العراق... انكفاء أم خشية من الحدث السوري الجديد؟

السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)
السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)
TT

العراق... انكفاء أم خشية من الحدث السوري الجديد؟

السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)
السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)

مع تسارع وتيرة الزيارات الدبلوماسية العربية والإقليمية والأجنبية إلى دمشق بعد إطاحة نظام بشار الأسد، خصوصاً في الأيام الأخيرة، ما زالت الحكومة العراقية «مترددة» في إرسال وفد رسمي إلى سوريا، رغم حالة الجوار الجغرافي والتقارب الاجتماعي بين البلدين الشقيقين.

وبينما تتواصل مواقف حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني بشأن الحرص على «مساعدة الشعب السوري»، وتأكيدها على هذا المسار، خلال اتصالاته ببعض المسؤولين والزعماء العرب، فإن عدداً غير قليل من المراقبين المحليين لاحظوا أن حكومة السوداني «ما زالت تمارس نوعاً من الانكفاء»، أو تتعاطى «بحذر وخشية» لجهة الانخراط في الحدث السوري.

وقال السوداني، الأحد، إن حكومته «بادرت بإجراء اتصالات وزيارات مع الدول الشقيقة، وأطلقنا مبادرة لإرساء الأمن في سوريا، وقدمنا ورقة عراقية في مؤتمر العقبة بالأردن بشأن سوريا، وحظيت بترحيب جميع الأشقاء».

غير أن المسؤولين الحكوميين، سواء في وزارة الخارجية، أو على مستوى الشخصيات المقربة من رئيس الوزراء، لم يتحدثوا عن طبيعة تلك المبادرة، واقتصروا على التصريحات العمومية، وكذلك الأمر مع ما ورد في ورقة العقبة، وهو ما يؤكد طبيعة «الحذر» الذي تمارسه بغداد حيال الحدث السوري.

ويقرّ الباحث والمحلل نزار حيدر بـ«الحذر والانكفاء» العراقي حتى الآن، ويتوقع أن يستمر لفترة غير معروفة.

ويعزو حيدر أحد أسباب ذلك، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «عدداً من عناصر الفصائل السورية المسلحة كانوا يقاتلون في العراق بعد عام 2003 ضمن جماعات أصولية»، لذا «تتأنى السلطات العراقية في التواصل مع الحكم الجديد في سوريا، ولا أظنها ستتخذ خطوة إيجابية قبل أن تجد مخرجاً لهذا الملف لتسويقه أمام الرأي العام العراقي الذي ينظر بعين الريبة لهذه الفصائل».

ويتابع حيدر أن «انتظار العراق لا يمكن أن يطول كثيراً، إذ لا بد أن يتخذ خطوة إيجابية لمد جسور العلاقات مع دمشق بعد عديد البيانات والتغريدات الإيجابية التي صدرت عن عدد من المسؤولين العراقيين بشأن التغيير الذي تشهده سوريا».

ويعتقد أن «انخراط العراق في فترة من الفترات في القتال ضد تنظيمات هذه الزعامات على الأراضي السورية عندما كانت طهران تقاتل كتفاً لكتف في سوريا لحماية نظام الطاغية المخلوع بشار الأسد، له تداعيات أيضاً على ملف العراق بين بغداد ودمشق ينبغي تفكيكها».

ويتفق رئيس «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري على أن الموقف العراقي بشكل عام «يتعاطى بحذر شديد جداً مع التطورات السورية لاعتبارات عديدة»، حسبما قال لـ«الشرق الأوسط».

وضمن تلك الاعتبارات «القناعات المسبقة لدى العراق، واتجاهات الفصائل السورية المسلحة و(هيئة تحرير الشام) واحدة منها، وتالياً يسعى إلى وضع هذه الجماعات في لحظات ترقب واختبار».

ويعتقد الشمري أن من بين أسباب الانكفاء العراقي «حالة الانقسام الحادة داخل (الإطار الشيعي) بين الراغبين في مد العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة والرافضين لذلك التي تمثلها الفصائل المسلحة، لذلك أعاق هذا الانقسام داخل حاضنة السوداني جهود أن يكون هناك تواصل رسمي أو ذهاب وفد عراقي لدمشق».

