إسرائيل ترفض الاعتراف بقدرات «حزب الله»

رغم العمليتين النوعيتين في يوم واحد

وزير الدفاع الإسرائيلي متفقداً معسكر بنيامينا الذي استهدفه «حزب الله» (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي متفقداً معسكر بنيامينا الذي استهدفه «حزب الله» (د.ب.أ)
TT

إسرائيل ترفض الاعتراف بقدرات «حزب الله»

وزير الدفاع الإسرائيلي متفقداً معسكر بنيامينا الذي استهدفه «حزب الله» (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي متفقداً معسكر بنيامينا الذي استهدفه «حزب الله» (د.ب.أ)

على الرغم من اليوم الدامي بشكل خاص على الجيش الإسرائيلي، الذي اعترف فيه بمقتل 4 من جنوده وإصابة نحو 90 آخرين، جروح 12 منهم بليغة في ضربتين لـ«حزب الله»، رفضت تل أبيب، حكومة وجيشاً وصحافة، الاعتراف بوجود قدرات قتالية لدى «حزب الله»، عادّة نجاحه في تنفيذ العمليتين النوعيتين خلال ساعات «مجرد خلل فني وقع من جراء أخطاء إنسانية في الجيش».

وقال الناطق العسكري العميد دانيال هاغاري، إن «الجيش مدرك أنه في حرب، وهو ينزل ضربات مميتة بالعدو، ويتأسف لذوي الضحايا، ويجري تحقيقات معمقة لمعرفة سبب الخلل الذي منعنا من إجهاض هجمات (حزب الله). نحن مصممون على الاستمرار في إنزال أشد العقوبات به». وبالفعل، شنت طائرات إسرائيلية، الاثنين، غارات مكثفة على بلدات وقرى القطاع الغربي في جنوب لبنان، بينما أعلن «حزب الله» التصدي لقوات من الجيش الإسرائيلي خلال محاولات التوغل.

وقال إنه استهدف تحركات لقوات إسرائيلية في خلة وردة، ومنطقة اللبونة «بصلية صاروخية»، كما استهدف قوة مشاة إسرائيلية بقذائف المدفعية أثناء محاولتها التسلل إلى الأراضي اللبنانية من جهة بلدة مركبا.

وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي ارتبكت من عدد الإصابات الكبير وغير المسبوق، في وقت كان فيه قادة الجيش يتحدثون عن تدمير «النواة الصلبة» للقدرات الصاروخية لـ«حزب الله».

وفي جلسة الحكومة، صباح الأحد، كان وزير الدفاع يوآف غالانت صرح بأنه «لم يتبقَّ لدى (حزب الله) سوى ثلث ترسانته الصاروخية متوسطة وقصيرة المدى». وقال إن «التقديرات تشير إلى أن (حزب الله) لديه الآن ترسانة من الصواريخ متوسطة المدى، تتراوح ما بين 20 في المائة و30 في المائة».

وفي الوقت الذي تكلم فيه غالانت، وقعت الضربة الأولى، وبعد ساعات الضربة الثانية. والضربة الأولى، لم يجرِ الحديث عنها موسعاً، مع أنها عُدّت «قاسية جداً».

ضربة زرعيت

في ساعات الظهيرة، تم نقل 25 جندياً مصاباً، وصفت 3 إصابات منها بأنها قاسية و7 متوسطة، إلى 3 مستشفيات من جراء استهدافهم بصواريخ مباشرة. وبحسب النشر العبري، كان الجنود يتجمعون في بلدة زرعيت الإسرائيلية، يستعدون لدخول الأراضي اللبنانية، للقيام بمهمة «تطهير المنطقة من حزب الله»، بعدما كانت الطائرات قد أغارت عليها ودمرتها من الجو. وفجأة يتضح أن عناصر «حزب الله» موجودون بكامل عتادهم قادرون على إصابة الإسرائيليين في ثكناتهم.

ضربة بنيامينا

وأما الضربة الثانية فجاءت في القاعدة العسكرية الكبيرة بوادي عارة، قرب بلدة بنيامينا جنوب حيفا، في السابعة مساء. فعندما كان مئات الجنود يملأون قاعة الطعام لتناول العشاء، اقتحمت طائرة «مسيرة» سقف القاعة وانفجرت في الحاضرين. فقتل 4 جنود، وأصيب 12 جندياً بجروح بليغة، والباقون بهم جروح متوسطة وخفيفة.

