الحرب الشاملة تدخل شهرها الثاني: ربع اللبنانيين نازحون وبلدات سوّيت بالأرض

النبطية الأكثر استهدافاً بالغارات… وغياب الأرقام الدقيقة ينبئ بالأسوأ

TT

الحرب الشاملة تدخل شهرها الثاني: ربع اللبنانيين نازحون وبلدات سوّيت بالأرض

الحرب الشاملة تدخل شهرها الثاني: ربع اللبنانيين نازحون وبلدات سوّيت بالأرض

مع دخول الحرب في لبنان شهرها الثاني وما تركته من خسائر في البشر والحجر والاقتصاد، تتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وترتفع التحذيرات من انهيار شامل للدولة، إلى درجة أن يؤثر على قدرة لبنان على إطعام نفسه، حسب «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» الذي توقّع أن تستمر الحرب حتى نهاية عام 2024.

وبانتظار أن تتوقف آلة القتل، يبدو المشهد ضبابياً وغير واضح لجهة الأرقام الدقيقة في حجم الخسائر، لا سيما في القرى والبلدات التي دُمّرت بشكل كامل أو جزئي، بحيث كل الأمور تستند إلى تقديرات قد تكون الحقائق أكبر منها بكثير.

ربع اللبنانيين باتوا نازحين... والضحايا بالآلاف

تشير أرقام وزارة الصحة اللبنانية إلى وصول عدد القتلى في لبنان نتيجة القصف الاسرائيلي منذ بدء المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل في 8 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 2593 (حتى مساء الخميس)، إضافة إلى أكثر من 12 ألف جريح، فيما سجل صباح الجمعة مقتل ثلاثة صحافيين وجرح ثلاثة آخرين في غارة إسرائيلية استهدفتهم في مقر إقامتهم لنقل أحداث الجنوب في منطقة حاصبيا.

أما منذ بدء الحرب الشاملة على لبنان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، فيقدر العدد بحوالي 1580 وفق حصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية بناءً على بيانات وزارة الصحة، التي أعلنت عن مقتل 163 شخصاً من العاملين في قطاعي الصحة والإسعاف، في حين تشير التقديرات إلى أن عدد القتلى أكبر بكثير، لا سيما في ظل الحديث عن جثث لا تزال تحت الأنقاض. أما قتلى «حزب الله» الذي كان قد توقف عن نعي مقاتليه منذ نهاية الشهر الماضي، وكان عددهم حينها 508، تشير أرقام «الدولية للمعلومات» إلى أنهم وصلوا إلى حوالي 908 أشخاص، حسب الباحث محمد شمس الدين.

ومن أبرز الضربات القاسية التي تلقاها «حزب الله» كانت اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، ورئيس مجلسه التنفيذي هاشم صفي الدين الذي كان المرشح الأبرز لتولي منصب الأمين العام، إضافة إلى عدد من القادة العسكريين والميدانيين. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن قبل 5 أيام أن عدد قتلى «حزب الله» تجاوز الـ1500 عنصر.

وفيما يشير شمس الدين إلى أن هناك ما يقارب حوالي 30 شخصاً لا يزالون تحت الأنقاض، قال وزير الصحة اللبناني فراس أبيض، الجمعة، إن هناك 8 مسعفين قتلوا في الجنوب لا يزالون في سياراتهم، ولا يزال الجيش الإسرائيلي يمنع انتشالهم.

وعلى وقع تصعيد القصف نزح معظم سكان قرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بحيث بات ربع اللبنانيين من النازحين، حسب شمس الدين، فيما قالت مفوضية شؤون اللاجئين أن خمس الشعب اللبناني نزح حتى الآن.

وتقدّر لجنة الطوارئ الحكومية عدد النازحين بحوالي مليون و300 ألف، موزعين على حوالي 1100 مركز في بيروت وجبل لبنان، إضافة إلى الشمال، حيث تم تحويل المدارس وأبنية حكومية مراكز إيواء.

