إردوغان: تركيا لم تتدخل في سوريا بل ساعدتها على وضعها الحالي

أنقرة تراقب الخطوات الأميركية وتسلُّم ترمب... وعشرات القتلى في اشتباكات الفصائل و«قسد»

عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)
TT

إردوغان: تركيا لم تتدخل في سوريا بل ساعدتها على وضعها الحالي

عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)

في الوقت الذي يحتدم فيه القتال بين الفصائل الموالية لتركية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على محاور في شرق حلب مخلِّفةً عشرات القتلي من الجانبين، ذكرت مصادر عسكرية تركية أن أنقرة تراقب كل خطوة تقوم بها أميركا في سوريا.

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن «تركيا لم تتدخل في سوريا، لكنها أوصلتها إلى وضعها الحالي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد».

وأضاف إردوغان في كلمة خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أوردو شمال تركيا، ليل السبت - الأحد، أن «تركيا جعلت سوريا في وضعها الحالي بعد دراسة الأمر من جميع الجوانب، وهناك واقع جديد الآن في سوريا».

إردوغان متحدثاً خلال مؤتمر لحزبه في أورودو شمال تركيا (الرئاسة التركية)

ولفت إلى أهمية المرحلة الجديدة لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، مؤكداً أن تركيا ستواصل العمل من أجل سوريا خالية من الإرهاب باستخدام جميع الوسائل المتاحة.

في السياق ذاته، قالت مصادر عسكرية تركية إن تركيا تواصل اتصالاتها الدبلوماسية لضمان السلام والهدوء في سوريا والحفاظ على بنيتها الوحدوية، وتعلِّق أهمية كبيرة على الموقف الذي سيتخذه الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، عندما يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي.

مراقبة الموقف الأميركي

وأضافت المصادر، حسبما نقلت صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة التركية، أنه إذا قرر ترمب سحب القوات الأميركية، فسيترك (تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية)، أكبر مكونات «قسد»، وحيداً، وسوف يكون هناك قدر كبير من الارتياح في سوريا والمنطقة، إذ إن روسيا تعيش معضلة حول ما إذا كانت ستخرج من سوريا أم لا، وإيران، التي تحاول فرض هيمنتها، لم تعد تتمتع بالقوة التي كانت تتمتع بها في السابق، بينما تواصل تركيا معركتها ضد تنظيمي حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الإرهابية دون انقطاع.

قوات روسية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وعن احتمال شن تركيا عملية عسكرية كبيرة ضد القوات الكردية في سوريا، قالت المصادر إن «العمليات الكبرى عبر الحدود تتوقف على السياسة التي سيتبعها ترمب، لكن القوات المسلحة التركية مستعدة دائماً لعملياتها».

واستبعدت المصادر قيام القوات الأميركية بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة عبن العرب (كوباني)، التي تسيطر عليها «قسد»، مضيفةً أن ما تقوم به هو إنشاء «نقطة تفتيش» لتوصيل رسالة إلى الوحدات الكردية، مفادها: «نحن معكم». وأشارت إلى أن مصادر المخابرات في المنطقة، تؤكد أنه لا توجد حركة حتى الآن.

كان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قد أشار، السبت، إلى إرسال القوات الأميركية رتلاً من 13 شاحنة تحمل عربات عسكرية وكتلاً إسمنتية ومواد لوجيستية، إلى عين العرب، بهدف استكمال إقامة قاعدة عسكرية لها هناك، بعد أن كانت قد أقامت نقطة مؤقتة للإشراف على تنفيذ وقفٍ لإطلاق النار بين القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالية لتركيا، و«قسد»، في شرق حلب. ونفت أنقرة وجود مثل هذا الاتفاق.