رواية مصاب

وروى أحد الجنود المصابين في المستشفى ما جرى لهم قائلاً: «عبرنا كابوساً خطيراً. كنا نستعد لتناول الطعام. فجاء الانفجار مدوياً. تطاير الجنود. الجميع يصرخون. الجرحى يئنون وجعاً. وكان علينا أن نضمن علاج المصابين بإصابات قاسية».

عشرات سيارات الإسعاف نقلت الجنود المصابين إلى المستشفيات (أ.ف.ب)

وقد نسوا في إسرائيل الضربة الأولى، وراحوا يركزون الاهتمام على الضربة الثانية، لأنها أثارت ضجيجاً كبيراً في البلاد. فالضربة وقعت في قاعدة كبيرة تضم بضعة آلاف من الجنود الشبان صغيري السن، الذين ما زالوا في مراحل التدريب. وقد أصيب ذووهم بالقلق عليهم، في حين صمت الناطق بلسان الجيش عدة ساعات. وراحوا يتصلون بأبنائهم، والكثيرون أصابهم الشك بإصابة أولادهم، خصوصاً الذين لم يردوا على اتصالاتهم.

واضطر كثير من الأهالي للذهاب إلى القاعدة، ومن هناك إلى المستشفيات المنتشرة من الشمال وحتى تل أبيب. ومضى وقت طويل، حتى توضحت الصورة، إذ أدرك الجيش خطورة الفوضى وأتاح لكل جندي الحديث مع أهله.

وفي هذه الدوامة، بدأ الأهالي يتساءلون: أين الحديث عن تدمير معظم قوة «حزب الله»؟ وما حقيقة ما يجري؟ أين هو الجيش الذي تمكن من اغتيال حسن نصر الله وغالبية قيادة الحزب؟

هدف دقيق للغاية

وفي هذه الأثناء، يواصل الجيش التعامل مع العمليات على أنها «أخطاء فاحشة ينبغي التحقيق فيها، لكنها تقع في الحروب»، و«نحن مصرون على تدمير قدرات (حزب الله)». ويتبين من التحقيقات الأولية في عملية قصف معسكر بنيامينا أنها تمت وسط إطلاق مجموعة من الصواريخ سوية مع طائرتين مسيرتين انتحاريتين. وقد غطت الصواريخ على الطائرتين. وشوشت على الرادارات. فراحت تلاحق واحدة منهما بينما الثانية اختفت. ووصلت إلى هدفها، من دون أن يكتشف أي أثر لها فلم تطلق صفارات الإنذار. وهو هدف دقيق للغاية، في قلب قاعدة عسكرية تبعد 70 كيلومتراً عن الحدود مع لبنان. وقد ادعت مصادر في لبنان أن هذه الضربة استهدفت رئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي. لكن تبين أن هليفي كان في مكان آخر.

فشل الرصد

ويحقق الجيش الإسرائيلي حالياً في أسباب فشل منظوماته في رصد المسيرة التي أصابت الموقع في بنيامينا، ويحقق في معلومة تقول إن المسيرة رُصدت في منطقة نهريا، وتمكّنت من تجاوز أنظمة الرادار والمراقبة، وأكملت طريقها إلى بنيامينا، من دون أن تُكتشَف.

وزير الدفاع الإسرائيلي في معسكر بنيامينا الذي استهدفه «حزب الله» (د.ب.أ)

كما يحقّق الجيش الإسرائيليّ في سبب عدم تفعيل صافرات الإنذار في المنطقة المستهدَفة، قبل انفجار المسيّرة. ويبحث تحقيق الجيش فيما إذا كانت المسيّرة التي أُطلقت الإنذارات في منطقة نهريا وعكا بسببها، عند الساعة 6:45 من مساء الأحد، هي المسيّرة ذاتها التي انفجرت قرب وادي عارة في منطقة بنيامينا، بعد نحو نصف ساعة، عند نحو الساعة 7:15 مساءً، أم لا. ويفيد التحقيق الأوليّ بـ«انقطاع الاتصال بالطائرة من دون طيّار، التي عبرت منطقة نهريا وعكا». وأكّد التحقيق أنه «لم يتم رصد الطائرة من دون طيّار، من قبل أنظمة الكشف، ولم يطلَق إنذار واحد، ولم تكن هناك أي محاولات لاعتراضها»، وفق إذاعة الجيش الإسرائيلي.

