مرة أخرى، تكشف الاستخبارات الإسرائيلية تجنيد مواطنين عرب (فلسطينيي 48) في خلايا تنفِّذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. وهذه المرة، ادعت أجهزة الأمن الإسرائيلية أن خلية جديدة خططت لتفجير شاحنة مفخخة في أضخم برجين من أبراج تل أبيب. وبناءً على اقتراح الوزير اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، وافق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على إجراء بحث حول تشديد العقوبات في مثل هذه الحالات لتشمل هدم بيوت المتورطين، وترحيل عائلاتهم إلى خارج إسرائيل.
وتثير هذه العمليات والإجراءات الحكومية العقابية قلقاً شديداً لدى القيادات الوطنية لفلسطينيي 48. فمن جهة، يدين هؤلاء القادة الإسرائيليين بسبب «حربهم العدوانية الوحشية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني»، ومن جهة ثانية، يدينون أيضاً «محاولات تجنيد مواطنين عرب في إسرائيل للمشاركة في كفاح مسلح» ضد الدولة العبرية، ومن جهة ثالثة، يشعرون بأن اليمين الإسرائيلي يتلذذ بالعمليات الفردية التي يقوم بها نفر قليل من العرب، ويحاول استغلالها لتنفيذ مخططه القديم الهادف إلى ترحيل الفلسطينيين من أرضهم. وفي هذا الإطار، يقول النائب أيمن عودة، رئيس تكتل الجبهة العربية للتغيير في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، إن «اليمين يعد بقاء فلسطينيين في الوطن من أيام النكبة، خطأً استراتيجياً فاحشاً للحركة الصهيونية، ويريد تصحيحه اليوم بالتفتيش عن حجج يتذرع بها للعودة إلى الترحيل، ويجد في العمليات المسلحة الفردية والنادرة التي يقوم بها بعض أبنائنا المضللين فرصة لتحقيق أهدافه، ونحن نحارب هذه العمليات، ونتوجه إلى كل التنظيمات المسلحة في الخارج أن تكف عن تجنيد مواطنين عرب، ونؤكد لها: نحن نخوض معركة بقاء في الوطن، وأنتم تساعدون اليمين الذي يريد ترحيلنا».
وكانت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك)، قد أعلنا، الخميس، في المحكمة المركزيّة في مدينة اللّد، عن إحباط هجوم خطط له 5 مواطنين من مدينة الطيبة. والهجوم، بحسب بيان رسمي، استهدف تدمير برجي «عزرئيلي»، وهما أضخم برجين في تل أبيب، حيث يضمان مجمعاً تجارياً كبيراً وفندقاً ومنازل فخمة، ويقعان على مسافة مئات الأمتار من مقر وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش وعدة مكاتب حكومية أخرى. وقد تم اعتقال 5 شبان من مدينة الطيبة، تتراوح أعمارهم بين 24 و34 عاماً، وبعد شهر من التحقيقات السرية معهم، اعترفوا بأنهم ينتمون إلى تنظيم «داعش». وجاء في لائحة الاتهام: «في إطار أنشطتهم في المنظمة، تابع المتهمون منشورات (داعش) على وسائل التواصل الاجتماعي، وتابعوا أخبار المنظمة، ونقلوا محتوى، وأعربوا عن دعمهم المنظمة وآيديولوجيتها، وقام بعضهم بأداء القسم للمنظمة، وذلك رغم علمهم أنها منظمة إرهابيّة غير قانونيّة، ويعد ذلك جزءاً من مرحلة تمهيدية للقيام بجهاد وقتال بطرق عنيفة وفقاً لرؤية (داعش)».
كما قالت النيابة في لائحة الاتهام: «شاهد المتهمون مقاطع فيديو تتضمّن تصنيع عبوات ناسفة، وتحضير مواد متفجرة، وأحدهم عبّر عن نيته تدمير أبراج عزرائيلي باستخدام سيارة مفخّخة، وذلك بسبب غضبه من تصريح الوزير بن غفير حول بناء الهيكل الثالث في الأقصى. فيما بعد، قرر أيضاً تنفيذ هجوم في إسرائيل باسم تنظيم (داعش)». واسترسلت النيابة في لائحة الاتهام: «عقد بعض المتهمين محادثات واجتماعات مع نشطاء مؤيدين لـ(داعش) خارج حدود دولة إسرائيل، وتحدثوا عن نيّتهم المشتركة لتنفيذ هجوم مسلّح في إسرائيل ضدّ مواطنيها باسم (داعش)، وتحدثوا أيضاً عن أن العقيدة الصحيحة هي الموت شهيداً».