ويعد رئيس الوزراء الأسبق وعضو «الإطار التنسيقي»، حيدر العبادي، من بين المؤيدين للوضع السوري الجديد، وأطلق قبل أيام «مبادرة الرافدين» لإغاثة الشعب السوري، وطالب بجهد سياسي مواز للانخراط في الحدث السوري.

ولا يستبعد الشمري أن يكون «الفاعل الإيراني وراء التأثير الأكبر في التردد والانكفاء العراقي، فلا تزال حكومة السوداني تنظر إلى الموقف الإيراني تجاه الملف السوري، ويبدو أن طهران رافضةٌ للحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، وهذا باعتقادي أثر على موقف حكومة السوداني».

ويضيف سبباً آخر لحالة الانكفاء والتردد يتمثل في أن «المواقف السابقة لرئيس الوزراء، خصوصاً حين أشار في وقت سابق إلى عدم إمكانية التعامل مع الجماعات الإرهابية، قد تدفع باتجاه عدم التواصل بشكل سريع مع الحدث السوري لأنه سيكون بمثابة تناقض كبير في المواقف».


مقالات ذات صلة

مستشار السوداني: إذا لم نبادر إلى حل الفصائل فسيحلها الآخرون بالقوة

المشرق العربي كتائب «حزب الله» العراقية هدَّدت مراراً بزيادة هجماتها على الأميركيين والإسرائيليين (إكس)

مستشار السوداني: إذا لم نبادر إلى حل الفصائل فسيحلها الآخرون بالقوة

أدلى أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي بتصريحات مثيرة حول ضرورة أن يبادر العراق إلى هيكلة الفصائل المسلحة وحلّها قبل أن تُحلّ بالقوة من قِبل آخرين.

فاضل النشمي (بغداد)
الخليج ولي العهد السعودي لدى استقباله في المخيم الشتوي بالعُلا رئيس الوزراء العراقي (واس) play-circle 00:19

محمد بن سلمان والسوداني يبحثان التطورات الإقليمية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة تجاهها.

«الشرق الأوسط» (العلا)
تحليل إخباري رفع علم المعارضة على مبنى السفارة السورية في بغداد بعد سقوط نظام بشار الأسد 11 ديسمبر الحالي (رويترز)

تحليل إخباري تأثير تطورات سوريا على العراق... تغييرات طفيفة أم تحولات جذرية؟

يتداول العراقيون، على المستويين السياسي والشعبي، إمكانية تأثير التطورات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، على العراق، وما قد ينجم عن ذلك من ارتدادات، وتغيرات محتملة.

فاضل النشمي (بغداد)
تحليل إخباري مروحيات تابعة للخارجية الأميركية ترافق الوزير أنتوني بلينكن أثناء توجهه نحو سفارة بلاده في بغداد في 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

تحليل إخباري بغداد بعد دمشق... أسئلة «اليوم التالي»

يقول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إنها «لحظة مناسبة للعراق ليعزز سيادته»، بينما تغرق أحزاب بغداد في «نظريات مؤامرة» حول ما سيجري بعد «زلزال» دمشق.

علي السراي (لندن)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء العراقي محمد السوداني (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان والسوداني يبحثان مستجدات المنطقة

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي، مستجدات الأحداث في المنطقة، وتطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

انتخاب رئيس للبنان يتأرجح مناصفة بين التفاؤل والتشاؤم

من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)
من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)
TT

انتخاب رئيس للبنان يتأرجح مناصفة بين التفاؤل والتشاؤم

من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)
من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