وقالت الإذاعة الرسمية إن الجيش الإسرائيلي فشل في رصد المسيّرة، التي حلّقت «على ارتفاع منخفض جداً»، ويبدو أنها «لم تكن تحمل كمية كبيرة من المتفجرات، لكنها أصابت جمعاً كثيفاً من الناس، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا».

وذكر شهود عيان أنهم رأوا الطائرة المسيّرة، تحلق على ارتفاع منخفض للغاية، و«تخدش (تكاد تلامس) أسطح المنازل»، على حد تعبيرهم، بحسب ما أوردت القناة 12. وذكرت القناة 12 أنه «تم إطلاق طائرتين من دون طيار من لبنان، وتم اعتراض إحداهما، لكن الأخرى انفجرت في منطقة بنيامينا دون إطلاق إنذار في المنطقة».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي صورة نشرها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي للمسيّرة «صياد 107»

ماذا تعرف عن مُسيّرة «حزب الله» التي انتحرت في بنيامينا؟

انشغلت الأوساط الأمنية الإسرائيلية بمحاولة معرفة طراز مسيّرة «حزب الله» الانقضاضية، التي استهدفت معسكراً للجيش الإسرائيلي في بنيامينا جنوب مدينة حيفاً.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات

«الشاباك» يكشف خطة اغتيالات إيرانية عبر تجنيد إسرائيليين

أعلن مسؤول رفيع في جهاز «الشاباك» أن هناك دائرة استخباراتية في «الحرس الثوري» الإيراني حاولت تجنيد مئات الإسرائيليين اليهود بهدف تنفيذ اغتيالات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي دمار خلفه القصف الإسرائيلي على النبطية جنوب لبنان (رويترز)

إسرائيل لتدمير شريط القرى اللبنانية الحدودية

قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أمس، إن الجيش الإسرائيلي عازم على تدمير شريط القرى اللبنانية المحاذية للحدود، بوصفها «هدفاً عسكرياً».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية جندي يقف أمام منصة صواريخ لمنظومة «ثاد» بعد وصول تعزيزات أميركية إلى منطقة الشرق الأوسط أكتوبر العام الماضي (الجيش الأميركي)

واشنطن تزوّد تل أبيب بمنظومة صواريخ «ثاد» مع مشغليها

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أمس (الأحد)، نشر نظام أميركي مضاد للصواريخ في إسرائيل سيشغله عسكريون أميركيون بعد الهجوم الصاروخي الإيراني.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

تقرير: هجوم «حزب الله» على القاعدة العسكرية الإسرائيلية يُظهر ضعفاً في مواجهة المسيّرات

جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
TT

تقرير: هجوم «حزب الله» على القاعدة العسكرية الإسرائيلية يُظهر ضعفاً في مواجهة المسيّرات

جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)

سلّطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية الضوء على الهجوم الذي شنّه «حزب الله» اللبناني بمسيّرة على قاعدة للجيش الإسرائيلي في بنيامينا جنوب مدينة حيفا، الأحد، وقُتل فيه 4 جنود، وأُصيب نحو 90 آخرين.

وذكرت الصحيفة أن خبراء يقولون إن إسرائيل لديها واحداً من أفضل الدفاعات في العالم ضد الصواريخ والقذائف، لكنه ليس فعالاً في كشف الطائرات من دون طيار الأبطأ حركةً.

ولفتت إلى أن الشرطة الإسرائيلية قالت إنه قبل دقائق من الهجوم أخطرت القوات الجوية بتقارير عن طائرة مشبوهة، وقيل لها ألا تقلق؛ لأن الطائرة إسرائيلية، مما دفعها إلى إلغاء البلاغ، ولكن ظهر أن تقييم القوات الجوية كان خاطئاً، فبعد لحظات قُتل 4 جنود، وأُصيب العشرات في الهجوم الذي هو الأحدث من بين العديد من الضربات الأخيرة، بطائرات من دون طيار التي سلّطت الضوء على نقاط الضعف في الطريقة التي تكتشف بها إسرائيل تلك الطائرات.

