لبنان: عون تفهّم هواجس «الثنائي» فرجحت كفة انتخابه

يعيد إنتاج وثيقة الوفاق واتفاق الطائف بنسختهما الأصلية

رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون (رويترز)
رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون (رويترز)
TT

لبنان: عون تفهّم هواجس «الثنائي» فرجحت كفة انتخابه

رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون (رويترز)
رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون (رويترز)

يستعد لبنان مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية للدخول في مرحلة سياسية جديدة تواكب التحولات التي شهدتها المنطقة، والتي أدتْ إلى رفع يد الوصاية السورية عن لبنان بسقوط الرئيس بشار الأسد، التي استمرت أكثر من 3 عقود كانت وراء سوء تطبيق وثيقتي «الوفاق الوطني» و«اتفاق الطائف»، الذي حال دون قيام مشروع الدولة الحاضنة لجميع اللبنانيين، وبات يتطلب إعادة إنتاجهما بنسختهما الأصلية التي أقرت في اجتماع النواب اللبنانيين في المملكة العربية السعودية عام 1989، وهذا ما تعهد به الرئيس العتيد في خطاب القسم الذي ألقاه أمام النواب فور انتخابه، وقُوبل بارتياح غير مسبوق من الثنائي الشيعي، رغم أن «حزب الله»، كما علمت «الشرق الأوسط»، سجّل تحفّظه على حق الدولة في احتكار السلاح.

فـ«حزب الله» كان يفضّل، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، ألا يتطرق الرئيس عون في خطابه إلى هذا الموضوع، باعتبار أن سلاحه سيُدرج في سياق البحث في الاستراتيجية الدفاعية كجزء من استراتيجية الأمن الوطني، مع أن خصومه يرون أن لا ضرر من الإشارة إليه على مرأى من الحضور الدبلوماسي العربي والأجنبي لجلسة الانتخاب الذي يُجمع على أن الانتقال بلبنان إلى مرحلة جديدة يتطلب أولاً عزم الدولة على استرداد سيادتها بالكامل على كافة الأراضي اللبنانية، بدءاً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيه تمهيداً لتثبيت وقف النار في الجنوب وتطبيق القرار 1701.

وكشفت مصادر الحزب أن مرحلة ما بعد تثبيت وقف النار في الجنوب احتلت حيزاً من اللقاء الذي عُقد بين دورتي انتخاب الرئيس، بين العماد عون ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، والمعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري النائب علي حسن خليل، وقالت إنه عُقد في منتصف الطريق بين مبنى البرلمان ومقر عون في وزارة الدفاع في اليرزة.

وقالت إن اللقاء جاء استجابة من «الثنائي الشيعي» لنصيحة خليجية بضرورة التواصل مع عون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية للبحث بما لديه من هواجس لا بد من تبديدها، لأن الدول العربية تنأى بنفسها عن التدخل في التفاصيل، وأن ما يهمها إخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، وهي على استعداد لمساعدة اللبنانيين للتلاقي، شرط أن يساعدوا أنفسهم للانتقال ببلدهم إلى مرحلة التعافي. وأكدت أن النصيحة قوبلت بانفتاح عبّر عنه الرئيس بري أمام زواره فور انتخاب عون رئيساً للجمهورية.

ولفتت إلى أن عون استمع إلى هواجس الثنائي الشيعي، وأبدى انفتاحاً على بعض ما طرحه رعد وخليل على قاعدة أنهما مع إعطاء فرصة لتثبيت وقف النار تمهيداً لتطبيق القرار 1701. وقالت إنهما جددا التزامهما إخلاء منطقة جنوب الليطاني من أي سلاح غير شرعي لتسهيل انسحاب إسرائيل من البلدات التي تحتلها فور انتهاء فترة الهدنة وعدم توفير الذرائع لها للإطاحة بالاتفاق الذي ترعاه اللجنة «الخماسية».

