بلدة الغازية بجنوب لبنان: حاضنة النازحين في 2006... تخلو من سكانها

الغارات أحيت ذاكرة «المجازر» في حرب تموز

الشوارع الداخلية خالية من السكان ولم يبقَ فيها إلا آثار الغارات الجوية الإسرائيلية (الشرق الأوسط)
الشوارع الداخلية خالية من السكان ولم يبقَ فيها إلا آثار الغارات الجوية الإسرائيلية (الشرق الأوسط)
TT

بلدة الغازية بجنوب لبنان: حاضنة النازحين في 2006... تخلو من سكانها

الشوارع الداخلية خالية من السكان ولم يبقَ فيها إلا آثار الغارات الجوية الإسرائيلية (الشرق الأوسط)
الشوارع الداخلية خالية من السكان ولم يبقَ فيها إلا آثار الغارات الجوية الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

حين بدأ القصف الجوي الإسرائيلي على محيط بلدة الغازية الواقعة المحاذية لمدينة في جنوب لبنان صبيحة 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، استعاد علي غدار، المقيم في البلدة، مشاهد حرب نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 في البلدة التي وقعت فيها مجزرتان آنذاك، فوضب أغراضه على عجل، مثل الآلاف من القاطنين في البلدة، وأخلوها حتى شمال نهر الأولي.

والبلدة التي استضافت آلاف النازحين في حرب تموز 2006، وكان القسم الأكبر من سكانها لا يزال مقيماً فيها بالشهر الماضي، لم يبقَ فيها في الوقت الراهن إلا العشرات. كانت ساعات قليلة من الهجمات الجوية المكثفة للطائرات الحربية الإسرائيلية على مناطق مأهولة بالسكان، كفيلةً بتهجير أكثر من 80 في المائة من أهالي الجنوب اللبناني، ومن ضمنهم أهالي الغازية.

مدخل الغازية كما يظهر من مدينة صيدا (الشرق الأوسط)

وخلافاً لمشاهد النزوح المتدرجة في حرب 2006، حيث احتضنت صيدا ومحيطها آنذاك أكثر من 100 ألف نازح، اختار الجنوبيون في هذه الحرب الابتعاد حتى عن صيدا والغازية، ويقدر عدد النازحين إلى صيدا والمحيط الآن بـ35 ألف نازح، حسبما تقول مصادر رسمية في صيدا، ويعود ذلك إلى الخوف من القرى المحيطة، لا سيما بلدة الغازية، التي تعرضت لغارات عنيفة من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية، منذ اليوم الأول للحرب، وكان آخر الضربات ليل الاثنين.

ويروي علي غدار لحظات النزوح الأولى من الغازية، ويقول إن إسرائيل ارتكبت مجازر بحق المدنيين سابقاً في الغازية، وهي لا تفرق بين طفل وامرأة ورجل، في إشارة إلى مجزرتين في عام 2006. ويضيف: «لا شيء يردعها عن ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين الآمنين».

ويشرح لـ«الشرق الأوسط» أنه قبل الهجوم الواسع الذي شنته إسرائيل نهار الاثنين في 23 سبتمبر، «قامت إسرائيل على مدى يومين بهجمات على مناطق قريبة من الغازية، فأحسّ سكان البلدة بالخطر القادم، ومع صباح يوم الاثنين وبدء العدوان الموسع، وقصف داخل البلدة، نزح عدد كبير من سكان البلدة إلى منطقة شمال الأولي، خوفاً من ارتكاب إسرائيل مجازر بحق المدنيين، لا سيما أن للغازية جرحاً لم يندمل منذ عام 2006».

مدخل الغازية فارغاً كما شوارعها الداخلية (الشرق الأوسط)

في عام 2006، احتضنت الغازية الآلاف من النازحين من قرى صور والنبطية، وارتكبت فيها مجزرتان؛ الأولى في 7 أغسطس (آب) آنذاك، والثانية في اليوم التالي في أثناء تشييع ضحايا المجزرة الأولى، وأسفرت عن مصرع ثلاثين مواطناً بينهم نازحون من مدينة صور.

