لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

فضلوا العيش على توقيت إنذارات إسرائيل بدلاً من «ذل التهجير»

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

تعيش ن. حمود وعائلتها على وقع الإنذارات التي تطلقها إسرائيل إلى سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما قرّرت العودة إلى منزلها في منطقة الغبيري التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بين الحين والآخر، «نفضّل أن نموت في بيتنا ولا نتعرض للذل خارجه».

بهذه الكلمات تعبّر الفتاة العشرينية عن وضعها ووضع عائلاتها التي باتت حياتها وحياة من قرّر العودة إلى الضاحية رغم الخطر، مبرمجة على وقع حساب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي اعتاد أن ينذر الضاحية عبر منصة «إكس»، ويحدد الأبنية المستهدفة قبل قصفها بوقت قصير، مؤكدة أن هناك الكثير من العائلات التي أجبرتها الظروف على اتخاذ هذا القرار بحيث تهرب بعد الإنذارات ومن ثم تعود إلى منازلها.

وإذا كان البعض عاد إلى الضاحية لأسباب مرتبطة بالأوضاع المادية، وعدم القدرة على دفع بدل الإيجار المرتفع أو توفر مكان آمن له، فإن عائلة حمود عادت «لأسباب مرتبطة بالتضييق علينا ولا سيما على إخوتي الشباب، في المنطقة التي لجأنا إليها، في جبل لبنان حيث باتوا يدققون في هوية الأشخاص الذين يأتون إلينا، كما عند خروج إخوتي ودخولهم».

وأتى هذا التضييق بعد التفجيرات التي استهدفت أشخاصاً محسوبين على «حزب الله» في مناطق خارج الضاحية والجنوب والبقاع، والتي تعدّ في معظمها مناطق آمنة، وهو ما أدى إلى حالة من القلق والخوف في أوساط المجتمعات المضيفة انعكست سلباً على وجود النازحين.

وفي ظل هذا الواقع، وبعد شهر على إقامة عائلة حمود في منزل مستأجر في جبل لبنان، قررت العودة إلى الضاحية التي يسود فيها الهدوء الحذر في الأيام الأخيرة، بعدما كانت قد تعرضت للقصف قبل خمسة أيام.

تتحدث نور عبر الهاتف وصوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لا يغادر أجواء الضاحية، وتقول: «عدنا قبل عشرة أيام. نظفنا منزلنا بعدما أحضرنا ما تيسّر من السوق؛ كي لا نضطر للدخول والخروج كثيراً، وجهّزنا حقائب صغيرة تحتوي على بعض الأغراض الأساسية، وننتظر الإنذارات الإسرائيلية كي نخرج من الضاحية». المكان الآمن بالنسبة إلى نور وعائلتها اليوم بات شاطئ البحر، «بعد الإنذارات الإسرائيلية نذهب إلى الشاطئ، ننتظر انتهاء القصف، ومن ثم نعود إلى بيتنا على أمل أن يبقى صامداً ليبقى ملجأنا».

وعند سؤال نور عن الشعور بالخوف الذي يعيشونه اليوم في منطقة باتت شبه مدمرة وهدفاً دائماً للقصف الإسرائيلي، تقول: «نحن شعب لا نخاف، نؤمن أنه من الأفضل أن نموت في بيوتنا ولا نتعرض للذل... وما كتب لنا سيحصل... إما أن ننتصر ونحن على يقين بذلك، وإما أن تنتهي الحرب ونكون من الشهداء».

وبانتظار توقف آلة الحرب وانكشاف الصورة الحقيقية للحرب المدمرة، تشير التقديرات وفق الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، إلى أن هناك 240 مبنى مدمراً في الضاحية الجنوبية لبيروت، و360 مبنى تعرضت لدمار جزئي أي نحو 12 ألف وحدة سكنية، كعدد إجمالي، وهي تتوزع بشكل أساسي بين حارة حريك والليلكي والجاموس والغبيري.

وإذا كانت عائلة حمود قادرة على دفع إيجار منزل، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون قدرة الكثير من العائلات على إيجاد أماكن آمنة للجوء إليها، أدت أيضاً إلى عودة بعض العائلات، فيما تفكّر عائلات أخرى بالعودة كذلك إذا لم تجد مأوى.

وهذا ما تعبّر عنه، أم محمد، التي طلب منها وعدد من العائلات الخروج من مدرسة في بيروت كانت قد لجأت إليها مع عائلتها، بعدما اتُّخذ قرار بإعادة فتح المدارس للتعليم، وطلب منهم المغادرة يوم الخميس كحد أقصى. وفي حين تؤكد أن مدير المدرسة الخاصة الذي استقبلهم في منطقة عين الرمانة، منذ بدء الحرب قام بكل ما يلزم لمساعدتهم وقدم لهم كل التسهيلات اللازمة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لكن اليوم اتخذ القرار وفرضت علينا المغادرة، والمشكلة أننا لا نجد مكاناً نذهب إليه، وإذا بقي الوضع كذلك، فسنعود أنا وولدي وزوجي المريض إلى الشياح، في ضاحية بيروت الجنوبية، كما فعل الكثير من العائلات».

