمية بـ«حل منصف» لأموال المودعين اللبنانيين

أكد كل من رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري على استعادة أموال المودعين، وأنه لن يكون هناك شطب للودائع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الجمهورية يترأس اجتماعاً أمنياً في قصر الجمهورية (رئاسة الجمهورية)

وفد أمني لبناني إلى دمشق لبحث التوترات الحدودية... والتعاون المستقبلي

علمت «الشرق الأوسط» أن وزير الدفاع اللبناني اللواء ميشال منسى بدأ اتصالاته لترتيب «زيارة أمنية» إلى سوريا لبحث الوضع الحدودي بين البلدين والتعاون الأمني.

المشرق العربي وزير الاقتصاد السابق أمين سلام (الوكالة الوطنية للإعلام)

القضاء اللبناني يستدعي وزيراً سابقاً لاستجوابه بملف فساد

استدعى القضاء اللبناني وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، لاستجوابه في الإخبار المقدّم ضدّه بجرم «الاختلاس والابتزاز وهدر المال العام وتبييض الأموال».

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جنديان لبنانيان يحرسان نقطة أمنية عند الحدود مع إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

لبنان يشترط وقف الخروق الإسرائيلية لإنجاح مهمة «مجموعات العمل»

كشفت مصادر أن الموقف اللبناني واضح برفضه أي مفاوضات دبلوماسية مع إسرائيل لتطبيع العلاقات بين البلدين، ولم يسبق لواشنطن أن طرحت الموضوع مع المسؤولين اللبنانيين.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (إ.ب.أ)

سلام: لا شطب للودائع والبدء بالإصلاح المالي في إعادة التفاوض مع «صندوق النقد»

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أنه على تواصل شبه يومي مع البنك الدولي في سبيل إقرار تخصيص مبلغ أولي قيمته 250 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الأسرى الورقة الأهم... على ماذا تراهن «حماس» في غزة؟

مقاتلون من «حماس» في خان يونس يوم 20 فبراير الماضي (رويترز)
مقاتلون من «حماس» في خان يونس يوم 20 فبراير الماضي (رويترز)
TT
20

الأسرى الورقة الأهم... على ماذا تراهن «حماس» في غزة؟

مقاتلون من «حماس» في خان يونس يوم 20 فبراير الماضي (رويترز)
مقاتلون من «حماس» في خان يونس يوم 20 فبراير الماضي (رويترز)

رغم النكسات الكبيرة التي مُنيت بها منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لا تزال حركة «حماس» تُحاول إظهار نوع من التحدي والصمود في مواجهة الدولة العبرية.

حاولت الحركة في الأيام الماضية اتباع المسار السياسي رغم الضربات المفاجئة التي وجّهتها إليها إسرائيل، فجر يوم الثلاثاء، التي أسفرت عن مقتل مئات الغزيين، بينهم عدد من قادة «حماس» وعناصرها. لم ترد الحركة عسكرياً سوى في اليوم الثالث من تجدّد التصعيد. اكتفت بإطلاق 3 صواريخ فقط باتجاه تل أبيب. فسّر محللون ما يحدث بأنه يأتي في إطار محاولة كل طرف الضغط على الآخر عسكرياً، خصوصاً بعد توسيع إسرائيل عملياتها البرية المحدودة في بعض المناطق، لا سيما محور نتساريم الذي يفصل شمال قطاع غزة عن وسطه وجنوبه.

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية كانت «حماس» تعوّل على ما بيدها من ورقة قوة أولى، وهي الورقة المتمثلة في بقاء مختطفين إسرائيليين لديها. وقد فاجأت الحركة تل أبيب بكثرة عدد الأحياء منهم، وهو ما ظهر خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، لمدة 42 يوماً، قبل أن يستمر بشكل غير معلن، إلى أن تصاعدت الأوضاع تدريجياً وانفجرت بعد 58 يوماً بسلسلة اغتيالات لقيادات من الحركة.

