إسرائيل تعزل شمال قطاع غزة عن العالم وتجبر سكانه على النزوح

أفراد الدفاع المدني الفلسطيني ينقذون طفلاً إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة في حي الزرقاء شمال مدينة غزة في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
أفراد الدفاع المدني الفلسطيني ينقذون طفلاً إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة في حي الزرقاء شمال مدينة غزة في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعزل شمال قطاع غزة عن العالم وتجبر سكانه على النزوح

أفراد الدفاع المدني الفلسطيني ينقذون طفلاً إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة في حي الزرقاء شمال مدينة غزة في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
أفراد الدفاع المدني الفلسطيني ينقذون طفلاً إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة في حي الزرقاء شمال مدينة غزة في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

باتت محافظة شمال قطاع غزة، التي تمثل جغرافياً بشكل أساسي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، معزولة بشكل كامل عن محافظة مدينة غزة، لتصبح المحافظتان معزولتين عن بقية مناطق وسط وجنوب القطاع. ومنذ أن بدأت إسرائيل عمليتها البرية في مخيم جباليا، في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بات المخيم معزولاً عن بيت لاهيا وبيت حانون، وعن مناطق محيطة به من الجهة الجنوبية التي تؤدي إلى مدينة غزة، قبل أن تتوسع العملية العسكرية لتشمل بيت لاهيا وأجزاءً من بيت حانون، لتصبح مناطق الشمال معزولة بشكل كامل.

ويقول سكان من شمال القطاع، إن قوات الاحتلال ترتكب جرائم إبادة بحقهم، لا تقتصر فقط على القتل والتدمير، بل تستهدف حصارهم وتجويعهم، وإجبارهم على النزوح قسراً. وقال سكان من بيت لاهيا لـ«الشرق الأوسط» إنهم يتعرضون لحرب إبادة حقيقية، ولا يجدون من ينقذهم، أو يقدم لهم أي خدمات، مشيرين إلى أن الجيش الإسرائيلي يتعمد إحراق منازل المواطنين أو هدمها.

ولفت المواطن جود سالم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن جيش الإسرائيلي قصف منازل عدة، ولم يستطع أحد الوصول لمن هم بداخلها من ضحايا، مشيراً إلى أن تلك القوات حاصرت النازحين والمواطنين في مراكز الإيواء وداخل المنازل، وأجبرتهم على النزوح إلى مدينة غزة، رغم أنها كانت تطالبهم بالتوجه في البداية إلى جنوب القطاع.

رجال يسيرون بين الأنقاض أمام منزل مدمر في حي الزرقاء 26 أكتوبر (أ.ف.ب)

ضحايا في الشوارع

وذكر المواطن أيضاً أن بعض عمليات القصف تقع، ولا أحد يعرف المكان المستهدف إلا بعد ساعات طويلة بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، مشيراً إلى أنه قبل يومين تعرضت منازل عدة ليلاً لقصف في منطقة سوق بيت لاهيا، ولم يعرف أحد من سكان المشروع بالقصف إلا في ساعات الصباح، وهبَّ السكان لمحاولة مساعدة أصحاب المنازل المستهدفة إلا أن طائرات مسيَّرة اقتربت من المكان، وأطلقت النار في كل اتجاه، ما دفع المواطنين للهروب خشية قتلهم.

وأكد سالم أن هناك العشرات من الضحايا ملقون في الشوارع لا أحد يستطيع الوصول إليهم بعد استهدافهم خلال محاولتهم الفرار من القوات الإسرائيلية داخل بيت لاهيا. وتكرر هذا المشهد في مخيم جباليا، حيث لا يزال هناك العشرات من الضحايا في الشوارع لم يتم انتشال جثثهم، بينما لا يزال آخرون تحت الأنقاض، وربما كانوا مصابين داخل منازل متضررة.