لكن الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين يشكّك في هذه الأرقام، عاداً أن الدولة اللبنانية ترفع الأرقام للحصول على المساعدات، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حوالي 900 ألف نازح لبناني، منهم 650 ألفاً في لبنان، بينهم 170 ألفاً في مراكز النزوح، و143 ألفاً غادروا إلى سوريا ومائة ألف سافروا إلى خارج لبنان».

ويحتاج لبنان لتغطية احتياجات الغذاء والماء والصرف الصحي والخدمات التعليمية للنازحين إلى 250 مليون دولار شهرياً، حسب وزير البيئة، منسق لجنة الطوارئ، ناصر ياسين، الذي لفت في حديث لوكالة «رويترز» إلى أنه يتم العمل على خطة للإغاثة على مدى أربعة إلى ستة شهور.

حجم الدمار كبير ... ولمحافظة النبطية الحصة الأكبر من القصف

تعكس الصور والمشاهد التي تنتشر عن قرى جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت حجماً كبيراً من الدمار، بحيث سوّيت بعض القرى بالأرض بشكل نهائي، ودمّرت بشكل كامل آلاف المباني، حيث أشارت التقديرات في بداية شهر أكتوبر الحالي إلى سقوط 3 آلاف، بالتالي فإنه من المرجح أن يكون العدد قد تضاعف اليوم، علماً بأن الجيش الإسرائيلي عمدَ إلى تفخيخ قرى بأكملها، مثل محيبيب وراميا في الجنوب.

وقد وصف المتحدث باسم قوات «اليونيفيل» في لبنان أندريا تيننتي «الدمار في قرى الجنوب بالصادم والمروع»، فيما رأى فيه البعض أنه يوازي دمار زلزال كبير. لكن القصف المتواصل يحول دون القدرة على تحديد حجم الخسائر بشكل دقيق، فيما قدّر وزير الاقتصاد أمين سلام تكلفة الدمار بحوالي 20 مليار دولار أميركي.

ووفق توثيق المجلس الوطني للبحوث العلمية، فإن محافظة النبطية تعرضت لأكبر عدد من الاعتداءات الإسرائيلية، أي بأكثر من 1763 اعتداءً، وتليها محافظة الجنوب بـ936 اعتداءً، ومن ثم بعلبك - الهرمل بـ383، وجبل لبنان بـ180 اعتداءً، والبقاع بـ143 اعتداءً، مع العلم أن ضاحية بيروت الجنوبية التي لها حصة كبيرة من القصف تعدُّ في محافظة جبل لبنان (قضاء بعبدا).

مطار بيروت يعمل بشركة طيران «الشرق الأوسط» فقط

منذ بدء الحرب في جنوب لبنان أعلنت شركات طيران أجنبية عن تعليق رحلاتها من وإلى بيروت، وإن بشكل متقطع، وصولاً إلى توقف العدد الأكبر منها عند بدء التصعيد العسكري الإسرائيلي في 23 سبتمبر الماضي، وعمدت كل الدول إلى إجلاء رعاياها من بيروت على مراحل، وباتت اليوم شركة طيران «الشرق الأوسط» الشركة الوحيدة التي تعمل في «مطار رفيق الحريري الدولي».

وفي هذا الاطار، قال نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر في لبنان، جان عبود، إن «حجوزات السفر لمغادرة لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي تراجعت خلال الـ10 أيام الأخيرة بحدود 20 و30 في المائة عن الفترة السابقة».

ولفت، في بيان، إلى أنه «مع بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) سنشهد تراجعاً في عدد الرحلات، فمثلاً ستصبح هناك رحلة واحدة لشركة (الميدل إيست) إلى فرنسا أو أفريقيا بدلاً من رحلتين في اليوم، حيث إن الطلب على الرحلات انخفض بشكل كبير».

