غزة ولبنان وسوريا... 3 حروب متتابعة ومترابطة

تساقطت أحجار الدومينو واحدة تلو الأخرى بعد ضربة إسرائيل لـ «حزب الله»

صور ممزقة لقادة سوريين ولبنانيين وإيرانيين في بلدة نبّل الشيعية بريف حلب يوم 11 ديسمبر (رويترز)
صور ممزقة لقادة سوريين ولبنانيين وإيرانيين في بلدة نبّل الشيعية بريف حلب يوم 11 ديسمبر (رويترز)
TT

غزة ولبنان وسوريا... 3 حروب متتابعة ومترابطة

صور ممزقة لقادة سوريين ولبنانيين وإيرانيين في بلدة نبّل الشيعية بريف حلب يوم 11 ديسمبر (رويترز)
صور ممزقة لقادة سوريين ولبنانيين وإيرانيين في بلدة نبّل الشيعية بريف حلب يوم 11 ديسمبر (رويترز)

هل توقّعت حركة «حماس» قبيل تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أن نجاحها سيكون مُذهلاً؟ هل اعتقد «حزب الله» أن جبهة المساندة لقطاع غزّة سترتدّ عليه كالموجة الارتداديّة لزلزال عظيم؟ هل توقّع أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) أن حربه الخاطفة ضد الجيش السوري ستوصله إلى دمشق بمدة لا تزيد على 11 يوماً؟ هل توقّعت كل من «حماس» وإيران كيف سيكون الردّ على «طوفان الأقصى» وإلى أيّ مدى سيصل؟ وهل راهنت إيران على أن التعب الأميركي من المنطقة سيجعلها متردّدة في التدخّل؟

لقد أصبحت هذه الأسئلة من الماضي، لكنها حتماً كانت ضمن حسابات الأفرقاء المتقاتلة قبيل التخطيط للحرب والذهاب إليها.

كانت غزّة النقلة الأولى على رقعة الشطرنج الإقليميّة، لتُعلن انطلاق اللعبة الجيوسياسية الكبرى. وإذا كانت اللعبة الجيوسياسيّة جديدة وكبيرة، وتغييريّة، فهذا يعني أنه لا بد من وضع قواعد واستراتيجيّات جديدة لها. ولا بدّ أيضاً من تغيير سلوكيّات القوى المنخرطة فيها، وحتى في بعض الأحيان تغيير الوسائل. وعليه، يسعى الخاسر إلى تقليل خسائره وتبريرها. في المقابل، يسعى الرابح إلى تثبيت نصره عبر رسم قواعد جديدة تعكس نصره العسكريّ، والسعي إلى ترجمته سياسياً في الداخل، وجيوسياسيّاً في ديناميكيّة اللعبة الكبرى. حالياً، قد يمكن القول إن صورة التوازنات الجيوسياسيّة لا تزال ضبابيّة، غامضة وزئبقيّة.

عناصر من «حزب الله» في صورة تعود إلى 22 أكتوبر الماضي في جنوب لبنان (أ.ب)

ماذا عن مسارح الحرب الثلاثة؟

ما يربط هذه المسارح هو مبدأ وحدة الساحات. وكلما توسّعت الساحة وكبُرت، ارتفع مستوى الهشاشة فيها. وقد يمكن القول هنا، إن جوهرة التاج في وحدة الساحات هذه، كان بالطبع المسرح اللبنانيّ عبر «حزب الله». من هنا، وبعد الضربة الكبيرة التي تلّقاها الحزب (Strategic Shock)، بدأت أحجار الدومينو تتساقط واحدة تلو الأخرى.

قد يمكن تقسيم المسرح اللبناني إلى ثلاثة مسارح مترابطة. العمق في البقاع، حيث يوجد السلاح الاستراتيجي. الضاحية الجنوبية، حيث مركز الثقل القيادي. وأخيراً وليس آخراً، منطقة جنوب الليطاني، حيث القتال المباشر. تعاملت إسرائيل مع المسارح الثلاثة من ضمن مبدأ الصدمات العملانيّة (Operational Shock)؛ الأمر الذي أدّى إلى الانهيار الاستراتيجيّ. فماذا يعني هذا الأمر؟

يعتبر كثير من المفكرين العسكريين أن المستوى العملاني للحرب هو الأهم فيها. فهو الرابط بين التكتيكي والاستراتيجيّ. فيه تُنفّذ الصدمة. وإذا نجحت الصدمة، فإن هذا الأمر سيؤدّي إلى فصل المستوى الاستراتيجي عن المستوى التكتيكي لتنهار المنظومة. وكي تنجح الصدمة، يجب تحديد مراكز ثقل العدو ونقاط ضعفه، والسعي لتدميرها عبر استغلال عنصر المفاجأة، مع الحفاظ المستمر على الاندفاعة (Momentum) لمنع العدو من التقاط أنفاسه. فعلى سبيل المثال، وبعد حادثة تفجير أجهزة الاستدعاء (Pagers) كان من الطبيعي أن يظن «حزب الله» أن كل وسائل الاتصال المتوافرة لديه أصبحت مشبوهة. وعليه، وكي تعمل منظومة القيادة، كان لا بد من الاجتماعات المباشرة للقيادات وعبر الحضور الشخصيّ. كان الحضور الشخصيّ، فكان الاغتيال الجماعي لقيادات «قوة الرضوان»، قوة النخبة في الحزب. وكي لا يسترد الحزب توازنه، توالت الاغتيالات وصولاً إلى الأمين العام حسن نصر الله، فكانت الصدمة الاستراتيجيّة الأكبر.