يتذكر عدنان غدار لحظات «الغدر الإسرائيلي»، كما يصفها، حين أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على المشيعين الذين كانوا يشاركون في تشييع 16 مواطناً من البلدة قضوا في المجزرة الإسرائيلية عام 2006. واستمرت الاعتداءات وقطع الطرقات وضرب الجسور حتى خرج معظم سكان البلدة من أهالٍ ونازحين في الأسبوع الأخير من حرب 2006.

الآن، يختلف المشهد. تبدو البلدة التي كان يسكنها أكثر من 15 ألفاً، خالية من السكان. فرغ الجسر الرئيسي الذي يصل إليها من الطريق البحري فوق الأوتوستراد، من المارة والسيارات. أما الشوارع الداخلية، فقد بدت شبه خالية.

يقول محمد خليفة: «في هذه الحرب، كان يوجد في الغازية عشرات العائلات النازحة من قرى الشريط الحدودي منذ 11 شهراً، ومع بدء التصعيد، تلقت سوبرماركت في وسط البلدة تحذيراً بالإخلاء فوراً، فغادر معظم السكان، وبالفعل بعد ساعتين انهالت الغارات على السوبرماركت والبلدة».

آثار غارة جوية في داخل بلدة الغازية (الشرق الأوسط)

وتقع بلدة الغازية جنوب مدينة صيدا، وتجاورها مغدوشة وزيتا وقناريت من الشرق، وقرى الزهراني من الجنوب. تعرضت القرى المحيطة لوابل من القصف العنيف، لا سيما الزهراني والعاقبية والبيسارية، وصولاً إلى زيتا وبنعفول وعنقون، وتحت ضغط النار، هجرها معظم سكانها ونزحوا إلى مناطق أكثر أماناً.

بعد حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول)، واشتداد التوتر على القرى الحدودية، نزحت عشرات العائلات من قرى كفركلا والعديسة وبليدا وميّس الجبل نحو بلدة الغازية، ومنهم من استأجر منازل على نفقته الخاصة، ومنهم من التحق بمركز إيواء في منطقة الزهراني، وقدر عدد النازحين نحو الغازية بـ3000 نازح. ومع بداية التصعيد، اضطر النازحون إلى النزوح مرة أخرى باتجاه شمال الأولي.

تروي رنا غدار لـ«الشرق الأوسط» مراحل تطور حرب تموز عام 2006، بحيث لم تتعرض البلدة للاعتداء بشكل مباشر، بل كان على أطراف البلدة، واستقطبت البلدة العشرات من العائلات النازحة. وقارنت غدار هذه الحرب الدائرة حالياً بحرب الـ33 يوماً، لافتة إلى أن هذه الحرب أقسى من حيث الضربات والهجمات الجوية، والقصف طال أحياء سكنية بشكل مباشر، مما دفع بالسكان لإخلاء البلدة خوفاً من تكرار مجزرتي 2006.


مقالات ذات صلة

حافظ الأسد لأمين الجميل: لهذه الأسباب باقون في لبنان

خاص الرئيسان أمين الجميل وحافظ الأسد خلال قمة عدم الانحياز في نيودلهي عام 1983 (غيتي)

حافظ الأسد لأمين الجميل: لهذه الأسباب باقون في لبنان

تنشر «الشرق الأوسط» فصلاً جديداً من كتاب وزير الخارجية اللبناني السابق إيلي سالم بعنوان «الفرص الضائعة».

المشرق العربي أحد أفراد قوات حفظ السلام الإسبانية التابعة لـ«اليونيفيل» يقف أمام أنقاض المباني المدمرة في قرية برج الملوك بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

تفجيرات إسرائيلية تستهدف بلدة عيتا الشعب في جنوب لبنان

نفذت القوات الإسرائيلية عصر اليوم (الأربعاء) تفجيرات في بلدة عيتا الشعب في جنوب لبنان، عقب توغل قوة إسرائيلية باتجاه الأحراج الواقعة بين بلدتي عيتا الشعب ودبل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة.