ومنذ يومين تَعَرَّضَ مربع سكني في شارع الهوجا بمخيم جباليا إلى غارة أدت إلى تدمير 13 منزلاً كلياً وجزئياً، ما أدى إلى قتل العشرات من السكان، ولا يزال عدد آخر منهم تحت الأنقاض، وسط أنباء أن العدد فاق الـ150 قتيلاً وجريحاً، لكن دون أن تستطيع أي طواقم طبية أو من الدفاع المدني الوصول إليهم، ولا يزال مصيرهم مجهولاً.

وتقطع إسرائيل الاتصالات والإنترنت عن شمال قطاع غزة منذ الأيام الأولى للعملية العسكرية، كما أنها نجحت في تحييد خدمات 3 مستشفيات رئيسية هي «كمال عدوان»، و«الإندونيسي»، و«العودة»، ومنعت منظمات دولية من إدخال أي مواد طبية، أو توفير الوقود لصالح تلك المستشفيات، قبل أن تمنع الطواقم الطبية، وكذلك أفراد الدفاع المدني من تقديم أي خدمات، مهددةً إياهم بالقصف والقتل والاعتقال، وهو ما جرى فعلاً بعد رفضهم تلك التهديدات.

فلسطينيون يبحثون عن ناجين وضحايا بين الأنقاض بعد القصف الإسرائيلي في مدينة غزة في 26 أكتوبر (أ.ف.ب)

عمال الصحة والصحافيون

اقتحمت القوات الإسرائيلية «مستشفى كمال عدوان» في بيت لاهيا، واعتقلت عدداً من أفراد الطواقم الطبية، والجرحى والنازحين بداخله، قبل أن تقوم بالإفراج عن بعضهم، وإجبارهم على النزوح لمدينة غزة، ثم انسحبت مخلِّفةً دماراً في أجزاء من المستشفى والمنازل المحيطة به.

وذكر جهاز الدفاع المدني في غزة، أن القوات الإسرائيلية اعتقلت عدداً من عناصره الذين كانوا يقدمون خدمات منقذة للحياة، كما أنها قصفت مركبتين للجهاز، ومنذ تلك اللحظة لم يعد لدى الجهاز تقديم أي خدمات للمواطنين، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على المسعفين.

وقال الجهاز في بيان: «لا نستطيع الاستجابة لنداءات تصلنا من منازل تعرضت للقصف والحرق في مناطق مختلفة من شمال القطاع»، لافتاً إلى أن طواقمه في تلك المنطقة خرجت عن الخدمة، وباتت معطَّلة كلياً بفعل العدوان الإسرائيلي.

ومع الاستهداف المتكرر للصحافيين داخل مناطق شمال القطاع، وإجبار السكان على النزوح، اضْطُرَّ العديد من الصحافيين إلى مغادرة تلك المناطق، لتكتمل عملية غياب الصورة الحقيقية لما يجري في شمال القطاع، ولم يعد هناك سوى ما يقوم جنود إسرائيليون بتوثيقه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وما ينشره الجيش الإسرائيلي من مقاطع تهدف إلى إظهار نزوح الغزيين من تلك المناطق.

ويقول الناشط عبد الرحمن بطاح الملقب بـ«الصحافي الصغير» الذي اشتهر خلال الحرب الحالية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إن «الاحتلال تَعَمَّدَ إجبار الصحافيين والنشطاء والطواقم الطبية وعناصر الدفاع المدني، على النزوح برفقة المواطنين، واعتقل بعضهم، وحقق معهم، ليمنح نفسه حرية ارتكاب المجازر بحق شعبنا».

وخرج بطاح من شمال قطاع غزة، يوم الجمعة الماضي، بعد ساعات على اعتقاله من داخل «مستشفى كمال عدوان» برفقة المواطنين والأطباء والجرحى. وقال بطاح لـ«الشرق الأوسط» إن «الاحتلال يريد ممارسة جرائمه بصمت، لذلك يتعمد تغييب كل من يحاول أن يوثق بالصوت والصورة تلك المجازر التي ترتكب، ولا أحد يعرف عنها شيئًا».

