إسرائيل تدمّر مؤسسات «حزب الله» الخدماتية لاقتلاعه من البيئة الشيعية

استهدفت أكثر من 15 فرعاً لـ«القرض الحسن» في المناطق اللبنانية

TT

إسرائيل تدمّر مؤسسات «حزب الله» الخدماتية لاقتلاعه من البيئة الشيعية

رجل يقود دراجته النارية أمام موقع غارة جوية إسرائيلية ليلية استهدفت فرعاً لـ«جمعية القرض الحسن» للتمويل بالضاحية الجنوبية لبيروت 21 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
رجل يقود دراجته النارية أمام موقع غارة جوية إسرائيلية ليلية استهدفت فرعاً لـ«جمعية القرض الحسن» للتمويل بالضاحية الجنوبية لبيروت 21 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تخطّت الحرب الإسرائيلية على «حزب الله» بُعدَها العسكري وأهدافها المعلنة، أي تدمير قدراته القتالية، وانتقلت سريعاً إلى ضرب مؤسساته الاجتماعية والصحّية وحتى المالية؛ في محاولة لإنهاء حالة الحزب الشعبية واقتلاعه من البيئة الشيعية التي شكّلت له حاضنة قويّة على مدى العقود الماضية.

وأظهرت الضربات التي وجَّهتها إسرائيل لمراكز «مؤسسة القرض الحسن» المالية ليل الأحد، أن تل أبيب أزالت الفوارق ما بين القوة العسكرية التي يمتلكها «حزب الله» ومؤسساته الخدماتية، بموازاة المضيّ بضرب الأهداف العسكرية واغتيال القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، وانتقلت إلى تدمير المؤسسات التي لطالما شكّلت أماناً اجتماعياً لبيئته وجمهوره.

استهداف الذراع الصحية

وبدأ الأمر من استهداف الذراع الصحية في الحزب، وهي «الهيئة الصحّية الإسلامية»، ثمّ المستشفيات التابعة لـ«حزب الله»، وجعلت منها إسرائيل هدفاً ثانياً بعد الأهداف العسكرية، بذريعة أن الهيئة الصحّية تمثّل المساعد الأول في نقل الضحايا والجرحى، وكذلك المستشفيات التي توفّر العلاج للمقاتلين المصابين وعائلاتهم، قبل أن يُفاجأ الحزب وجمهوره بوضع «جمعية القرض الحسن» بفروعها كافة ضمن بنك الأهداف الرئيسية.

جرّافة تزيل الركام الناتج من استهداف إسرائيلي فرع «مؤسسة القرض الحسن» في بعلبك (أ.ف.ب)

وقبل ساعات قليلة من إعلان أفخاي أدرعي، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، إنذاراً إلى اللبنانيين بإخلاء المباني القريبة من «جمعية القرض الحسن»، أدلى وزير الدفاع يوآف غالانت، بتصريح قال فيه إن إسرائيل «انتقلت من مرحلة هزيمة (حزب الله) إلى تدميره». ورأى متابعون لمسار هذه الحرب أن ضرب المؤسسات الاجتماعية والصحية والمالية يعدّ ترجمة فعلية لـ«خطة التدمير».

وعدَّ الكاتب والناشط السياسي علي الأمين، أن إسرائيل «تشنّ حرباً عسكرية واسعة على (حزب الله)، لكنّها بالوقت ذاته تشنّ حرباً نفسيّة على الشيعة في لبنان لخلق شرخ بينهم وبين الحزب، لتحوّل مؤسساته ما يشبه الوباء الذي يستدعي الهرب منه».

اقتلاع الحزب من حاضنته

وأوضح الأمين لـ«الشرق الأوسط» أن «أغلبية الشيعة ركنوا في السنوات الأخيرة إلى مؤسسات الحزب التي قدّمت لهم الخدمات الاجتماعية والصحّية والتربوية والمالية، خصوصاً مع ضعف الدولة اللبنانية وتراجع قدراتها في السنوات الأخيرة».

وأكد الأمين أن «هذه المؤسسة شكّلت أهم أدوات سيطرة (حزب الله) على البيئة الشيعية التي استفادت من تقديماتها ومكّنته من التغلغل داخلها وإحكام قبضته عليها، خصوصاً وأنه وفّر لها خدمات لا يستهان بها».

