طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

فقدَ والديه وشقيقته وجدتيه... واضطر الأطباء لبتر يده اليمنى من المعصم

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

بعد 14 ساعة قضاها تحت ركام مبنى استهدفته غارة إسرائيلية في جنوب لبنان، نجا الطفل علي خليفة من الموت بأعجوبة. لكنه خسر، كما يروي أحد أقربائه، والديه وشقيقته وجدتيه. واضطر الأطباء لبتر يده.

على سرير في قسم العناية المشدّدة للأطفال في أحد مستشفيات مدينة صيدا الساحلية قبل نقله إلى مستشفى أكثر تجهيزاً في بيروت، كان الطفل ذو السنتين تحت تأثير منوّم: رأسه ملفوف بضمادة بيضاء، وجفناه منتفخان، ووجهه المتورم تكسوه الجروح، في حين يخرج أنبوب التنفس الاصطناعي من فمه. وتبدو من تحت غطاء أبيض طبي يده المبتورة فوق المعصم.

بتأثّر شديد، قال حسين خليفة (45 عاماً)، خال والد الطفل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «علي هو الناجي الوحيد من عائلته. قُتل والده محمّد، وأمه منى، وشقيقته الصغيرة نور، وجدتاه. كان يتنفّس بصعوبة عندما أُخرج بعد 14 ساعة تحت الأنقاض».

الطفل اللبناني علي خليفة يرقد في المستشفى (أ.ف.ب)

واستهدفت غارة إسرائيلية ليل 29 أكتوبر (تشرين الأول) مبنى من طبقات عدة في بلدة الصرفند الواقعة على بعد قرابة 15 كيلومتراً جنوب صيدا؛ ما أسفر وفق حصيلة أوردتها وزارة الصحة في الليلة ذاتها عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 21 آخرين بجروح. لكن حصيلة القتلى ارتفعت في اليوم اللاحق، وفق سكان البلدة، إلى 15 قتيلاً غالبيتهم أقرباء.

«ما زال نائماً»

في اليوم التالي للغارة، أحضرت فرق الإنقاذ معدات ورافعات ثقيلة لرفع الأنقاض. وشاهد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في الموقع طبقات متكدسة من الركام، بعدما أسفرت الغارة عن تفتت المبنى بأكمله فوق رؤوس قاطنيه وتضرر أبنية وسيارات مجاورة.

وروى حسين: «كاد عمال الإنقاذ يفقدون الأمل في العثور على أحياء تحت الركام (...) حتى اللحظة التي أصابت الجميع بصدمة، حين ظهر علي بين الحجارة في رفش الجرافة، بعدما كان الجميع ظنوا أنه فارق الحياة».

بعد نقله إلى المستشفى، قرّر الأطباء المشرفون على علاج علي «بتر يده اليمنى من المعصم»، وفق ما قال حسين.

ونُقل علي في وقت لاحق إلى مستشفى في بيروت لاستكمال علاجه وحاجته إلى البقاء في العناية المشددة.

وقال حسين: «حين أصابت الغارة علي، كان نائماً على كنبة في منزله، وما زال حتى اليوم نائماً... ننتظر التئام جراحه وأن يصحو»، مضيفاً بتأثر شديد: «متى يصحو؟!».

عام من التصعيد

الطفل علي هو في عداد آلاف الجرحى الذين أصيبوا جراء غارات كثيفة تشنها إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، وتستهدف بشكل خاص معاقل «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، حيث أوقعت أكثر من 2600 قتيل، وفق وزارة الصحة.

وخلال أكثر من عام من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، أحصت وزارة الصحة مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين.

وقلبت الغارة الدامية على المبنى في الصرفند حياة الشقيقتين زينب (32 عاماً) وفاطمة (30 عاماً) خليفة رأساً على عقب خلال لحظات مرت ثقيلة عليهما في حين كانتا تتسامران في الغرفة ذاتها.

زينب خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

إثر الغارة، تم نقل الشقيقتين إلى مستشفى في الصرفند، لتبدآ رحلة علاج طويلة من كسور وشظايا وحروق وفقدان أحبة ترك ندوباً قاسية.

ونقل حسين خليفة، وهو خال الشقيقتين، عن زينب قولها إنها «لم تسمع أصوات الصواريخ التي انهالت على منزل عائلتها، بل شعرت بظلمة تعمّ المكان وصراخاً يصمّ الآذان».

وأوضح أنها بقيت ساعتين تحت أنقاض المبنى قبل نقلها إلى المستشفى حيث تبلغت لاحقاً بمقتل والديها وزوجها وأطفالها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات.

«أكبر من إصابة جسدية»

واستدعت إصابتها نقلها قبل أيام إلى أحد مستشفيات بيروت لحاجتها إلى تلقي علاج متخصص بالعيون، في حين تتابع شقيقتها فاطمة علاجها في مستشفى البلدة.

