أرشيف الجيش الإسرائيلي يكشف عن «ممارسات وحشية» منذ النكبة

«جيش الإنقاذ العربي كان أقل قساوة من التنظيمات الصهيونية»

قوة من السيارات المدرعة الإسرائيلية في صحراء النقب خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 (غيتي)
قوة من السيارات المدرعة الإسرائيلية في صحراء النقب خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 (غيتي)
TT

أرشيف الجيش الإسرائيلي يكشف عن «ممارسات وحشية» منذ النكبة

قوة من السيارات المدرعة الإسرائيلية في صحراء النقب خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 (غيتي)
قوة من السيارات المدرعة الإسرائيلية في صحراء النقب خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 (غيتي)

كشف أرشيف الجيش الإسرائيلي القديم عن أن جنود التنظيمات اليهودية الذين حاربوا في عام 1948 وتسببوا في نكبة الشعب الفلسطيني ارتكبوا جرائم وحشية بكل المقاييس لدرجة أن بعضهم تذمروا منها وكتبوا رسائل إلى قائد الحركة الصهيونية في حينه ديفيد بن غوريون يتذمرون فيها ويقولون إن ضمائرهم لا تحتملها.

وتم الكشف عن مجموعة من هذه الرسائل ضمن بحث أجراه المؤرخ الإسرائيلي شاي حازكاني، المحاضر في التاريخ والتراث اليهودي في جامعة مريلاند الأميركية، الذي أصدر مؤخراً كتاباً بعنوان «وطن عزيز: حرب 1948... الرسائل المحفوظة». وقال حازكاني إن «الصراحة التي ميّزت الذين كتبوا الرسائل كانت مختلفة للغاية عن الروايات المصقولة للجنرالات والسياسيين التي كُتبت لمصلحتهم». وأوضح أنه لا يسعى إلى إطلاع القارئ على ما حدث، وإنما على ما كان يفكر فيه الجنود أثناء مجرى الأحداث في عام 1948.

مقاتلون فلسطينيون بالقرب من شاحنة إمدادات مدرعة محترقة على الطريق إلى القدس في عام 1948 (غيتي)

جيش الإنقاذ العربي

كما بحث حازكاني في رسائل كتبها جنود في جيش الإنقاذ العربي المحفوظة في أرشيف الجيش الإسرائيلي.

وأجرى مقارنة بين المجموعتين. وقال: «قياساً بدعاية الهاغانا والجيش الإسرائيلي، كانت دعاية جيش الإنقاذ العربي منضبطة أكثر وأقل عنفاً، وشددت على القيم الكونية والقانون الدولي»، مقارنة مع التنظيمات الصهيونية، إذ إن دعاية جيش الإنقاذ لم تشمل أي ذكر لـ«الإبادة» أو «إلقاء اليهود في البحر» أو «قتل منظم للسكان اليهود».

وأكد المؤرخ الإسرائيلي أن رسائل الجنود الإسرائيليين لا تضيف كثيراً لما هو معروف عن ممارساتهم ضد الفلسطينيين، «لكن تكرارها لا يضر، خصوصاً على خلفية فظائع الحرب الحالية في غزة ولبنان. ولا بد أن تعرف الأجيال الجديدة أن الجيش الإسرائيلي نشر وباء التيفوس في عكا».

وكانت رسائل جنود التنظيمات اليهودية قد وجهت إلى بن غوريون، لكن الرقابة العسكرية حجبت معظمها وسمحت بنشر بعض منها تحت عنوان «رأي الجندي». وهذه المواد محفوظة حالياً في أرشيف الجيش الإسرائيلي وبالإمكان الاطلاع على جزء منها.

فلسطينيون في مسيرة 3 أميال إلى طولكرم بعد نقلهم بشاحنات إلى هذه النقطة من قرية عربية غير قتالية بالقرب من حيفا وقد وفرت منظمة الصليب الأحمر الدولية ممراً آمناً لهم (غيتي)

قصص «الأشخاص العاديين»

وقال المؤرخ حازكاني إن رسائل الجنود في الجيش الإسرائيلي وجيش الإنقاذ هي قصص يرويها «أشخاص عاديون» عن الحرب، ومتنوعة ومعقدة أكثر بكثير من «الحماس الوطني والولاء المنسوب لهم عادة». وأضاف: «أعتقد أن الصهيونية، بوصفها حركة تستند إلى النموذج الاستعماري الاستيطاني، كانت تميل منذ البداية إلى استخدام القوة، ولكن ليس فقط مع العرب».