موقع القصف الإسرائيلي الذي استهدف فرع «جمعية القرض الحسن» للتمويل بمنطقة الشياح في بيروت 21 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

وقال: «ما تقوم به إسرائيل اليوم من تدمير لهذه المؤسسات، هو عملية ضرب للعلاقة التشابكيّة مع الناس وضرب البعد الاجتماعي والخدماتي والصحّي، وهي محاولة لاقتلاع هذا الحزب من حاضنته، التي باتت تخشى التواجد بالقرب من أي مؤسسة للحزب في كلّ الأراضي اللبنانية».

ونجحت إسرائيل في وضع أغلب المؤسسات الصحّية، خصوصاً المستشفيات، خارج الخدمة، بدءاً بمستشفى صلاح غندور في مدينة بنت جبيل الجنوبية، كما تقلصت فاعلية مستشفى سان جورج في منطقة الحدث في ضاحية بيروت الجنوبية، وجزء من مستشفى الرسول الأعظم.

ورأى الأمين أن هذه الاستهدافات «أفقدت الناس عنصر الأمان حتى داخل هذه المستشفيات والمؤسسات الصحّية، وخلقت في وعي المجتمع الشيعي أن هذه المؤسسات تشكل خطراً عليها وليس مصدر أمان كما يفترض»، مشيراً إلى أنه «بعد الحرب قد يكون هناك نوع من ردّة الفعل لدى المواطنين الذين فقدوا الثقة بأن تكون المؤسسات ملاذاً لهم».

رجل يقود دراجته النارية أمام موقع غارة جوية إسرائيلية ليلية استهدفت فرعاً لـ«جمعية القرض الحسن» للتمويل بالضاحية الجنوبية لبيروت 21 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

كما استهدفت إسرائيل مراكز عدّة لـ«تعاونيات السجاد» التي توفر المواد الغذائية بأسعار رمزية.

تدمير صمود العائلات

ورغم الأضرار التي خلّفتها الحرب الإسرائيلية، قلل مصدر مقرّب من «حزب الله» من تداعياتها على مستقبل الحزب ودوره والحدّ من نفوذه، وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «قد تدمّر (مؤسسة القرض الحسن)، لكن ذلك لا يعني أنها قضت على أمواله؛ لأن الحزب كان متحسباً لمثل هذه العمليات، والأموال ليست بالضرورة موجودة في فروع (القرض الحسن)»، عادّاً أن «محاولة تدمير أموال الحزب هي محاولة لتدمير صمود آلاف العائلات التي تستفيد من أموال (القرض الحسن)، ووجدت فيه ملاذاً بعد إفلاس القطاع المصرفي في لبنان».

وقال: «لن تنجح إسرائيل في ضرب العلاقة القوية بين الحزب والناس، لا، بل أعطت شرعية شعبية لكل الأعمال التي يقوم بها، وأثبتت أن إسرائيل دولة معتدية ومنتهكة للقانون الدولي».

إتلاف جزء من الأموال

وأدت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت أكثر من 15 فرعاً لـ«القرض الحسن» في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع (شرق لبنان)، إلى تدمير أجزاء من هذه المؤسسة، لكن ليس بالضرورة أنها قضت عليها بالكامل.

وأوضح الخبير المالي والاقتصادي جهاد حكيّم، أنه «في عمليات الاقتصاد النقدي لا يمكن تحديد كميّة الأموال الموجودة لدى (حزب الله) في (جمعية القرض الحسن)، خصوصاً وأنها لا تخضع لسلطة مصرف لبنان، لكنّ التوقعات ترجّح أن تكون إسرائيل دمّرت جزءاً من القدرات المالية للحزب، وهذا لا يعني هذا أنها أتلفتها بالكامل».

ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «تقارير نُشرت في الأيام الماضية تفيد بأن الجزء الأكبر من الأموال والذهب دُمّرت في الغارات التي استهدفت أمين عام (حزب الله) وأدت إلى اغتياله؛ لأن الملجأ الذي كان فيه هو الأكثر تحصيناً وحماية».

ارتفاع الأعباء المالية للحزب

وأكد حكيّم أن «استهداف (القرض الحسن)، هو استهداف مباشر لقدرات الحزب المالية». وقال: «قبل عمليات التدمير والتهجير التي شهدها الجنوب والضاحية وغيرها، لم تكن الكتلة النقدية للحزب قادرة على توفير متطلبات الناس، أما الآن، وبعد نزوح أكثر من مليون شخص وتدمير المنازل والمصانع والمؤسسات التجارية والسياحية وحتى القطاع الزراعي، باتت الأعباء المالية على الحزب أكبر، خصوصاً وأن مصادر تمويله تراجعت مع الحرب إلى حدّ كبير».

