الجيش الإسرائيلي يفشل في التوغّل داخل الخيام

غارات عنيفة على بعلبك... واستهداف حارة صيدا للمرة الثانية خلال أسبوع

المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يفشل في التوغّل داخل الخيام

المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)

فشل الجيش الإسرائيلي في التوغل داخل مدينة الخيام الحدودية اللبنانية، بعد نحو أسبوع من المواجهات العنيفة مع «حزب الله»، وانسحبت القوة الإسرائيلية التي هاجمت الحي الشرقي، مما أتاح بدء عملية إجلاء عائلتين من منزل في وطى الخيام كان استُهدف بغارة منذ أسبوع، في وقت استمر فيه القصف على البقاع، لا سيما بعلبك، والجنوب، فيما ساد الهدوء الحذر الضاحية الجنوبية لبيروت لليوم الثاني على التوالي.

وبعد تراجع الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» في الساعات الماضية على جبهة الخيام التي تعدّ «أم المعارك البرية»، أفادت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله بأن مدينة الخيام «باتت خالية بأكملها من أي جندي إسرائيلي؛ بما في ذلك منطقة الوطى شرق المدينة»، وذلك بعدما كانت القوات الإسرائيلية شنت عشرات الغارات على المنطقة، تركزت عند شمال ما يُعرف بـ«معتقل الخيام» وشرق البلدية، حيث سُجّلت مواجهات عنيفة.

مقتل قياديين في «حزب الله»

هذا في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن مقتل قياديين اثنين من «حزب الله» في الخيام. وأشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عبر حسابه على منصة «إكس» إلى مقتل فاروق أمين الآسي، قائد «حزب الله» بمنطقة الخيام، ويوسف أحمد نون، وهو قائد سرية في «قوات الرضوان» بمنطقة الخيام.

وقال المتحدث إن «الآسي كان مسؤولاً عن تنفيذ كثير من الهجمات الصاروخية المضادة للدبابات والهجمات الصاروخية، على الجليل والمطلة... ونون هو قائد سرية في (قوات الرضوان) بمنطقة الخيام، وكان مسؤولاً عن هجمات صاروخية ومضادة للدبابات على المجتمعات الإسرائيلية بمنطقة الجليل وجنود القوات الإسرائيلية التي تعمل في المنطقة».

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية بأن عناصر من الصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر اللبناني «بدأوا عملية إنقاذ وإجلاء عائلتين مؤلفتين من زهاء 20 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، كان قد استهدف العدو الإسرائيلي المنزل الذي كانوا فيه بغارة في وطى الخيام، منذ نحو الأسبوع، ولم تستطع فرق الإسعاف والإنقاذ الوصول إلى المكان من قبل بسبب الوضع الأمني، وسط مساعٍ كثيرة ومناشدات عدة للمعنيين، والجمعيات الإنسانية الدولية، للتواصل مع العدو من أجل إجلائهم»، وبعد ساعات من عمليات البحث، أشارت المعلومات إلى أن جميع أفراد العائلتين قضوا تحت الأنقاض وعددهم 20 شخصاً.

انتشال ضحايا

وقالت «الوطنية» إن الصليب الأحمر اللبناني نقل الأحد 5 جثث من وطى الخيام، على أن يستكمل مهمته لانتشال الجثامين الباقية يوم الاثنين، و«الشهداء الذين انتُشلوا اليوم في وطى الخيام هم: روان علي المحمد (19 عاماً)، ونادين شادي المحمد (5 أعوام)، وخالد شادي المحمد (سنتان)، والطفل آدم شادي المحمد (6 أشهر)، وديمة وليد الإبراهيم (28 عاماً). ولا يزال هناك 15 شهيداً لبنانياً، وشهيد سوري الجنسية، تحت الأنقاض».

فشل المناورة

ويؤكد النائب السابق لرئيس أركان الجيش اللبناني، العميد المتقاعد الدكتور حسن جوني، «فشل المناورة العسكرية والتوغل في الخيام». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن محاولة التوغل فشلت، ولا نعرف ما الخطوة الإسرائيلية التالية، ومن الواضح أن الإسرائيلي لا يريد أن يخوض اشتباكات عنيفة ويتكبّد خسائر كبيرة، لا سيما في ظل الدفاع والمقاومة التي يبديها (حزب الله) لحماية المدينة التي تتمتّع برمزية نضالية وجغرافية».

وتطرق جوني إلى ما نقل عن الجيش الإسرائيلي لناحية قوله إن المرحلة الأولى من العملية البرية في لبنان شارفت على الانتهاء، عادّاً أن «الهدف من ذلك لا يزال غير واضح، وكذلك المراحل التالية التي يشيرون إليها بعدما كانوا يتحدثون عن عملية برية ومناورة ستنتهي خلال أسابيع».

تدمير القرى

من هنا، يلفت جوني إلى أنه يمكن توصيف هذه المرحلة بـ«مرحلة تدمير القرى الأمامية وجعلها مكشوفة، وبالتالي لا نعلم ما إذا كانت ستنتهي بعودة الجيش الإسرائيلي إلى الداخل، علماً بأن قواته كانت تدخل وتخرج من البلدات الجنوبية وهي لم تؤسس للتمركز داخلها».

ويتوقع جوني الإعلان الإسرائيلي بأنهم يحصنون المستوطنات المحاذية للحدود اللبنانية، سائلاً: «هل هذا يعني أن نظرية حماية المستوطنات ستكون بالتحصين وليس بالتوغل؟ المشهد غير واضح، لكن الحديث عن المرحلة الأولى هو إما لإرباك (حزب الله)، وإما لترك الأمور مفتوحة أمام الجيش الإسرائيلي».

ولم يعلن «حزب الله» الأحد عن مواجهات برية مع الجيش الإسرائيلي، بينما قال الجيش الإسرائيلي، على لسان المتحدث باسمه، إن «أفراد (الوحدة13) من الكوماندوز البحري قضوا على عناصر (حزب الله)، ودمروا مجمع قتال تابعاً لـ(حزب الله) في جنوب لبنان». وأضاف: «في إطار العملية البرية المركزة لـ(الفرقة36) وقوات (الوحدة13) من الكوماندوز البحري، داهمت القوات مجمع قتال تابعاً لـ(حزب الله) كان يستخدم للتخطيط وتنفيذ خطط للتوغل إلى أراضي البلاد والعمل ضد قوات جيش الدفاع».

في المقابل، استمر «حزب الله» في إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، وأعلن في بيانات متفرقة عن استهدافه بصليات صاروخية تجمعات للجيش الإسرائيلي في مستعمرات المطلة وزرعيت وشوميرا وإيفن مناحم ومتسوفا وبرعام وشلومي وروش هانيكرا وشامير وكتسرين وخلة البردوشة قرب المنارة، إضافة إلى قاعدة «زوفولون» للصناعات العسكرية ‏شمال مدينة حيفا، وتجمع في موقع «البغدادي»، وآخر في مستعمرة «نطوفا نيمرا»، كما استهدف بصاروخ موجّه دبابة «ميركافا» عند بوابة المطلة، ما «أدى إلى احتراقها ومقتل وجرح طاقمها»، وفق بيان له.

ونعت «سرايا القدس» (الجناح العسكري لـ«حركة الجهاد الإسلامي»)، الأحد، في بيان لها، 3 من مقاتليها قالت إنهم «استشهدوا أثناء مشاركتهم في التصدي للعدوان على لبنان».

بعلبك: غارات بعد إنذارات

وتعرضت بعلبك لسلسلة من الغارات العنيفة بعد ظهر الأحد، عقب ساعات من إصدار الجيش الإسرائيلي إنذاراً لإخلائها. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطيران استهدف مبنى في بلدة دورس، بالقرب من المبنى القديم للبلدية، وأحد المباني في محلة الكيال عند أطراف مدينة بعلبك، فيما دمّرت غارة ثالثة مقهى ومطعماً على بعد عشرات الأمتار من «مستشفى بعلبك الحكومي»، واستهدفت رابعة حياً داخل مدينة بعلبك.

جانب من الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على شرق مدينة بعلبك (أ.ف.ب)

وطمأن مدير «مستشفى بعلبك الحكومي»، الدكتور عباس شكر، بأن المستشفى لا يزال في أتم الجاهزية.

وقال في تصريح له من أمام المستشفى بعد دقائق قليلة من الغارة الإسرائيلية التي وقعت على مقربة منه: «أطمئن أهلنا في بعلبك الهرمل بأن الأضرار التي أصابت المستشفى بسيطة، وخلال 24 ساعة سيُستبدل الزجاج الذي تحطم، ولا يوجد أي إعاقة لعملنا»، مؤكداً: «لا نزال على أتم الجاهزية».

