الاقتصاد اللبناني «المنهك» ينزلق إلى هاوية الركود الشامل

تقديرات متباينة للخسائر الناجمة عن الحرب الإسرائيلية تلامس 20 مليار دولار

معبر جوسيه بين لبنان وسوريا إثر استهدافه بقصف إسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
معبر جوسيه بين لبنان وسوريا إثر استهدافه بقصف إسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد اللبناني «المنهك» ينزلق إلى هاوية الركود الشامل

معبر جوسيه بين لبنان وسوريا إثر استهدافه بقصف إسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
معبر جوسيه بين لبنان وسوريا إثر استهدافه بقصف إسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

يعكس التباين الكبير في التقديرات الأولية لحصيلة الخسائر الاقتصادية المحققة والناجمة عن الحرب الإسرائيلية المحتدمة على لبنان، والمترجَم رقمياً بين 10 مليارات دولار و20 ملياراً، حقيقة عمق حال «عدم اليقين» وصعوبات التحقّق من مستويات التدهور اللاحقة بالمؤشرات الأساسية والمرافق الإنتاجية، والمعزّزة بتكاليف التدمير المنهجي للأبنية السكنية والبنى التحتية والأراضي الزراعية في مناطق واسعة، وبأعباء تراكمية لموجات غير مسبوقة من النزوح القسري للسكان.

وثمة توافق ظاهر لدى الخبراء والمراكز البحثية، محلياً وخارجياً، على تعذّر اعتماد أي بيانات إحصائية موثوق بها في الجانبين الاقتصادي والقطاعي، ما دامت العمليات العسكرية والغارات المدمّرة لم تتوقف، فضلاً عن إمكانية المتابعة اليومية الأهم للجانب الإنساني من قبل وزارة الصحة ولجان إدارة الأزمة ومنظمات دولية مختصة، التي وثّقت، حتى الساعة، سقوط نحو 3 آلاف شهيد، ونحو 15 ألف جريح، جلّهم من المدنيين، وتهجيراً داخلياً في أغلبه لنحو 1.4 مليون نسمة من بيوتهم في المناطق المستهدفة، أي نحو ربع عدد المواطنين داخل البلاد.

كوارث آتية

لكن الثابت، وفق الترقبات والمتابعات، أن الاقتصاد المنكوب أصلاً بسلسلة انهيارات متفاقمة على مدار 5 سنوات متتالية، يهبط بسرعة قياسية إلى قعر الهاوية، وفق توصيف رئيس «الهيئات الاقتصادية»، محمد شقير، مما ينذر بكوارث على مختلف المستويات، لا سيما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وفق ما تعكسه المؤشرات القطاعية في مختلف الأنشطة الإنتاجية، مع تقدير أن مجموع الخسائر المباشرة التي تكبدها لبنان جراء العدوان الإسرائيلي، حتى الآن، يتراوح بين 10 مليارات و12 مليار دولار، متضمناً خسائر القطاعات الاقتصادية، والأضرار التي لحقت بالمنازل ومختلف الأبنية والبنى التحتية.

والى جانب ما تخلّفه الحرب من تداعيات اقتصادية عميقة على المدى القصير، خصوصاً دخول قطاعات رئيسية، مثل السياحة والزراعة والصناعة والتجارة وغيرها، في حال انكماش حادة للأعمال اليومية والأنشطة المعتادة، يُرصَد ازدياد أعداد المؤسسات التجارية، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تضطر إلى إغلاق أبوابها أو تعليق نشاطاتها، إما نتيجة الأضرار المباشرة الناجمة عن الاعتداءات وانخفاض الطلب الاستهلاكي، وإما بسبب تعطيل المعابر التجارية وسلاسل التوريد والنقل والتغييرات الطارئة على الأسواق ربطاً بكثافة النزوح.

فتاة نازحة تغسل أطباقاً في مركز إيواء بمبنى «العازارية» وسط بيروت (إ.ب.أ)

وفي الترجمة الرقمية، تحذر مؤسسات مالية دولية من «سيناريو» استمرار النزاع والاعتداءات الإسرائيلية لأشهر إضافية تمتد حتى منتصف العام المقبل، حيث يتوقع «معهد التمويل الدولي» تسجيل انكماش إضافي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7 في المائة بنهاية العام الحالي و10 في المائة للعام المقبل، مما يفاقم مجموع نسب التراجع التراكمية إلى نحو 60 في المائة، من المستوى الأعلى المسجل بنهاية عام 2018 والبالغ نحو 53 مليار دولار.

