معاناة مزدوجة للنازحين والعمال الأجانب في لبنان

نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)
نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)
TT

معاناة مزدوجة للنازحين والعمال الأجانب في لبنان

نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)
نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)

في ظلّ وجود فوضى كبيرة تعصف بلبنان على أثر الغارات الإسرائيلية، يبحث عمال أجانب مقيمون في لبنان، من بينهم سودانيون وإثيوبيون وسريلانكيون وبنغلاديشيون، عن ملجأ آمن بعيداً عن أماكن الإيواء المخصّصة للبنانيين حصراً، ويجد كثيرون منهم ضالّتهم في ملجأ يُشرف عليه رهبان يسوعيّون.

ففي دير هادئ تابع للرهبنة اليسوعيّة في شرق بيروت، تتردّد أصوات بكاء أطفال، بينما تتحلق نساء بوجوه واجمة حول طاولة متحدثات بصوت خافت. وفي باحة الدير الخارجية، ينتظر البعض، بهدوء، توزيع وجبات الطعام، على وقع هدير طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تكاد لا تفارق سماء بيروت.

ويتوافد هؤلاء الباحثون عن الأمان يومياً من جنوب لبنان، ومن منطقة البقاع في الشرق، وأيضاً من الضاحية الجنوبية لبيروت التي أنهكها القصف الجوي الإسرائيلي في الأيام الماضية.

نازحون من موقع استهداف نصر الله في الضاحية الجنوبية (د.ب.أ)

ويقول الراهب اليسوعي مايكل بيترو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الكنيسة التي كانت تستقبل عادة العمال الأجانب تحولت بين ليلة وضحاها إلى ملجأ.

ويضيف هذا الراهب الأميركي المسؤول في الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين: «بدأ الأمر مع عائلة وصلت إلى هنا، وسألت إن كان ممكناً أن تبقى هنا، قلنا لهم نعم، وفي صباح اليوم التالي جاء 30 شخصاً، ثم تبعهم 50 آخرون».

وحاول الرهبان المتطوّعون التواصل مع مراكز إيواء لتحويل هؤلاء الأشخاص إليها، لكن دون جدوى.

ويشرح مايكل السبب: «بعض الأماكن كانت مكتظة أصلاً، والبعض الآخر لا يقبل سوى لبنانيين». وبهذا صار الدير يستقبل 52 شخصاً.

مع حركة النزوح الكبيرة، اضطُر كثيرون من سكان مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة، أن يقيموا في مدارس أو فنادق أو مراكز إيواء، ومنهم من لم يجد لعائلته سوى الحدائق والأرصفة والساحات العامة، في مناطق يعدونها أكثر أماناً من غيرها.

دخان يتصاعد فوق الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارة جوية إسرائيلية (رويترز)

وتقول ضياء الحاج شاهين، وهي متطوعة لبنانية: «المهاجرون أيضاً بحاجة للمساعدة، فلا أحد ينظر إليهم، ويُعاملون كأشخاص من الدرجة الثالثة، والبعض منهم ليس لديهم جوازات سفر أصلاً»؛ إذ كثيراً ما يمنع أصحاب العمل العمال الأجانب من الاحتفاظ بجوازات سفرهم.

قبل أيام، وصلت إلى دير الرهبان اليسوعيين العاملة السريلانكية كوميري بارارا البالغة 48 عاماً، برفقة ابنها ذي الأعوام الاثني عشر، هاربة من مدينة صيدا في جنوب لبنان. وتقيم كوميري منذ 20 عاماً في لبنان، حيث تزوجت من رجل فلسطيني، وأنجبت منه قبل أن ينفصلا، وهي عاملة منزلية على غرار معظم بنات جنسيتها في لبنان.

تقول كوميري: «لم يهتم بي أحد»؛ إذ غادر أصحاب البيت الذي كانت تعمل فيه، وفقدت الاتصال بهم.

أما مالاني سومالتا، وهي عاملة منزلية من سريلانكا أيضاً، فقد فرّت من الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، التي تتعرض يومياً لقصف إسرائيلي، إضافة لإنذارات من الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر بإخلاء أحياء كاملة من سكانها في مهلة وجيزة.

وتقول مالاني البالغة من العمر 46 عاماً وهي تبكي: «لقد تركنا كل شيء وراءنا، وجئنا إلى هنا». وقد أُغْلِق المطعم الذي تعمل فيه.

ووفق المنظمة الدولية للهجرة، يعيش في لبنان أكثر من 160 ألف عامل أجنبي، تشكل النساء 65 في المائة منهم. ويُعتقد أن العدد في الحقيقة أكبر من ذلك؛ إذ إن كثيرين يقيمون في لبنان بشكل غير قانوني.

وصلت سوزان بايمبا من سيراليون إلى لبنان قبل عامين لتعمل في منزل قريب من مدينة صيدا. ومع بدء الغارات الإسرائيلية هربت مع عدد من مواطنيها إلى بيروت، حيث افترشت الأرض في الشوارع قبل أن تستقر في دير اليسوعيين.

وحاولت سوزان التواصل مع أشخاص من سيراليون يقيمون في منازل، لكن أصحاب هذه المنازل «طردونا قائلين: لا نريد متاعب!».

وتقول هذه العاملة ذات السنوات السبع والثلاثين: «لا نريد الآن سوى أن نعود لبلدنا. تعبنا».

موقع اغتيال نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

عمد المسؤولون عن الدير إلى وضع النساء والأطفال في الطابق الأول، والرجال في الطابق الثاني.