يصعب على الكتل النيابية التكهُّن، منذ الآن، بأن جلسة انتخاب رئيس للجمهورية المقررة في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل ستنتهي إلى ملء الشغور الرئاسي، في ظل الغموض الذي يكتنف مواقفها، مع انقطاع التواصل بين المعارضة و«الثنائي الشيعي» (حركة أمل و«حزب الله») للتفاهم على رئيس توافقي، وكثرة عدد المرشحين الذين سيخضعون حكماً إلى غربلة، بالتلازم مع انكبابها على حسم خياراتها الرئاسية، بدءاً من مطلع العام الجديد؛فجلسة انتخاب الرئيس تبقى قائمة، ولا مجال لتأجيلها، في ظل الضغوط الدولية لإخراج انتخابه من المراوحة، لكن هذا لا يعني أن «الدخان الأبيض» سيتصاعد من القاعة العامة للبرلمان، حتى لو بقيت مفتوحة لدورات متتالية؛ ما لم تبادر الكتل النيابية لتقديم التسهيلات لانتخابه، الذي يبقى حتى الساعة يتأرجح مناصفةً بين التفاؤل والتشاؤم، وهذا يفرض التلاقي في منتصف الطريق للتوافق على رئيس يحظى بحيثية مسيحية وازنة يُرضِي الشيعة، ويتمتع بالمواصفات التي حددتها اللجنة «الخماسية» لإنقاذ لبنان؛ خصوصاً أن انتخابه بات ملحّاً ليأخذ على عاتقه، بالتعاون مع حكومة فاعلة محصَّنة، بحزمة من الإصلاحات، مواكبة تطبيق القرار «1701» لإنهاء الحرب مع إسرائيل، وإعادة إدراج اسم لبنان على لائحة الاهتمام الدولي.

ومع أن اسم قائد الجيش لا يزال يتقدم السباق الرئاسي، فإن مَن يؤيده من النواب ليسوا في وارد ترشيحه للرئاسة إلا في حال توافرت لهم الضمانات، بحصوله على ثلثَي أعضاء البرلمان، أي 86 نائباً، حسماً للجدل حول تعديل الدستور.

وفي المقابل، فإن رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، الذي لا يبدي حماسة لتعديل الدستور، سيواجه صعوبة، كما يقول مصدر نيابي وسطي لـ«الشرق الأوسط»، في التوافق على رئيس يتناغم انتخابه مع التحولات التي شهدتها المنطقة، ما دام الاصطفاف بداخل البرلمان بدأ يتغير مع توجه أكثرية النواب المنتمين للطائفة السنية للتموضع في منتصف الطريق بين المعارضة وخصومها، وعلى رأسهم الثنائي الشيعي الذي بات يفتقر إلى تأييد بعضهم ممن اقترعوا في جلسة الانتخاب الأخيرة لمرشحه زعيم تيار «المردة»، سليمان فرنجية، في مواجهة منافسه، الوزير السابق جهاد أزعور. وبكلام آخر، فإن انتخاب الرئيس في الدورة الأولى بحاجة لتأمين النصاب بأكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، أي 86 نائباً، لانعقادها وتأمين انتخاب الرئيس بنفس العدد، فيما انعقاد دورة الانتخاب الثانية يتطلب حضور الثلثين، على أن يُنتخب رئيساً بأكثرية مطلقة، «أي نصف عدد النواب زائد واحد (65 نائباً)». لذلك، ومع استعداد الكتل النيابية لحسم خيارها، فإنها قد تجد نفسها في مأزق يستعصي على هذا أو ذاك؛ تأمين تأييد 65 نائباً لمرشحها في جميع دورات الانتخاب، مع امتناع مؤيدي عون عن ترشيحه، ما لم يتأمن العدد النيابي المطلوب لإيصاله للرئاسة، رغم أن الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي»، وليد جنبلاط، كان أول مَن أيَّده، وهذا لم يلقَ ارتياح حليفه بري، بذريعة أنه استعجل في قراره، وكان الأفضل له التريُّث لبعض الوقت. ويؤكد المصدر النيابي أن انصراف الكتل النيابية لجوجلة أسماء المرشحين سيضع قوى المعارضة في اجتماعها الموسع في الثاني من الشهر المقبل أمام حسم موقفها ترشحاً، واقتراعاً، في ضوء القرار النهائي لرئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، بخوضه المعركة أو عزوفه عن الترشح، رغم أن عدداً من النواب المنتمين إلى كتلته بادروا إلى ترشيحه. ويقول إن المطلوب من المعارضة أن تقول كلمتها، لأنه لم يعد في مقدورها اتباع سياسة المناورة، قبل أسبوع من موعد جلسة الانتخاب، وبات عليها الخروج من حالة الإرباك وتفويت الفرصة على خصومها الذين يراهنون على أن انقسامها في تأييدها للعماد عون سيضعف قدرتها على الإتيان برئيس يكون لها القرار الراجح في إيصاله إلى بعبدا.

