لبنان يتمسك بتحييد شمال الليطاني عن جنوبه والكلمة لهوكستين

الغارة على طاريا رسالة إسرائيلية لـ«حزب الله» بإلغاء قواعد الاشتباك

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء بالسراي الحكومي (أ.ب)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء بالسراي الحكومي (أ.ب)
TT

لبنان يتمسك بتحييد شمال الليطاني عن جنوبه والكلمة لهوكستين

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء بالسراي الحكومي (أ.ب)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء بالسراي الحكومي (أ.ب)

الجديد في مواصلة إسرائيل خرقها لوقف النار منذ دخوله حيز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يكمن في قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بشن غارة على بلدة طاريا الواقعة في قضاء بعلبك استهدفت مرأباً للسيارات من دون وقوع ضحايا، وأسفرت عن خسائر مادية، كما أفاد مصدر أمني في «حزب الله»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنها أرادت تمرير رسالة نارية، وهي أن الاتفاق الذي ترعى تنفيذه هيئة رقابة دولية برئاسة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز لا يُلزمها بالامتناع عن التحليق في الأجواء اللبنانية في حال تبين، كما تدّعي، أن هناك من يخطط لتوجيه ضربات إلى العمق الإسرائيلي.

ومع أن المصدر الحزبي عاود التأكيد على أن الحزب لا يزال يمارس ضبط النفس، ولن يُستدرج للفخ الذي تنصبه إسرائيل للإطاحة باتفاق وقف النار، فإن مصادر سياسية تنظر إلى الغارة الإسرائيلية من زاوية أن تل أبيب تود إبلاغ الحكومة اللبنانية، وكذلك «حزب الله»، بأن التقيُّد بقواعد الاشتباك أصبح من الماضي، وأنه لا مكان بعد الآن لتوازن الردع الذي سيطر على الجنوب قبل مبادرة الحزب إلى فتح النار تحت عنوان إسناده لغزة، رغم أن الغارة جاءت بعد ساعات على الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع أعضاء في هيئة الرقابة، وانتهى إلى تفاؤل رئيسها الجنرال الأميركي بوقف الخروق الإسرائيلية فور انتهاء الهدنة التي لم يتبق منها سوى شهر.

ولفتت المصادر إلى أن لدى إسرائيل قراءتها الخاصة لمضامين اتفاق وقف النار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها قامت بشن الغارة على طاريا لإعلام الحكومة بأن وقف النار لا يسري فقط على منطقة جنوب الليطاني، ومنها امتداداً للحدود الدولية للبنان مع إسرائيل، وإنما يشمل شمال الليطاني بخلاف ما يصر عليه «حزب الله» بلسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم.

وأكدت المصادر نفسها أن الخلاف على الحدود الجغرافية المشمولة بوقف النار يفتح الباب أمام وجود تباين في العمق بين إسرائيل والحزب في قراءاتهما لمضامين الاتفاق الذي كان للولايات المتحدة الأميركية، بشخص مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين، دور في التوصل إليه في مفاوضاته المتنقلة ما بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتفويض من الحزب، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وأركان حربه.

وقالت إن إسرائيل بادرت إلى التعامل مع الاتفاق انطلاقاً من أن وقف النار يتمدد من جنوب الليطاني إلى شماله بخلاف إصرار الحزب على تحييده عن الاتفاق، وتمسكه بأن يبدأ من جنوبه حتى الحدود الدولية للبنان مع إسرائيل، خصوصاً أن الحكومة اللبنانية، كما يقول مصدر في الثنائي الشيعي لـ«الشرق الأوسط»، هي أقرب إلى وجهة نظر الحزب باستثناء شمال الليطاني من الاتفاق الذي يعبّد الطريق لتطبيق القرار «1701».