يتجمع الناس للبحث عن الناجين والضحايا بين الأنقاض في أعقاب قصف إسرائيلي في حي الزرقاء شمال مدينة غزة في 26 أكتوبر (أ.ف.ب)

إقامة منطقة عازلة

ووفقاً لتقديرات فلسطينية، فإن الهدف الأساسي من العملية في شمال قطاع غزة، إقامة منطقة عازلة تسيطر عليها إسرائيل بالنار، وضمان عدم وجود مسلحين فيها. ويقول الصحافي ضياء حسن من سكان شمال غزة، إن «قوات الاحتلال الإسرائيلي نصبت بعض الكاميرات، ووضعت حواجز قريبة من مناطق حدودية بهدف إقامة هذه المنطقة العازلة، والسيطرة عليها بطريقة إلكترونية ونارية».

وأشار إلى أن قوات الاحتلال خلال كل هذه الفترة عمدت للتخريب والتدمير لحرمان السكان من البقاء في مناطق شمال القطاع، ولإتاحة الفرصة أمام قواتها لتفتيش كل منزل وبناية بهدف التحقق من عدم وجود أي فلسطيني بداخلها، بما يتيح لتلك القوات لاحقاً معرفة كل حركة داخل هذه المناطق، واستهدافها فوراً في حال كانت لديها شكوك إزاء وجود مسلحين.

ولا توجد إحصاءات رسمية تشير لأعداد النازحين قسراً تحت التهديد والقصف والحصار الذي يطول السكان هناك، لكن التقديرات تشير إلى أن أعدادهم فاقت الـ100 ألف فلسطيني، جميعهم اضْطُرُّوا للنزوح إلى مناطق غرب مدينة غزة، بينما لم تسجل سوى 8 حالات فقط توجهت إلى جنوب القطاع.

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي خلال تفقُّد قواته في جباليا منذ أيام إن الهدف من العملية مواصلة الضغط على «حماس» وتفكيك لواء شمال غزة بالكامل، وهزيمته كما جرى مع لواء رفح.

وأظهرت حركة «حماس» خلال العملية الحالية تشبُّثها ببعض القدرات العسكرية التي استخدمتها لمهاجمة القوات الإسرائيلية، وتكبيدها خسائر بشرية ومادية.


مقالات ذات صلة

«الصليب الأحمر»: عاملو الإغاثة يموتون بصمت

أوروبا عنصران من الصليب الأحمر في موقع غارة إسرائيلية استهدفت بلدة تول بقضاء النبطية (أ.ف.ب)

«الصليب الأحمر»: عاملو الإغاثة يموتون بصمت

تكبد العاملون في المجال الإنساني إحدى أكبر الخسائر في تاريخهم هذا العام، والصليب الأحمر يدين أعمال العنف هذه التي تستهدف بشكل خاص وبطريقة غير متناسبة الموظفين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو: المزيد من اتفاقات السلام مع الدول العربية سيأتي بعد الحرب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الاثنين)، إنه يأمل في التوصل إلى مزيد من اتفاقات السلام مع دول عربية بمجرد انتهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة مانفريد فيبر رئيس مجموعة حزب الشعب الأوروبي (الرئاسة المصرية)

مصر تدعو الأطراف الدولية للدفع بقوة باتجاه وقف النار في غزة ولبنان

طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، بضرورة تضافر جميع جهود الأطراف الدولية، للدفع بقوة في اتجاه التهدئة ووقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الجيش الإسرائيلي اعتقل نحو 100 من المشتبه في انتمائهم لـ«حماس» خلال مداهمة لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي: اعتقال نحو 100 من «حماس» في مستشفى بشمال غزة

قال الجيش الإسرائيلي اليوم (الاثنين) إن جنوده اعتقلوا نحو 100 من المشتبه في انتمائهم لحركة «حماس» خلال مداهمة لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث إلى الصحافيين في نيويورك سبتمبر الماضي (د.ب.أ)

الرياض تحتضن اجتماعاً رفيعاً لتحالف «حل الدولتين»

تحتضن الرياض يومَي الأربعاء والخميس المقبلين، اجتماعاً رفيع المستوى للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، يضم دبلوماسيين ومبعوثين من دول عدة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