هدى علاء الدين (بيروت)
خاص قوات إسرائيلية على شاطئ صيدا خلال اجتياح لبنان عام 1982 (غيتي)

خاص «الفرص الضائعة»... إيلي سالم يروي قصة الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي

يروي إيلي سالم، وزير خارجية لبنان السابق، في كتابه «الفرص الضائعة»، تفاصيل ما عُرف بـ«اتفاق 17 أيار» عام 1983 بين لبنان وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي آليات للجيش اللبناني في الناقورة (حساب قيادة الجيش على إكس)

الجيش اللبناني يستكمل انتشاره في القطاع الغربي بعد انسحابات إسرائيلية

تستكمل وحدات الجيش اللبناني، الثلاثاء، الانتشار في منطقة الناقورة الحدودية وبلدات في القطاعين الغربي والأوسط، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

المشهداني يبدأ أولى خطوات توحيد «البيت السني» ويذكّر «الشيعة» بالتسوية الوطنية

من اجتماع ولادة «ائتلاف القيادة السنية الموحدة»... (متداولة)
من اجتماع ولادة «ائتلاف القيادة السنية الموحدة»... (متداولة)
TT

المشهداني يبدأ أولى خطوات توحيد «البيت السني» ويذكّر «الشيعة» بالتسوية الوطنية

من اجتماع ولادة «ائتلاف القيادة السنية الموحدة»... (متداولة)
من اجتماع ولادة «ائتلاف القيادة السنية الموحدة»... (متداولة)

مع أنه انتظر سنة كاملة لكي يصل إلى منصبه، فإن خطوات رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني الأولى بعد توليه المنصب، بدت لافتة للنظر، سواء داخل القوى السنية، وللشركاء في البيت الشيعي.

فالمشهداني كان الوحيد من بين المرشحين السنة لرئاسة البرلمان بعد شغور المنصب عقب إقالة محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية العليا (أبرز هؤلاء المرشحين كان شعلان الكريم ثم سالم العيساوي) الذي دعمه «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي.

رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (متداولة)

ومع أن المشهداني تلقى دعماً من قبل طرف شيعي، فإن التنافس بقي قوياً مع الآخرين، لا سيما أن الحلبوسي سعى إلى أن يكون بديله من قبل حزب «تقدم» الذي يتزعمه. غير أن الخلافات السياسية التي حالت دون وصول مرشحه شعلان الكريم لمنصب الرئاسة، جعلت حظوظ العيساوي؛ مرشح «السيادة» بزعامة خميس الخنجر، ترتفع، بموازاة ارتفاع نسبي لحظوظ المشهداني، إلى أن جرى التوافق عليه بموافقة الحلبوسي نفسه.

ليس في سلة أحد

وفي حين بدا أن المشهداني، الذي يطلق على نفسه لقب «شايب المكون» تعبيراً عن أنه آخر القيادات السنية المسنة، سيكون في سلة كل من الحلبوسي «السني» والمالكي «الشيعي»، إلا إنه، طبقاً لتصريحاته، عازم على المضي بالقوانين المدرجة على جدول أعمال البرلمان؛ بما فيها «القوانين الجدلية» الثلاثة وهي: قانون العفو العام «سنياً»، والأحوال الشخصية «شيعياً»، وعقارات الدولة «كردياً».

والذي لفت نظر المراقبين السياسيين أن المشهداني بدأ يتصرف من منطلق أنه باقٍ رئيساً للبرلمان لما تبقى من هذه الدورة التي تنتهي نهاية هذا العام وبعد إجراء الانتخابات البرلمانية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بوصفه زعيماً سياسياً سنياً كان قد انخرط سابقاً في «التسوية الوطنية» عبر مشروع مشترك مع الشيعة.