باختصار، اعتمدت إسرائيل في بداية الاشتباك مع «حزب الله» الحرب التموضعيّة (Positional Warfare) لفترة سنة تقريباً. بعدها انطلقت إلى حرب المناورة البريّة المحدودة، لكن باستراتيجيّة مختلفة تماماً عن حرب يوليو (تموّز) 2006، مع اعتماد المناورة الجويّة دون قيود، مع الاستغلال المُفرط للتكنولوجيا الحديثة ومن ضمنها الذكاء الاصطناعيّ.

ملصق لزعيم «حزب الله» الراحل حسن نصرالله في القصير السورية قبل انسحاب مقاتلي الحزب منها يوم 15 ديسمبر (أ.ف.ب)

المسرح السوري

تختلف ديناميكية المسرح السوري عن كل من لبنان وغزّة. وإذا كان لبنان قد اعتُبر على أنه المخفر المتقدّم لوحدة الساحات، فقد يمكن القول إن سوريا كانت المحور الأساسيّ لهذه الساحات (Linchpin). فيها صراع بين القوى الإقليمية الفاعلة. فيها التواجد الأميركي، كما الروسيّ. فيها التنوع الإثني، الديني كما المذهبيّ. فيها تعدّدية ميليشياويّة، محليّة وغريبة. فيها الأصولية، كما العلمانيّة. فيها نظام يتموضع، ويتلوّن باستمرار لتقديم خدمات جيوسياسيّة لمن هو قادر على تأمين استمراريّته وديمومته. أُسقط هذا النظام بحرب خاطفة استغرقت 11 يوماً، ومن قِبل تنظيم مسلّح لا يتجاوز عدد مقاتليه الرسميّ الـ30 ألف مقاتل.

سقط النظام في سوريا، وبدأت عملية تكوين السلطة. كما بدأ مسار السعي للحصول على الشرعية، المحلية أولاً، الإقليمية، وكذلك الدوليّة. لكن الحصول على الشرعيّة له دفتر شروط مهمّ جداً. ويبدو أن القيادة السياسية - العسكرية الحالية تعي هذا الأمر بعمق. لكن التحدّي الأكبر سيكون حتماً في إعادة تكوين القوى العسكرية، خصوصاً الجيش الذي هو الآلة العسكرية المفروض أن تخدم السياسة، لكن بعد أن تحدّد السياسة من هو العدو، ومن هو الصديق، وما هي المخاطر المحتملة على الأمن القوميّ، وبعدها توضع عقيدة قتالية للجيش.

باختصار، ستكون صورة الجيش على صورة الدستور المُنتظر. هذا في السيناريو الممتاز للثوار في سوريا. لكن لا يزال السيناريو السيّئ ممكناً، خصوصاً إذا لم تستطع المكونات الداخلية السورية الارتقاء إلى مستوى مفهوم الدولة. فهل سيكون السيناريو السيئ لسوريا بتنازعها من الشمال والجنوب بين تركيا وإسرائيل، على غرار ما خطط له هنري كيسنجر قبل عقود للبنان الذي اعتُبر حينها منطقة عازلة بين سوريا وإسرائيل؟

دخلت إسرائيل إلى الحرب السورية استباقيّاً، وبحجم لم نعهده منذ حرب 1973، فخلقت منطقة عازلة على مرتفعات الجولان، وسيطرت على قمم جبل الشيخ، وذلك بالإضافة إلى تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية وبنسبة 80 في المائة، كما تقول إسرائيل. وبذلك استغلت الدولة العبرية الفراغ السياسي السوري الداخلي، إلى جانب غياب شرعية الثوار حالياً، وكأنها ترسم بذلك الصورة المستقبليّة للجيش السوري وقدراته وحتى دوره. فمن سيُسلّحه مستقبلاً؟ ومن سيُموّل تسليحه؟

إذا اعتبرنا أن الحرب في غزّة هي ميكرو - حرب، وإذا اعتبرنا أن الحرب السورية هي ماكرو - حرب نظراً لما لها من تأثير جيوسياسيّ إقليميّ، فقد يمكن تسمية الحرب على لبنان بالميكرو- ماكرو. وإذا كانت الحرب في غزّة هي أساس التغيير الجيوسياسيّ الحاصل حالياً، فإن نتائج الحرب في غزّة ستكون كارثيّة على مستقبل القضية الفلسطينيّة. وإذا لم تعط إسرائيل للقضية حقوقاً أساسيّة عندما كانت ضعيفة، فهل ستعطيها هذه الحقوق اليوم في الوقت الذي تعتبر نفسها أنها قضت على «حماس» و«حزب الله» وعلى كل المشروع الإيراني الإقليميّ ووحدة الساحات؟ وهل ستخرج مستقبلاً من المنطقة العازلة التي بنتها على المسارح الثلاثة، بدءاً بغزة، مروراً بجنوب لبنان ووصولاً إلى قمم جبل الشيخ والجولان؟