مواطن وعائلته على متن «توك توك» في ضاحية بيروت الجنوبية بعد وقت قصير من تعرضها لقصف إسرائيلي في بداية شهر نوفمبر (أ.ب)

والأسباب نفسها، جعلت من فاطمة تتخذ قرار العودة أيضاً إلى الضاحية الجنوبية، مع أطفالها الثلاثة، رغم خطر القصف الدائم، وذلك بعدما ضاق البيت الذي كانت تسكن فيه مع أقارب لها بسكانه، ونشأت الخلافات فيما بينهم، فما كان لها إلا حمل أغراضها والعودة إلى منزلها وما تبقى من المنطقة التي نشأ أولادها فيها، «على أمل أن ينتهي هذا الكابوس قريباً».

أما من لا يزال صامداً في أماكن النزوح التي لجأ إليها، وبقيت جدران منزله في الضاحية بعيدة عن القصف، فهو يزورها بين اليوم والآخر في فترة الهدوء، ليطمئن عليه ويحمل ما تيسّر له من الأغراض له ولعائلته، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء والمؤشرات التي تجعل الجميع شبه مقتنع أن أيام الحرب ستكون طويلة.

مع العلم أن معظم سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، يتحدرون من منطقتي الجنوب والبقاع، اللتين تتعرضان بدورهما إلى قصف إسرائيلي متواصل وتدمير ممنهج، ما يمنع العودة إليهما أيضاً، وهو ما عاد وحذّر منه أدرعي، الثلاثاء، متوجهاً إلى أهالي الجنوب مذكراً إياهم بأن الحرب لا تزال مستمرة: «نناشدكم بالامتناع عن السفر جنوباً والعودة إلى منازلكم أو إلى حقول الزيتون الخاصة بكم».

مناصر لـ«حزب الله» يجول بين ركام ناتج من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية (أ.ب)


مقالات ذات صلة

​ميقاتي يدعو للنأي بلبنان عن المستجدات السورية

المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)

​ميقاتي يدعو للنأي بلبنان عن المستجدات السورية

دعا المسؤولون في لبنان إلى النأي بالبلاد عن المستجدات بسوريا فيما هنّأ معارضو النظام الشعب السوري بإسقاط الرئيس مؤكدين على انتصار الحق على الباطل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي زحمة سيارات لسوريين عائدين إلى بلادهم من لبنان على أثر سقوط النظام السوري (أ.ب)

لبنان: عودة نشطة للنازحين السوريين إلى بلادهم

شهد طريق الذهاب إلى سوريا، مع ساعات الصباح، زحمة عودة لافتة ما لبثت أن تراجعت مع ساعات ما قبل الظهر.

حسين درويش (شرق لبنان)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيسا الحكومة السابقان تمام سلام وفؤاد السنيورة خلال لقائهم بمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان (الوكالة الوطنية للإعلام)

ميقاتي والسنيورة وسلام في دار الفتوى: يجب التعامل مع الأحداث السورية بحكمة ووعي

تمنى كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيسي الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، الخير والاستقرار وإعادة تكوين السلطة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يحتفون بسقوط النظام السوري: توزيع حلوى ودعوات للاحتفال

لبنانيون يحتفون بسقوط النظام السوري: توزيع حلوى ودعوات للاحتفال

قد لا تقل فرحة اللبنانيين بسقوط النظام السوري، ورئيسه بشار الأسد، عن فرحة السوريين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري لبنانيون وسوريون يحتفلون في بيروت بسقوط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد (أ.ف.ب)

تحليل إخباري سقوط الأسد يستعجل انتخاب رئيس للبنان

الانتقال السلمي للسلطة في سوريا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد يضع لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة، مع وقوفه على بُعد شهر من موعد انعقاد الجلسة النيابية.

محمد شقير (بيروت)

المشهداني يبحث مع القيادات السنية تحصين الجبهة الداخلية بعد زلزال سوريا

جلسة للبرلمان العراقي تناقش تطورات الأوضاع في سوريا الأسبوع الماضي (البرلمان)
جلسة للبرلمان العراقي تناقش تطورات الأوضاع في سوريا الأسبوع الماضي (البرلمان)
TT

المشهداني يبحث مع القيادات السنية تحصين الجبهة الداخلية بعد زلزال سوريا

جلسة للبرلمان العراقي تناقش تطورات الأوضاع في سوريا الأسبوع الماضي (البرلمان)
جلسة للبرلمان العراقي تناقش تطورات الأوضاع في سوريا الأسبوع الماضي (البرلمان)

بحث رئيس البرلمان العراقي، الدكتور محمود المشهداني، مع القيادات السنية تطوّرات الوضع في سوريا وانعكاساته المحتملة على العراق.

