خدمات الطوارئ اللبنانية مثقلة وتحتاج إلى معدات أفضل لإنقاذ الأرواح

مواطنون وفرق إنقاذ يبحثون عن ناجين بين الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على مبنيين في حي عين الدلب شرقي مدينة صيدا الساحلية الجنوبية في لبنان الأحد 29 سبتمبر 2024 (أ.ب)
مواطنون وفرق إنقاذ يبحثون عن ناجين بين الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على مبنيين في حي عين الدلب شرقي مدينة صيدا الساحلية الجنوبية في لبنان الأحد 29 سبتمبر 2024 (أ.ب)
TT

خدمات الطوارئ اللبنانية مثقلة وتحتاج إلى معدات أفضل لإنقاذ الأرواح

مواطنون وفرق إنقاذ يبحثون عن ناجين بين الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على مبنيين في حي عين الدلب شرقي مدينة صيدا الساحلية الجنوبية في لبنان الأحد 29 سبتمبر 2024 (أ.ب)
مواطنون وفرق إنقاذ يبحثون عن ناجين بين الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على مبنيين في حي عين الدلب شرقي مدينة صيدا الساحلية الجنوبية في لبنان الأحد 29 سبتمبر 2024 (أ.ب)

عندما قصفت إسرائيل مباني خارج مدينة صيدا في جنوب لبنان، سارع محمد أرقدان وفريقه إلى حالة طوارئ لم يروها من قبل. لقد انهار نحو اثنتي عشرة شقة على التل الذي كانت تطل عليه ذات يوم، مما أدى إلى دفن أكثر من 100 شخص.

حتى بعد 17 عاماً من عمله مع الدفاع المدني في واحدة من أكثر دول العالم التي تمزقها الحرب، صُدم أرقدان من حجم الدمار. بحلول ظهر يوم الاثنين، بعد نحو 24 ساعة من القصف، انتشل فريقه أكثر من 40 جثة من بين الأنقاض، إلى جانب 60 ناجياً، حسبما أفاد تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

قال أرقدان، 38 عاماً، إن جثث الأطفال حطمت قلبه، لكن عجْز فريقه المكون من أكثر من 30 من المستجيبين الأوائل عن المساعدة، زاد من ألمه. لم يتم استبدال سيارات الإطفاء وسيارات الإسعاف منذ سنوات. أدوات ومعدات الإنقاذ نادرة. يتعين على فريقه شراء زيهم الرسمي من مصروفهم الخاص. لقد تركت الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2019 في لبنان والانفجار الهائل لمرفأ بيروت في عام 2020، البلد يكافح من أجل توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والرعاية الطبية. وتركت الانقسامات السياسية البلاد التي يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة، دون رئيس أو حكومة عاملة لأكثر من عامين، مما أدى إلى تعميق الشعور الوطني بالتخلي، شعور وصل أيضاً إلى الرجال الذين يعتمد عليهم الناس في حالات الطوارئ.

وقال أرقدان: «ليس لدينا أي قدرات، ولا أي لوجيستيات... ليس لدينا قفازات، ولا معدات حماية شخصية».

عناصر من الدفاع المدني يعملون في موقع بعد ضربة عسكرية إسرائيلية في بيروت 1 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

قلبت الحرب لبنان مرة أخرى رأساً على عقب، مع الحملات الجوية المكثفة التي تشنها إسرائيل ضد «حزب الله» في البلاد. قُتل أكثر من 1000 شخص في غارات إسرائيلية منذ 17 سبتمبر (أيلول)، وفرّ مئات الآلاف من الناس من منازلهم، وفق وزارة الصحة اللبنانية. ونام النازحون على الشواطئ والشوارع.

وقالت «منظمة الصحة العالمية» إن أكثر من 30 مركزاً للرعاية الصحية الأولية حول المناطق المتضررة في لبنان قد أغلقت. وقالت إسرائيل، الثلاثاء، إنها بدأت عملية برية محدودة ضد «حزب الله»، وحذّرت الناس لإخلاء العديد من المجتمعات الجنوبية، ووعدت بمزيد من التصعيد.

وقال عمران رضا، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان، إن لبنان «يعاني من أزمات متعددة طغت على قدرة البلاد على التعامل معها». وأضاف أن الأمم المتحدة خصصت 24 مليون دولار لتمويل الطوارئ للمتضررين من القتال.

يكافح الطاقم الطبي المنهك للتعامل مع التدفق اليومي للمرضى الجدد. وبموجب خطط الطوارئ الحكومية، أوقفت المستشفيات والعاملون الطبيون العمليات غير العاجلة. الملاجئ الحكومية ممتلئة في محافظة صور الجنوبية، وقد فر العديد من الأطباء مع السكان. وفي النبطية، أكبر محافظة في جنوب لبنان، يقول مستجيبو الطوارئ إنهم يعملون على مدار الساعة منذ الأسبوع الماضي؛ للوصول إلى مئات الأشخاص الذين أصيبوا في التفجيرات التي ضربت عشرات القرى والبلدات.