تمثال لقاسم سليماني القائد السابق لـ«فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني أمام فرع لـ«مؤسسة القرض الحسن» المصرفية التي يديرها «حزب الله» بقرية الغبيري - لبنان (أرشيفية - أ.ب)

وشكّلت «جمعية القرض الحسن» بديلاً لـ«حزب الله» عن المصارف اللبنانية، بعد وضعه على لائحة العقوبات الأميركية، كما شكلت متنفساً لبيئته التي حصلت على قروض منه بالعملة الصعبة بعد أزمة المصارف.

وبينما تحدثت معلومات منشورة في وسائل الإعلام المحلية عن أن موجودات «القرض الحسن» تتراوح ما بين 4 و6 مليارات دولار أميركي، ذكّر الخبير المالي والاقتصادي جهاد حكيّم بأنه «لا تمكن مراقبة الاقتصاد النقدي ولا مصادر أمواله»، لكنه أشار إلى أن «الاقتصاد الأسود بات مرادفاً للفقر، ومرتعاً لتبييض الأموال».


مقالات ذات صلة

غارات إسرائيلية تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية بعيد إنذارات بالإخلاء

المشرق العربي سحب الدخان تتصاعد من أحياء ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

غارات إسرائيلية تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية بعيد إنذارات بالإخلاء

شن الجيش الإسرائيلي غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت بعيد إنذارات بالإخلاء، استهدفت منطقتي الأوزاعي وحارة حريك.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي آلية عسكرية إسرائيلية تتجه إلى موقع سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (رويترز)

«حزب الله» يعلن قصف قاعدة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قرب تل أبيب

أعلن «حزب الله»، مساء الاثنين، أنه استهدف «بصواريخ نوعية» قاعدة تابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قرب تل أبيب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تقوم إحدى الآلات بإزالة الأنقاض من موقع متضرّر في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية يوم الأحد التي أصابت عدة فروع لـ«القرض الحسن» وهي مؤسسة مالية مرتبطة بجماعة «حزب الله» في الشياح ضاحية بيروت الجنوبية لبنان 21 أكتوبر 2024 (رويترز)

إسرائيل تعلن قصف مخبأ ﻟ«حزب الله» يحتوي «ملايين الدولارات» نقداً وذهباً

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين، إنه ضرب مخبأ ﻟ«حزب الله» يحتوي على عشرات الملايين من الدولارات من النقد والذهب خلال ضربات استهدفت شبكة الحزب المالية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في مقر الأخير (أ.ف.ب) play-circle 03:50

هوكستين يطلق «التفاوض» بين لبنان وإسرائيل لـ«تطبيق حرفي للقرار 1701»

أعلن المبعوث الأميركي آموس هوكستين صراحة أن القرار1701 الذي أنهى حرب عام 2006 «ليس كافياً اليوم لوقف الحرب» داعياً «إلى فك الارتباط بين قطاع غزة ولبنان».

ثائر عباس (بيروت)
تحليل إخباري مسيرة داعمة للفلسطينيين تحمل صور زعيمي «حماس» و«حزب الله» في إسطنبول يوم 20 أكتوبر الحالي (رويترز)

تحليل إخباري ما الفارق بين تداعيات مقتل السنوار واغتيال نصر الله؟

لم يحصل بنيامين نتنياهو على صورة البطل لنجاحه في قتل السنوار رغم ارتفاع شعبيته، بعكس ما حصل مع زعيم «حزب الله» حسن نصر الله... فلماذا يحدث ذلك؟

المحلل العسكري

غارات إسرائيلية تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية بعيد إنذارات بالإخلاء

سحب الدخان تتصاعد من أحياء ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)
سحب الدخان تتصاعد من أحياء ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)
TT

غارات إسرائيلية تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية بعيد إنذارات بالإخلاء

سحب الدخان تتصاعد من أحياء ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)
سحب الدخان تتصاعد من أحياء ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

شن الجيش الإسرائيلي غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت بعيد إنذارات بالإخلاء، استهدفت مناطق الأوزاعي وحارة حريك وبرج البراجنة.

وقال مصدر بمستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت لرويترز إن ضربة استهدفت مكانا قريبا من المستشفى، هو فيما يبدو موقف السيارات الخاص بالمستشفى. وذكر مصدر أمني كبير لرويترز أن ثلاثة أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب عشرات آخرون في هذه الغارة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي في وقت سابق أنه سينفذ المزيد من الضربات ضد حزب الله وشبكته المالية في بيروت وفي جميع أنحاء لبنان. وقال المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري في إفادة متلفزة «حتى في الساعات المقبلة، سنواصل مهاجمة أهداف حزب الله في جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت».