تحديات ما بعد «نصر الله»... «حزب الله» على مفترق طرق

أشخاص بالمركز الثقافي الإيراني خلال تأبين لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله في كويتا - باكستان 3 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
أشخاص بالمركز الثقافي الإيراني خلال تأبين لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله في كويتا - باكستان 3 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

تحديات ما بعد «نصر الله»... «حزب الله» على مفترق طرق

أشخاص بالمركز الثقافي الإيراني خلال تأبين لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله في كويتا - باكستان 3 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
أشخاص بالمركز الثقافي الإيراني خلال تأبين لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله في كويتا - باكستان 3 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

شكَّلت شخصية حسن نصر الله رمزاً قيادياً بارزاً لجماعة «حزب الله» اللبنانية؛ ما جعل البعض ينظر إلى أن رحيله سيترك فراغاً كبيراً في الحزب، لتثار بذلك تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحزب، ودوره في لبنان والمنطقة، وكيفية تعامله مع التحديات المقبلة.

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني «تشاتام هاوس»، يقول بلال صعب، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد، إنه بغض النظر عن مدى قوة صفوف «حزب الله»، فإن مقتل قائده الأعلى حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية على الضواحي الجنوبية لبيروت يعدّ ضربة قاسية للمنظمة، وبلا شك أسوأ ضربة في تاريخها، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

صورة التُقطت خلال جولة صحافية نظمها المكتب الإعلامي لجماعة «حزب الله» تظهِر صورة للأمين العام الراحل للحزب حسن نصر الله معلقة على مبنى متضرر بعد غارة عسكرية إسرائيلية ليلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان 2 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

وقد مرّ «حزب الله» بلحظات من الخطر منذ تأسيسه في عام 1982. وخاض حرباً ضد إسرائيل، واحدة من أقوى جيوش العالم، لأكثر من 18 عاماً لتحرير جنوب لبنان، وهو ما تحقق أخيراً في عام 2000.

في عام 2005، فقد «حزب الله» رعاية سوريا المباشرة بعد أن اضطرت الأخيرة إلى سحب قواتها من لبنان في أعقاب الانتفاضة الشعبية اللبنانية وضغوط دولية بقيادة الولايات المتحدة. وكان على الحزب التكيف داخلياً، وبدلاً من السعي إلى تحقيق الوحدة اللبنانية، اختار استبدال الحكم السوري للبنان ليحل محله حكمه الخاص، وهو أمر ليس سهلاً أو حكيماً نظراً للتكوين الطائفي في لبنان ونظام التوازنات الذي يحبط محاولات أي جماعة للهيمنة على السياسة في بيروت.

ثم في عام 2006، اندلع صراع «حزب الله» مع إسرائيل لمدة 34 يوماً. وكان هذا صراعاً من الصعب جداً التعافي منه نظراً للخسائر الهائلة والدمار الذي خلفه في لبنان، خصوصاً في قاعدة الدعم الشيعية للحزب.

وبعد ست سنوات، اضطر «حزب الله» إلى التدخل في صراع سوريا لإنقاذ حليفه الرئيس السوري بشار الأسد؛ ما أدى إلى خسارة عدد كبير من رجاله وفقدان شعبيته بين العرب.

وطوال مواجهته مع الدولة اليهودية، تم القضاء على شخصيات بارزة من الحزب، بما في ذلك عباس الموسوي، وعماد مغنية، ومصطفى بدر الدين وفؤاد شكر على يد الجيش الإسرائيلي.

ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي سمح لجماعة «حزب الله» بتجاوز هذه العواصف والحفاظ على تماسكه الداخلي هو نصر الله نفسه. وليس من المبالغة القول إنه كان العقل والعمود الفقري والقلب النابض لجماعة «حزب الله». ومن دونه، من الصعب جداً أن نرى كيف سيفكر «حزب الله» ويتحرك، ويلهم كما كان يفعل قبل أن يستهدف طيران إسرائيلي مقرّه في الضاحية.

وامتدت تأثيرات نصر الله وشعبيته إلى ما هو أبعد من حدود لبنان. وكان اسمه يردد بين الشيعة من أفغانستان إلى اليمن. كان نفوذه داخل النظام الإيراني كبيراً لدرجة أنه فاق حتى مستشاري المرشد علي خامنئي المقربين. وحتى أعداؤه الأشداء في إسرائيل والغرب كانوا يحترمونه لقدراته الخطابية، ومهاراته التنظيمية، وذكائه الاستراتيجي، وفق بلال صعب.

