بعد الأهداف العسكرية... إسرائيل تنتقل إلى الضغط على «حزب الله» شعبياً واقتصادياً

معتمدة سياسة التهجير وتدمير المدن الكبرى

سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

بعد الأهداف العسكرية... إسرائيل تنتقل إلى الضغط على «حزب الله» شعبياً واقتصادياً

سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

تبدّل مشهد الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد أكثر من شهر على التصعيد الشامل الذي ارتكز في المرحلة الأولى على استهداف مواقع عسكرية ومركزية تابعة لـ«حزب الله»؛ إذ وبعدما اغتالت قادة الحزب وقالت إنها دمّرت أكثر من 80 في المائة من ترسانته الصاروخية، انتقلت إلى مرحلة الضغط على «حزب الله» شعبياً واقتصادياً، في موازاة التدمير الذي طال القرى الحدودية في الجنوب لإنشاء المنطقة العازلة، وبالتالي منع عودة السكان إليها لتأمين عودة سكان الشمال.

وكانت قد أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» قبل أيام بتدمير 37 قرية بشكل كامل، ومسح معظم شوارعها، وأكثر من 40 ألف وحدة سكنية دمرت بشكل كامل، وذلك في منطقة في عمق ثلاثة كيلومترات تمتد من الناقورة حتى مشارف الخيام. وهذا التدمير يطال أيضاً معالم أثرية في الجنوب وبعلبك، بحيث حذّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت قبل أيام، من الخطر الذي تشكّله الحرب على مواقع أثرية، وكتبت على منصة «إكس»: «تواجه مدن فينيقية قديمة ضاربة في التاريخ خطراً شديداً قد يؤدي إلى تدميرها».

وفي هذا السياق، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، السبت، بأن «المقاتلات الحربية الإسرائيلية دمرت منزلين من أهم المنازل التراثية والتاريخية في مدينة النبطية، بعدما دمّرت السوق التجارية في المدينة، واستهدفت مواقع قريبة من آثار رومانية قديمة في مدينة صور». ووصل القصف إلى محيط قلعة بعلبك والذي طال مبنى المنشية الأثري الذي يتوسط قلعة بعلبك وفندق بالميرا الذائع الصيت، الذي لحقت به أضرار كبيرة.

وفي الضاحية التي تعدّ معقل «حزب الله» الشعبي والاقتصادي في بيروت، تظهر المشاهد تدميراً كبيراً يطول معظم مناطقها، فيما لا تزال الأرقام متضاربة حول العدد الدقيق للمباني، ويقدر عدد الوحدات السكنية المدمرة بالآلاف. والضاحية كانت مسرحاً لعمليات عسكرية أساسية؛ أبرزها اغتيال قادة «حزب الله»، وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصرالله، إضافة إلى قادة «قوة الرضوان»، وما قالت إسرائيل إنها مخازن للأسلحة و«القرض الحسن» الذي يعدّ المصرف الخاص بالحزب. وهذا ما حصل ليلة السبت، حيث عاشت الضاحية الجنوبية لبيروت ليلة عنيفة مع شن الطيران الإسرائيلي 14 غارة عليها، طالت منطقة الحدث وبرج البراجنة وحارة حريك وحي الجاموس، إضافة إلى محيط مبنى الجامعة اللبنانية في الحدث.

مع العلم، أن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت كان قد لفت في منتصف الشهر الماضي إلى أنه لم يتبق من ترسانة «حزب الله» من الصواريخ المتوسطة المدى إلا نحو 30 في المائة، بعدما كانت إسرائيل قالت إنها استهدفت مراكز ومخازن تابعة له في مناطق عدة.

الدمار الذي أصاب مبنى «المنشية» الأثري على مقربة من قلعة بعلبك في البقاع (إ.ب.أ)

وفي ظل هذه السياسة، يرى رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية»، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر، أن إسرائيل بعدما فشلت في المعركة البرية باتت اليوم تركز أهدافها على التدمير والتهجير، خاصة في بيئة «حزب الله»؛ كي تمنع أو تؤخر عودة السكان.