وقالت المصادر نفسها إن رعد وخليل طرحا الفصل بين جنوب الليطاني وشماله باعتبار أن الأخير هو شأن لبناني لا بد من معالجته ضمن التفاهم على الإطار العام للاستراتيجية الدفاعية للبنان في التصدي للأطماع الإسرائيلية التي أوردها الرئيس عون في خطاب القسم، وأكدت أن أجواء اللقاء كانت مريحة من دون أن ينوبا عنه بالكشف عن موقفه، مع أنهما يدركان جيداً أن دخول لبنان في مرحلة جديدة يستدعي من الثنائي الشيعي التكيف معها وإنما بإيجابية.

بكلام آخر، فإن السلاح الموجود في شمال الليطاني امتداداً إلى المناطق الأخرى، وكما يرى الثنائي الشيعي، يجب أن يبقى ورقة ضغط بيد الدولة اللبنانية لضمان انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية تمهيداً لإعادة ترسيم الحدود استناداً إلى ما نصت عليه اتفاقية الهدنة على نحو يضمن انسحابها من عدد من النقاط المتداخلة التي سبق للبنان أن تحفّظ عليها وطالب باستردادها كونها تخضع لسيادته.

إلا أن البحث في مرحلة ما بعد تثبيت وقف النار فتح الباب أمام التطرق للإطار السياسي العام، بدءاً من تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب في ضوء تلويح رعد وخليل بتفضيل الثنائي التعاون مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وكان جواب الرئيس عون بأن القرار يبقى ملكاً للنواب بتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بموجب الاستشارات الملزمة التي سيجريها قريباً.

وتردد أن الثنائي الشيعي طرح ما لديه من هواجس، وطالب بأن تُسند وزارة المال إلى وزير شيعي، وفي المقابل فإن البحث بذلك سابق لأوانه، لأنه من غير الجائز أن يتقدم تشكيل الحكومة على تكليف من يشكلها، الذي يعود له توزيع الحقائب بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

أبناء بلدة القليعة التي يتحدر منها العماد جوزيف عون يحتفلون بانتخابه رئيساً للجمهورية (رويترز)

ونقلت المصادر نفسها عن عون قوله إنه ليس في وارد السماح بكسر أي فريق سياسي، وأنه ليس من الذين يسمحون بغلبة فريق على آخر، وأن ما يهمه تشكيل حكومة تكون على مستوى التحديات لإنقاذ البلد من أزماته المتراكمة، بالتالي اختيار الوزير المناسب في المكان المناسب. وأكدت أن ما يهمه الإطلالة على اللبنانيين على نحو يسمح باسترداد ثقتهم بالدولة، ويمهد الطريق لإعادة إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي والإفادة من الحاضنة العربية والدولية الداعمة للبنان لمواكبة التحولات في المنطقة.

وهكذا انتهى لقاء عون برعد وخليل إلى تعبيد الطريق أمام انتخاب عون في الدورة الثانية بعد أن أدار بري بمهارة، وكعادته، الدورة الأولى، ولم يفتح الباب أمام تمديد الجدل حول دستورية انتخابه قبل تعديل الدستور بما يسمح بتأهيله للترشح للرئاسة، خصوصاً وأنه كاد ينذر بأن يتحول إلى اشتباك سياسي ما لم يتدخل داعياً النواب للمباشرة بالاقتراع للرئيس.

أما لماذا مدد بري جلسة الانتخاب لدورة ثانية، وهل يتعلق تمديدها بإعطاء فرصة للقاء رعد وخليل بعون لطمأنة الثنائي الشيعي بتبديد هواجسه وتوفير التطمينات له.

وقد يكون اللقاء لترحيل حسم انتخابه إلى الدورة الثانية، وهذا ما أتاح للثنائي الشيعي تمرير رسالة إلى الخارج أمام أعين السلك الدبلوماسي بأنه هو من أمّن إيصاله إلى رئاسة الجمهورية، وأنه أحد الشركاء في حسم المعركة لصالحه بتأييده من كتلتي «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» وإلا لكان انتخابه دخل في أزمة مديدة.