وبالنسبة إلى طائرات «الشرق الأوسط»، العائدة إلى لبنان، أشار عبود إلى أن «الطائرات الآتية إلى مطار بيروت تكون شبه فارغة، حيث إن عدد الأشخاص العائدين إلى لبنان قليل جداً»، مشيراً إلى أن «ملاءة الطائرة لا تتعدى الـ10 بالمائة في طريق العودة إلى لبنان».

تراجع النشاط الاقتصادي حوالي 90 بالمائة

انعكست الحرب على لبنان على معظم القطاعات، باستثناء تلك المرتبطة بالمواد الغذائية. وانخفض النشاط الاقتصادي نتيجة لذلك ما بين 85 و90 في المائة، وفق ما أعلن رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية الوزير السابق محمد شقير، مشيراً إلى أن الخسائر الاقتصادية تقدّر حتى الآن بما يقارب الـ10 مليارات دولار أميركي، ومحذراً من تفاقم الوضع في الأشهر المقبلة إذا استمرت الحرب.

ولفت إلى أنه بعدما سجّل انطلاقاً في عملية النهوض بالاقتصاد بين عامي 2023 و 2024، «نرى اليوم أن كل شيء يتلاشى»، محذراً من أن المؤشرات «تجعلنا نخاف من حصول انهيار شامل للدولة اللبنانية»، وملحماً بأن المؤسسات الخاصة قد لا تصبح قادة على دفع رواتب الموظفين في حال استمرت الحرب «وهذا سيؤدي حتماً إلى خفض رواتب لدى جزء منها وتقليص عدد الموظفين لدى الجزء الآخر».

برنامج الأمم المتحدة : العواقب ستستمر لسنوات

وتوقع تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تمحو الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» 9 في المائة من الثروة الوطنية اللبنانية قياساً بالناتج المحلي الإجمالي، وأن تؤدي إلى ارتفاع بنسبة 30 في المائة في احتياجات الحكومة التمويلية في بلد بحالة يرثى لها حتى قبل بدء العنف.

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه حتى لو انتهت الحرب في عام 2024، فإن العواقب ستستمر لسنوات، مشيراً إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية المادية والإسكان والقدرات الإنتاجية مثل المصانع من المرجح أن تكون قريبةً من تلك المقدرة لحرب عام 2006، التي تراوحت بين 2.5 مليار دولار و3.6 مليار دولار، لكنه لفت إلى أن التأثير الإنساني والتداعيات الاقتصادية في عام 2024 من المتوقع أن تكون أكبر بكثير مما كانت عليه في عام 2006».

وقال تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن إغلاق المعابر الحدودية المهمة للتجارة من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض بنسبة 21 في المائة في الأنشطة التجارية، وأنه يتوقع خسائر في الوظائف في قطاعات السياحة والزراعة والبناء.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المبعوث الأميركي آموس هوكستين ملتقياً رئيس حزب «القوات» سمير جعجع (القوات اللبنانية)

لقاءات هوكستين وقيادات لبنانية... محاولة لتأمين موقف عام مؤيد لمفاوضات الحل

رأى بعض الأفرقاء في لقاءات المبعوث الأميركي آموس هوكستين مع القيادات اللبنانية أنها محاولة لتأمين موقف لبناني عام مؤيد لمفاوضات الحل.

كارولين عاكوم
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضع إكليلاً من الزهر على نصب شهداء الجيش في وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش)

ميقاتي يشدد على استعداد الجيش للانتشار على الحدود

أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن اللبنانيين مصرّون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم؛ لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة والوحدة الوطنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

وأكدت البعثة مجدداً على منصة «إكس» أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بدعم لبنان وشعبه وسيادته على أراضيه.

ووسعت إسرائيل حربها التي تشنها على قطاع غزة لتشمل لبنان في الأسابيع الماضية، وقتلت العديد من كبار قادة جماعة «حزب الله» التي تتبادل معها إطلاق النار، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وتسببت الهجمات الإسرائيلية في مقتل الآلاف ونزوح ما لا يقل عن مليون لبناني من جنوب لبنان، وألحقت دماراً واسعاً في أنحاء مختلفة من البلاد.