سكان محليون قرب لافتة «حماة ترحب بكم» على طريق سريع يؤدي إلى محافظة حماة وسط غرب سوريا الأحد (أ.ف.ب)
اقتربت فصائل مسلحة، مساء أمس، لتلامس مدينة حماة وسط سوريا، مع استمرار الهجوم الذي بدأته في شمال البلاد منذ ستة أيام. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بأنّ «اشتباكات عنيفة تدور في شمال محافظة حماة» التي تنطوي على أهمية استراتيجية لوجودها على الطريق الرابط بين حلب في الشمال والعاصمة دمشق.
وطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال محادثة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، أمس، بنهاية «سريعة» لهجوم «هيئة تحرير الشام» والفصائل المتحالفة معها في سوريا.
وفي إيران، قال وزير الخارجية عباس عراقجي، إن بلاده ستدرس إرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق ذلك. كما أعلن رئيس الأركان الإيراني، محمد باقري، أن طهران اتفقت مع مسؤولين عسكريين في بغداد وموسكو، على «دعم الحكومة السورية».
كذلك، أكدت مصادر ميدانية، أن فصائل عراقية «عبرت الحدود، واشتبكت مع المعارضة السورية في مناطق جنوب حلب، كان الجيش السوري قد انسحب منها».
سوريا تخسر معابر حدودية جنوباً وشرقاً... وترقب لـ«معركة حاسمة» في حمص
مسلحون يحتفلون الجمعة في حماة بعد سيطرتهم على المدينة (أ.ف.ب)
فيما واصلت الفصائل السورية المسلحة تقدمها جنوباً من حماة باتجاه حمص، على أمل الوصول إلى دمشق التي تتحصن فيها قوات الرئيس بشار الأسد، شهدت مناطق سورية مختلفة تطورات متسارعة، تمثل بعضها بانسحاب القوات الحكومية، كما حصل في دير الزور (شرق البلاد)، أو بسيطرة فصائل مسلحة على مواقع استراتيجية في الجنوب، كما حصل على معبر نصيب مع الأردن.
جاء ذلك في وقت قال مصدر دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط» إن روسيا لن تتدخل عسكرياً بشكل واسع في سوريا برغم التطورات المتسارعة. ورداً على سؤال حول «ما هي الخطوط الحمراء الذي يدفع تجاوزها لتدخل روسي كبير؟»، قال الدبلوماسي إنه «لا خطوط حمراء لدينا»، متوقعاً أن تسيطر الفصائل على حمص، وتتقدم نحو دمشق. وأعرب الدبلوماسي عن الأمل في أن تسفر المحادثات النشطة التي تجريها روسيا مع الطرفين التركي والإيراني عن التوصل إلى توافقات تطلق مسار تسوية سياسية تحفظ وحدة أراضي سوريا وسيادتها وتمنع انزلاق الموقف نحو حرب أهلية واسعة.
وأعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، انسحاب القوات الحكومية من مدينة حمص (وسط)، ثالثة كبريات مدن سوريا، على وقع تقدم فصائل المعارضة. الأمر الذي نفته وزارة الدفاع السورية. وقال «المرصد»: «انسحبت قوات النظام من مدينة حمص إلى أطرافها الشمالية الشرقية»، بعدما كان القيادي العسكري في صفوف الفصائل حسن عبد الغني أشار إلى «انهيار» القوات الحكومية، إلا أن وزارة الدفاع السورية نفت ذلك، وأكدت في بيان أن «الجيش العربي السوري موجود في حمص وريفها... وتم تعزيزه بقوات ضخمة إضافية».
في غضون ذلك، قال مصدران أمنيان لبنانيان كبيران لـ«رويترز» إن «حزب الله» أرسل الليلة الماضية عدداً صغيراً من «القوات المشرفة» من لبنان إلى سوريا بهدف المساعدة في منع مقاتلي المعارضة من الاستيلاء على مدينة حمص ذات الأهمية الاستراتيجية. ومعلوم أن الفصائل أعلنت سيطرتها على تلبيسة والرستن، ما يجعلها على بعد كيلومترات فقط من حمص. وتتواصل في غضون ذلك حركة النزوح الكثيفة للمدنيين من أحياء، مثل النزهة وعكرمة ووادي الذهب، وقرى ذات غالبية علوية وشيعية في حمص باتجاه الساحل السوري، وسط مخاوف من اندلاع معركة كبيرة نظراً لانتشار مجموعات تابعة لإيران و«حزب الله» فيها. ويُعتقد أن معركة حمص ستكون شديدة وحاسمة، كونها تسمح بالسيطرة على الطريق الدولي (M5) الشريان الاقتصادي الرابط بين دمشق وحلب، المتضمن عقدة ربط طريق إمداد الميليشيات التابعة لإيران و«حزب الله»، الذي يمر عبر دير الزور وتدمر وحمص، ومنها إلى الساحل أو دمشق.