فالرئيس بري بتأييده لعون أثبت للمجتمع الدولي أنه وحليفه ليسا في وارد الصدام معه، وشكلا الرافعة التي حسمت انتخابه، وبأن الثنائي الشيعي يقف إلى جانب إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية، وأن لا غنى عنه إلى جانب الحزب بترجيح كفته، إضافة إلى تمريره رسالة مماثلة للداخل بأن الرهان على كسر الثنائي وإضعافه ليس في محله، وأن الرد على المراهنين جاء من صندوق الاقتراع الذي أمّن ما يفوق التأييد النيابي المطلوب لتجاوز الطعن بدستورية انتخابه.


مقالات ذات صلة

اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

العالم العربي الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

انتظر رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، انتخاب رئيس جديد للبنان قبل تلبية دعوة قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع لزيارة سوريا.

الخليج السفارة الإماراتية لدى لبنان (الشرق الأوسط)

الإمارات ولبنان يتفقان على إعادة فتح سفارة أبوظبي في بيروت

اتفق رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس اللبناني جوزيف عون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة فتح سفارة دولة الإمارات في بيروت.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الرئيس عون مستقبلاً المفتي دريان (الرئاسة اللبنانية)

ميقاتي يتقدّم المرشحين لرئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة... بانتظار موقف المعارضة

شدّد رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد جوزيف عون، على أنه لم يأتِ ليعمل في السياسة «بل لبناء دولة لا تقوم إلا على العدالة والمساواة بين جميع المكونات التي…

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي الرئيس عون مستقبلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان (المركزية)

الرئيس اللبناني: لم آتِ لأعمل بالسياسة... وآمل تشكيل الحكومة بأسرع وقت

أمل الرئيس اللبناني جوزيف عون بـ«تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن»، مؤكداً أنه «لم يأت ليعمل بالسياسية»، بل «لبناء الدولة» التي «لا تقوم إلا بالعدالة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

أول ظهور لـ«داعش» في دمشق منذ سقوط الأسد

صورة وزعتها السلطات السورية الجديدة لعناصر يُزعم أنهم من تنظيم «داعش» اعتُقلوا بتهمة التخطيط لتنفيذ تفجير في السيدة زينب
صورة وزعتها السلطات السورية الجديدة لعناصر يُزعم أنهم من تنظيم «داعش» اعتُقلوا بتهمة التخطيط لتنفيذ تفجير في السيدة زينب
TT

أول ظهور لـ«داعش» في دمشق منذ سقوط الأسد

صورة وزعتها السلطات السورية الجديدة لعناصر يُزعم أنهم من تنظيم «داعش» اعتُقلوا بتهمة التخطيط لتنفيذ تفجير في السيدة زينب
صورة وزعتها السلطات السورية الجديدة لعناصر يُزعم أنهم من تنظيم «داعش» اعتُقلوا بتهمة التخطيط لتنفيذ تفجير في السيدة زينب

في تطور أمني يُعد الأول من نوعه منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، أعلن جهاز الاستخبارات العامة عن إحباط محاولة لتنظيم «داعش» لتنفيذ عملية تفجير داخل مقام السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق.

وقال مصدر جهاز الاستخبارات العامة التابع للإدارة الجديدة في بيان إعلامي إنه نجح، بالتعاون مع إدارة الأمن العام في ريف دمشق، «بإحباط محاولة لتنظيم (داعش) القيام بتفجير داخل مقام السيدة زينب في محيط العاصمة دمشق»، وقد تم «اعتقال الأشخاص المتورطين بالتخطيط لتنفيذ العمل الإجرامي الذي يستهدف الشعب السوري»، وفق البيان الذي نشره الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية الجديدة محمد الفيصل، على حسابه في «تلغرام»، اليوم السبت. وأظهرت صور نشرتها وزارة الداخلية أربعة أشخاص تم القبض عليهم، وكميات من الأسلحة والمتفجرات كانت بحوزتهم.