وتابع: «الناجون اليهود من المحرقة تعرضوا للقمع أيضاً لأنهم لم يرغبوا في المشاركة في القتال والتسبب في معاناة لأحد. فتم تجميعهم في معسكرات المهجرين بألمانيا، وتجنيد نحو 20 ألفاً منهم بواسطة مندوبي منظمة الهاغانا الصهيونية للحرب، في عام 1948. ثم تبين أن هذا التجنيد تم بالإكراه والتهديد وفرض عقوبات اقتصادية، كما تعرض عدد غير قليل من الناجين من المحرقة للضرب على ما يبدو من جانب الناشطين الصهاينة».

وصول سفينة مهاجرين يهود إلى فلسطين في أكتوبر 1947 (غيتي)

«الإخوة الغرباء»

وأكد المؤرخ أن ممارسات الناشطين الصهاينة ضد الناجين من المحرقة وردت أيضاً في دراسة أعدتها المؤرخة الإسرائيلية، حانا يابلونكا في كتابها «الإخوة الغرباء»، الذي أشارت فيه إلى التعليمات التي حملها الناشطون الصهاينة، وبينها أن استعدادهم للتجنيد يؤدي إلى تسريع هجرتهم إلى فلسطين.

كما تطرق المؤرخ يوسف غرودزينسكي، في كتابه «مادة إنسانية جيدة»، إلى اعتبارات «النجاعة القومية والعسكرية» التي كانت تؤثر على اختيار المرشحين للهجرة إلى فلسطين، وأنها شملت تنكيلاً فعلياً بالناجين «الذين كانوا ينتمون لحركة البوند المناهضة للصهيونية»، وفقاً لاستعراض المؤرخ توم سيغف لكتاب حازكاني في صحيفة «هآرتس». واقتبس حازكاني أقوال مسؤول في مركز تجنيد الناجين من المحرقة، جاء فيها أنه يتم «فرض التجنيد الإلزامي على يهود المعسكرات كأنهم مواطنون إسرائيليون»، وأن رفض أمر التجنيد يعتبر «فراراً من الخدمة العسكرية التي تتطلب العقوبة».

وخضع الناجون من المحرقة لغسل دماغ آيديولوجي بروح الحركة الصهيونية التنقيحية اليمينية فور وصولهم إلى القواعد العسكرية في أرض فلسطين، ووصف العرب بأنهم «نسل العماليق» أعداء اليهود في الأساطير التوراتية. ولفت حازكاني إلى أنه بذلك كان لدى الجنود الجدد «مبرر للقتال ضد العرب وقتلهم وطردهم».

وشمل غسل الدماغ أقوال الضباط للجنود الجدد القادمين من ألمانيا بأن «الله نفسه يطالب بالانتقام»، وأكد حازكاني أن وثائق الجيش الإسرائيلي تشجع الوحشية والكراهية ضد العرب.

إعلان قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 من قبل ديفيد بن غوريون الرئيس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية (غيتي)

«دولة يهودية أوروبية»

وسأل جندي في إحدى الرسائل: «لماذا يحظر على جنود الجيش الإسرائيلي القيام بما يفعله جنود الجيوش كافة، أن يأخذ غنائم ويغتصب نساء العدو». وسمحت الإجابة، التي يرجح حازكاني أن حاخاماً قدمها، بالنهب من أجل الصالح العام. وأضاف حازكاني أنه «لم يتم التطرق إلى السؤال حول الاغتصاب. وهكذا، فإن السؤال حول ما إذا كان سلوك كهذا وارداً في الحسبان، بقي مفتوحاً».

وفيما يتعلق برسائل الجنود اليهود المغاربة، فإنها توثق بالأساس تعامل الحركة الصهيونية مع اليهود الشرقيين الذين لم تأخذهم الحركة الصهيونية في الحسبان حتى المحرقة، وإن «الحلم كان دولة يهودية أوروبية». وتجسد رسائل الجنود المغاربة أسس التمييز ضد اليهود الشرقيين عموماً بعد قيام إسرائيل.