وكان الجيش الإسرائيلي قد أصدر صباحاً تعليمات إخلاء جديدة لسكان محافظة بعلبك اللبنانية، محذراً بضربها لوجود مصالح تابعة لـ«حزب الله» فيها.

وتزامنت أوامر الإخلاء مع تفعيل قيادة الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلي صفارات الإنذار بشكل منتظم على طول الحدود بعد رصد عشرات المقذوفات التي عبرت من لبنان نحو شمال إسرائيل صباح الأحد.

وحذر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على منصة «إكس» سكان محافظة بعلبك وقرية دورس (جنوبي غرب) من الوجود بالقرب من منشآت تابعة لـ«حزب الله» حيث «سيعمل ضدها جيش الدفاع».

وأرفق منشوراته بخرائط تتضمن مباني وطالب بإخلائها «والابتعاد عنها لمسافة لا تقل عن 500 متر، وذلك خلال الساعات الأربع المقبلة».

وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إن سلاح الجو اعترض قذائف عدة أُطلقت من لبنان نحو إسرائيل، وإن بعضها سقط في مناطق مفتوحة.

وطال القصف البقاع الغربي، حيث أفادت «الوطنية» باستهداف المنطقة الواقعة بين لبايا والنبي صفا.

فتاة تلتقط صورة للدمار الذي طال بعلبك نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

حارة صيدا ومستشفى تبنين

وتواصل القصف الإسرائيلي، الأحد، على عدد من البلدات الجنوبية من دون أن يُصدر الجيش الإسرائيلي أي إنذارات قبل تنفيذ الغارات.

وشنّ غارة على حارة صيدا، بعد أقل من أسبوع على استهدافها بغارة أدت إلى مقتل 5 أشخاص.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في تعمير حارة صيدا، حيث شوهدت سحب الدخان تغطي سماء المنطقة، وهرعت فرق الإسعاف إليها، لتعود وتعلن وزارة الصحة عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 9 آخرين بجروح.

كذلك استهدف القصف الإسرائيلي بلدة الغازية؛ حيث أصابت الغارة مبنى سكنياً وأُنقذ طفل من تحت الأنقاض، كما استهدف محيط المستشفى الحكومي في بلدة تبنين التابعة لقضاء بنت جبيل في الجنوب 3 مرات. وأشار رئيس بلدية تبنين، نبيل فواز، في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى احتمال خروج المستشفى عن الخدمة في الساعات المقبلة جراء الأضرار البالغة التي تعرّض لها.

وقتل شخصان في غارة استهدفت منزلاً ببلدة جويا، وشن الطيران الإسرائيلي غارات على أطراف مدينة صور.

رجل يقف على أنقاض أحد المباني في بلدة الغازية جنوب لبنان (أ.ف.ب)

كما أغار الطيران الإسرائيلي على أطراف بلدة برج الشمالي، وقرية البازورية، وعلى حي شارنية في قضاء صور. وأغار كذلك على صديقين ورشكنانيه وضهور البياض وحاريص والمنطقة الواقعة بين قانا والرمادية.

وأفادت «الوطنية» بأن مسيّرة إسرائيلية شنّت بعد الظهر غارة بصاروخ موجه مستهدفة سيارة بالقرب من حاجز الجيش اللبناني ببلدة ياحون في قضاء بنت جبيل، وأشارت في الوقت عينه إلى مقتل شخصين في غارة استهدفت بلدة جبال البطم.


مقالات ذات صلة

تقرير أميركي: ملامح اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل بدأت تتشكل

الولايات المتحدة​ انبعثت أعمدة الدخان والنيران من مبنى في اللحظة التي أصاب فيها صاروخ إسرائيلي منطقة الشياح (د.ب.أ)

تقرير أميركي: ملامح اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل بدأت تتشكل

نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين إقليميين وأميركيين قولهم اليوم (الجمعة)، إن ملامح اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بدأت تتشكل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

نفّذت القوات الأسرائيلية أوسع اختراق بري داخل العمق اللبناني، منذ بدء الحرب، بوصولها إلى مشارف نهر الليطاني من جهة ديرميماس، وفصل النبطية عن مرجعيون.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.