من جانبه، عبّر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن خشيته من استخدام إيران لخلايا تنظيم «داعش» في تفجيرات هدفها إشعال فتنة بين مكونات الشعب السوري وتأجيج التوترات «الطائفية»، وإظهار ضعف القيادة العسكرية الجديدة، مما يمنح إيران ذريعة لتعزيز نفوذها من جديد تحت ستار «حماية المقامات».

وحذّر المرصد في تقرير له، السبت، من أن «بعض الجهات، وعلى رأسها الميليشيات الإيرانية، تستغل حالة الفوضى المنتشرة في سوريا عقب سقوط النظام، لفبركة أخبار تهدف إلى ترويع المدنيين وخلق فتن (طائفية)»، مشيراً إلى تداول صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة «مزورة» منسوبة لوزارة الدفاع في حكومة دمشق، تحمل توقيع قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، وتدّعي إصدار أوامر عسكرية لحرق المقامات الشيعية في سوريا، وعلى رأسها مقام السيدة زينب في دمشق، وهو أمر نفته السلطات السورية الجديدة.

ويعد هذا أول ظهور لتنظيم «داعش» في محيط العاصمة دمشق منذ عام 2018، وسيطرة النظام السابق على العاصمة وريفها، والأول لتنظيم «داعش» في عهد الإدارة الجديدة ما بعد سقوط نظام الأسد. وتشكل الأنباء عن وجود نشاط لتنظيم «داعش» مؤشراً خطيراً من شأنه أن «يزيد في تعقيد المشهد السوري مع تصاعد التحديات الأمنية»، وفق ما قالته مصادر في دمشق لـ«الشرق الأوسط» أشارت إلى أن كميات كبيرة من سلاح الميليشيات التي كانت ناشطة في عهد النظام السابق، لا تزال مخبأة وهي بمثابة «قنبلة موقوتة» تهدد المرحلة الانتقالية بالفوضى الأمنية.

وقالت المصادر: «إن الإدارة الجديدة تواجه عدة تحديات بالغة الدقة، أبرزها عناصر قوات النظام الرافضين للتسوية وفلول الميليشيات التي عملت مع النظام وتحولت إلى خلايا لا تزال على ارتباط مع قوى خارجية مثل إيران وروسيا ودول أخرى، بالإضافة إلى انتشار خلايا تنظيم (داعش) في العديد من المناطق في سوريا، والتي تستفيد من حالة الفراغ الأمني. وهناك أيضاً التجاذبات والتباينات الداخلية للفصائل المسلحة ووجود عناصر أجنبية في صفوفها والتي يجري العمل على دمجها في وزارة الدفاع».

صورة نشرها الأمن العام في سوريا وتظهر بطاقات وأغراضاً تمت مصادرتها لدى عناصر «داعش» في قضية مؤامرة تفجير مقام السيدة زينب

وتابعت المصادر أن ذلك يهدد الوضع الأمني في البلاد، في الوقت الذي لا تزال فيه الأجهزة الأمنية والعسكرية المشكّلة حديثاً ضعيفة من حيث «خبرات العمل المؤسساتي، وإعداد عناصرها»، لافتة إلى أن حادثة التدافع التي شهدها الجامع الأموي، يوم الجمعة، على خلفية دعوة إلى وليمة شعبية، ومقتل ثلاث نساء وإصابة خمسة أطفال، كشفت عن «ضعف جهاز الأمن والشرطة المدنية وعجزهما عن حماية التجمعات». علاوة على أن حوادث الخطف والانتقامات الفردية المتفرقة هي «مصدر قلق ومخاوف تهدد السلم الأهلي في سوريا».

ومنذ سقوط النظام، الشهر الماضي، وقعت نحو 132 جريمة في مناطق متفرقة من سوريا، راح ضحيتها 226 شخصاً، بينهم 212 رجلاً وتسع نساء وخمسة أطفال، بحسب أرقام «المرصد».