إردوغان: تركيا لم تتدخل في سوريا بل ساعدتها على وضعها الحالي

أنقرة تراقب الخطوات الأميركية وتسلُّم ترمب... وعشرات القتلى في اشتباكات الفصائل و«قسد»

عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)
TT

إردوغان: تركيا لم تتدخل في سوريا بل ساعدتها على وضعها الحالي

عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)

في الوقت الذي يحتدم فيه القتال بين الفصائل الموالية لتركية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على محاور في شرق حلب مخلِّفةً عشرات القتلي من الجانبين، ذكرت مصادر عسكرية تركية أن أنقرة تراقب كل خطوة تقوم بها أميركا في سوريا.

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن «تركيا لم تتدخل في سوريا، لكنها أوصلتها إلى وضعها الحالي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد».

وأضاف إردوغان في كلمة خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أوردو شمال تركيا، ليل السبت - الأحد، أن «تركيا جعلت سوريا في وضعها الحالي بعد دراسة الأمر من جميع الجوانب، وهناك واقع جديد الآن في سوريا».

إردوغان متحدثاً خلال مؤتمر لحزبه في أورودو شمال تركيا (الرئاسة التركية)

ولفت إلى أهمية المرحلة الجديدة لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، مؤكداً أن تركيا ستواصل العمل من أجل سوريا خالية من الإرهاب باستخدام جميع الوسائل المتاحة.

في السياق ذاته، قالت مصادر عسكرية تركية إن تركيا تواصل اتصالاتها الدبلوماسية لضمان السلام والهدوء في سوريا والحفاظ على بنيتها الوحدوية، وتعلِّق أهمية كبيرة على الموقف الذي سيتخذه الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، عندما يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي.

مراقبة الموقف الأميركي

وأضافت المصادر، حسبما نقلت صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة التركية، أنه إذا قرر ترمب سحب القوات الأميركية، فسيترك (تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية)، أكبر مكونات «قسد»، وحيداً، وسوف يكون هناك قدر كبير من الارتياح في سوريا والمنطقة، إذ إن روسيا تعيش معضلة حول ما إذا كانت ستخرج من سوريا أم لا، وإيران، التي تحاول فرض هيمنتها، لم تعد تتمتع بالقوة التي كانت تتمتع بها في السابق، بينما تواصل تركيا معركتها ضد تنظيمي حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الإرهابية دون انقطاع.

قوات روسية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وعن احتمال شن تركيا عملية عسكرية كبيرة ضد القوات الكردية في سوريا، قالت المصادر إن «العمليات الكبرى عبر الحدود تتوقف على السياسة التي سيتبعها ترمب، لكن القوات المسلحة التركية مستعدة دائماً لعملياتها».

واستبعدت المصادر قيام القوات الأميركية بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة عبن العرب (كوباني)، التي تسيطر عليها «قسد»، مضيفةً أن ما تقوم به هو إنشاء «نقطة تفتيش» لتوصيل رسالة إلى الوحدات الكردية، مفادها: «نحن معكم». وأشارت إلى أن مصادر المخابرات في المنطقة، تؤكد أنه لا توجد حركة حتى الآن.

كان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قد أشار، السبت، إلى إرسال القوات الأميركية رتلاً من 13 شاحنة تحمل عربات عسكرية وكتلاً إسمنتية ومواد لوجيستية، إلى عين العرب، بهدف استكمال إقامة قاعدة عسكرية لها هناك، بعد أن كانت قد أقامت نقطة مؤقتة للإشراف على تنفيذ وقفٍ لإطلاق النار بين القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالية لتركيا، و«قسد»، في شرق حلب. ونفت أنقرة وجود مثل هذا الاتفاق.

القوات الأميركية أرسلت تعزيزات من الحسكة إلى عين العرب خلال الأسام القليلة الماضية (أ.ف.ب)

في السياق نفسه، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) عدم وجود أي خطط أو نية لإقامة قاعدة أميركية في عين العرب، التابعة لمحافظة حلب شمال سوريا. وتعليقاً على الأنباء المتداولة، قالت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ: «اطّلعنا على بعض تلك الأخبار، لا توجد خطة لبناء قاعدة عسكرية في كوباني (عين العرب)، لست متأكدة من مصدر هذه الأخبار».

وأكدت سينغ أن الجنود الأميركيين موجودون في سوريا لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، وعين العرب لا يوجد فيها جنود أميركيون. وشددت على أن الولايات المتحدة تدعم سلامة الأراضي السورية وعملية الاستقرار السياسي، لكنّ هذا لن يكون ممكناً إلا من خلال القضاء على «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى.

وتنتشر في سوريا 9 قواعد أميركية، واحدة في منطقة التنف بريف حمص الشرقي، واثنتان في ريف دير الزور، و6 في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، ويبلغ عدد الجنود الأميركيين في سوريا 2000 جندي حسب آخر إحصاء صادر عن البنتاغون.