انكماش لسنوات

وبالمثل، يشير تقرير محدث أصدره «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» إلى أن التداعيات الاقتصادية ستستمر طويلاً ولسنوات مقبلة، حتى في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل نهاية العام الحالي، بما تشمل انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.28 في المائة خلال العام المقبل، وبنسبة 2.43 في المائة عام 2026، وتراجع إيرادات الحكومة بنسبة 9 في المائة، وانخفاض الاستثمارات بأكثر من 6 في المائة، خلال العامين المقبلين.

ويتوقّع أن تزيد نسبة البطالة بشكلٍ كبير في العام الحالي، مما قد يتسبّب في خسائر كبيرة بعدد الوظائف ونزوح اقتصادي، ناتج بغالبيّته عن تراجع الطلب على العمالة في مختلف القطاعات. كما أن الشركات الصغيرة جدّاً، والصغيرة، ومتوسّطة الحجم، التي يقدّر «مصرف لبنان» أنّها تشكّل نحو 90 في المائة من الاقتصاد اللبناني، سوف تتأثّر بشكل كبير؛ لأن البعض منها اضطر إلى اتخاذ قرار بالإقفال أو بتعليق النشاط إلى أمد غير محدّد.

خسارة الأعياد

وبالتماهي مع هذه التحذيرات الدولية، تعكس المؤشرات الأساسية التي رصدتها النقابات والهيئات القطاعية بنهاية الشهر الأول من الاعتداءات الإسرائيلية الواسعة، انزلاقاً متسارعاً لمجمل الأنشطة الاقتصادية صوب الركود شبه التام، مزخّماً بخسارات محققة جزئياً للموسم السياحي الصيفي، ومرجّحة بقوّة للموسم الأنشط تقليدياً في فترة الأعياد ونهاية العام، مما يعني تلقائياً خطر بلوغ حد الجفاف لأحد أهم موارد العملات الصعبة الذي يتراوح ما يضخه بين 4 و5 مليارات دولار سنوياً، والذي يحوز المرتبة الأساسية الثانية بعد بند التحويلات من العاملين في الخارج والمغتربين الذي يؤمن تدفق نحو 7 مليارات دولار سنوياً، وفق تقديرات «البنك الدولي».

تراجع القطاعات

ويسجل القطاع التجاري، تبعاً للرصد الميداني الذي تولته الجمعيات والنقابات المهنية، انخفاضاً كبيراً في أنشطته بنسبة تتراوح بين 80 و90 في المائة، باستثناء الطلب المرتفع على المواد الغذائية ومواد التنظيف والتعقيم، ربطاً بالإقبال العام على التموين الاحترازي وتلبية الاحتياجات الطارئة جراء موجات النزوح الداخلي. كما سجل النشاط الزراعي انخفاضاً بلغ أكثر من 40 في المائة، ويضاف إليه وجود خطر حقيقي بخسارة محاصيل زراعية كثيرة أساسية.

كما يقدر انخفاض نشاط القطاع الصناعي في الفترة الأخيرة بحدود 50 في المائة، نتيجة توقف نحو 30 في المائة من المصانع عن العمل بسبب وجودها بالمناطق الساخنة، والانخفاض الكبير في الطلب بالسوق الداخلية وعقود الطلبيات الجديدة إلى الخارج. في حين بلغت التداعيات ذروتها في قطاعات الفنادق والمطاعم وتأجير السيارات، التي سجلت انكماشاً في حركتها بلغ نحو 90 في المائة، مصحوباً بأضرار مادية جسيمة وبإقفال مئات المؤسسات في مناطق العمليات العسكرية.


مقالات ذات صلة

الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة... وتأجيلها تقني «إن حصل»

خاص ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)

الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة... وتأجيلها تقني «إن حصل»

الترويج للتمديد بدأ يأخذ طريقه إلى العلن، بتبادل الاتهامات بين بري وخصومه، مع أن مصادر محسوبة على «الثنائي الشيعي» تستغرب إلصاق تهمة التمديد برئيس البرلمان.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)

الرئيس اللبناني: شبح الحرب ابتعد... وماضون في استكمال «حصرية السلاح»

أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون أن شبح الحرب ابتعد، مشيراً إلى أن «اتصالاتنا الدبلوماسية لم تتوقف لإبعاد شبح الحرب».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي اجتماع سابق لرئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري (الوكالة الوطنية للإعلام)

عون: مصممون على إجراء الانتخابات في موعدها

أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون مجدداً، اليوم (الخميس)، أن إجراء الانتخابات استحقاق دستوري يجب أن يتم تنفيذه في وقته.

المشرق العربي انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

تمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وتفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - لندن)
خاص عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز) play-circle 01:50

خاص شقيق الضباط اللبناني يروي تفاصيل استدراجه واختفائه

لم تتبدد الصدمة عن وجوه أفراد عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني أحمد شكر، وذلك بعد ترجيحات أمنية وقضائية لبنانية بأن إسرائيل خطفته

حسين درويش (بعلبك (شرق لبنان))

جدل في العراق بعد كلمة لساكو تضمنت مصطلح «التطبيع»

السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)
السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)
TT

جدل في العراق بعد كلمة لساكو تضمنت مصطلح «التطبيع»

السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)
السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)

أثارت كلمة لبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق لويس روفائيل ساكو، خلال قداس عيد الميلاد في بغداد، جدلاً سياسياً واسعاً، بعد استخدامه مفردة «التطبيع»، في بلد يحظر قانونه أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.

ودفعت ردود الفعل المتباينة مؤسسات دينية وسياسية إلى إصدار توضيحات متتالية، في محاولة لاحتواء الجدل الذي تصاعد على وسائل التواصل الاجتماعي ووصل إلى مطالبات بمحاسبة البطريرك، رغم أنه لم يربط مصطلح «التطبيع» مع إسرائيل أو أي دولة أخرى.

وقالت البطريركية الكلدانية، في بيان صحافي، إن تصريحات ساكو «أُخرجت من سياقها»، موضحةً أن المقصود بـ«التطبيع» هو أن «يطبِّع العالم مع العراق»، بوصفه «بلد الأنبياء ومهد الحضارات»، وليس الدعوة إلى تطبيع العراق مع أي دولة.

كان ساكو قد قال خلال القداس الذي أُقيم في كنيسة مار يوسف للكلدان الكاثوليك في بغداد، بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وعدد من المسؤولين: «هناك كلام عن التطبيع، وأتمنى من الحكومة الجديدة أن يكون التطبيع في العراق ومع العراق بلد الأنبياء»، مضيفاً أن «العالم يجب أن يأتي إلى العراق وليس إلى مكان آخر»، في إشارة إلى أهمية العراق الدينية والحضارية.

مسيحيون عراقيون في قداس ليلة الميلاد بكنيسة «سيدة النجاة» وسط بغداد الأربعاء (أ.ب)

رد السوداني

وردَّ السوداني في كلمة ألقاها خلال القداس نفسه قائلاً إن «كلمة التطبيع غير موجودة في قاموس العراق»، لأنها «ارتبطت بكيان محتل استباح الأرض والإنسان»، مؤكداً أن العراق «لا يحتاج إلى تطبيع بل إلى الأخوة والمحبة والتعايش»، والالتزام «بالواجب الشرعي والقانوني والدستوري».

وفي وقت لاحق، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى «محاسبة من يدعو إلى التطبيع كائناً من كان»، دون أن يذكر ساكو بالاسم، ما أسهم في تصاعد الجدل السياسي حول التصريحات.

من جهتها، أصدرت رئاسة التحالف المسيحي، الخميس، بياناً مطولاً أكدت فيه أن خطاب البطريرك «كان دينياً ثقافياً خالصاً» ولم يكن سياسياً، معتبرةً أن تفسيره على أنه دعوة إلى التطبيع مع إسرائيل «قراءة مسيَّسة» لا تعكس المقصود الحقيقي من الكلمة.