هل بدأ «حزب الله» يستعيد توازنه في مواجهة إسرائيل؟

عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

هل بدأ «حزب الله» يستعيد توازنه في مواجهة إسرائيل؟

عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

يقول مصدر سياسي لبنان على صلة وثيقة بـ«الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«حركة أمل»)، في معرض تقويمه مجريات الحرب الدائرة بين «حزب الله» وإسرائيل في جنوب لبنان، إن الكلمة الفصل تبقى أولاً وأخيراً للميدان، ما دام أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ماضٍ في تدميره وجرفه للبلدات الواقعة على طول الخط الأمامي قبالة الشمال الإسرائيلي؛ لفرض أمر واقع يتيح له السيطرة بالنار على جنوب الليطاني وامتداده إلى شماله، لتفريغ الجنوب من سكانه وتحويله أرضاً محروقة؛ بغية فرض شروطه لتطبيق القرار الدولي 1701.

ويكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «حزب الله» أجرى تقويماً للمسار العام لحربه مع إسرائيل، وتمكنت قيادته العسكرية من تجاوز الأخطاء التي أدت إلى إحداث خلل في المواجهة، وبدأ يستعيد توازنه في الميدان، حيث تمكن في الأيام الأخيرة من الأسبوع الفائت من تحقيق تقدم تمثل بإلحاق خسائر غير مسبوقة بالجيش الإسرائيلي.

الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة مرجعيون (رويترز)

ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب استطاع أيضاً تصحيح الخلل الناجم عن انقطاع التواصل بين غرفة عملياته المركزية وبين مجموعاته المنتشرة على امتداد خطوط المواجهة مع إسرائيل، وتمكن من تبديل معظم المجموعات المرابطة على خط المواجهة، بتطعيمها بوحدات من قوة «الرضوان» أدت إلى تحصين تموضعها في الخطوط الخلفية لخفض الخسائر البشرية المترتبة على اندلاع الحرب في أسابيعها الأولى.

أسلحة صاروخية متقدمة

ويوضح أن القيادة العسكرية زوّدت مقاتليها بأسلحة صاروخية متنوعة ومتقدمة؛ ليكون في وسع المجموعات المتقدمة على طول هذه الخطوط، التدخل في الوقت المناسب للتصدي لوحدات الكوماندوز الإسرائيلي لدى توغلها لاحتلال النقاط الاستراتيجية الواقعة على أطراف البلدات المطلة على نهر الليطاني، مؤكداً أن الحزب في تقويمه مسار المواجهة توصل إلى تبيان الثغرات وأوجد الحلول لها بما يسمح له بالتصدي لإسرائيل ووقف توغلها في عمق الجنوب.

عمال إنقاذ ينقلون مصاباً من موقع استهداف إسرائيلي في مدينة صور (أ.ف.ب)

ويلفت المصدر إلى أن إعادة تموضع المجموعات تلازم مع إعادة انتشارها في مواقع محدثة على طول الخطوط الخلفية. ويؤكد أنه تم تدعيم خلاياها النائمة على نحو يسمح لها باستهداف معظم المستعمرات الإسرائيلية الواقعة على تماسٍ مباشر مع الحدود اللبنانية؛ ما يعني أن تدميرها وجرفها للبلدات الأمامية لم يمكّناها من الضغط على المقاومة لإخلاء مواقعها التي تبقيها تحت نارها.

تفعيل الخلايا النائمة

ويؤكد المصدر المقرب أن الخلايا النائمة أعادت ترتيب صفوفها، وهي تحتفظ الآن بقوتها النارية وتنصب الكمائن المتقدمة وتزرع العبوات الناسفة للتصدي لقوات الكوماندوز الإسرائيلي ومنعها من التوغل في عمق الجنوب، وتتولى، في الوقت نفسه، إشغالها للتخفيف من اندفاعها إلى الخطوط الأمامية للبلدات الحدودية للحؤول دون سيطرتها على التلال والمرتفعات التي تطل على واديي السلوقي والحجير في أعالي بلدات العديسة والطيبة ومركبا ورب ثلاثين؛ كونها تطل على مجرى نهر الليطاني.