ورأى المصدر أنه لا علاقة لإسرائيل بإعادة ترتيب الوضع في شمال الليطاني الذي سيخضع تلقائياً لحوار بين الحزب والحكومة في إطار التوصل لاستراتيجية دفاعية يراد منها استيعاب مقاتلي الحزب وسلاحه، والقدرة على التصدي للأطماع الإسرائيلية بلبنان، مع أنه لا يتنكر لدخول البلد في مرحلة سياسية جديدة غير تلك التي كانت قائمة عندما قرر الحزب منفرداً إسناد غزة وربطها بجبهة الجنوب، قبل أن يتقرر رسمياً الفصل بينهما.

وفي هذا السياق، تسأل المصادر السياسية عن صحة ما تتناقله شخصيات لبنانية عن لسان دبلوماسيين أميركيين أخذوا يتحدثون عن أن اتفاق وقف النار يشمل شمال الليطاني، وأن هذا ما توصل إليه هوكستين في مفاوضاته مع الرئيس بري. وترى أنه لا مصلحة للبنان للإخلال بالاتفاق استرضاء لـ«حزب الله»، لما يترتب عليه من تداعيات تعيدنا إلى المربع الأول، وتضعنا في مواجهة مع المجتمع الدولي.

وتردد أن جهات رسمية لبنانية فوجئت بما يُنسب إلى دبلوماسيين أميركيين بأن الاتفاق يشمل شمال الليطاني، رغم أن الجواب على التباين الحاصل حيال تفسير مضامين الاتفاق يبقى عالقاً إلى أن يُحسم في اللقاء المرتقب بين بري وهوكستين في ضوء التأكيد على أنه سيقوم بزيارة خاطفة لبيروت فور انتهاء عطلة الأعياد.

الجيش اللبناني أمام مبانٍ مدمرة ومتضررة نتيجة القصف الإسرائيلي في بلدة الخيام الجنوبية (رويترز)

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية أن هوكستين كان أعلم الرئيسين بري وميقاتي عزمه على زيارة بيروت ليواكب الدور الذي أنيط بهيئة الرقابة الدولية للإشراف على تثبيت وقف النار بين لبنان وإسرائيل ومنع خرقه.

وتوقعت المصادر أن يرأس هوكستين اجتماعاً لهيئة الرقابة يُعقد في مقر قيادة الطوارئ الدولية «اليونيفيل» في الناقورة لتقييم الوضع في الجنوب، والنظر في تعدد الشكاوى اللبنانية من مواصلة إسرائيل خرقها لوقف النار الذي توسع أخيراً باستهدافها بلدة طاريا البقاعية مع استمرار تحليق مسيّراتها في أجواء بيروت وضاحيتها الجنوبية، ومنعها الجنوبيين من العودة إلى قراهم، بما فيها تلك التي باشر الجيش الانتشار فيها بمؤازرة القوات الدولية.

ولم تستبعد أن يحضر انتخاب رئيس للجمهورية على جدول أعمال اللقاءات التي سيعقدها هوكستين، وذلك في سياق الضغط الأميركي لتسريع انتخابه في الجلسة النيابية المقررة في التاسع من الشهر المقبل؛ لئلا تنتهي مثل سابقاتها من الجلسات، خصوصاً أن معظم الكتل النيابية تتوقع أن يحمل في جيبه هذه المرة كلمة السر لوضع حد للغط ناجم عن الغموض الذي يكتنف موقف واشنطن.


مقالات ذات صلة

عمليات نسف إسرائيلية لمنازل في يارون وكفركلا بجنوب لبنان

المشرق العربي جنديان إسرائيليان خلال عمليات تمشيط جنوبي لبنان (موقع الجيش الإسرائيلي)

عمليات نسف إسرائيلية لمنازل في يارون وكفركلا بجنوب لبنان

أقدمت القوات الإسرائيلية على نسف عدد من المنازل، مساء الأربعاء، في بلدتَي يارون وكفركلا في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (أ.ف.ب)

هاجس إنهاء «المقاومة» يسكن «حزب الله»

استخدم أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم 7 مرات في خطابه الأخير مصطلحي «استمرارية المقاومة» و«المقاومة مستمرة»، حيث أقر أيضاً بخسارة طريق إمداده عبر سوريا

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي اكتظاظ العائدين إلى الضاحية (إ.ب.أ) play-circle 01:09