ففي يوليو (تموز) ضرب الحوثيون مبنى سكنياً في تل أبيب، مما أسفر عن مقتل مدني واحد، وكذلك ضرب «حزب الله» الأسبوع الماضي دار رعاية شمال تل أبيب، مما تسبّب في أضرار، ولكن لم تقع إصابات. وفي وقت سابق من هذا العام، بثّ «حزب الله» لقطات تم التقاطها بواسطة طائرة من دون طيار حلّقت فوق منشآت حساسة في حيفا، دون اكتشافها.

وسلّط الهجوم الأخير على القاعدة جنوب مدينة حيفا الضوءَ على كيفية احتفاظ «حزب الله» بالقدرة على الإضرار بإسرائيل، على الرغم من الهجمات الإسرائيلية المدمّرة على قياداته وبنيته التحتية، كما أشار إلى أوجه القصور الدفاعية الإسرائيلية، مما دفع الجيش إلى فتح تحقيق، واعتراف المتحدث باسمه بأنه «يجب أن نقدم دفاعاً أفضل».

دخان وآثار عبور صواريخ أطلقها «حزب الله» باتجاه حيفا وأسقطتها القبة الحديدية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

ولفتت الصحيفة إلى تسبّب هجمات الطائرات من دون طيار في إثارة القلق بإسرائيل، بينما تستعدّ لتصعيد محتمل مع إيران التي أطلقت صواريخ باليستية قبل أسبوعين، ومن المتوقع على نطاق واسع أن ترد إسرائيل، وهو الرد الذي قد يدفع إيران إلى إطلاق المزيد من الصواريخ والطائرات من دون طيار.

وفي حين تمتلك إسرائيل نظاماً رائداً عالمياً لكشف واعتراض الصواريخ بسرعة تزيد عن 1000 ميل في الساعة، فقد وجدت أنظمتها الرادارية صعوبةً في رصد الطائرات من دون طيار التي تتحرك أحياناً بسرعة أبطأ من 100 ميل في الساعة.

ووفقاً للصحيفة، غالباً ما تحتوي الطائرات من دون طيار على معادن أقل، وتنبعث منها حرارة أقل من الصواريخ والقذائف عالية السرعة، مما يعني أنها لا تطلق دائماً تنبيهات، وحتى عندما يتم رصدها فإن الطائرات من دون طيار المعادية تخطئ أحياناً في عَدِّها طائرات إسرائيلية، بما في ذلك الطائرات الخاصة الصغيرة؛ لأنها تحلّق على ارتفاعات وسرعات منخفضة مماثلة.

وقال رئيس قسم الطائرات من دون طيار السابق في سلاح الجو الإسرائيلي، عوفر هاروفي: «كل الأنظمة التي لدينا في العالم الغربي، وليس إسرائيل فقط، مصمّمة للدفاع عن المجال الجوي، أو حمايته من الطائرات المقاتلة والصواريخ العادية، ونحن بحاجة إلى إعادة تصميم جزء من هذه الأنظمة حتى تتمكّن من رؤية وكشف وتتبّع هذا النوع من الأهداف البطيئة الحركة».

وكذلك أكّد الخبراء أن نظام إسرائيل المضاد للطائرات من دون طيار على وجه الخصوص يتطلّب تحسيناً.

وقال رئيس شركة «آر2 وايرليس أون فينج»، التي تصمّم أنظمة كشف الطائرات من دون طيار، وتعمل مع الجيش الإسرائيلي، إن كل هذه الأنظمة لها مزايا وعيوب، وتحتاج إسرائيل إلى الجمع بينها من أجل بناء نظام كشف طائرات من دون طيار أكثر قوةً، و«لا يوجد حل سحري إذا تم تنفيذه من شأنه أن يحل جميع مشاكلك، لكننا بحاجة إلى تغيير كامل في طريقة التفكير».