دوافع عدم الانسحاب

في السياق ذاته، رأى الكاتب التركي المخضرم، أورهان بورصلي، في مقال بصحيفة «جمهورييت»، الأحد، أن احتمال اتخاذ ترمب قرارات بسحب القوات الأميركية والتخلي عن المصالح الأميركية والاستثمارات التي قامت بها في شمال شرقي سوريا «يبقى احتمالاً ضعيفاً».

ورأى أن «آفة داعش» قد تنتعش في سوريا، لأنها موجودة بالفعل، وهناك آلاف العناصر في السجون التي تسيطر عليها الوحدات الكردية في شمال شرقي سوريا، مع الأخذ في الاعتبار أن محبي شبح «داعش» بدأوا يتحولون إلى قتلة إرهابيين في أميركا، حيث يؤدي الانقسام الاجتماعي الحاد، وبيئة الصراع، وعدم المساواة الكبيرة في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى خلق «ذئاب منفردة» مستقلة لا ترتبط بشكل مباشر بتنظيم «داعش».

وضرب المثال على ذلك بحادثتي أعياد الميلاد في سوق بألمانيا، وفي نيو أورليانز في أميركا.

وعبَّر بورصالي عن اعتقاده بأن إسرائيل تشكل أكبر عائق أمام إمكانية الانسحاب الأميركي من سوريا، وأن هناك اتصالات من حزبي العمال الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي السوري، لمنع الانسحاب الأميركي، مضيفاً أن البنتاغون يستطيع إقناع ترمب بسهولة بأن القوات الأميركية موجودة في سوريا دون انخراط في القتال.

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

ورأى أن الخطر الثالث الذي قد يؤدي إلى عدم اتخاذ ترمب قرار الانسحاب هو إيران، التي يشكل ملفها النووي مصدر قلق، وسيكون على أجندة ترمب بشكل أو بآخر. ولفت إلى أن بعض قادة الرأي في أميركا يكتبون أنه قد تكون هناك حاجة لتدمير قدرات إيران النووية بالكامل، وإجراء التحليلات وتقديم التوجيه السياسي العسكري لترمب.

وأضاف أن الأمريكيين سيتولون مهمة خلق أرضية لصالحهم في تركيا، بالقول إن إيران تشكل أيضاً خطراً عليها، وسيدرجون أيضاً احتمال نشوب صراع محتمل بين إيران وتركيا على جدول أعمالهم، وأن مثل هذا الاحتمال سيكون أكبر كارثة على المنطقة وعلى تركيا، لا ينبغي لأحد حتى أن يفكر فيه.

دعم واسع ومشروعات

من جانب آخر، قالت المصادر العسكرية التركية إن سوريا تعد، جغرافياً، بوابة مهمة إلى البحر المتوسط، وبمجرد إنشاء السلطة الجديدة هناك، ستتغير التوازنات ​​مع اتفاقية تحديد المناطق الاقتصادية في شرق البحر المتوسط، المزمع توقيعها مع سوريا في المستقبل.

ولفتت إلى أن تركيا تشعر بالأمل بشأن العلاقات الدبلوماسية التي أقامتها في المنطقة، فضلاً عن أن لبنان، الذي يتمتع بساحل على البحر المتوسط، يخطط للعمل معها، وبالتالي أصبحت البلدان، التي كانت عيونها على موارد الطاقة في حوض البحر المتوسط وتفكر في تقاسمها، قلقة، حيث دمَّرت حساباتها، ومن شأن مثل هذا الاتفاق مع دمشق أن يزيد من فاعلية وكفاءة كل من سوريا وتركيا.

وقالت المصادر التركية إن الإدارة الجديدة في سوريا التي يرأسها أحمد الشرع، تتصرف بحسن نية وتعمل على استعادة استقرار البلاد في وقت قصير، وستقدم تركيا جميع أنواع الدعم والمساعدة لتنشيط الحياة الاقتصادية والتجارة وإعادة إعمار وبناء البلاد وإقامة نظام الدولة، إذا طُلب منها ذلك، ولن تدّخر أي جهد لدعم الهيكل العسكري الجديد.

وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو (حسابه في إكس)

وتستعد تركيا لدعم سوريا في مختلف المجالات، وبخاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار، وتشمل الخطط تنفيذ مشاريع كبيرة تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز التعاون بين البلدين، حسبما سبق وأعلن وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو.

وقالت مصادر بوزارة النقل التركية إن الإدارة السورية الجديدة أجرت محادثات مع الشركات التركية حول مشاريع، تتضمن إعادة تأهيل السكك الحديدية القديمة التي تعود إلى الحقبة العثمانية، وإنشاء خطوط قطارات سريعة لتسهيل التنقل بين المدن، وإنشاء خطوط مترو أنفاق حديثة في كل من دمشق وحلب لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنقل داخل المدن.

وحسبما نقلت صحيفة «تركيا» عن المصادر، تشمل المشاريع تطوير النقل البحري بين أنطاكيا ومرسين في جنوب تركيا مع مدينة اللاذقية السورية، مما يسهم في تعزيز حركة التجارة والتواصل الإقليمي.