بعد القصف في صيدا، انضم ما يقرب من 250 من المستجيبين الأوائل إلى فريق أرقدان، بما في ذلك وحدة بحث وإنقاذ متخصصة من بيروت، على بعد نحو 45 كيلومتراً إلى الشمال من صيدا. ولم يكن لدى فريقه المعدات الحديثة اللازمة لانتشال الناس من الكارثة.

قال أرقدان: «استخدمنا أدوات تقليدية مثل المقصات والكابلات والمجارف». يصرخ رجال الإنقاذ بين الفجوات في أكوام الأنقاض، بحثاً عن ناجين مدفونين في أعماق الأرض: «هل يوجد أحد هنا؟».

وقامت إحدى الحفارات بإزالة الحطام ببطء لتجنب اهتزاز أكوام الطوب والصلب المشوه. ولجأ العديد من الناس إلى مدينة صور القديمة، على بعد 20 كيلومتراً (12 ميلاً) شمال الحدود مع إسرائيل، معتقدين أنها من المرجح أن تكون بمنأى عن القصف.

الدفاع المدني اللبناني يزيل أنقاض مبنى مدمر ضربته غارات جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت الأربعاء 2 أكتوبر 2024 (أ.ب)

وقال حسن دبوق، رئيس وحدة إدارة الكوارث، إن أكثر من 8000 شخص وصلوا إلى صور. وقال إنه لم تكن هناك إمدادات مسبقة التخزين، مثل الحزمات الغذائية ومستلزمات النظافة والفراش، وإن رحلة الشاحنات المتحركة الآن محفوفة بالمخاطر. وقد حُرم المزارعون من الوصول إلى أراضيهم بسبب القصف، وتكافح البلدية لدفع الرواتب.

الوضع الإنساني كارثي وفي الوقت نفسه، تتراكم القمامة في الشوارع. وانخفض عدد عمال البلدية من 160 إلى 10. وقال دبوق: «الوضع الإنساني كارثي».

من جهته، قال وسام غزال، وهو مسؤول في وزارة الصحة في صور، إن خمسة فقط من أصل 35 طبيباً بقوا في أحد المستشفيات.

وأشار إلى أن ثمانية مسعفين في محافظة صور، بينهم ثلاثة من منظمة طبية تابعة لجماعة «حزب الله»، قُتلوا خلال يومين.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أصبحت مدينة صور نفسها محوراً للهجمات. وشنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجماتها بالقرب من أنقاض المدينة الساحلية الشهيرة، وعلى طول شواطئها وفي المناطق السكنية والتجارية، مما أجبر الآلاف من السكان على الفرار.


مقالات ذات صلة

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

المشرق العربي عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

تحاول المستشفيات في جنوب لبنان، النهوض مجدداً رغم الصعوبات، بعد انتهاء الحرب، بينما لا تزال مجموعة منها، لا سيّما الواقعة في القرى الحدودية، متوقفة عن العمل.

حنان حمدان (بيروت)
شؤون إقليمية جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

سلّم الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأحد)، قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) 7 لبنانيين كان يحتجزهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق بعد سقوط النظام، التقى رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)
المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي (الوكالة الوطنية)

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

لا تزال الحركة الناشطة على صعيد الملف الرئاسي «من دون بركة»، كما يؤكد مصدر معني بالمشاورات الحاصلة.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)

«النجوم تلمع أملاً» من أجل فنان لبنان المُلقى في النسيان

3 عقود في الإعلام والحوارات، جعلت اسم ريكاردو كرم اختزالاً للصدقية والشفافية. وبالتحاق الشغف والمحبة بالفضيلتَيْن المتراكمتَيْن، يضمن التجاوب وحماسة الخيِّرين.

فاطمة عبد الله (بيروت)

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

أعلن «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي للإدارة الذاتية وقوات «قسد»، الاستعداد للحوار مع تركيا بعدما أظهر الصراع الذي يدور في الشمال السوري ما قال مسؤوله إنه «نيات تركيا السيئة»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» ستُدمج في الجيش السوري.

وفي مقابل الحشد والتوعد التركي ضد المسلحين الأكراد، كشف رياض درار رئيس المكتب الاستشاري لمجلس «مسد» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المبعوثين الأميركي سكوت بولز ونظيره الفرنسي فابريس ديبليشان، يعملان على نزع فتيل الحرب مع تركيا وقال: «لأننا نريد فعلاً الوصول إلى استقرار، بالنسبة لتركيا وفصائلها فإنها تهدد بقتال الكرد وقوات (قسد)، حيث إن فصائل (فجر الحرية) لم تشارك في حملة دمشق، واكتفت باحتلال تل رفعت بريف حلب، وحيي الأشرفية وشيخ مقصود بحلب، حيث الغالبية الكردية».

ويرى هذا المسؤول البارز أن «أفضل طريق للسلام مع تركيا هو نزع السلاح من المناطق المهددة، والدخول في حوارات سياسية مباشرة» في إشارة إلى مدينة عين العرب الواقعة بالريف الشرقي لمحافظة حلب شمالاً.