ويسأل المصدر: ماذا لو قرَّر رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، الاستدارة نحو تأييده لجعجع، مع أنها تستبعد ذلك؛ كونه أول من بادر إلى إعداد لائحة بأسماء المرشحين تداول فيها مع بري و«حزب الله»؛ رغبة منه بتقديم نفسه على أنه أحد صانعي الرؤساء، ويكشف أنه تشاور مع الحزب الذي أبلغه بأنه لا يضع «فيتو» عليهم، وهم 3، يتردد أن الثنائي لا يمانع تأييدهم. ويلفت إلى أن المعارضة تراقب ما يُنسب للفريق الآخر بأن الثنائي الشيعي يدرس تأييده لترشيح أزعور الذي لا يزال اسمه في عِداد المرشحين. في محاولة، من وجهة نظره، لإحراج المعارضة وإرباكها، ويقول إن المعارضة لن تكون منزعجة وترحِّب بهذه الخطوة، وتسأل عن مدى استعداده، أي الثنائي، لتأييده الذي يتسبب بإزعاج حليفه فرنجية الذي تبنى ترشيحه في دورة الانتخاب الأخيرة ضد منافسه أزعور، ويصر «حزب الله» على ترشيحه مجدداً، ربما لقطع الطريق على جعجع في حال قرَّر الترشح. وعليه، فإن بري، كما يقول المصدر، سينزل بكل ثقله لانتخاب رئيس توافقي، مهما طالت دورات الانتخاب، وبالتالي لن يسمح بأن تنتهي كسابقاتها من الجلسات بتعطيل انتخابه. لكن تبقى كلمة الفصل للميدان النيابي، وما إذا كان الثنائي الشيعي سيعيد النظر في موقفه من تعديل الدستور، بعد أن يكون استخدمه في وجه عون لتحسين شروطه؛ بدءاً بتقاسمه الشراكة، بانتخابه، باعتبار أن لا تسوية إلا مع بري ولا يمكن تخطيه.

رئيس البرلمان اللبناني خلال مناقشته بنود الورقة الأميركية مع الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين (أ.ف.ب)

فهل ستحمل جلسة الانتخاب مفاجأة غير محسوبة مع ارتفاع موجة التأييد الدولي والإقليمي لقائد الجيش، وإن كانت مصادر بري لا تصنّف الزيارة المرتقبة للوسيط الأميركي، آموس هوكستين، لبيروت في خانة مواكبة انتخاب الرئيس؛ فهي تحصرها في معالجة الخروق الإسرائيلية، لتثبيت وقف إطلاق النار في الجنوب، فور انتهاء مفعول الهدنة المنصوص عليها في الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية. وأخيراً هل يبقى الاصطفاف النيابي بحالته الراهنة على نحو يعطل انتخاب الرئيس؟ أم أن الضغوط الدولية ستشكل رافعة لا يمكن مقاومتها محلياً، وتؤدي إلى خفض منسوب التشاؤم لدى أكثرية النواب؛ بأن الجلسة المفتوحة لن تُفرج عن انتخاب الرئيس، وستأخذ البلد إلى مزيد من التأزم، وتقحمه في مأزق يحمّل مَن يعطل انتخابه مسؤولية لا يمكنه تجاوز تبعاتها؛ كونها تتعدى الداخل إلى المجتمع الدولي.