وإلى جانب ذلك، يجري التركيز على معالجة النقص في البنية التحتية لـ5 مطارات سورية، مع إعطاء الأولوية لمطاري دمشق وحلب، حسب تقرير أعدَّه فريق متخصص زار سوريا لتقييم الوضع.

اشتباكات منبج

بالتوازي، وقعت اشتباكات عنيفة، الأحد، على محاور سد تشرين وجسر قره قوزاق بريف حلب الشرقي، بين فصائل «الجيش الوطني السوري» الموالية لتركيا و«قسد»، بدعم من الطائرات المسيّرة والمدفعية التركية.

اشتباكات عنيفة بين الفصائل الموالية لتركيا و«قسد» على أطراف منبج الجنوبية (المرصد السوري)

وقُتل في الاشتباكات 15 عنصراً من الفصائل، بالإضافة إلى تدمير آليات عسكرية عدة، كما قُتل 4 عناصر من «قسد» جراء غارات جوية نفَّذها الطيران التركي المسيَّر، حسب المرصد السوري.

واستهدفت قذائف المدفعية التركية والفصائل، التي انطلقت من بلدة الهوشرية بريف جرابلس في شرق حلب، مواقع لـ«قسد» مع استمرار المعارك في ريف منبج. وأحصى المرصد مقتل 85 من الفصائل الموالية لتركيا، و16 من قوات «قسد» وتشكيلاتها العسكرية، على مدى يومين من الاشتباكات التي تتركز في ريفي منبج الجنوبي والشرقي.

في الوقت ذاته، شن الطيران التركي المسيّر 9 غارات استهدفت مواقع متعددة في بلدة الجرنية بريف الطبقة، بما في ذلك منشآت عسكرية ومحطة كهرباء، مما أدى إلى مقتل 4 من عناصر «قسد» وإصابة اثنين آخرين، فضلاً عن وقوع أضرار مادية كبيرة في المنطقة.


مقالات ذات صلة

عام على «ردع العدوان»... بدء مسار انهيار نظام الأسد

المشرق العربي مواطنون يقفون فوق تمثال مقلوب للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في دمشق يوم 8 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

عام على «ردع العدوان»... بدء مسار انهيار نظام الأسد

أكدت وزارة الدفاع السورية أن معركة «ردع العدوان»، التي بدأت قبل عام، «خلّصت الشعب السوري من نظام الظلم والإرهاب».

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي  جانب من أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين بأحداث الساحل في مدينة حلب (سانا) play-circle 00:29

انتهاء أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين بأحداث الساحل السوري

بدأت اليوم (الثلاثاء)، في مدينة حلب بشمال سوريا أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين بارتكاب الانتهاكات خلال أحداث الساحل مطلع شهر مارس (آذار) الماضي .

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لافتة إلى محافظة اللاذقية الواقعة على ساحل البحر المتوسط في غرب سوريا (أرشيفية)

إصابة 3 من عناصر الأمن السوري في اشتباكات مع «فلول النظام السابق»

قالت قناة (الإخبارية) التلفزيونية السورية، إن ثلاثة من أفراد قوات الأمن أصيبوا في اشتباكات مع مجموعة من «فلول النظام البائد» قرب بلدة جبلة في ريف اللاذقية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي خزامي في صورة تجمعه بأسرى تم تحريرهم في إحدى عمليات التبادل (حسابه على فيسبوك)

اغتيال وسيط سابق بين نظام الأسد ومعارضيه يشغل الشارع السوري

انشغل الشارع السوري في الساعات الماضية بنبأ اغتيال وسيط سابق بين فصائل المعارضة وقوات بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين خلال سنوات الحرب في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع وقَّع مع قائد «قسد» مظلوم عبدي اتفاقاً في دمشق مارس الماضي بشأن اندماجها بمؤسسات الدولة (أ.ب)
play-circle

«قسد»: مستعدون للانضمام للجيش السوري الجديد بشرط احترام هويتنا

أعلن سيبان حمو عن استعداد «قسد» للانضمام للجيش السوري الجديد بشرط أن يكون هذا الدمج على أسس «تحترم هويتنا وحفظ حقوق الشعب من دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.


قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.


سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
TT

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (الجمعة)، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل بعد انتهاء ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بنهاية عام 2026.

وذكرت الرئاسة اللبنانية في بيان أن سلّام طرح خلال اللقاء مع وفد مجلس الأمن إمكانية أن تعمل هذه القوة تحت إطار «هيئة الأمم المتحدة» لمراقبة الهدنة، أو أن تكون قوة حفظ سلام محدودة الحجم ذات طابع مشابه للقوة العاملة في هضبة الجولان بسوريا.

وقرر مجلس الأمن الدولي في أغسطس (آب) الماضي تمديد ولاية «اليونيفيل»، التي أنشئت في 1978 بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، حتى نهاية العام المقبل. ومن المنتظر أن تبدأ «اليونيفيل» عملية انسحاب تدريجي من جنوب لبنان بعد انتهاء ولايتها.