بلينكن «متفائل» بإمكان التوصل لهدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن

تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)
تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)
TT

بلينكن «متفائل» بإمكان التوصل لهدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن

تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)
تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس (الأربعاء)، أنّه ما زال «متفائلاً» بإمكان التوصّل خلال الأيام المتبقية من ولاية الرئيس جو بايدن إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، رافضاً في الوقت نفسه الإدلاء بأي تكهّنات بشأن احتمالات نجاح هذه الجهود بعدما مُنيت واشنطن بخيبات أمل متتالية في هذا المجال.

وقال بلينكن، الذي سيغادر منصبه عند انتهاء ولاية بايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل: «أنا متفائل. عليك أن تكون كذلك. سنستغلّ كل دقيقة من كل يوم من كل أسبوع متبقٍّ أمامنا لمحاولة إنجاز هذا الأمر».

لكنّ الوزير الأميركي حذّر في مداخلة أمام «مجلس العلاقات الخارجية»، مركز الأبحاث المرموق في نيويورك، من أنّه لن يتكهّن بتاتاً بشأن احتمالات نجاح هذه الجهود الرامية لوقف الحرب المستمرة في القطاع الفلسطيني منذ 14 شهراً.

وقال: «لا أريد المخاطرة بالتكهّن باحتمالات النجاح لهذا الأمر. ينبغي أن نعيد الناس إلى ديارهم» في إشارة إلى الرهائن المحتجزين في غزة، الذين يُفترَض بحركة «حماس» أن تطلق سراحهم بموجب اتفاق يتمّ التفاوض بشأنه منذ أشهر عدة.

وكرّر بلينكن أمام مركز الأبحاث النيويوركي ما أدلى به، الأسبوع الماضي، خلال رحلته الثانية عشرة إلى الشرق الأوسط، حين قال إنّ «حماس» باتت أكثر جنوحاً إلى المفاوضات؛ بسبب الضربات المتتالية التي تلقّتها داعمتها إيران.

وشدّد الوزير الأميركي، من ناحية ثانية، على أنّ بقاء الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة إلى أجل غير مسمّى لا يصبّ في مصلحة الدولة العبرية.

وقال إنّه إذا قرَّر الإسرائيليون البقاء في القطاع «فسيتعيّن عليهم مواجهة تمرّد لسنوات عدة، وهذا أمر ليس في مصلحتهم».

وأضاف: «لذلك يجب أن يحصل في غزة شيء مختلف يضمن عدم سيطرة (حماس) بأيّ شكل من الأشكال، وعدم سيطرة إسرائيل كذلك، وأن يكون هناك شيء متماسك بعد ذلك».

ويأتي هذا فى الوقت الذي يسارع فيه وسطاء «هدنة غزة» الخطى لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، إذ يقوم ممثلو الإدارة الأميركية بجولات مكوكية، بالتزامن مع حديث متصاعد عن «قرب التوصل إلى اتفاق»، وتأكيد مصري على «أهمية سرعة إبرامه».

وتحدَّثت وسائل إعلام أميركية عن زيارة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، إلى الدوحة، حيث توجد حالياً فرق فنية لبحث الاتفاق، وسط حديث واشنطن عن «تفاؤل حذر»، وتحذير «حماس» من «شروط جديدة».

وتوجد في قطر حالياً فرق فنية لبحث الاتفاق، وفق مسؤول أميركي لموقع «أكسيوس»، الثلاثاء، لافتاً إلى أن مستشار الرئيس جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكجورك، موجود بالدوحة؛ للمشاركة في المحادثات التي تضم مسؤولين قطريين ومصريين وإسرائيليين، في حين قال مسؤولون إسرائيليون، إن وفد بلادهم الذي وصل، الاثنين، ضم ممثلين عن جهازَي «الموساد»، و«الشاباك» والجيش الإسرائيلي.

وتعهّد الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، بتقديم دعم ثابت لإسرائيل، لكنه أعرب أيضاً عن رغبته في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب ويعيد الرهائن.

وأسفرت الحرب التي اندلعت في قطاع غزة؛ بسبب هجوم غير مسبوق شنّته «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عن مقتل 1208 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، غالبيتهم مدنيون، بحسب تعداد أجرته «وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى أرقام رسمية، بينما قُتل أكثر من 45 ألف فلسطيني، غالبيتهم مدنيون، وفقاً لأرقام وزارة الصحة التابعة لـ«حماس»، التي تعدّها الأمم المتحدة «جديرة بالثقة».