وجاء ظهور رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري، بعد سيطرة الفصائل المسلحة على حماة، مدلياً بمواقف تؤجج المخاوف، ولا سيما وسط أبناء الطائفة العلوية. وقال مخلوف، في مقطع مصور نشره على حسابه في «فيسبوك»، مساء الخميس: «هؤلاء إرهابيون يريدون قتلكم، وإن وصلوا إليكم فسينتهكون أعراضكم ويسلبون أموالكم»، طالباً منهم الالتفاف حول العميد في الجيش السوري سهيل الحسن، المدعوم من موسكو، الذي خاض معارك شمال حماة، ووصفه بشخص «مغوار سجّل كثيراً من الانتصارات».
وجاءت هذه التطورات في حمص بعد يوم من سيطرة الفصائل المسلحة على مدينة حماة التي شهدت شوارعها هدوءاً صباح الجمعة، بعد ليلة شهدت إطلاق نار كثيف في الساحات الرئيسية خلال الاحتفالات بإسقاط رموز السلطة في دمشق. ووجّه رجال دين في البلدات المسيحية بمحافظة حماة دعوات لأبناء بلداتهم الذين نزحوا الخميس بالعودة إلى بيوتهم بعد حصولهم على تطمينات من الفصائل المسلحة بعدم المساس بهم.
وقالت مصادر أهلية إن الفصائل لم تدخل البلدات المسيحية قرب مدينة حماة على قرى كفربهم والسقيلبية ومحردة، وتابعت تقدمها جنوباً في اتجاه حمص.
في غضون ذلك، قالت 3 مصادر سورية لـ«رويترز» إن تحالفاً مدعوماً من الولايات المتحدة بقيادة مقاتلين أكراد سوريين، استولى على مدينة دير الزور شرق سوريا، وهي المدينة الثالثة التي تخرج عن سيطرة الرئيس الأسد في غضون أسبوع. وقال مصدران أمنيان، مقرهما شرق سوريا، إن التحالف المعروف باسم «قوات سوريا الديمقراطية» سيطر بالكامل على دير الزور بحلول ظهر الجمعة.
وقال عمر أبو ليلى، وهو ناشط من منصة «دير الزور 24» الإعلامية، وله اتصالات في المدينة، لـ«رويترز»، إن قوات الحكومة السورية والمقاتلين العراقيين المدعومين من إيران انسحبوا من دير الزور قبل أن تكتسحها «قوات سوريا الديمقراطية». وقال مصدر أمني عراقي إن «قوات سوريا الديمقراطية» تتقدم أيضاً في اتجاه مدينة البوكمال السورية الواقعة على الحدود مع العراق، وقد تسيطر عليها خلال 24 ساعة مقبلة. وفي وقت لاحق، قال مصدران عسكريان سوريان إن معبر البوكمال الحدودي مع العراق يسقط بالفعل في أيدي «قوات سوريا الديمقراطية».
وجاءت تطورات شرق سوريا بعد قليل من معلومات نقلتها «رويترز» عن مسؤول إيراني كبير، مفادها أن طهران سترسل صواريخ وطائرات مسيرة ومزيداً من المستشارين إلى سوريا. وكانت قوات الحكومة السورية قد استعادت السيطرة على معظم البلاد، بدعم من حلفاء الأسد الرئيسيين: روسيا وإيران وجماعة «حزب الله» اللبنانية. لكن تركيز هؤلاء الحلفاء تحول تماماً إلى أزمات أخرى في الآونة الأخيرة، ما أعطى لقوات الفصائل فرصة لاستئناف القتال. وقال أبو محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام» التي تقود الهجوم الشامل ضد القوات الحكومية، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، إن جماعته تهدف إلى «بناء مؤسسة حكم» في سوريا، وإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم من لبنان وأوروبا.
والمقابلة هي الأولى للجولاني منذ بدأت جماعته في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) في انتزاع السيطرة على مناطق من قوات الحكومة. وتمكنت قوات المعارضة حتى الآن من السيطرة على مدينتين رئيسيتين، وتتقدم الآن باتجاه حمص. وقالت وزارة الداخلية الأردنية، الجمعة، إن الأردن أغلق معبره الحدودي الوحيد للأفراد والتجارة مع سوريا. وقال مصدر بالجيش السوري لـ«رويترز» إن جماعات مسلحة تطلق النار على معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، فيما وردت معلومات لاحقة عن سيطرتهم على المعبر. كما وردت معلومات عن تحرك ضد القوات الحكومية في السويداء، جنوب البلاد. وقال الجيش الإسرائيلي إنه يعزز قواته الجوية والبرية في هضبة الجولان المحتلة، في جنوب غربي سوريا، وإنه مستعد لجميع السيناريوهات.