في المقابل، لفت العميد المتقاعد، الخبير العسكري خالد حمادة، إلى أنه لا يمكن الحديث عن انتهاء الأهداف الإسرائيلية، بحيث إن كل ما تقوم به تل أبيب اليوم يندرج ضمن الهدف الأساس الذي أعلنته سابقاً، وهو تدمير قدرات الحزب على كل المستويات.

ويقول: «ما أنجزته إسرائيل عسكرياً حتى اليوم هو تدمير منظومة القيادة والسيطرة واغتيال القيادات، وتدمير جزء كبير من احتياطات الذخائر والمخازن، وجزء كبير من البنية التحتية الموجودة في القرى الأمامية»، أما استهداف المدن وتدميرها فهما يندرجان ضمن ضرب اقتصاد الحزب، عبر تدمير مراكز سكنية وتجارية كبيرة ومنشآت القرض الحسن (مصرف الحزب)، وتدمير مدن لها دور في اقتصاد البيئة التي تحتضن الحزب، مثل صور والنبطية وبنت جبيل وبعلبك».

ويذكّر حمادة بما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية لجهة العمل على قطع الأوكسجين عن الأذرع الإيرانية، والتصدي للشريان اللوجيستي الذي يربط إيران بـ«حزب الله»، مؤكداً أن الهدف الإسرائيلي لا يقتصر فقط على الساحة اللبنانية، وبالتالي التصعيد قد يتوسع في المرحلة المقبلة، بانتظار ما قد تنتهي إليه المفاوضات السياسية.

من جهته، يقول جابر لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من تنفيذ اجتياح بري على غرار عام 2006؛ لأن ذلك مكلف كثيراً بالنسبة إليه، فقام بالتوغل عبر خمس نقاط حدودية معتمداً سياسة التدمير غير المكلف بالنسبة إليه، ومستهدفاً بشكل أساسي مناطق محسوبة بشكل أساسي على بيئة «حزب الله».

والهدف الإسرائيلي الأساس من التدمير والتهجير في المناطق الحدودية هو إنشاء منطقة خالية من البشر والحجر بحدود 2 كيلومتر، بحسب جابر، مشيراً إلى أن الإسرائيلي يرى أنه «سيطر عليها بالنار من دون أن يحتلها، بحيث يبعد عنه الصواريخ المضادة للدروع التي يطلقها (حزب الله)، وخطر (قوة الرضوان) التي يقول إنها كانت ستنفذ هجوماً مثيلاً بهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وهذه ورقة قوية في يد الإسرائيلي يستطيع المساومة عليها في المفاوضات».

وفي الضاحية البعيدة عن الحدود، والتي تتعرض بدورها لتدمير ممنهج، فإن الهدف الإسرائيلي الأساس بحسب جابر، هو أيضاً الضغط على «حزب الله»، عبر تهجير بيئته وتدمير المباني والمنازل، ما سيمنع أو يؤخر عودة الأهالي.

الدمار في مدينة صور في جنوب لبنان إثر القصف الإسرائيلي العنيف الذي استهدفها (أ.ف.ب)

ويرى جابر أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيستفيد من المرحلة الانتقالية بانتظار تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب ليستمر في هذه السياسة في الأسابيع المقبلة، محاولاً الحصول على مكاسب إضافية.

وبانتظار ما ستظهره الأيام المقبلة، يتحدث جابر عن سيناريو ثان محتمل، وهو إمكانية قيام الإدارة الأميركية الحالية بجهود لإنهاء الحرب قبل انتهاء ولاية جو بايدن، في محاولة منها لكسب هذه الورقة التي ستنعكس سلباً عليهم في الانتخابات المقبلة.