وتقول ملكة جمعة، وهي سودانية ثلاثينية لاجئة في الدير عاشت أهوال الفرار من دارفور عام 2014، ثم فرت قبل أيام من قرية أرنون بجنوب لبنان في رحلة مرهقة محفوفة بالمخاطر: «أنا لم أفهم لماذا اندلعت الحرب في السودان، والآن لم أفهم لماذا اندلعت الحرب هنا».


مقالات ذات صلة

من حدود لبنان إلى صحراء مصر... سياسي إسرائيلي يصلي من أجل سلامة الجنود

شؤون إقليمية آرييه درعي (يسار) ونتنياهو (أرشيفية - د.ب.أ)

من حدود لبنان إلى صحراء مصر... سياسي إسرائيلي يصلي من أجل سلامة الجنود

قالت «تايمز أوف إسرائيل» إنه فيما تلتزم فيه الحكومة الإسرائيلية الصمت رسمياً بشأن العمليات البرية ضد «حزب الله»، فإن أحد كبار الساسة غرد بصلاة من أجل الجنود.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جندي من الجيش الإسرائيلي يقف بالقرب من دبابة قتال رئيسية منتشرة في شمال إسرائيل (أ.ف.ب) play-circle 00:23

إسرائيل تعلن جزءاً من حدودها الشمالية «منطقة عسكرية مغلقة»

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم المناطق المحيطة بتجمعات المطلة ومسكاف عام وكفار جلعادي السكنية في شمال إسرائيل بالقرب من الحدود مع لبنان منطقة عسكرية مغلقة

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جانب من تصدي «القبة الحديدية» الإسرائيلية لصواريخ أُطلقت من لبنان (أ.ف.ب)

هل تستطيع «القبة الحديدية» الإسرائيلية التصدي لصواريخ «حزب الله»؟

يلوح شبح اندلاع حرب شاملة بين لبنان وإسرائيل؛ بعدما تصاعدت حدة التوترات بينها وبين «حزب الله» اللبناني مع اغتيال أمينه العام حسن نصر الله خلال غارات إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
المشرق العربي من داخل «مطار رفيق الحريري الدولي» في بيروت (أرشيفية - رويترز)

الجيش الإسرائيلي: دمرنا مستودع صواريخ على بعد 1.5 كيلومتر من «مطار لبنان الدولي»

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم الاثنين، إنه دمر مستودع صواريخ «سطح - جو»، يبعد نحو 1.5 كيلومتر عن «مطار لبنان الدولي».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب) play-circle 00:10

بايدن يدعو لوقف النار وسط تقارير عن عزم إسرائيل غزو لبنان

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، الاثنين، إنه يعارض شن إسرائيل عملية برية في لبنان ودعا إلى وقف إطلاق النار، مع تصاعد التوتر بعد مقتل زعيم «حزب الله» حسن نصر الله.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

محكمة إسرائيل العليا تجيز استخدام جثة أسير فلسطيني للمساومة لإعادة الرهائن

احتجاج يطالب بوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجَزين لدى «حماس» بالقرب من تل أبيب (إ.ب.أ)
احتجاج يطالب بوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجَزين لدى «حماس» بالقرب من تل أبيب (إ.ب.أ)
TT

محكمة إسرائيل العليا تجيز استخدام جثة أسير فلسطيني للمساومة لإعادة الرهائن

احتجاج يطالب بوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجَزين لدى «حماس» بالقرب من تل أبيب (إ.ب.أ)
احتجاج يطالب بوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجَزين لدى «حماس» بالقرب من تل أبيب (إ.ب.أ)

أجازت المحكمة الإسرائيلية العليا للحكومة، الاثنين، الاحتفاظ بجثة أسير فلسطيني تُوفي في أبريل (نيسان) الماضي في السجن لاستخدامها ورقةَ مساوَمةٍ للإفراج عن رهائن محتجَزين في غزة.

وفي قرار جرى تبنّيه بالإجماع، رفضت المحكمة استئنافاً قدّمته منظمة «عدالة» غير الحكومية الإسرائيلية التي تدافع عن حقوق المجتمع العربي، يطالب بإعادة جثة المعتقل الفلسطيني وليد دقة الذي تُوفي في السجن في أبريل، إلى عائلته.

ويتحدر دقة من باقة الغربية داخل إسرائيل، واعتُقل في عام 1986 بتهمة خطف جندي إسرائيلي وقتله، وحُكم عليه بداية بالإعدام، لكن الحكم خُفف إلى السجن 38 عاماً.

وكان من المفترض أن يُطْلق سراحه، العام الماضي، إلا أن محكمة عسكرية إسرائيلية أضافت إلى حكم حبسه عامين آخرين بتهمة إدخال هواتف جوالة إلى داخل السجن.

أصيب دقة بسرطان في النخاع الشوكي، وأوصت مؤسسات حقوقية وطبية بإطلاق سراحه، لكن هذا لم يحدث، كما لم يحصل على الرعاية الطبية.

واحتفظت السلطات الإسرائيلية بجثته بسبب المفاوضات التي كانت جارية وقتها لتحرير أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل الإفراج عن رهائن محتجَزين في قطاع غزة.

وقضت المحكمة الإسرائيلية العليا بأن «احترام الموتى وحق الأقارب في دفنهم من القيم الأساسية للدولة»، لكنّ المبدأ الأساسي الآخر «الإفراج عن الأسرى» هو الذي يطغى.

وبالتالي، فإن احتجاز «جثث الإرهابيين له هدف مشروع» إذا كان من شأنه «تسهيل المفاوضات من أجل عودة الجنود والمدنيين والقتلى الذين تحتجزهم (حماس)»، وفق ما أضافت المحكمة.

وندّدت منظمة «عدالة» بـ«القرار (الذي) يجسد آيديولوجيا عنصرية عميقة»، منتقدة سياسة «ورقة المساوَمة».