مقهى الروضة الدمشقي يتخلّص من القبضة الأمنية ويستعيد رواده

استضاف شخصيات سياسية وبرلمانيين ورموز «الربيع» وثوار 2011

مقهى الروضة (الشرق الأوسط)
مقهى الروضة (الشرق الأوسط)
TT

مقهى الروضة الدمشقي يتخلّص من القبضة الأمنية ويستعيد رواده

مقهى الروضة (الشرق الأوسط)
مقهى الروضة (الشرق الأوسط)

انهمك أصحاب المحال التجارية في أسواق منطقة الصالحية بالوسط التجاري للعاصمة دمشق، في طلاء أبواب محالهم باللون الأبيض لطمس العلم السوري السابق الذي أُلزموا برسمه على أبواب محالهم تحت طائلة العقوبة. استغلّ أصحاب المحال عطلة يوم الجمعة للقيام بعمليات الطلاء، في وقت كان فيه مقهى الروضة التاريخي القريب من البرلمان يستعيد ذاكرته ويستأنف دوره بصفته مكاناً تجتمع فيه فعاليات المجتمع السياسي والثقافي والفني السوري، بوصفه محطة ضرورية للقاء اليومي أو للقاءات الأولى والتعارف، مع عودة السوريين من الخارج وتدفق الإعلاميين إلى العاصمة.

ويمتلك مقهى الروضة ذاكرة سياسية عبر شخصيات مؤثرة وبرلمانيين دأبوا على ارتياده، كما أنه شهد كثيراً من لقاءات رموز ما عُرف بـ«ربيع دمشق»، ولاحقاً لقاءات الثوار الذين شاركوا في الانتفاضة ضد حكم الرئيس بشار الأسد عام 2011، إلا أن القبضة الأمنية للنظام السابق حوّلت هذا المقهى إلى مصيدة للملاحقة والاعتقال.

طلاء محال الأسواق التجارية في منطقة الصالحية بدمشق (الشرق الأوسط)

يقول المشرف على مقهى الروضة، ماهر عمران، لـ«الشرق الأوسط»: «كان الأمن مقيماً بشكل دائم، وهناك من عمّال المقهى من كان مجنّداً في الأمن. كانوا يمارسون علينا ضغوطاً منهكة للحصول على معلومات عن مرتادي المقهى من شخصيات معارضة. الآن ارتحنا». وتابع: «أربعة من زبائن المقهى كانوا سجناء في صيدنايا وعادوا إليه (اليوم). كما عاد الكثير من المرتادين القدامى إليه، وهناك أيضاً الكثير من الوجوه الجديدة».

قال الفنان والمسرحي أحمد ملص، العائد من فرنسا، إن «أول مكان فكّرت بزيارته عند عودتي هو مقهى الروضة. في المنفى كنا نتابع أخباره وما ينتج من وثائقيات عنه، وعندما عدت حرصت على الوجود فيه لنقول: إننا نحن هنا في دمشق، وعاش الشعب». ولفت إلى أن «كثيراً من رفاقنا تمت ملاحقتهم في هذا المقهى، وعندما يفكّر أحدنا بالعودة إلى سوريا، فأول ما يفكر به اللقاء في الروضة».

طلاء أبواب المحال التجارية بالأبيض عوض العلم السوري السابق في دمشق (الشرق الأوسط)

كان أحمد مع شقيقه التوأم محمد في مقهى الروضة، صباح الجمعة، خلال إجراء لقاء صحافي مع «لوفيغارو» الفرنسية حول عملهما المسرحي الذي سيكون أول عمل سيُقدّم بعد سقوط النظام في دمشق. قال محمد: «اخترنا مقهى الروضة مكاناً للقائنا؛ لأن هذا المكان يمثّل لنا رمز دمشق. كنا في منفانا نبحث عن أماكن تشبهه للاجتماع فيه، والحمد لله عدنا إليه».

ولا تقتصر شهرة المقهى العريق على سكان دمشق، وإنما تمتد لتشمل مواطنين من بلدان مختلفة، لا سيما العراق ولبنان، وهو أمر ينطبق أيضاً على مقاهٍ عديدة ذات صيت، تاريخياً وسياسياً وثقافياً، في دمشق، مثل: «النوفرة» و«الكمال» و«الهافانا».

السيدة بيان من داريا قالت إن «موقع مقهى الروضة في قلب دمشق له خصوصية في منح الشعور بالألفة والانتماء والعودة إلى أيام العز في الشام قبل الحرب التي عشناها».

الصحافي العراقي غيث سليم الذي جلس وحيداً على إحدى الطاولات يدوّن ملاحظاته، قال إنه كان يواظب على زيارة دمشق قبل الحرب وكان يأتي إلى مقهى الروضة للقاء المثقفين السوريين والعراقيين، وكانت آخر زيارة له عام 2019، وهو الآن يعود إليه، واصفاً الأجواء عموماً بـ«المريحة».

طلاء المحال التجارية باللون الأبيض في سوق الطلياني بدمشق (الشرق الأوسط)

ومقهى الروضة الذي تأسّس عام 1937 في شارع العابد قريباً من البرلمان السوري، أقرب إلى بيت دمشقي بمساحة تقارب ثمانمائة متر، تتوسطها بركة صغيرة وشجرات تُضفي على المكان خصوصية تحتفظ بأسماء من مرّوا من كبار الكتاب والشعراء والفنانين السوريين والعرب. وعلى طاولات المقهى كانت تدور رحى المعارك الثقافية والسياسية قبل أن يداهمها الصمت القسري لتبقى لسنوات مكاناً للمتقاعدين والباحثين عن مكان شعبي لشرب القهوة والشاي وتدخين «الأرجيلة».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق بعد سقوط النظام، التقى رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)
المشرق العربي القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز) play-circle 00:32

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دمشق، والتقى قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وبالتزامن أجرى وزير الدفاع التركي جولة تفقدية على الحدود.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية play-circle 06:14

خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

«هذه ليست غزة. إنه مخيم اليرموك»... لا تكفي قراءة اللافتة مراراً عند مدخل المخيم الفلسطيني المحاذي لدمشق لترسخ هذه الحقيقة في ذهن الزائر.

بيسان الشيخ (مخيم اليرموك (دمشق))
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: ليس لدينا «وكلاء» في المنطقة

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن بلاده ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، مشدداً على أنها «ستتخذ أي إجراء بنفسها دون الحاجة إلى قوات تعمل بالنيابة».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

نالت المستشفيات في جنوب لبنان، حصتها من الحرب الإسرائيلية، باستهدافات مباشرة وغير مباشرة. ومع دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، ها هي تحاول النهوض مجدداً رغم كل الصعوبات، بينما لا تزال مجموعة منها، لا سيّما الواقعة في القرى الحدودية، متوقفة عن العمل أو تعمل بأقسام محددة، وتحت الخطر.

مستشفى بنت جبيل

في بلدة بنت جبيل، عاد مستشفى صلاح غندور للعمل. ويقول مدير المستشفى الدكتور محمد سليمان: «فتحنا الأبواب في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار، بداية مع قسم الطوارئ، الذي استقبلنا فيه حالات عدّة، وقد جرى العمل على تجهيز الأقسام الأخرى، منها قسم العمليات، الذي بات جاهزاً، إضافة إلى قسمي المختبر والأشعة».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ستتمّ إعادة فتح القسم الداخلي خلال أيام، أما العيادات الخارجية فتحتاج إلى مزيد من الوقت كي تستقبل المرضى، وكذلك الصيدلية».

ويتحدَّث عن أضرار كبيرة أصابت المستشفى، قائلاً: «لكننا نعمل من أجل إصلاحها. قبل أن نُخلي المستشفى كان لدينا مخزون كافٍ من المستلزمات الطبية، وهو ما سهّل عملنا».

ومع استمرار الخروقات الإسرائيلية والمسيَّرات والطائرات الحربية التي لا تفارق الأجواء، يؤكد سليمان أن «المستشفى يعمل بشكل طبيعي، والأهم أن الطاقمين الطبي والإداري موجودان».

وكان المستشفى قد استُهدف بشكل مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي تسبّب بإصابة 3 أطباء و7 ممرضين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تمّ حينها الإخلاء، علماً بأن محيط المستشفى قُصف لمرات عدة قبل ذلك.

لكن مستشفى بنت جبيل الحكومي لم يفتح أبوابه، في حين استأنف مستشفى مرجعيون الحكومي استقبال المرضى اعتباراً من يوم الخميس، 5 ديسمبر (كانون الأول).

مستشفى ميس الجبل

«لم يُسمح لنا بالتوجه إلى ميس الجبل، لذا بقي المستشفى مقفلاً ولم نعاود فتح أبوابه»، يقول مدير الخدمات الطبّيّة في مستشفى ميس الجبل الحكومي، الدكتور حليم سعد، لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «يقع المستشفى على الحدود مباشرة، أُجبرنا على إقفال أبوابه بعد نحو أسبوع من بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد تمّ قصفه مرات عدة، ونحن حتّى يومنا هذا لم نتمكّن من العودة إليه»، وذلك نتيجة التهديدات الإسرائيلية المستمرة في هذه المنطقة ومنع الجيش الإسرائيلي الأهالي من العودة إلى عدد من القرى، ومنها ميس الجبل.