القوات الأميركية أرسلت تعزيزات من الحسكة إلى عين العرب خلال الأسام القليلة الماضية (أ.ف.ب)

في السياق نفسه، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) عدم وجود أي خطط أو نية لإقامة قاعدة أميركية في عين العرب، التابعة لمحافظة حلب شمال سوريا. وتعليقاً على الأنباء المتداولة، قالت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ: «اطّلعنا على بعض تلك الأخبار، لا توجد خطة لبناء قاعدة عسكرية في كوباني (عين العرب)، لست متأكدة من مصدر هذه الأخبار».

وأكدت سينغ أن الجنود الأميركيين موجودون في سوريا لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، وعين العرب لا يوجد فيها جنود أميركيون. وشددت على أن الولايات المتحدة تدعم سلامة الأراضي السورية وعملية الاستقرار السياسي، لكنّ هذا لن يكون ممكناً إلا من خلال القضاء على «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى.

وتنتشر في سوريا 9 قواعد أميركية، واحدة في منطقة التنف بريف حمص الشرقي، واثنتان في ريف دير الزور، و6 في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، ويبلغ عدد الجنود الأميركيين في سوريا 2000 جندي حسب آخر إحصاء صادر عن البنتاغون.

دوافع عدم الانسحاب

في السياق ذاته، رأى الكاتب التركي المخضرم، أورهان بورصلي، في مقال بصحيفة «جمهورييت»، الأحد، أن احتمال اتخاذ ترمب قرارات بسحب القوات الأميركية والتخلي عن المصالح الأميركية والاستثمارات التي قامت بها في شمال شرقي سوريا «يبقى احتمالاً ضعيفاً».

ورأى أن «آفة داعش» قد تنتعش في سوريا، لأنها موجودة بالفعل، وهناك آلاف العناصر في السجون التي تسيطر عليها الوحدات الكردية في شمال شرقي سوريا، مع الأخذ في الاعتبار أن محبي شبح «داعش» بدأوا يتحولون إلى قتلة إرهابيين في أميركا، حيث يؤدي الانقسام الاجتماعي الحاد، وبيئة الصراع، وعدم المساواة الكبيرة في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى خلق «ذئاب منفردة» مستقلة لا ترتبط بشكل مباشر بتنظيم «داعش».

وضرب المثال على ذلك بحادثتي أعياد الميلاد في سوق بألمانيا، وفي نيو أورليانز في أميركا.

وعبَّر بورصالي عن اعتقاده بأن إسرائيل تشكل أكبر عائق أمام إمكانية الانسحاب الأميركي من سوريا، وأن هناك اتصالات من حزبي العمال الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي السوري، لمنع الانسحاب الأميركي، مضيفاً أن البنتاغون يستطيع إقناع ترمب بسهولة بأن القوات الأميركية موجودة في سوريا دون انخراط في القتال.

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

ورأى أن الخطر الثالث الذي قد يؤدي إلى عدم اتخاذ ترمب قرار الانسحاب هو إيران، التي يشكل ملفها النووي مصدر قلق، وسيكون على أجندة ترمب بشكل أو بآخر. ولفت إلى أن بعض قادة الرأي في أميركا يكتبون أنه قد تكون هناك حاجة لتدمير قدرات إيران النووية بالكامل، وإجراء التحليلات وتقديم التوجيه السياسي العسكري لترمب.

وأضاف أن الأمريكيين سيتولون مهمة خلق أرضية لصالحهم في تركيا، بالقول إن إيران تشكل أيضاً خطراً عليها، وسيدرجون أيضاً احتمال نشوب صراع محتمل بين إيران وتركيا على جدول أعمالهم، وأن مثل هذا الاحتمال سيكون أكبر كارثة على المنطقة وعلى تركيا، لا ينبغي لأحد حتى أن يفكر فيه.

دعم واسع ومشروعات

من جانب آخر، قالت المصادر العسكرية التركية إن سوريا تعد، جغرافياً، بوابة مهمة إلى البحر المتوسط، وبمجرد إنشاء السلطة الجديدة هناك، ستتغير التوازنات ​​مع اتفاقية تحديد المناطق الاقتصادية في شرق البحر المتوسط، المزمع توقيعها مع سوريا في المستقبل.