ولفترة طويلة، كان نصر الله، يعرف كيف يقرأ إسرائيل وحكومتها وجيشها ومجتمعها. وكان يعرف، أو على الأقل كان يعتقد أنه يعرف، نقاط ضعفها وحدودها، التي كان يسعى لاستغلالها من أجل البقاء وحتى الازدهار.

لكنه فشل في رؤية أن إسرائيل اليوم تختلف كثيراً عن أي وقت مضى. فشل في رؤية أن هذه الحكومة الإسرائيلية هي حكومة لا مثيل لها، فهي الأكثر تطرفاً وعدوانية في تاريخ الدولة اليهودية. وفشل في فهم أنه بغض النظر عمن كان في السلطة في إسرائيل، فإن أي قائد لن يقبل بتقليص سكان معظم شمال إسرائيل بسبب هجمات جماعة «حزب الله» الصاروخية.

ويقول صعب إن قرار نصر الله بدعم «حماس» في غزة وفتح جبهة ضد إسرائيل في 8 أكتوبر (تشرين الأول) كان مقامرة، وقد فشل فشلاً ذريعاً. ولم يدعم «حماس» بأي شكل ذي معنى، حيث تم تدمير «حماس» عسكرياً حالياً، لكنه جلب الخراب لجماعة «حزب الله» وكالعادة، لــلبنان ككل. والقول بأن نصر الله أخطأ في حساباته سيكون تبسيطاً فظاً، وكان خطؤه قاتلاً، حسب الخبير بلال صعب.

وسواء في الأعمال أو الحكومة أو الجيش، من الصعب للغاية إدارة منظمة تضم مئات الآلاف من الأشخاص، ناهيك عن منظمة تكون دائماً في حالة حرب أو تبحث عن المعركة التالية. لكن نصر الله لم يجعل الأمور أسهل باختياره الانقسام اللبناني على الوحدة وبإيجاد أعداء أكثر من الأصدقاء.

أشخاص يحملون صور الأمين العام لجماعة «حزب الله» حسن نصر الله خلال مظاهرة في تونس مناهضة لإسرائيل بعد اغتيال إسرائيل نصر الله 2 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

ويرى صعب أن خطاب نصر الله الانقسامي وغير المتسامح وتكتيكاته ورؤيته جعلت من السهل على إسرائيل تجنيد جواسيس لبنانيين، وربما حتى داخل الجماعة. وحتى في أسوأ كوابيس نصر الله، لم يكن ليتخيل أن منظمته ستتعرض للاختراق بهذا العمق من قِبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. لكن هذا هو بالضبط ما حدث.

ويقول صعب إن ما سيحدث في اليوم التالي لجماعة «حزب الله» يظل غير مؤكد بشكل كبير. وهناك عملية تقنية، ولكن هناك أيضاً عملية سياسية - استراتيجية.

الأولى أدت إلى اختيار هاشم صفي الدين لخلافة نصر الله. على الرغم من أن صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي لجماعة «حزب الله»، سيجد من المستحيل عملياً ملء مكان نصر الله، فإنه الخيار الأفضل بين كبار المسؤولين المتبقين في الجماعة.

ولن ينهار الحزب على الفور، حيث لا يزال لديه مئات الآلاف من المقاتلين والصواريخ، لكن من أجل البقاء، سيكون مضطراً إلى التكيف. وقد يتحول كياناً سياسياً ويسلم أسلحته إلى الجيش اللبناني، وبالتالي يكسب دعم جميع اللبنانيين. أو قد يظل على المسار ذاته ويخاطر بتدمير نفسه أكثر.

ويخلص صعب إلى أن ما سيقرره «حزب الله» سيكون له تداعيات طويلة المدى، ليس فقط على مستقبله، بل أيضاً على مستقبل لبنان والمنطقة بأسرها.