أما مستشفى تبنين الحكومي، فإنه صامد حتّى اليوم، بعدما كان يعمل وحيداً خلال الحرب، ليغطي المنطقة الحدودية هناك كلها، علماً بأنه استُهدف مرات عدة بغارات سقطت في محيط المستشفى، كما أصابت إحدى الغارات الإسرائيلية قسمَي العلاج الكيميائي والأطفال، وأخرجتهما عن الخدمة.

النبطية

من جهتها، عانت مستشفيات النبطية طوال فترة الحرب من القصف الكثيف والعنيف في المنطقة، والدليل على ذلك حجم الدمار الهائل في المدينة وجوارها؛ ما تسبب في ضغط كبير على المستشفيات هناك.

تقول مديرة مستشفى «النجدة الشعبية» في النبطية، الدكتورة منى أبو زيد، لـ«الشرق الأوسط»: «كأي حرب لها نتائج سلبية، أثرت بنا وعلينا، خصوصاً أننا في القطاع الصحي، نعيش أساساً تداعيات أزمات كثيرة، منذ قرابة 5 سنوات، منها جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والمالية؛ ما منعنا عن تطوير إمكاناتنا وتحسين الخدمات الطبية لمرضانا».

قوات إسرائيلية تتنقل بين المنازل المدمرة في بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

أثر نفسي

وتتحدَّث الدكتورة منى أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» عن أمور أساسية مرتبطة بتداعيات الحرب. وتقول: «نقطتان أساسيتان، لا بد من التطرق إليهما عند الحديث عمّا أنتجته الحرب الإسرائيلية، الأولى: الوضع النفسي لجميع العاملين في المستشفى، الذين مكثوا داخله طوال فترة الحرب التي استمرّت 66 يوماً على لبنان. وفور انتهاء الحرب، وجد بعضهم منزله مدمراً وأصبحت عائلته دون سقف أو مأوى، وفقد آخرون أحباباً وأقارب لهم».

وعلى خلفية هذا الواقع، لا يزال كثير من الأطباء خارج المستشفى، لإعادة تنظيم حياتهم؛ ما تسبب بنقص في الكادر البشري داخل المستشفى، وفق ما تؤكد الدكتورة منى، التي اضطرت لدمج أقسام وتسكير أخرى.

وعن يوم إعلان وقف إطلاق النار، تروي الدكتورة منى كيف كان وقع عودة الأهالي إلى بلداتهم وقراهم: «استقبلنا 57 مريضاً في اليوم الأول، الغالبية منهم أُصيبت بوعكة صحية جراء رؤيتهم الدمار الذي حلّ بمنازلهم وممتلكاتهم».

معاناة متفاقمة

أما النقطة الثانية التي تطرّقت إليها، فإنها تتعلق بتبعات مالية للحرب أثرت سلباً على المستشفى، إذ «في الفترة الماضية تحوّلنا إلى مستشفى حرب، ولم يكن لدينا أيّ مدخول لتغطية تكلفة تشغيل المستشفى، ومنها رواتب الموظفين» حسبما تقول.

وتضيف: «لدي 200 موظف، وقد واجهنا عجزاً مالياً لن أتمكّن من تغطيته. نمرُّ بحالة استثنائية، استقبلنا جرحى الحرب وهذه التكلفة على عاتق وزارة الصحة التي ستقوم بتسديد الأموال في وقت لاحق وغير محدد، وإلى ذلك الحين، وقعنا في خسارة ولن يكون بمقدورنا تأمين كامل احتياجات الموظفين».

وعمّا آلت إليه أوضاع المستشفى راهناً، بعد الحرب، تقول: «فتحت الأقسام كلها أبوابها أمام المرضى؛ في الطوارئ وغرفة العناية وقسم الأطفال وغيرها».

وتؤكد: «رغم الضربات الإسرائيلية الكثيفة التي أصابتنا بشكل غير مباشر، ونوعية الأسلحة المستخدَمة التي جلبت علينا الغبار من مسافات بعيدة، فإننا صمدنا في المستشفى حتّى انتهت الحرب التي لا تزال آثارها مستمرة».

صور

ولا تختلف حال المستشفيات في صور، عن باقي مستشفيات المنطقة، حيث طال القصف، وبشكل متكرر، محيط المستشفيات الخاصة الموجودة هناك، وهي 3 مستشفيات: حيرام، وجبل عامل، واللبناني الإيطالي، لكنها استمرّت في تقديم الخدمة الطبية، وكذلك المستشفى الحكومي، لكنه يعاني أيضاً كما مستشفيات لبنان بشكل عام ومستشفيات الجنوب بشكل خاص؛ نتيجة أزمات متلاحقة منذ أكثر من 5 أعوام.