صورة لإحدى جلسات البرلمان العراقي برئاسة الحلبوسي (أرشيفية - رويترز)

وفي غضون الأيام الأولى من توليه منصبه، وخلال تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أواخر العام الماضي، أعاد المشهداني تذكير شركائه الشيعة بما اتُّفق عليه تحت اسم «التسوية الوطنية» التي لم ترَ النور رغم ما حدث من تطورات.

ومما قاله المشهداني في هذا الصدد إن «مشروع التسوية الوطنية جرى التوقيع عليه من قِبل زعماء الصف الأول من القيادات السياسية الشيعية والسنية، لكن للأسف جرى تسويف الموضوع». وأضاف: «جرى تسليم نسخة من المشروع إلى الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2014 في مكتب رئيس البرلمان الأسبق، الدكتور سليم الجبوري، وكنا قد طالبنا بالتغيير، لكن لم يحصل هذا الدعم. وبعدها جاءت أحداث تشرين الأول (الانتفاضة الشعبية في أكتوبر 2018)؛ ما أجَّل التسوية الوطنية». وأكد أن «الحاجة لا تزال ماسّة إليها؛ على الأقل لمراجعة مشروع التسوية في ظل ما نشهده من خلافات وتحولات في المنطقة».

وفي حين بدت هذه هي القنبلة الأولى التي فجرها المشهداني في وجه الشركاء الذين كانوا يتصورون أنه سيكون رئيساً إجرائياً للبرلمان، فإن القنبلة الثانية هي ترؤسه اجتماعاً لعدد من القيادات السنية انتهى بالإعلان عن تشكيل ائتلاف سُمي «ائتلاف القيادة السنية الموحدة» الذي ضم، بالإضافة إليه، كلاً من: خميس الخنجر زعيم «تحالف السيادة»، ومثنى السامرائي رئيس «تحالف عزم»، وأحمد الجبوري «أبو مازن» رئيس «تحالف الجماهير»، وزياد الجنائي رئيس «تحالف المبادرة»، بينما لم يحضر الحلبوسي زعيم حزب «تقدم» مع أنه يعدّ أحد أبرز داعمي المشهداني.

وطبقاً لما جرى، فإن المشهداني بدا، عبر ما طرحه على صعيد «التسوية الوطنية» مع الشركاء الشيعة، وتوحيد البيت السني مع القيادات السنية، أنه ليس في سلة أحد، خصوصاً بعدما وُصفت تحركاته هذه بأنها «نوع من التمرد».

زعيم حزب «تقدم» محمد الحلبوسي ورئيس «منظمة بدر» هادي العامري يتوسطان نواباً عراقيين بعد انتخاب المشهداني (إكس)

وفي وقت أعلن فيه زعيم «تحالف عزم»، مثنى السامرائي، أن الدعوة لتشكيل الائتلاف السني الجديد كانت من رئيس البرلمان الدكتور المشهداني، فإنه، وطبقاً لما كشف عنه سياسي بارز، توجد جهود لضم الحلبوسي إلى هذا الائتلاف.

زعيم سني بارز أكد لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الكشف عن اسمه، أن «هذا الائتلاف الجديد بمثابة خيمة للمكون السني بعد سنوات من التشتت والضياع. وفي وقت توجد فيه للشركاء الآخرين، وأقصد الشيعة والكرد، مرجعيات، يبدو البيت السني أوهن من بيت العنكبوت».

ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت لهذا الائتلاف علاقة بموعد الانتخابات الذي بدأ يقترب نسبياً، قال السياسي البارز إن «هذا الائتلاف ليس تحالفاً انتخابياً مطلقاً؛ بل هو مرجعية للمكون السني، بل وخيمة له».

وبشأن غياب أبرز حزب سني عن هذا الائتلاف وهو حزب «تقدم» قال: «أؤكد لك أن هذا الائتلاف سوف يضم الجميع دون استثناء»، مبيناً أن «جهوداً كبيرة تبذل حالياً للتواصل مع (تقدم) وزعيمه الحلبوسي من أجل الانضمام إلى هذا الائتلاف».