ويعترف المصدر بأن الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي سجّلت ارتفاع منسوب المواجهة بين الحزب وإسرائيل على نحو يؤدي إلى تحقيق حالة محكومة بتوازن الردع، وهذا ما يؤكده تزايد عدد الإصابات في الجيش الإسرائيلي. ويقول إن مجموعات الحزب تتحصن بدفاعات لا يمكن خرقها بسهولة، خصوصاً أن بعضها مفتوح على أنفاق لا تزال قائمة، رغم استخدامه قنابل من العيار الثقيل لتدميرها.

ويرى المصدر أن لجوء إسرائيل إلى توسيع تدميرها للبلدات الجنوبية الواقعة في شمال الليطاني، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع بكل أقضيته، مستهدفة البلدات ذات الغالبية الشيعية يأتي للضغط على الحزب للتسليم بشروطها لتطبيق القرار 1701، إنما على طريقتها.

ضرب قدرة الشيعة

ويتوقف أمام تمادي إسرائيل في استهدافها البنية الاقتصادية بتدميرها المؤسسات التجارية والصناعية وأجزاء كبيرة من المدن الكبرى ذات الغالبية الشيعية، وهذا ما ينسحب على النبطية، وصور، والضاحية الجنوبية وبعلبك. ويقول إنها تأتي في سياق مخطط إسرائيلي لضرب القدرة الاقتصادية للطائفة الشيعية، ولتكبير حجم النزوح منها إلى المناطق المختلطة لتأليب المضيفين على النازحين على نحو يؤدي إلى خلق إشكالات تصعب السيطرة عليها.

جنديان لبنانيان قرب موقع غارة إسرائيلية استهدفت حارة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

ولدى سؤاله عن صحة ما تتناقله بعض وسائل الإعلام، وتحديداً الأميركية والأوروبية منها، عن وجود متطوعين إيرانيين بين صفوف «المقاومة الإسلامية»، يجيب المصدر: لا أساس لكل ما يقال على هذا الصعيد. ويسأل: إذا كان هذا صحيحاً، فهل يُعقل أنه لم يسقط في المواجهة سوى مقاتلين من «الثنائي الشيعي»؟ ولو كان صحيحاً هل يمكن إخفاء مقتل أي إيراني في بلد يوجد على أرضه أجهزة مخابرات متعددة من كبرى الدول التي لا هم لبعضها سوى التقصي عن كل ما يتعلق بأنشطة الحزب وتتابع سير المعارك على أرض الجنوب؟

خبراء من «الحرس الثوري»

لكنه لا ينفي وجود خبراء من «الحرس الثوري» الإيراني يشرفون على سير المعارك، إلى جانب كبار القياديين العسكريين في الحزب. ويقول: «إننا لا نخفي أسماء الخبراء الذين قضوا أثناء وجودهم مع الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، وآخرين من قيادات الصف الأول في المقاومة الإسلامية أثناء قيام إسرائيل باغتيالهم».

وعليه، لا تزال الحرب المشتعلة في الجنوب تتصدر ما عداها، وتبقى الكلمة حتى إشعار آخر للميدان، ما لم يحضر الوسيط الأميركي أموس هوكستين إلى بيروت قادماً من تل أبيب حاملاً في جعبته ما يدعو إلى التفاؤل، بخلاف المرات السابقة، بأن الطريق سالكة لإنهاء الحرب بالتوصل لوقف النار ونشر الجيش تمهيداً لتطبيق الـ1701 بكل مندرجاته، على قاعدة حصرية السلاح بالدولة اللبنانية.

فهل تبقى المواجهة قائمة بكل ما يترتب عليها من تداعيات ومفاعيل في الداخل اللبناني؛ ما يفتح الباب أمام اختبار مدى قدرة الحزب على الصمود في الميدان بعد أن استعاد توازن الردع مع إسرائيل؟ كما يقول المصدر نفسه.