كما جاء في لائحة الاتهام: «خلال شهر يونيو (حزيران) 2024، قرّر أحد المتهمين إنشاء خلية عسكريّة تهدف إلى تنفيذ هجمات في دولة إسرائيل، متخفياً تحت غطاء مجموعة لدراسة دين الإسلام. في هذا الإطار، تآمر متهمان لتنفيذ هجوم في إسرائيل باسم (داعش)، بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المواطنين. ناقش الاثنان خطة الهجوم، بينما تركا هاتفيهما في السيارة. ثم قررا أنه من الأفضل لهما تنفيذ هجوم باستخدام شاحنة مفخخة بدلاً من هجوم بالأسلحة النارية. شاهد الاثنان فيديو لهجوم نفذه تنظيم (داعش) ومقاطع فيديو توضّح كيفية صناعة المتفجرات، وتحدثا أيضاً عن كمية المواد المتفجرة اللازمة لسقوط البرجين، وعن كيفية وقوف الشاحنة المفخخة بجوار أعمدة البرجين في الموقف، بحيث يؤدي الانفجار ودرجة الحرارة العالية الناتجة إلى إذابة الأعمدة ما يؤدي إلى انهيار البرجين، وبالتالي زيادة الأضرار الناتجة عن الهجوم. كما اتفق المتهمان على أنهما سيصوران فيديو لإعلان المسؤولية، لمنع أي تنظيم آخر من إعلان المسؤولية، ولتوضيح أن الهجوم نُفِّذ من قبل قوّات من (داعش)».
لكن المحامي شعاع مصاروة منصور، الذي يترافع عن قسم من المعتقلين، والتقى بعضهم، عدَّ لائحة الاتهام مضخمة ومبالَغا فيها، حيث قال: «بعد تسلُّم مواد التحقيق والأدلة سنرد على الموضوع بشكل مفصل، والأمر الأكيد أن الشباب ينكرون ما نُسب لهم، كما أن قسماً منهم، حينما طُرحت الفكرة للعملية، رفضوا الأمر كلياً».
بيد أن قائد لواء المركز في الشرطة، يائير حتسرونيا، عدَّها «قضية أمنية خطيرة»، وقال: «بفضل تحقيق مشترك ومهني بين الشرطة و(الشاباك)، منعنا كارثة كبيرة، وأنقذنا كثيراً من الأرواح». وطلب وزير الأمن الداخلي، بن غفير، في جلسة للحكومة المصغرة «التعامل مع هؤلاء المتهمين مثلما يتم التعامل مع الإرهابيين الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة»، أي بهدم بيوت أهاليهم وترحيلهم، وذلك لردع مواطنين آخرين. وقد وافق نتنياهو على إجراء بحث في هذا الموضوع في جلسة مقبلة؛ لأن «هناك محاولات عدة كشفت وتدل على أن تنظيمات «حماس» و«حزب الله» و«داعش» تسعى لتجنيد عرب إسرائيل في الحرب ضدنا». وقصد بذلك عملية الطعن التي نفذها شاب من أم الفحم في مدينة الخضيرة اليهودية، وعملية دهس نفذها شاب من رهط في الجنوب.
يذكر أن الأحزاب العربية الوطنية القومية واليسارية والإسلامية في إسرائيل ترفض إقحام المواطنين العرب في الصراع العسكري. وهي تعارض تجنيد مواطنين عرب في الجيش الإسرائيلي من جهة، وفي تنظيمات مسلحة فلسطينية وعربية أخرى في أي عمل مسلح ضد إسرائيل، من جهة ثانية. وفي أواسط السبعينات اجتمع قادتهم السياسيون مع الرئيس ياسر عرفات في العاصمة التشيكية براغ، وتوجهوا إليه بطلب رسمي بذلك. وبعد نقاشات وحوارات كثيرة، وافق عرفات على استثناء فلسطينيي 48 من العمل المسلح. وفي شهر مايو (أيار) من سنة 2022 دار صدام كلامي علني بين رئيس الشق الجنوبي من الحركة الإسلامية في إسرائيل، النائب في الكنيست منصور عباس، وبين رئيس حركة «حماس» في غزة آنذاك، يحيى السنوار، تَطَرَّقَ إلى هذه المسألة.