وشرح طبيب العناية الفائقة والتخدير علي علاء الدين من المستشفى في الصرفند، أن «الإصابات توزعت في أنحاء جسديهما: كسور في القدمين وتضرّر في الرئتين».

فاطمة خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

وبينما خضعت فاطمة في المستشفى لـ«عمليات ترميم الجمجمة والصدر، ومعالجة الرئتين»، فقدت شقيقتها زينب «إحدى عينيها وتحتاج العين الأخرى إلى علاج جراء إصابة بالغة»، وفق الطبيب.

وتكسو الجروح وجه زينب وتحيط بعينها اليمنى، في حين تغطي ضمادة بيضاء عينها اليسرى. أما شقيقتها فاطمة، فرأسها ملفوف بضمادات والحروق تعلو وجهها.

وتابع الطبيب: «حالة زينب وفاطمة ليست من أصعب الحالات التي نواجهها خلال الحرب، لكنها الأقسى من الناحيتين النفسية والإنسانية». وقال: «الأضرار النفسية التي لحقت بزينب أكبر بكثير من إصابتها» الجسدية.

ورغم أنها لا تتمكن اليوم إلا من رؤية نور خافت، قال الطبيب: «يبقى أملنا كبيراً في أن تستعيد الرؤية».


مقالات ذات صلة

إطلاق نار كثيف بمخيم «عين الحلوة» جنوبي لبنان

المشرق العربي عناصر مسلحون في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين القريب من صيدا (أ.ف.ب)

إطلاق نار كثيف بمخيم «عين الحلوة» جنوبي لبنان

ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية، الجمعة، سماع دوي إطلاق نار كثيف داخل مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نيران تتوهج بعد قصف إسرائيلي طال ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

11 غارة عنيفة تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية إثر إنذار إسرائيلي

أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية، الجمعة، بوقوع غارتين وصفتهما بأنهما «عنيفتان جداً» استهدفتا منطقة برج البراجنة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدمار الذي أصاب مبنى «المنشية» الأثري على مقربة من قلعة بعلبك في البقاع (إ.ب.أ)

إسرائيل تواصل سياسة الأرض المحروقة في جنوب لبنان

واصل الجيش الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، في وقت يسجَّل تراجع في عدد الصواريخ التي يطلقها «حزب الله» في الفترة الأخيرة.

كارولين عاكوم (بيروت)
خاص ألبرت عباس يسلم درعاً تذكارية لترمب خلال لقاء انتخابي في مطعم «غريت كومونر» في ديربورن (أ.ب)

خاص «الشرق الأوسط» تكشف مسار رسالة ترمب للبنانيين في أميركا من المحادثات إلى التوقيع

كشفت إشارة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إلى رسالة وقّعها الرئيس دونالد ترمب، في «مطعم حسن عباس» في ديترويت، الى دور لعبته العائلة بتحفيز ترمب على وقف الحرب.

نذير رضا (بيروت)
خاص جنود لبنانيون في شمال لبنان إثر تنفيذ إسرائيل عملية الإنزال البحري يوم السبت الماضي (رويترز)

خاص «حزب الله» يهاجم الجيش اللبناني: حملة استباقية بمواجهة القرار 1701

مع تقدم الحديث عن حلّ يقضي بتطبيق القرار 1701 الذي ينص على انتشار الجيش اللبناني على الحدود، تظهر حملة ممنهجة ضد المؤسسة العسكرية من قبل «حزب الله».

كارولين عاكوم (بيروت)

غارات إسرائيلية على محيط مدينة السفيرة بريف حلب

غارات إسرائيلية على محيط مدينة السفيرة بريف حلب
TT

غارات إسرائيلية على محيط مدينة السفيرة بريف حلب

غارات إسرائيلية على محيط مدينة السفيرة بريف حلب

استهدفت غارات إسرائيلية محيط مدينة السفيرة بريف حلب، حسبما أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا)، التي أشارت إلى «معلومات أولية عن عدوان إسرائيلي» على محيط المدينة.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، استهدفت غارات إسرائيلية معامل للصناعات العسكرية والبحوث العلمية، التابعة لقوات النظام في مدينة السفيرة، ويوجد فيها عناصر من الحرس الثوري الإيراني ومجموعات موالية لطهران.

وكانت الوكالة السورية قد ذكرت مطلع الأسبوع الحالي أن قصفاً إسرائيلياً استهدف عدداً من المواقع المدنية في محيط العاصمة دمشق، لكن إسرائيل قالت إن القصف استهدف بنى تحتية ومصالح تابعة لاستخبارات «حزب الله» داخل سوريا.