ولفتت إلى أن تركيا تشعر بالأمل بشأن العلاقات الدبلوماسية التي أقامتها في المنطقة، فضلاً عن أن لبنان، الذي يتمتع بساحل على البحر المتوسط، يخطط للعمل معها، وبالتالي أصبحت البلدان، التي كانت عيونها على موارد الطاقة في حوض البحر المتوسط وتفكر في تقاسمها، قلقة، حيث دمَّرت حساباتها، ومن شأن مثل هذا الاتفاق مع دمشق أن يزيد من فاعلية وكفاءة كل من سوريا وتركيا.

وقالت المصادر التركية إن الإدارة الجديدة في سوريا التي يرأسها أحمد الشرع، تتصرف بحسن نية وتعمل على استعادة استقرار البلاد في وقت قصير، وستقدم تركيا جميع أنواع الدعم والمساعدة لتنشيط الحياة الاقتصادية والتجارة وإعادة إعمار وبناء البلاد وإقامة نظام الدولة، إذا طُلب منها ذلك، ولن تدّخر أي جهد لدعم الهيكل العسكري الجديد.

وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو (حسابه في إكس)

وتستعد تركيا لدعم سوريا في مختلف المجالات، وبخاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار، وتشمل الخطط تنفيذ مشاريع كبيرة تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز التعاون بين البلدين، حسبما سبق وأعلن وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو.

وقالت مصادر بوزارة النقل التركية إن الإدارة السورية الجديدة أجرت محادثات مع الشركات التركية حول مشاريع، تتضمن إعادة تأهيل السكك الحديدية القديمة التي تعود إلى الحقبة العثمانية، وإنشاء خطوط قطارات سريعة لتسهيل التنقل بين المدن، وإنشاء خطوط مترو أنفاق حديثة في كل من دمشق وحلب لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنقل داخل المدن.

وحسبما نقلت صحيفة «تركيا» عن المصادر، تشمل المشاريع تطوير النقل البحري بين أنطاكيا ومرسين في جنوب تركيا مع مدينة اللاذقية السورية، مما يسهم في تعزيز حركة التجارة والتواصل الإقليمي.

وإلى جانب ذلك، يجري التركيز على معالجة النقص في البنية التحتية لـ5 مطارات سورية، مع إعطاء الأولوية لمطاري دمشق وحلب، حسب تقرير أعدَّه فريق متخصص زار سوريا لتقييم الوضع.

اشتباكات منبج

بالتوازي، وقعت اشتباكات عنيفة، الأحد، على محاور سد تشرين وجسر قره قوزاق بريف حلب الشرقي، بين فصائل «الجيش الوطني السوري» الموالية لتركيا و«قسد»، بدعم من الطائرات المسيّرة والمدفعية التركية.

اشتباكات عنيفة بين الفصائل الموالية لتركيا و«قسد» على أطراف منبج الجنوبية (المرصد السوري)

وقُتل في الاشتباكات 15 عنصراً من الفصائل، بالإضافة إلى تدمير آليات عسكرية عدة، كما قُتل 4 عناصر من «قسد» جراء غارات جوية نفَّذها الطيران التركي المسيَّر، حسب المرصد السوري.

واستهدفت قذائف المدفعية التركية والفصائل، التي انطلقت من بلدة الهوشرية بريف جرابلس في شرق حلب، مواقع لـ«قسد» مع استمرار المعارك في ريف منبج. وأحصى المرصد مقتل 85 من الفصائل الموالية لتركيا، و16 من قوات «قسد» وتشكيلاتها العسكرية، على مدى يومين من الاشتباكات التي تتركز في ريفي منبج الجنوبي والشرقي.

في الوقت ذاته، شن الطيران التركي المسيّر 9 غارات استهدفت مواقع متعددة في بلدة الجرنية بريف الطبقة، بما في ذلك منشآت عسكرية ومحطة كهرباء، مما أدى إلى مقتل 4 من عناصر «قسد» وإصابة اثنين آخرين، فضلاً عن وقوع أضرار مادية كبيرة في المنطقة.


مقالات ذات صلة

رخصة أميركية لسوريا تتيح معاملات مع مؤسسات حكومية

المشرق العربي من أمام المقر الرئيسي للبنك المركزي السوري بينما يتحرك الناس لصرف الدولار الأميركي بأسعار أقل من السوق السوداء... دمشق 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

رخصة أميركية لسوريا تتيح معاملات مع مؤسسات حكومية

أصدرت الخزانة الأميركية، اليوم (الاثنين)، رخصة عامة لسوريا تسمح لها بإجراء معاملات مع مؤسسات حكومية وكذلك بعض معاملات الطاقة والتحويلات المالية الشخصية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تحليل إخباري هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده بالجامعة

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي الرئيسان بوتين والأسد في قاعدة حميميم على الساحل السوري يوم 11 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

مدير مكتب بشار: بوتين لم يرد على اتصالات الأسد في الأيام الأخيرة لحكمه

تحدث مدير المكتب السياسي والإعلامي بالرئاسة السورية سابقاً عن الفترة الأخيرة لحكم بشار الأسد، من بينها أن بوتين لم يرد على اتصالاته على مدار أيام قبل رحيله.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تتمركز في شمال شرقي منبج (أ.ف.ب)

اشتعال محاور القتال بين الفصائل الموالية لتركيا و«قسد» على أطراف منبج

تشهد محاور القتال بين الفصائل الموالية لتركيا و«قسد» في سد تشرين وجنوب شرقي منبج، اشتباكات عنيفة، وسط قصف تركي وتعزيزات أميركية في عين العرب والحسكة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تظهر هذه الصورة الجوية موقعاً يُعتقد أنه مقبرة جماعية على بُعد نحو 35 كيلومتراً شرق دمشق (أ.ف.ب)

العثور على مقبرة جماعية تحوي عظاماً وبقايا ملابس بجنوب سوريا

عثر الأهالي في سوريا على مقبرة جماعية بمحيط الفرقة التاسعة في مدينة الصنمين في الريف الشمالي من محافظة درعا في جنوب سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

واشنطن تخفف «القيود» على دمشق

قافلة شاحنات تحمل مساعدات سعودية تدخل سوريا من معبر النصيب مع الأردن أمس (رويترز)
قافلة شاحنات تحمل مساعدات سعودية تدخل سوريا من معبر النصيب مع الأردن أمس (رويترز)
TT

واشنطن تخفف «القيود» على دمشق

قافلة شاحنات تحمل مساعدات سعودية تدخل سوريا من معبر النصيب مع الأردن أمس (رويترز)
قافلة شاحنات تحمل مساعدات سعودية تدخل سوريا من معبر النصيب مع الأردن أمس (رويترز)

مع بدء العد التنازلي لرحيلها، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تخفيف بعض القيود المالية على سوريا، تاركة مسألة رفع العقوبات لقرار تتخذه الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترمب.

وأظهر الموقع الإلكتروني الخاص بوزارة الخزانة الأميركية أن الولايات المتحدة أصدرت أمس رخصة عامة لسوريا تسمح لها بإجراء معاملات مع مؤسسات حكومية وكذلك بعض معاملات الطاقة والتحويلات المالية الشخصية.

في الأثناء، جرت في أنقرة مباحثات تركية - أردنية. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحافي بحضور نظيره الأردني أيمن الصفدي، إن القضاء على «وحدات حماية الشعب» الكردية بات «مسألة وقت»، وإن أنقرة لن توافق على أي سياسة تسمح للوحدات الكردية بالحفاظ على وجودها في سوريا. وأكد فيدان أن بلاده لن تسمح بتمرير أي أجندات غربية تدعم «حزب العمال الكردستاني» بذريعة مكافحة «داعش».

إلى ذلك، وصل إلى أبوظبي، أمس، أسعد الشيباني، وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، حيث التقى الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، وبحثا التطورات في سوريا، والأوضاع الإقليمية، وسبل تعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين.