دمشق تواصل القفز بين نقاط النار على حافة «الصراع الكارثي»

تحذيرات أممية وضربات إسرائيلية وحرائق تزيد المشهد قتامة

حريق في اللاذقية (متداولة)
حريق في اللاذقية (متداولة)
TT

دمشق تواصل القفز بين نقاط النار على حافة «الصراع الكارثي»

حريق في اللاذقية (متداولة)
حريق في اللاذقية (متداولة)

وسط تحذيرات أممية من جرّ سوريا إلى «الصراع الكارثي» الذي يجتاح المنطقة، تواصل إسرائيل استهداف مواقع تقول إنها تتبع لـ«حزب الله» اللبناني في سوريا، لتزيد في تردي الوضع الأمني، وغرق البلاد بشكل أعمق في أزمة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة، مع اندلاع حرائق مجهولة في مناطق عدة من البلاد تلتهم الأخضر واليابس وتزيد المشهد السوري قتامة.

وسُمع دوي انفجارات عنيفة متتالية، فجر اليوم السبت، في ريف السويداء الغربي، واستمرت الانفجارات لعدة ساعات، وقالت مصادر إعلامية محلية إن الانفجارات حصلت في الموقع العسكري التابع لفوج 405 التابع للقوات الحكومية قرب بلدة المجدل غربي السويداء، حيث توجهت سيارات الإطفاء والإسعاف إلى الموقع، فيما انطلقت من الموقع عشرات الصواريخ بشكل عشوائي لتسقط في قرية المجدل والقرى المحيطة، دون أن تتضح أسباب اندلاع الحريق.

مروحية تشارك في عمليات إطفاء الحرائق في اللاذقية (متداولة)

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن ظروف اندلاع حريق في أحد مستودعات الأسلحة في الفوج 405 «غامضة»، لافتاً إلى سقوط شظايا الصواريخ بين منازل المدنيين في قرية المجدل.

ولم يصدر أي تعليق أو توضيح رسمي للانفجارات التي شهدها ريف السويداء، فيما بث موقع «السويداء 24» مشاهد قال إنها توثق «انطلاق الصواريخ بشكل عشوائي من فوج 405 في المجدل غربي السويداء، جراء اشتعال النيران في مستودعات الفوج». محذراً السكان في مختلف أرجاء السويداء بتوخي الحذر جراء الإطلاقات العشوائية للصواريخ.

وجاء ذلك قبل أن تبرد النيران التي خلّفها القصف الإسرائيلي لعدة مواقع في مدينة القصير جنوب غربي حمص، الخميس، وقصف معبر جوسية مجدداً، الجمعة، وسط تحذيرات أهلية من قذائف وصواريخ غير متفجرة انطلقت من مستودعات أسلحة تعرضت للقصف ونزلت في الأحياء السكنية، وبالقرب من المدارس لتضاف مخاطر القذائف المتطايرة من المواقع التي تقصفها إسرائيل إلى مخاطر مخلفات الحرب من ألغام وعبوات ناسفة وأجسام غير منفجرة، قال «المرصد السوري» إنها «تواصل انفجارها بالمدنيين في مختلف المحافظات السورية باختلاف المناطق والقوى المسيطرة عليها»، وتشكل هاجساً كبيراً للسوريين الذين دائماً ما يقعون ضحية تلك المخلفات. ووثق «المرصد» مقتل 8 مدنيين، بينهم خمسة أطفال، وإصابة سبعة آخرين، بينهم امرأة، خلال الشهر الماضي.

ويشار إلى أن شاباً في اللاذقية قُتل، الخميس، وأصيب ثلاثة آخرون جراء انفجار مجهول وقع في أثناء مشاركتهم في إخماد حرائق اندلعت، الجمعة، بريف القرداحة، وقالت مصادر في فوج إطفاء اللاذقية إنه تم التعامل مع أكثر من ستين حريقاً، يومي الجمعة والسبت، ولا تزال هناك بعض البؤر لم تبرد في المزيرعة وفي محور جبل سلندرين - السمرا.

قذائف سقطت على مناطق سكنية في قرية المجدل بريف السويداء الغربي نشرها موقع (السويداء 24)

واندلعت الحرائق في اللاذقية، الخميس، في منطقة كسب، القريبة من الحدود السورية - التركية، وامتدت بسرعة لتلتهم مناطق واسعة، واضطر الأهالي إلى إخلاء منازلهم في البدروسية والمشيرفة.

«بين نيران الحرب الإقليمية ونيران الكوارث الطبيعية، تتأرجح أوضاع السوريين على حافة الكارثة» على حد قول مصادر متابعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، مضيفة أن «دمشق لا تزال تتجنب الانجرار إلى الحرب، والقفز بين نقاط النار، رغم التهاب أطرافها شمالاً وجنوباً وشرقاً».

وأكدت المصادر أنه «ما زال لدى دمشق أوراق للمناورة رغم الوضع الاقتصادي المنهار والأفق السياسي شبه المغلق»، لافتة إلى سعيها إلى كسب الورقة «الإنسانية» للنزوح اللبناني وعودة اللاجئين السوريين من لبنان لصالحها، والضغط باتجاه رفع العقوبات الاقتصادية الدولية، وتطبيع العلاقات معها، والإفساح في المجال لإطلاق عملية إعادة الأعمار.

قذائف سقطت على مناطق سكنية في قرية المجدل بريف السويداء الغربي نشرها موقع (السويداء 24)

وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، أفادت، الجمعة، باشتداد القتال على طول جبهات متعددة في جميع أنحاء سوريا خلال الأشهر الأخيرة. يشمل ذلك زيادة الغارات الجوية الإسرائيلية (أكثر من 50 غارة جوية تم الإبلاغ عنها منذ يوليو «تموز»)، والهجمات المتبادلة بين القوات الأميركية والميليشيات المدعومة من إيران، ومضاعفة الهجمات التي شنها تنظيم «داعش»، والعنف بين المقاتلين القبليين و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في دير الزور، والقصف بين «قسد» والجيش السوري في محافظة حلب الشمالية.

ورأت اللجنة أن «ما يثير القلق أن القوات الموالية للحكومة في إدلب زادت من هجماتها البرية والجوية، مما أسفر عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 120 مدنياً في الأسابيع القليلة الماضية، وتشريد مئات العائلات».

وحذرت اللجنة من أن البلاد «تُجر إلى الصراع الكارثي الذي يجتاح المنطقة»، مشيرة إلى نزوح أكثر من 300 ألف لاجئ سوري، مرة أخرى، من لبنان إلى سوريا بسبب القصف الإسرائيلي، وحثت الدول الأعضاء على تكثيف المساعدات الإنسانية.

وقال رئيس اللجنة باولو سيرجيو بينيرو في الجمعية العام للأمم المتحدة: «عودة السوريين الخائفين، بصورة مبررة، من الاضطهاد في وطنهم، يؤكد الخيارات الصعبة التي يواجهونها، داعياً جميع السلطات في سوريا، الحكومية وغير الحكومية، إلى وقف فوري للانتهاكات التي تمارسها قواتها.


مقالات ذات صلة

لبنان يتطلع إلى «أفضل علاقات الجوار» مع الحكومة الجديدة في سوريا

المشرق العربي سوريون في منطقة بالقرب من معبر المصنع الحدودي اللبناني مع سوريا (د.ب.أ)

لبنان يتطلع إلى «أفضل علاقات الجوار» مع الحكومة الجديدة في سوريا

قال لبنان، اليوم (الخميس)، إنه يتطلع إلى «أفضل علاقات الجوار» مع سوريا، في أول رسالة رسمية للإدارة الجديدة في دمشق.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جندي سوري يسير بمدخل ميناء طرطوس في غرب سوريا (أ.ف.ب)

إطلاق عملية أمنية في غرب سوريا ضد «فلول الأسد»

ذكرت «الوكالة العربية السورية للأنباء» أن «إدارة العمليات العسكرية» أطلقت، اليوم (الخميس)، عمليةً لملاحقة فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بريف محافظة طرطوس.