وشبه قسم من الجنود إسرائيل بـ«ألمانيا النازية». وجاء في رسائلهم التي أوردها حازكاني أن «البولنديين يسيطرون على أي مكان. والأشكناز يستغلوننا في أي شيء ويمنحون العمل الهيّن للبولنديين. وأجرة العمل ليست متساوية، فالبولندي يحصل مقابل عمل هيّن أكثر مما يحصل عليه المغاربة مقابل عمل شاق. ويحصل الجنود الأشكناز في الجيش على أكثر من الشرقيين. فإسرائيل تنفذ فعلياً فصلاً عنصرياً، كما في الولايات المتحدة».


مقالات ذات صلة

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

شؤون إقليمية مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مجدداً، إلى احتلال قطاع غزة، وتشجيع نصف سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على الهجرة خلال عامين.

كفاح زبون (رام الله)
العالم العربي طفل ضحية غارة جوية إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في غزة (أ.ف.ب)

مقتل 10 على الأقل في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في غزة

قال مسعفون، الثلاثاء، إن 10 فلسطينيين على الأقل لقوا حتفهم في غارة جوية إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي كشف تقرير للبنك الدولي أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان جراء الحرب تقدر بنحو 2.8 مليار دولار (أ.ف.ب)

ما حجم الخسائر البشرية والمادية جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان؟

قد يتوقف قريباً إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية بموجب اتفاق يستهدف إنهاء أكثر من عام من قتال أشعلته حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أثناء ترؤسه جلسة للحكومة الفلسطينية في رام الله... الثلاثاء (وفا)

مصر تحاول مجدداً دفع آلية لإعادة فتح معبر رفح 

حركتَا «فتح» و«حماس» تجاوبتا مع محاولة مصرية لإعادة فتح معبر رفح، لكن لا يوجد اختراق كامل.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)

تنسيق مصري - أميركي لدفع جهود وقف إطلاق النار في غزة

تجري مصر والولايات المتحدة، مشاورات مستمرة من أجل دفع جهود إبرام هدنة مماثلة في قطاع غزة، بحسب إفادة وزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

كلية الإعلام في جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (إكس)
كلية الإعلام في جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (إكس)
TT

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

كلية الإعلام في جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (إكس)
كلية الإعلام في جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (إكس)

فرضت الجماعة الحوثية قيوداً جديدة على طالباتِ كبرى الجامعات الحكومية، ومنعتهن من استخدام مستحضرات التجميل وارتداء أنواع من الأحذية النسائية، بمبرر الحفاظ على «القيم والأخلاق العامة» وضمان «الانضباط الاجتماعي» وحماية «الهوية الثقافية»، وذلك بالتزامن مع إطلاق منصة حقوقية دعوات إلى حماية اليمنيات من العنف والتمييز الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

وذكرت مصادر أكاديمية يمنية لـ«الشرق الأوسط» أن القيادي الحوثي عبد الكريم الغرسي، المُعين من قبل الجماعة الحوثية في منصب الأمين العام لكلية الإعلام بجامعة صنعاء الخاضعة للجماعة، أصدر منذ أيام تعميماً جديداً يحظر على الطالبات في الجامعة استخدام مساحيق الوجه وارتداء الصنادل (نوع من الأحذية النسائية) خلال حضور المحاضرات.

وتضمن التعميم الحوثي تكليف «القوة الأمنية النسائية (الزينبيات)»، التابعة للجماعة، تفتيش الطالبات في أثناء دخولهن الجامعة، واعتقال كل مخالِفات التعليمات، في حين توعد القيادي الغرسي الطالبات المخالفات بإحالتهن إلى المساءلة والتحقيق معهن، ومعاقبتهن بدفع غرامات مالية تأديبية والفصل من الجامعة.

طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

وبررت الجماعة إجراءاتها بحق طالبات جامعة صنعاء بأنها تأتي ضمن خطواتها المستمرة لمنع كل ما يندرج ضمن ما تسميها «الحرب الناعمة»، ولتعزيز «الهوية الثقافية».