وركز الاجتماع على التحديات التي واجهها المكون السني، بعدما تكبّد خسائر فادحة من جراء الإرهاب، بدءاً من أعمال العنف الطائفي التي قادها تنظيم «القاعدة»، بعد سقوط النظام العراقي السابق في 2003، وصولاً إلى سيطرة «داعش» على أربع محافظات عراقية في 2014.

وأفاد بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان بأن المشاركين في الاجتماع أكدوا دعمهم للعملية السياسية في سوريا، مشددين على ضرورة أن تعتمد على التوافق بين جميع مكونات الشعب السوري. وأبرزوا أهمية تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق.

كما أعرب المشاركون عن تفاؤلهم بالتطورات الأخيرة في سوريا، مؤكدين أن المرحلة المقبلة تتطلّب تعزيز السلم المجتمعي بين مختلف الأطراف السورية.

أوضح البيان أن القيادات السنية أكدت أن ما مر به العراق منذ عام 2003 من مواجهات مع الإرهاب يُشكل درساً مهماً يجب الاستفادة منه لتفادي تكرار الأخطاء. وشددوا على أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية، وتفعيل جهود المصالحة المجتمعية، وتعزيز السلم الأهلي في سوريا، لافتين إلى أن هذه الخطوات تُعد الأساس لتحقيق الاستقرار في أي دولة تواجه الأزمات.

وبينما أعربت القيادات السنية عن أملها في أن تُسهم المرحلة المقبلة في إنهاء معاناة الشعب السوري، شددت على أهمية الإصلاح السياسي والاجتماعي. وأكدت أن بناء مستقبل سوريا يجب أن يستند إلى العدالة والسلام، بعيداً عن الفوضى والانقسامات، مع ضمان الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين السوريين.

بدوره، أكد رئيس البرلمان العراقي الأسبق، سليم الجبوري، أهمية مخرجات اجتماع القيادات السنية بدعوة من محمود المشهداني، لمتابعة مستجدات الوضع في سوريا. وشدد على ضرورة «استخلاص الدروس من التجربة، خاصة تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز المصالحة المجتمعية، وترسيخ السلم الأهلي لضمان استقرار الدول وتماسك مجتمعاتها».

مواقف متغيرة

وأظهرت مواقف القيادات والأطراف السياسية العراقية آراء متباينة تجاه الأحداث في سوريا، لكن من بين المواقف التي شهدت تغيّراً سريعاً كان موقف رئيس الوزراء العراقي الأسبق وزعيم ائتلاف «دولة القانون»، نوري المالكي.

فبينما كان يدعو إلى القتال في سوريا إلى جانب نظامها قبل يوم من مغادرة الرئيس بشار الأسد دمشق، ودخول قوى المعارضة إلى القصر الرئاسي؛ أعلن، بعد يوم واحد من بسط المعارضة سيطرتها، دعمه للتغيير في سوريا.

وكان زعيم منظمة «بدر»، هادي العامري، قد دعا قبل يوم من دخول المعارضة السورية إلى دمشق، إلى شنّ هجوم من قبل العراقيين المؤيدين للنظام السوري بوصفه وسيلة للدفاع. ومع ذلك، التزم الصمت بعد التغيير، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته قيادات الفصائل المسلحة التي التزمت الصمت حتى الآن حيال التطورات في سوريا.

وظلّ موقف زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، ثابتاً بعدم التدخل في الشأن السوري، سواء قبل سقوط نظام دمشق أو بعده.

ودعا الصدر، في تغريدة له على موقع «إكس»، إلى حوار وطني سوري شامل. وقال: «بعد سقوط حكم دام أكثر من خمسين عاماً في سوريا على يد الشعب بطوائفه كافّة، نترقب اليوم حواراً وطنياً شاملاً لتشكيل حكومة ديمقراطية تُعبّر عن جميع طوائف الشعب دون تشدد أو حكم عسكري أو إقصاء، لتعيش سوريا بأمن واستقرار بعيداً عن الإرهاب (الداعشي) والديكتاتورية البغيضة أو التدخلات الخارجية الأميركية أو الإسرائيلية أو غيرها».

وأضاف الصدر: «نأمل في علاقات متوازنة بين الشعبين الشقيقين تحت مظلة الإسلام والعروبة والإنسانية، فمصيرنا واحد، ولن نسمح للعدو بتفريقنا عبر الطائفية أو الخلافات السياسية أو القومية».