المشرق العربي قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة تؤمن المنطقة المحيطة بمجموعة من المتظاهرين العلويين في حي المزة بدمشق (أ.ب)

آلاف العلويين يتظاهرون في سوريا

تظاهر آلاف السوريين العلويين، أمس (الأربعاء)، في عدد من المدن بعد تداول مقطع فيديو يظهر اعتداءً مفترضاً على مقام للطائفة في حلب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي إردوغان تعهد بدفن مسلحي الوحدات الكردية أحياء (الرئاسة التركية)

أنقرة لفتح قنصلية في حلب... ورفض يوناني للاتفاق البحري

كشف الرئيس رجب طيب إردوغان عن استعدادات بلاده لفتح قنصلية لها في مدينة حلب قريباً، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية ملصقات ممزقة لحسن نصر الله وقاسم سليماني على جدار السفارة الإيرانية في سوريا (رويترز) play-circle 02:17

طهران: إعادة فتح سفارتنا تعتمد على «سلوك» حكام سوريا

قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، إن طهران «ستتخذ قرارها بشأن إعادة فتح سفارتها لدى دمشق بناء على سلوك وأداء حكام سوريا».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران : )

«حزب الله» يطالب باستراتيجية دفاعية تبرّر احتفاظه بسلاحه

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)
TT

«حزب الله» يطالب باستراتيجية دفاعية تبرّر احتفاظه بسلاحه

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)

تحول «حزب الله» بعد الحرب الأخيرة ونتائجها التدميرية إلى خطاب مؤيد لـ«الاستراتيجية الدفاعية»، داعياً إلى اعتمادها لحماية لبنان، وهي المرّة الأولى التي يطالب بهذه الاستراتيجية «محاولاً بذلك إيجاد الوسيلة التي تبقي سلاحه جزءاً من تلك معادلة»، كما تقول مصادر لبنانية على خصومة معه، ويقول الحزب في خطابه الجديد إن الجيش اللبناني «ليس قادراً على الدفاع عن لبنان لوحده».

وتضاربت القراءات حول أبعاد موقف الحزب الجديد، بين مَن دعا إلى «استيعابه وتفّهم تراجعه التدريجي»، ومَن يعتقد أنه «كان ولا يزال جزءاً من الجمهورية الإسلامية في إيران، وبالتالي لا يمكن أن يكون جزءاً من الدولة اللبنانية».

وقال نائب رئيس المجلس السياسي في «حزب الله»، الوزير السابق محمود قماطي: «سنكون في أقصى درجات التعاون والانفتاح سياسياً، نحن نعدّ أن الوطن بحاجة إلى التفاهم والحوار السياسي والتعاون بين كل الأطراف اللبنانيين للوصول إلى نتائج، وكل الأمور خاضعة للحوار، ونحن حاضرون لنتحاور حولها لنبني هذا البلد ما بعد العدوان الإسرائيلي». وأضاف قماطي: «إذا كنّا شركاء حقيقيين في الوطن، فعلينا أن نبني استراتيجية دفاعية تدافع عن هذا الوطن، فالجيش وحده لا يستطيع أن يواجه العدو، وكُلنا يعلم ذلك، وليته يستطيع، فنحن لسنا ضد أن يكون قادراً على المواجهة وحده، ولذلك هناك شراكة ضرورية حتمية وطنية لا بُد منها بين المقاومة والجيش لندافع عن وطننا».

عناصر من «حزب الله» في صورة تعود إلى 22 أكتوبر 2023 في جنوب لبنان (أ.ب)

موقف قماطي يعبّر عن إصرار الحزب على الاحتفاظ بسلاحه، غير أن السياسي اللبناني توفيق سلطان، عدَّ أن «(حزب الله) لم يعد قادراً على الاستمرار في السياسة التي انتهجها في السابق التي أوصلته إلى كارثة خسر فيها قائده (حسن نصر الله)، وأدت إلى تدمير البلد وخصوصاً بيئته الحاضنة»، وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «القاعدة الشرعية تقول إنه (لا يمكن تغيير الأحكام بتغير الأزمان)، لذلك بات مطلوباً من الحزب أن يقدّم رؤية معقولة وموزونة وأكثر جدّية ومختلفة كلياً عن الأداء السابق»، ورأى سلطان أنه «من الحكمة أن نترك الحزب يتدرّج بخطط التراجع، وأن نساعده في اتخاذ الموقف المقبول والمعقول بدلاً من إحراجه وإخراجه».

كلام قماطي يدلّ على أن الحزب «لا يزال يعيش حالة إنكار لما حصل خلال الحرب وبعدها»، وفق تعبير الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة، لأنه «لم يأخذ بعين الاعتبار الالتزامات التي يفرضها قرار وقف إطلاق النار، وتكلم بوضوح عن تطبيق القرار 1791 والقرارين 1559 و1680 بمعنى أنه لا وجود لأي سلاح خارج المؤسسات الشرعية اللبنانية».

وقال حمادة لـ«الشرق الأوسط»: «يتجاهل (حزب الله) كل ذلك ليقول لجمهوره إنه لم يخسر الحرب، لكن من جهة أخرى، تصدر تصريحات من الأمين العام للحزب ومن نواب ومسؤولين يتعاملون مع القرار 1701 بنوع من التشكيك. إن القرار ينص على نزع السلاح في جنوب الليطاني وليس في شماله أو أي منطقة أخرى». وشدد حمادة على أنه «من واجب الدولة وحدها وضع الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، وهذه الاستراتيجية يجب أن تقترحها الوزارات المعنية أي: الدفاع والخارجية والداخلية والصحة العامة، ويتم إقرارها في مجلس الوزراء، ولا يمكن أن يشارك بها أي مكون من خارج الدولة بهذه الاستراتيجية الدفاعية»، مشيراً إلى أن الحزب «وإن كان مشاركاً في الحكومة أو في المجلس النيابي يمكنه أن يناقش الاستراتيجية التي تضعها الدولة، لكن لا يحق له أن يصنف نفسه شريكاً للدولة اللبنانية بأجهزتها وقواتها المسلحة على قدم المساواة».

ولا تزال تداعيات الحرب الأخيرة تلقي بثقلها على الحزب، وقاعدته التي بدأت تتململ، وخصوصاً أن نتائج الحرب خالفت كلّ أدبياته التي تقول إن «المقاومة تحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية»، ولفت السياسي اللبناني توفيق سلطان إلى أنه «لا يمكن التعامل مع الحزب إلّا في إطار الاستيعاب، وهو حزب لبناني، ومقاتلوه لبنانيون بخلاف منظمة (التحرير) التي ركب مقاتلوها وقادته البواخر ورحلوا إلى تونس». وقال: «ما شاهدناه من دمار في مناطق الجنوب اللبناني والضاحية يشبه مأساة غزّة». ودعا كل الأطراف اللبنانية إلى مساعدة الرئيس نبيه برّي (رئيس مجلس النواب) الذي يحمل عبئاً كبيراً، ويقع على عاتقه اليوم حماية البيئة الشيعية التي دمّرت مقدراتها، كما دُمر الجنوب الذي بناه برّي من أموال الدولة على مدى عقود طويلة.

جندي أمام أسلحة يقول الجيش الإسرائيلي إنه عثر عليها خلال عملياته العسكرية في جنوب لبنان (رويترز)

وسبق لـ«حزب الله» أن رفض كلّ الطروحات السابقة للاستراتيجية الدفاعية التي قدّمت في جلسات الحوار الوطني ما بين أعوام 2006 و2012 التي كانت تقوم على مبدأ استيعاب سلاحه ضمن مكون شرعي ينضوي تحت وزارة الدفاع الوطني ويأخذ أوامره وتعليماته من الجيش اللبناني، متمسكاً فقط بما يسمّى معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي فرضها على البيانات الوزارية.

وذكّر العميد خالد حمادة أن «حزب الله» لم يوافق على هذا الطرح، ولم يتقدم بأي تصور للاستراتيجية الدفاعية، ولم يشارك بشكل جدي في كل النقاشات، وكان يعدّ نفسه المعني الوحيد بالدفاع عن لبنان، بينما «الجيش اللبناني والمؤسسات اللبنانية معنية بالأمن الداخلي»، مشدداً على أن «الصفحة السابقة طويت، فـ(حزب الله) حزب سياسي لا يستطيع أن يشارك في أي نشاط بوصفه مؤسسة أو منظومة أو ميليشيا مسلحة، ولا يصلح أن يكون شريكاً للجيش اللبناني أو أي قوى عسكرية شرعية أخرى، لأن هناك تعارضاً مع ما ينص عليه الدستور اللبناني».

ورداً على تمسّك الحزب بذريعة أن الجيش اللبناني لا يستطيع وحده أن يدافع عن لبنان، سأل حمادة: «هل استطاع (حزب الله) أن يدافع عن لبنان؟». وتابع: «بعد تدمير عشرات القرى في لبنان وسقوط أكثر من 5000 شهيد لبناني وجرح أكثر 15000مواطن وتدمير أكثر من 200 ألف منزل، يجب أن يعلم (حزب الله) أنه ورط لبنان في حرب غير محسوبة كرماً لعيون طهران، وأي استراتيجية دفاعية لن يكون شريكاً فيها».