وقال درار: «حتى لا يبقى لدى تركيا حجج وذرائع لهجوم كوباني لأنها رمز للحرية والمقاومة، يريدون كسر إرادتها، وأنقرة تحرض هذه الفصائل على القتال، كما فعلوا في منبج عندما دخلوها ونهبوها».

أفراد من «قسد» خلال تشييع خمسة عناصر قُتلوا في منبج بمواجهات مع فصائل تدعمها تركيا (أ.ف.ب)

ولطالما هددت تركيا بسيطرة فصائل «فجر الحرية» الموالية لها على مدينة عين العرب «كوباني» الواقعة على بعد نحو 160 كيلومتراً شرق محافظة حلب، واستقطبت هذه المدينة الملاصقة للحدود السورية - التركية اهتماماً عالمياً بعد هجوم واسع نفذه «تنظيم داعش» في محاولته للسيطرة عليها في 2 يوليو (تموز) 2014، وباتت نقطة انطلاقة تعاون المقاتلين الأكراد مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي تشكل لقتال «داعش»، والذي نفذ أولى ضرباته على المدينة الكردية دعماً للمقاتلين، وتم إلحاق الهزيمة بالتنظيم المتشدّد بعد معارك عنيفة استمرت نحو 6 أشهر.

نزع فتيل الحرب

وأكد درار أن الوسيطين الأميركي والفرنسي «يعملان لنزع فتيل الحرب، لأننا نريد فعلاً الوصول إلى استقرار أولاً، ثم الذهاب إلى دمشق للتفاوض مع (هيئة تحرير الشام) للوصول إلى نوع من التفاهم لإدارة سوريا بشكل مشترك»، وأشار إلى أن تركيا تريد تقاسم الكعكة السورية «من خلال وجودها وتغييرها الديموغرافي للمناطق الشمالية، لكي تستطيع أن تسيطر على المشاركة، وتدير لعبة التدخل في سوريا من جديد».

وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ أكراد سوريا تدريجياً في شمال سوريا، خصوصاً بعد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم نهاية عام 2012، وتمكنوا من إقامة إدارات ذاتية، وتأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن إنشاء مؤسسات عامة، وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم، وافتتاح مدارس يتم فيها تدريس مناهج باللغة الكردية، غير أن المقاتلين الأكراد خسروا بلدات رئيسة منذ إطلاق عملية «ردع العدوان» في 8 من ديسمبر (كانون الأول)، بعد سيطرة فصائل «فجر الحرية» الموالية لتركيا على بلدة تل رفعت وقرى منطقة الشهباء ومدينة منبج بريف حلب الشرقي، وتتقدم نحو مدينة كوباني.

«غياب المجتمع الدولي»

ولفت رئيس المكتب الاستشاري لمجلس «مسد» إلى أن تركيا الوحيدة التي استفادت من هذه التغييرات المتسارعة في سوريا، وتابع درار: «تستطيع أنقرة أن تدخل بكل حرية عندما تكون ذاهبة باتجاه الجوار الحسن، لكنها الآن عبر أسلوب التحريض للفصائل السورية التي تقاتل معها، تفعل شيئاً غير مطلوب، وتغتنم الفرصة بغياب المجتمع الدولي لما يجري في سوريا».

وزير الدفاع التركي مع جنود من الوحدات العسكرية على الحدود التركية - السورية (الدفاع التركية)

ويعتقد المسؤول الكردي أن الولايات المتحدة «غير راضية عن السياسة التركية التصعيدية والعدائية تجاه أكراد سوريا»، ويقول إنه: «توجد إشارات خاصة من أميركا بأن هذا الفعل فاضح وغير مقبول، ولا يمكن أن يسمح به، لكن إردوغان استغل فرصة التشجيع من ترمب عندما مدح تركيا، كما مدح إردوغان بأنه ذكي ويفهم»، موضحاً أن الإدارة الذاتية، بجناحها السياسي «مسد»، شكلت وفداً للتواصل مع الحكومة الجديدة في دمشق.

وقال درار: «يمكننا أن نصل معها إلى نتائج عبر التفاوض، وتوحيد القرار السوري، ومشاركة كل السوريين في المرحلة الانتقالية والحكومة المقبلة»، ويعزو تأخر ذهاب الوفد إلى العاصمة السورية إلى «الحرب التي تجري الآن في مناطقنا، وتهديدات تركيا المتصاعدة، وعندما يتوقف هذا التهديد سيكون الوفد جاهزاً للذهاب إلى دمشق».

وأكد في ختام حديثه استعداد الإدارة الذاتية للاشتراك في الحكومة السورية المقبلة، وفي فعاليات المرحلة الانتقالية، وختم قائلاً: «قوات (قسد) سوف تكون جزءاً من الجيش السوري بعد التسوية، عندما يتشكل الجيش الوطني سنكون جزءاً منه».