وأضاف البيان أن مصطلح «التطبيع» استُخدم بمعناه اللغوي والدستوري، أي «إعادة الشيء إلى طبيعته»، في إشارة إلى دعوة العالم للتعامل مع العراق بما يليق بتاريخه وعمقه الحضاري والديني، ورفض التحالف ما وصفه بـ«الاستثمار السياسي والإعلامي» للجدل أو الزج بالمكون المسيحي في صراعات سياسية.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال قداس عيد الميلاد بكنيسة «مار يوسف» للكلدان في بغداد الأربعاء (رويترز)

واصدرت البطريركية الكلدانية فجر الخميس، توضيحاً جديداً شددت فيه على أن ساكو «يرفض الصهيونية»، وأن حديثه كان عن «تطبيع علاقة العالم مع العراق»، مرفقةً مقطع فيديو سابقاً يؤكد فيه الموقف ذاته.

ويحظر القانون العراقي أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، في قضية تحظى بحساسية سياسية وشعبية عالية، مما يجعل استخدام المصطلح مثار جدل واسع في الخطاب العام، حتى عندما يُستخدم في سياقات دينية أو ثقافية.


الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة... وتأجيلها تقني «إن حصل»

ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)
ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة... وتأجيلها تقني «إن حصل»

ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)
ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)

السجال الدائر في لبنان حول مصير الانتخابات النيابية المقررة في مايو (أيار) المقبل، مع ارتفاع منسوب الترويج للتمديد للبرلمان لسنتين، يصطدم بحائط مسدود يتمثل في إصرار رؤساء الجمهورية العماد جوزيف عون، والمجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام على إنجازها في موعدها، احتراماً للاستحقاقات الدستورية، وتأجيل إنجازها، في حال حصوله، يعود لأسباب تقنية، وبحدود شهرين، أو ثلاثة أشهر على الأكثر، لتفادي انقضاء المهل.

رئيس البرلمان نبيه بري يترأس اجتماعاً لكتلته «التنمية والتحرير» (أرشيفية - رئاسة البرلمان)

فالترويج للتمديد بدأ يأخذ طريقه إلى العلن، بتبادل الاتهامات بين بري وخصومه، مع أن مصادر نيابية محسوبة على «الثنائي الشيعي» تستغرب إلصاق تهمة التمديد برئيس البرلمان.

وتؤكد المصادر لـ«الشرق الأوسط» أنه لا جدال في موقف بري من إجراء الانتخابات في موعدها، وأن من يريد التمديد فليتحمل مسؤوليته أمام اللبنانيين، والمجتمع الدولي.

ونقلت عن رئيس البرلمان قوله، في لقاء مسائي جمعه بعدد من النواب، إن ما يُنسب إليه أو للمنتمين إلى كتلته النيابية «ليس صحيحاً»، وأنه يسمع بالتمديد عبر بعض وسائل الإعلام وهو «يتيم الوالدين»، بالمفهوم السياسي للكلمة، و«نحن من جانبنا أوعزنا للمسؤولين عن الملف الانتخابي في حركة (أمل) بتشغيل الماكينة الانتخابية تحضيراً لخوض الانتخابات، وهذا ما حصل».

عون ليس في وارد التمديد

وفي المقابل، فإن ما يُنقل عن بري ينسحب على عون باعتباره الخاسر الأكبر من التمديد للبرلمان مع انقضاء عام ونيف على انتخابه رئيساً للجمهورية، كونه يراهن على دور الشباب لإحداث تغيير لملاقاته في منتصف الطريق لإنقاذ لبنان. وبالتالي فإن عون، كما تقول مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط»، ليس في وارد تمرير التمديد، وأنن لا شيء يمنع إجراء الانتخابات في موعدها، وليتحمل النواب مسؤوليتهم بالتوصل لتسوية حول قانون الانتخاب تعبّد الطريق أمام إنجازها.

سلام أيضاً

كما ينسحب موقف عون-بري على سلام الذي يراهن على توصُّل النواب لتسوية لإخراج قانون الانتخاب من السجال، مستغرباً، كما ينقل عنه زواره، اتهامه بتأييده الضمني للتمديد الذي يسمح ببقائه على رأس الحكومة بدلاً من اعتبارها مستقيلة حكماً بولادة مجلس نيابي جديد.

الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام خلال اجتماع ثنائي يوم الثلاثاء الماضي (الرئاسة اللبنانية)

وفي هذا السياق، يُنقل عن المصادر الوزارية قولها إنه لا عائق أمام الحكومة لإجراء الانتخابات بعد أن أشرفت في أحلك الظروف وأشدها، في ظل الاحتلال الإسرائيلي لعدد من التلال الواقعة في البلدات الحدودية، على إنجاز استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية بعد التمديد لأكثر من ولاية لمجالسها.

الدور الأميركي

وتؤكد المصادر أن الفترة الفاصلة عن إجراء الانتخابات في موعدها قد تكون كافية لتبدّل المشهد العسكري الذي تفرضه إسرائيل بالنار على الجنوب امتداداً إلى البقاع على نحو يعيد الاستقرار بالكامل للبنان من بوابته الجنوبية، وهذا يتوقف على مدى استعداد الولايات المتحدة الأميركية للضغط عليها لإلزامها بوقف الأعمال العدائية، مع استعداد لبنان للمضي بتطبيق حصرية السلاح بالانتقال للمرحلة الثانية من الخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتبنّتها الحكومة، وتشمل المنطقة الممتدة من شمال نهر الليطاني حتى الأوليّ، بعد التأكد من سيطرة الوحدات العسكرية على المنطقة المحررة في جنوب الليطاني بشهادة لجنة الـ«ميكانيزم» المشرفة على تطبيق الاتفاق، ومعها قيادة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل».

المرحلة الثانية من حصرية السلاح

ولفتت إلى أن تأكيد سلام بالتحضير للمرحلة الثانية كان في محله، وقالت إنها تستغرب اتهامه من قبل كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) من دون أن تسمّيه، بأنه يتبرّع مسبقاً للإسراع بتنفيذ ما يرتاح له العدو من خطوات بدلاً من قيام حكومته بإجراء حازم يدفعه لتنفيذ ما عليه، رغم أن حديثه عن التحضير لهذه المرحلة يأتي انسجاماً مع تبنيها للخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتقوم بتطبيق حصرية السلاح على 4 مراحل، ولم يحدد موعداً لبدء تنفيذها لأن تحديده يعود لمجلس الوزراء في ضوء التقرير الذي سيطلعه عليه قائد الجيش العماد رودولف هيكل حول ما أُنجز في المرحلة الأولى الخاصة بجنوب النهر، وموقف الـ«ميكانيزم» منه.

الحلقة الأضعف؟

وسألت المصادر «حزب الله»، هل من فارق بين ما صرّح به سلام في هذا الخصوص لـ«الشرق الأوسط»، وما قاله ويقوله عون بأن قرار حصرية السلاح اتُّخذ والتطبيق وفقاً للظروف؟ وهل يتعاطى الحزب مع سلام على أنه الحلقة الأضعف؟ وإلا لماذا يتجنّب الرد على رئيس الجمهورية بتكراره لموقفه، وآخره كان في أعقاب الخلوة التي عقدها مع البطريرك الماروني بشارة الراعي لمناسبة حلول عيد الميلاد؟

كما سألت الحزب ما إذا كان يحتفظ لنفسه بعدم الرد على عون، لئلا يرتد سلباً على حواره المتقطع معه، والذي لم يحقق التقدم المطلوب لانخراطه في تطبيق حصرية السلاح في ظل تمسكه به، مع أن ما أعلنه سلام لا ينطوي على خلاف مع رئيس الجمهورية، وأنه اختار التوقيت المناسب لتمرير رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو يستعد للقاء رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في 29 الجاري؟

رهانات على ترمب

وأكدت المصادر أنه أحسن باختياره التوقيت ليؤكد لترمب أن الحكومة ماضية بتعهّدها بتطبيق حصرية السلاح تنفيذاً للقرار 1701، وأن إسرائيل ما زالت العائق دون انتشار الجيش حتى الحدود الدولية للبنان قبالة المستوطنات.

ورأت أن الحكومة تتطلع لقيام ترمب بالضغط على نتنياهو، ليس لمنعه من توسعة الحرب، وإنما لإحداث تغيير في المشهد العسكري المفروض إسرائيلياً على لبنان، ما يسمح بعودة الاستقرار للجنوب، وهذا ما يحتّم على «حزب الله» التجاوب مع حصريته التزاماً منه بخطاب القسم، وبالبيان الوزاري للحكومة، ومشاركته فيها بوزيرين.

لذلك تراهن الحكومة على تبدُّل الظروف الأمنية على نحو يتيح إجراء الانتخابات في أجواء آمنة لا تدعو للقلق، وإنما في موعدها، آخذة بعين الاعتبار التأجيل التقني لوقف النزاع حول القانون الذي ستجرى على أساسه، ولضمان اقتراع المغتربين استناداً للتفاهم على تسوية تستبعد إحداث الدائرة الـ16 لتمثيل الاغتراب بـ6 مقاعد، في مقابل صرف النظر عن السماح لهم بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، على أن يؤدي التأجيل التقني لإنجاز الاستحقاق النيابي في الصيف للسماح لهم بالمجيء للبنان لاختيار ممثليهم إلى الندوة النيابية.

وعليه فبمجيئهم في الصيف سيسهمون بتحريك العجلة الاقتصادية. فهل ستسمح الظروف بإجراء الانتخابات مشروطة بتأجيلها تقنياً، أم أن إسرائيل ستقلب الطاولة بتوسعتها الحرب أبعد مما هي عليه الآن؟

وكيف سيرد ترمب، بإسقاط لبنان ذرائع إسرائيل لمواصلة اعتداءاتها، ومعه المجتمع الدولي الذي يتعامل حيال إنجازها على أنها محطة لإحداث تغيير في ميزان القوى للتأكيد على أن نتائجها ما هي إلا ثمرة للتحولات في المنطقة بتراجع محور الممانعة بقيادة إيران، وتقليص نفوذ «حزب الله» في المعادلة السياسية بافتقاده للعدد الأكبر من حلفائه، وبالتالي فإن عدم لجمها سيؤدي لإحراج المجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن بإصرار موفديها إلى لبنان على إجراء الانتخابات بلا أي تأخير؟


الرئيس اللبناني: شبح الحرب ابتعد... وماضون في استكمال «حصرية السلاح»

الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)
TT

الرئيس اللبناني: شبح الحرب ابتعد... وماضون في استكمال «حصرية السلاح»

الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)

أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون ابتعاد «شبح الحرب» الإسرائيلية عن لبنان نتيجة «اتصالاتنا الدبلوماسية»، مؤكداً الاستمرار في قرار «حصرية السلاح»، لكن تطبيقه يتم «وفقاً للظروف».

كلام عون جاء خلال مشاركته وزوجته السيدة الأولى نعمت عون، في قداس عيد الميلاد بمقر البطريركية المارونية في بكركي الذي ترأسه البطريرك الماروني بشارة الراعي.

وبعد خلوة جمعته بالبطريرك الراعي، توجّه عون إلى الصحافيين قائلاً: «إن زيارتي اليوم إلى بكركي طبيعية وتقليدية لتقديم التهاني بمناسبة عيد الميلاد إلى غبطة البطريرك. ومن خلالكم، أودّ أن أعايد جميع اللبنانيين، متمنياً أن نشهد في السنة المقبلة ولادة لبنان الجديد: لبنان دولة المؤسسات لا دولة الأحزاب، ولا دولة الطوائف، ولا دولة المذاهب، بل دولة الشفافية والمحاسبة».

وأكد عون أنه «في هذا العيد، هناك جرح نازف في الجنوب، ولم يعد أهلنا إليه بعد، فيما لا يزال أسرانا في السجون الإسرائيلية، ولا تزال هناك اعتداءات آخرها، الخميس، في الجنوب والبقاع. إن شاء الله نشهد ولادة لبنان الجديد، وننتهي من الحروب ونعيش السلام».

تثبيت الاستقرار

وأوضح أن اتصالات لبنان مع الدول المؤثرة لم تتوقف، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول العربية، وذلك ضمن الحراك الدبلوماسي لتثبيت الاستقرار، في ظل التوترات والانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار.