جانب من احتجاجات ذوي الأسرى الإسرائيليين أمام مقر وزارة الدفاع في تل أبيب يوم 18 مارس الحالي (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات ذوي الأسرى الإسرائيليين أمام مقر وزارة الدفاع في تل أبيب يوم 18 مارس الحالي (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من الهجمات الإسرائيلية، فإن «حماس» فضّلت المسار السياسي، لأنها لا تزال تعدّ أن ورقة المختطفين لديها هي الورقة الرابحة الأكبر، خصوصاً أنها تتابع التحركات داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصةً من قِبل أهالي المختطفين والضغوط التي تُمارس على حكومة بنيامين نتنياهو، من أجل المضي في صفقة التبادل، إلى جانب رغبة حكومته الواضحة بالضغط على الحركة من خلال الممارسات العسكرية لاستعادة هؤلاء المختطفين، ما يتضح أمام الحركة أن هناك ما يمكن أن تعوّل عليه بهذا الشأن.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة تمتلك الكثير من الأوراق التي تتمسّك بها، وقد تدفع الاحتلال الإسرائيلي في النهاية يرضخ لوقف النار الدائم، مشيرةً إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالمختطفين الإسرائيليين رغم أنهم يُعدون أهم هذه الأوراق.

وأضافت المصادر أن الحركة لديها القدرة على استخدام هذه الأوراق، ومنها التكتيكات العسكرية التي يمكن أن تتبعها في الميدان، في حال فشل المفاوضات ووصولها لأفق مسدود بشكل كامل.

عرض عسكري لـ«حماس» خلال الإفراج عن أسرى إسرائيليين في رفح جنوب قطاع غزة يوم 22 فبراير الماضي (رويترز)
عرض عسكري لـ«حماس» خلال الإفراج عن أسرى إسرائيليين في رفح جنوب قطاع غزة يوم 22 فبراير الماضي (رويترز)

وتريد «حماس» ألا تُظهر ضعفاً أمام إسرائيل وكذلك الفلسطينيون، ولذلك تصر على انسحاب القوات الإسرائيلية من كل أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك محور صلاح الدين (فيلادلفيا).

وتؤكد المصادر من الحركة ذلك، وتقول: «لا يوجد أمام قيادة (حماس) خيار سوى أن تعيد واقع قطاع غزة إلى ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حتى تستطيع أن تتنفس الصعداء، وتقبل حينها بتسليم الحكم إلى السلطة الفلسطينية أو إلى حكومة يتم التوافق عليها في إطار ترتيب وطني فلسطيني».

وتراهن «حماس» على نجاحها في إبقاء ورقة حكم غزة في يدها رغم الضربات الإسرائيلية، ما يسمح لها بالقول إنها أفشلت المخططات الرامية إلى إسقاط حكمها.

وخلال 15 شهراً من الحرب العسكرية لم تنجح إسرائيل فعلياً بالقضاء على كل قدرات «حماس» العسكرية والحكومية، وبقيت الحركة موجودة تمارس خلال الحرب أدواراً محدودة بفعل الملاحقة الإسرائيلية لكوادرها من مختلف المستويات، لكنها كانت تستعيد قوتها في كل منطقة تنسحب منها القوات البرية لإسرائيل. كما أن الحركة استعادت جزءاً من قوتها بسرعة مع وقف إطلاق النار، وظهر ذلك جلياً باستئناف عمل وزاراتها الحكومية وهيئاتها السياسية وكذلك العسكرية التابعة لـ«كتائب القسام». وظهر هذا الأمر جلياً خلال العروض التي نُظمت في عملية تسليم المختطفين الإسرائيليين.

طفل فلسطيني يحمل بطانية وسط جبل من النفايات بجانب مخيم للنازحين في مدينة غزة يوم 20 مارس الحالي (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يحمل بطانية وسط جبل من النفايات بجانب مخيم للنازحين في مدينة غزة يوم 20 مارس الحالي (أ.ف.ب)

وتعوّل «حماس»، كما يبدو، على أنها ما زالت تتمتع بكادر بشري مؤيد لها في غزة، رغم كل الخسائر، الأمر الذي يجعلها متمسكةً ببعض الشروط وترفض التنازل عنها. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «من الطبيعي أن يكون للحركة زاد بشري تعتمد عليه في استمرارها بمواجهة قوة إسرائيل، وهذا الخيار ليس جديداً بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية التي كانت كثيراً على مدار عقود تتعرّض لضربات قوية وفي كل مرة تخرج منها أقوى وأصلب».