اللبنانيون يقعون فريسة «طمع التجار» لإصلاح ما دمَّرته الحرب مع إسرائيل

يعاني العائدون إلى منازلهم المتضررة نتيجة الحرب، من ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في إعادة ترميم منازلهم، لا سيّما الزجاج والألمنيوم

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني أمام مبنى مدمر في بلدة الخيام في جنوب لبنان (رويترز) play-circle 02:51

تململ داخل بيئة «حزب الله» نتيجة البطء في دفع التعويضات والمحسوبية

رغم التطمينات التي يحاول «حزب الله» بثّها في أوساط جمهوره فإن التململ من التباطؤ في دفع التعويضات والمحسوبيات بدأ يتوسّع تدريجياً في بيئته.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يلتقي بوزير العدل هنري خوري (مكتب رئاسة الوزراء)

وزير العدل اللبناني يأمل بكشف مصير المفقودين من مواطنيه

سلّم وزير العدل اللبناني هنري خوري رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أسماء المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، كما تسلّم منه قائمة بأسماء السجناء السوريين في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل و«حماس» تتبادلان اتهامات «عرقلة صفقة غزة»

جندي إسرائيلي يدخل نفقاً بُني لدعم المحتجزين ويرمز إلى أنفاق «حماس» خلال تجمع جماهيري في تل أبيب (رويترز)
جندي إسرائيلي يدخل نفقاً بُني لدعم المحتجزين ويرمز إلى أنفاق «حماس» خلال تجمع جماهيري في تل أبيب (رويترز)
TT

إسرائيل و«حماس» تتبادلان اتهامات «عرقلة صفقة غزة»

جندي إسرائيلي يدخل نفقاً بُني لدعم المحتجزين ويرمز إلى أنفاق «حماس» خلال تجمع جماهيري في تل أبيب (رويترز)
جندي إسرائيلي يدخل نفقاً بُني لدعم المحتجزين ويرمز إلى أنفاق «حماس» خلال تجمع جماهيري في تل أبيب (رويترز)

بدَّدت إسرائيل وحركة «حماس»، أمس الأربعاء، أجواء التفاؤل بقرب عقد صفقة في قطاع غزة، تشمل هدنة مؤقتة وتبادلاً للأسرى، وتراشقتا بالاتهامات حول مسؤولية عرقلة الاتفاق.

وقالت «حماس» في بيان «إن مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى تسير في الدوحة بالوساطة القطرية والمصرية بشكل جدّي، وقد أبدت الحركة المسؤولية والمرونة، غير أن الاحتلال وضع قضايا وشروطاً جديدة تتعلق بالانسحاب ووقف إطلاق النار والأسرى وعودة النازحين، مما أجَّل التوصل إلى الاتفاق الذي كان متاحاً».

وعلى الفور، ردَّ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ببيان مضاد، قال فيه إن «حماس تكذب مرة أخرى وتنسحب من التفاهمات التي تم التوصل إليها، وتواصل خلق الصعوبات أمام المفاوضات، ومع ذلك، ستواصل إسرائيل جهودها بلا كلل لإعادة جميع المختطفين».

ويُفترض أن يجتمع المجلس الأمني المصغر «الكابينت»، اليوم (الخميس)، من أجل مناقشة التفاصيل. وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»: «وصلنا إلى نقطة يجب أن نتخذ فيها قرارات، سواء بالإيجاب أو السلب».

وكان لافتاً أمس، تركيز كل وسائل الإعلام الإسرائيلية، المكتوبة والمرئية والمسموعة، على أن محمد السنوار، الذي يُعتقد أنه يدير «كتائب القسام» في غزة، وشقيق زعيم «حماس» الذي قتلته إسرائيل، يحيى السنوار، «هو الذي يعرقل الصفقة، لأنه يرفض تسليم قائمة بأسماء الرهائن». وقالت مصادر لـ«هيئة البث» الرسمية إن «حماس» تتجاهل ضغوط الوسطاء، وإن زعيمها في القطاع، محمد «يعرض مواقف أكثر تشدداً من شقيقه يحيى».