وعن عمل لجنة «الميكانيزم» والحديث الإسرائيلي عن تجدد الحرب بعد رأس السنة، أكّد عون أن «اتصالاتنا الدبلوماسية لم تتوقف لإبعاد شبح الحرب. وأستطيع أن أقول لكم إن شبح الحرب بَعُدَ. وبطبيعة الحال، في التفاوض، كل واحد يريد رفع سقفه لكنني متفائل، وإن شاء الله الأمور ذاهبة إلى خواتيم إيجابية».

2000 مرسوم

وتوقف عون عند ما حققه حتى اليوم في موضوعي الإصلاح وحصرية السلاح، وقال: «إذا أردنا قياس الأمور مقارنة مع السنوات السابقة، هناك إنجازات بالتأكيد. ليس هذا هدفنا فحسب، هدفنا أبعد من ذلك، لكننا وضعنا الأمور على السكة الصحيحة. وإذا نظرتم إلى ما حققته الحكومة خلال 10 أشهر من إنجازات، فلقد أحصينا بالأمس توقيع 2000 مرسوم، هناك مراسيم تقع على عاتقنا وأخرى تقع على عاتق مجلس النواب، أليس هذه إنجازات؟ انظروا إلى الأرقام الاقتصادية وإلى فترة العيد وإلى فصل الصيف الماضي، بالطبع ليس ذلك هدفنا الأساسي، لكن إن شاء الله تذهب الأمور إلى تحسن، وأنا متفائل بذلك، لكن لا تتوقعوا أن يتم الأمر خلال سنة».

وتعهّد عون بمواصلة العمل لاستكمال تنفيذ قرار حصرية السلاح على كل الأراضي اللبنانية، وقال: «القرار اتخذ، وسنكمل في الأمر»، مشيراً إلى أن «التطبيق وفقاً للظروف».

أطفال يحتفلون بالميلاد في بلدة علما الشعب الحدودية مع إسرائيل جنوب لبنان (أ.ب)

كما أكّد عون تصميمه، وتصميم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلّام، على إجراء الانتخابات في موعدها. وقال: «إن مجلس النواب، وانطلاقاً من مبدأ احترام فصل السلطات، لديه دور يجب أن يضطلع به؛ فليتوجّهوا إلى المجلس وليناقشوا أي قانون يريدون. أما واجبنا فهو تأمين سلامة الانتخابات وشفافيتها، في حين يقرر مجلس النواب القانون الذي تُجرى على أساسه. ونحن مصممون على إجرائها في موعدها، فالانتخابات استحقاق دستوري يجب أن يُجرى في وقته».

الراعي

وكان الراعي قد قال في عظة الميلاد إن «عيد الميلاد هو يوم البداية الجديدة. يوم نقول فيه: كفى حروباً، كفى انقسامات، كفى خوفاً على المستقبل»، وتابع: «هو يوم نرفع فيه رؤوسنا ونقول: نعم، يمكن للبنان أن يقوم، يمكنه أن يشفى، ويمكنه أن يكون وطن السلام».

وأشار الراعي إلى أنه «في هذا العيد، وبحضور فخامة رئيس الجمهورية، نرفع صلاة صادقة من أجل لبنان، أن يكون هذا الميلاد بداية مرحلة جديدة، مرحلة تُرمَّم فيها الثقة، وتُستعاد فيها هيبة الدولة، وتُصان فيها المؤسسات، ويُعاد فيها الاعتبار للدستور، وللقانون، وللقيم التي قام عليها هذا الوطن».

وشدد الراعي على أن «لبنان لا يُبنى بالكلمات وحدها، بل بالأفعال الشجاعة، والقرارات الحكيمة، والإرادة الصادقة في خدمة الخير العام».

وتابع أن ميلاد المسيح «يذكّرنا بأن القوة الحقيقية ليست في الصراع، بل في المصالحة؛ ليست في الغلبة، بل في اللقاء؛ ليست في الانقسام، بل في الوحدة. هذا الوطن، بتنوّعه وغناه الإنساني، مدعوّ اليوم أكثر من أي وقت مضى ليكون وطن العيش معاً، لا العيش ضدّ بعضنا، وطن الشراكة لا الإقصاء، وطن الرجاء لا الإحباط».