وتعترف المصادر من «حماس» بأن الواقع قد يكون تغيّر بعد الحرب في غزة، لكنها شبّهت ما يجري حالياً في القطاع بمثل ما جرى في عملية «السور الواقي» بالضفة الغربية عام 2002، ونجاح إسرائيل حينها بالقضاء على الكثير من خلايا الفصائل الفلسطينية، إلا أنه بعد سنوات عادت هذه الفصائل إلى العمل ونشطت من جديد، وهذا ما يثبت أن الخيار العسكري بالنسبة إلى إسرائيل دوماً ما كان فاشلاً ولم يحسم أي معركة، حسب المصادر ذاتها.

وحاولت «حماس» أخيراً إثبات قوتها في الشارع الغزي. إذ سُجّل خروج عشرات المسلحين من عناصرها في عروض عسكرية، كما لُوحظ انتشار عناصر شرطتها وقواتها الأمنية وتنفيذ حملات اعتقال لمشتبه بهم بقضايا جنائية وكذلك أمنية. كذلك أعادت الحركة استخدام مقار جديدة وأخرى متضررة جزئياً لقواتها الأمنية.

ورصدت «الشرق الأوسط» على مدار المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار التي استمرت 42 يوماً، لكنها امتدت لنحو 58 يوماً بعد محاولات التوصل لتمديد الاتفاق، أن هناك إقبالاً من سكان القطاع على مراكز الشرطة لتقديم شكاوى بعضها في قضايا جنائية. كما أن عناصر مدنية من وزارات مختلفة قامت بمهام مثل جولات في الأسواق وغيرها للتأكد من تثبيت الأسعار.

أقارب الأسرى الإسرائيليين خلال احتجاج للمطالبة بالإفراج عنهم قرب الحدود مع قطاع غزة يوم 18 مارس الحالي (أ.ب)
أقارب الأسرى الإسرائيليين خلال احتجاج للمطالبة بالإفراج عنهم قرب الحدود مع قطاع غزة يوم 18 مارس الحالي (أ.ب)

وبعد الاغتيالات الأخيرة مع استئناف إسرائيل القتال، لا يعرف كيف ستتصرف «حماس» في حال استمرار الموجة الحالية، خصوصاً أن قياداتها من مختلف المستويات السياسية والعسكرية والحكومية عادت إلى التخفي، في حين لُوحظ عدم قدرة الحركة على ضبط الأسواق والأسعار التي ارتفعت بشكل كبير، ما أثّر على المواطنين.

وتؤكد مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، أن القيادات التي اُغتيلت، مثل: عصام الدعاليس، وياسر حرب، ومحمد الجماصي، جميعهم هم من كانوا يعملون على إعادة هيكلة العمل التنظيمي والحكومي.

وهذا يشير إلى أن إسرائيل فعلياً وجّهت ضربة قوية إلى «حماس» باغتيال عدد من قادتها البارزين والمهمين الذين كانت موكلة إليهم مهام، منها إعادة الزخم للحركة لاستعادة سيطرتها الكاملة على القطاع بعد انتهاء الحرب.

ويعتقد كثيرون أن شعبية «حماس» تراجعت حتى في صفوف بعض عناصرها والمؤيدين لها، نتيجة ما حلّ بالفلسطينيين خلال الحرب، وفي ظل تهديدات إسرائيل بالعمل على تهجيرهم. كما أن هناك من بات ينتقد علناً هجوم 7 أكتوبر 2023 (عملية طوفان الأقصى)، لما جلبه من تداعيات مدمّرة على الفلسطينيين.

وعلى الرغم من تراجع شعبيتها وحتى شرعية بقائها في الحكم، فإن هناك من يرى أن استعداد الحركة للتنازل عن الحكم لا يأتي من موقف ضعف، وإنما بهدف محاولة تجنيب نفسها حرباً أكبر وأطول تقضي على ما تبقى من أبرز قياداتها ونشطائها.

وتقول مصادر «حماس» إن قيادة الحركة لديها إجماع بشأن استعدادها للتخلي عن الحكم، لكن ذلك مرهون بتوافق وطني على ذلك، وليس نزولاً على رغبة إسرائيل والولايات المتحدة بإقصاء الحركة من المشهد.

وأشارت إلى أن الحركة «معنية بإبعاد شبح الحرب عن سكان قطاع غزة، ولا تفكر فقط في نفسها وفي مصالحها»، حسب ما قالت.

وهناك من يرى أن «حماس» ستظل جزءاً من المشهد الفلسطيني لسنوات طويلة مقبلة، سواء بشكل علني أو في الخفاء، حتى لو تخلّت عن الحكم في غزة بعد انتهاء الحرب الحالية.