مقالات ذات صلة

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المبعوث الأميركي آموس هوكستين ملتقياً رئيس حزب «القوات» سمير جعجع (القوات اللبنانية)

لقاءات هوكستين وقيادات لبنانية... محاولة لتأمين موقف عام مؤيد لمفاوضات الحل

رأى بعض الأفرقاء في لقاءات المبعوث الأميركي آموس هوكستين مع القيادات اللبنانية أنها محاولة لتأمين موقف لبناني عام مؤيد لمفاوضات الحل.

كارولين عاكوم
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضع إكليلاً من الزهر على نصب شهداء الجيش في وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش)

ميقاتي يشدد على استعداد الجيش للانتشار على الحدود

أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن اللبنانيين مصرّون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم؛ لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة والوحدة الوطنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضع إكليلاً من الزهور على نصب شهداء الجيش بحضور وزير الدفاع الوطني موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون (قيادة الجيش)

خلافات أهل السلطة تحرم اللبنانيين لسنوات بهجة عيد الاستقلال

تحلّ الذكرى الـ81 لاستقلال لبنان، على وقع حربٍ إسرائيلية تدميرية أفقدت المناسبة الوطنية الجامعة رمزيتها، وغيّبت معها الاحتفال المركزي الذي تقيمه الدولة سنوياً.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري والمبعوث الأميركي آموس هوكستين خلال زيارة الأخير إلى بيروت الأربعاء (أ.ف.ب)

هوكستين يستقوي بتأييد أميركي على نتنياهو للتوصل لوقف النار

يبقى التوصل إلى وقف النار في جنوب لبنان عالقاً على قدرة الوسيط الأميركي آموس هوكستين في إقناع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بضرورة السير فيه.

محمد شقير (بيروت)

الجيش الإسرائيلي يشن غارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

سحابة من الدخان ترتفع في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت جراء غارات إسرائيلية (رويترز)
سحابة من الدخان ترتفع في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت جراء غارات إسرائيلية (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يشن غارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

سحابة من الدخان ترتفع في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت جراء غارات إسرائيلية (رويترز)
سحابة من الدخان ترتفع في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت جراء غارات إسرائيلية (رويترز)

شن الطيران الإسرائيلي غارات على ضاحية بيروت الجنوبية استهدفت حارة حريك بعد إنذارات بالإخلاء.

وكان الجيش الإسرائيلي طالب، اليوم الجمعة، سكان منطقتي الحدث وحارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، وعدة بلدات في جنوب لبنان، بإخلاء منازلهم فورا والانتقال إلى شمال نهر الأولي، محذرا من أنه سيقصف هذه المناطق بدعوى نشاط جماعة حزب الله فيها.

ووجه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إنذار إخلاء إلى سكان بلدات الطيبة وعدشيت القصير ودير سريان، وكذلك إلى سكان بلدتي برج الشمالي ومعشوق في جنوب لبنان. وقال أدرعي في حسابه على منصة إكس "يجب عليكم الإخلاء دون تأخير... يحظر عليكم التوجه جنوبا. أي تحرك نحو الجنوب قد يشكل خطرا على حياتكم".

وطالب متحدث الجيش الإسرائيلي أيضا بإخلاء بعض المباني في منطقتي الحدث وحارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، وحذر من أن الجيش "سيعمل ضدها على المدى الزمني القريب".

وسعت إسرائيل حربها التي تشنها على قطاع غزة لتشمل لبنان، وقتلت العديد من كبار قادة جماعة حزب الله التي تتبادل معها إطلاق النار منذ أكتوبر تشرين الأول 2023. وتسببت الهجمات الإسرائيلية في مقتل الآلاف ونزوح ما لا يقل عن مليون لبناني من الجنوب، وألحقت دمارا واسعا في أنحاء مختلفة من البلاد.

الجيش الإسرائيلي يطالب سكان بلدتي برج الشمالي ومعشوق في جنوب لبنان بإخلاء منازلهم فورا