مقالات ذات صلة

لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النار في جنوب لبنان تبدأ عملها 

المشرق العربي صورة وزعها الجيش اللبناني لانتشار وحداته في جنوب لبنان (مديرية التوجيه)

لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النار في جنوب لبنان تبدأ عملها 

تؤكد مصادر عسكرية لبنانية أن لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار بين إسرائيل و«حزب الله» بدأت فعلياً عملها على أن تعقد أول اجتماعاتها مطلع الأسبوع المقبل.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي مدنيون يعبرون الحدود مع سوريا مشياً بعد الضربة الإسرائيلية فجر الجمعة (أ.ب)

إجراءات أمنية لبنانية ‏مشددة شمالاً مواكبة للتطورات السورية

استنفرت الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية في الساعات الماضية لمواكبة التطورات المتسارعة في الداخل السوري خشية دخول مسلحين ونازحين إلى لبنان.

بولا أسطيح (بيروت)
خاص صورة جوية لمدينة صور وما أصابها من دمار بعد يوم واحد من سريان اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

خاص الحياة تعود تدريجياً إلى مدينة صور... وأبناؤها يلملمون خسائرهم

تعود الحياة تدريجياً إلى مدينة صور (جنوب لبنان)، رغم تدني مقومات العيش الأساسية بفعل انقطاع المياه وغياب التغذية الكهربائيّة

حنان حمدان (جنوب لبنان)
المشرق العربي مبانٍ مدمرة في قرية كفركلا بجنوب لبنان في 3 ديسمبر 2024 (أ.ب)

إصابة 5 أشخاص بجروح في غارة إسرائيلية على بلدة عيترون في جنوب لبنان

أصيب 5 أشخاص بجروح، اليوم (الجمعة)، جراء غارة إسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وفق وزارة الصحة اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع الرئيس المشارك لآلية تنفيذ ومراقبة وقف الأعمال العدائية الجنرال جاسبر جيفرز بحضور  سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون (رئاسة الحكومة)

خاص لجنة مراقبة وقف النار أمام اختبار لجم الخروقات الإسرائيلية

ينتظر أن تبدأ اللجنة الخماسية لمراقبة تطبيق اتفاقية وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، مهمتها بشكل عملي، منتصف الأسبوع المقبل، برئاسة الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز.

يوسف دياب (بيروت )

المفاجآت السورية تتلاحق... ودمشق تترقب حمص

عناصر في الفصائل المسلحة في مطار حماة العسكري أمس غداة السيطرة عليه (أ.ب)
عناصر في الفصائل المسلحة في مطار حماة العسكري أمس غداة السيطرة عليه (أ.ب)
TT

المفاجآت السورية تتلاحق... ودمشق تترقب حمص

عناصر في الفصائل المسلحة في مطار حماة العسكري أمس غداة السيطرة عليه (أ.ب)
عناصر في الفصائل المسلحة في مطار حماة العسكري أمس غداة السيطرة عليه (أ.ب)

شهدت سوريا في الساعات الماضية تطورات متسارعة زادت قتامة الصورة في دمشق التي خسرت معابر حدودية مع دول الجوار، وباتت تنتظر جلاء معركة حمص التي يُرتقب أن تكون حاسمة.

وفقدت حكومة الرئيس بشار الأسد، أمس، السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، بعدما سيطر عليه مسلحون من درعا جنوب البلاد. وتزامن ذلك مع خروج محافظة السويداء المجاورة عن سلطة الحكومة، بعد ساعات فقط من انسحاب جيشها من دير الزور ومعبر البوكمال الحدودي مع العراق شرقاً، في إطار تداعيات الهجوم المفاجئ للفصائل نحو دمشق. وخلّف انسحاب الجيش السوري فراغاً ملأته «قوات سوريا الديمقراطية» المتحالفة مع الولايات المتحدة، وهو ما يعني قطع طريق الإمداد بين طهران وبيروت.

وسيطر مسلحو الفصائل، أمس، على تلبيسة والرستن في إطار تقدمهم نحو حمص. وفي وقت قال فيه «المرصد السوري» إن القوات الحكومية انسحبت من حمص، نفى الجيش السوري ذلك. ويُعتقد أن معركة حمص قد تكون شديدة نتيجة وجود أحياء ومناطق علوية وشيعية فيها وفي محيطها. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، إن هدف الفصائل السيطرة على دمشق، متمنياً حصول ذلك بدون عراقيل. وفيما دعت روسيا مواطنيها إلى مغادرة دمشق، قال مصدر دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده لن تتدخل عسكرياً بشكل واسع في سوريا رغم التطورات المتسارعة.