وقوبل هذا الإجراء بحالة من «السخط والرفض الشديدين من أكاديميي الجامعة وطلاب وناشطين حقوقيين في العاصمة المختطفة صنعاء»، ورأوا فيه «استهدافاً جديداً للمرأة اليمنية بتقييد حريتها، ونهجاً داعشياً اعتادت الجماعة ممارسته ضد كل فئات المجتمع اليمني».

وبينما سخر ناشطون حقوقيون في صنعاء من التعميمات الجديدة الموجهة إلى الطالبات، شنّ ناشطون موالون للجماعة الحوثية حملة مضادة تؤيد تلك الممارسات التعسفية، بحجة أن «المظهر الخارجي لكثير من طالبات الجامعات اليمنية مخالف لكل القيم والأخلاق، ويتسبب في هزائمهم وتأخير الانتصارات»، وفق مزاعمهم.

وأبدت عصماء، وهو اسم مستعار لطالبة جامعية في صنعاء، أسفها البالغ لتكثيف الجماعة الحوثية إجراءاتها المشددة ضد طالبات جامعة صنعاء وبقية الجامعات تحت سيطرتها، وعدّت التعميم الأخير انتهاكاً صارخاً للحرية الشخصية للنساء، وتقييداً جديداً لحقهن في التعبير عن أنفسهن.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء بزعم تطوير بنيتها التحتية (إعلام حوثي)

وطالبت أكاديمية في جامعة صنعاء، تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، الجماعة بـ«صرف مرتبات الموظفين الحكوميين والمدرسين في الجامعة، التي أوقفتها منذ أكثر من 8 أعوام، بدلاً من تقديم نفسها حارساً للفضيلة». ووفق الأكاديمية، التي اشترطت عدم ذكر اسمها، فإن «حالة المنع الحوثية، وتقييد حريات الطالبات في الجامعات والمدارس، يؤثران سلباً على نفسياتهن وتحصيلهن الدراسي»، داعية إلى «احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة، والسماح للطلاب بممارسة حياتهم التعليمية بحرية ومسؤولية».

في غضون ذلك، أكدت شبكة حقوقية يمنية أن النساء والفتيات في اليمن يواجهن مستويات متصاعدة من مختلف «أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي، والزواج القسري، والتحرش الجنسي... وغير ذلك»، مشددة على «ضرورة معالجة هذه القضايا بتكاتف جماعي وإرادة صادقة تشمل جميع فئات المجتمع».

ودعت منصة «التمكين السياسي للمرأة» اليمنية، ومقرها العاصمة المؤقتة عدن، إلى «تضامن كامل مع النساء والفتيات اللاتي يعانين من العنف والتمييز، وعَدِّ العنف ضد المرأة تحدياً مجتمعياً يتطلب تدخلاً شاملاً من الحكومات والمؤسسات والمجتمع المدني، وتغيير المفاهيم المجتمعية التي تغذي العنف، والعمل المشترك من جميع الفئات، بما فيها الرجال والشباب، لبناء بيئة آمنة تحفظ كرامة وحقوق النساء».

الجماعة الحوثية تستخدم «الشرطة النسائية (الزينبيات)» لقمع طالبات الجامعات (إعلام محلي)

ووصفت المنصة تمكين المرأة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً بـ«مفتاح مواجهة العنف»، لافتة إلى أن «دمج المرأة في صنع القرارات يساهم في تحقيق حلول شاملة ومستقبل مستقر».

وحثت على «تسليط الضوء وتقديم الدعم الشامل للناجيات من العنف؛ لتأهيلهن اجتماعياً وقانونياً ونفسياً، مع توفير بيئة تضمن لهن الحصول على حقوقهن بسهولة».

كما دعت المنصة إلى تعديل القوانين المحلية «بما يكفل حماية النساء والفتيات وفق المعايير الدولية ويعزز الردع ضد الجناة، وتشجيع وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والدينية والمجتمعية على تكثيف الوعي بمخاطر العنف، ودعم ثقافة احترام المرأة».

ووجهت نداء إلى المجتمع الدولي لـ«دعم جهود تمكين المرأة اليمنية، وتمويل البرامج التي تسعى لحمايتها وتحسين أوضاعها».