استهداف طرق إمداد «حزب الله» في الأراضي السورية عند الحدود مع العراق ولبنان

غضب ورفض شعبي للوجود الإيراني في دير الزور

جانب من قصف إسرائيلي سابق في حمص (أرشيفية - المرصد)
جانب من قصف إسرائيلي سابق في حمص (أرشيفية - المرصد)
TT

استهداف طرق إمداد «حزب الله» في الأراضي السورية عند الحدود مع العراق ولبنان

جانب من قصف إسرائيلي سابق في حمص (أرشيفية - المرصد)
جانب من قصف إسرائيلي سابق في حمص (أرشيفية - المرصد)

ذكرت «الوكالة العربية السورية» للأنباء، الأحد، أن دوي انفجارات سُمع في محيط العاصمة السورية دمشق، مشيرة إلى أنه يجري التحقق من طبيعتها، فيما تحدثت وسائل إعلام عن قصف إسرائيلي استهدف منطقة يعفور بريف دمشق.

في غضون ذلك، ووسط حالة حداد أعلنتها دمشق على مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، تواصل استهداف خطوط إمداد الحزب في المناطق الحدودية مع العراق ولبنان، بينما يستمر تدفق النازحين من لبنان إلى سوريا.

وسُمع، يوم الأحد، دوي انفجارات عنيفة في أجواء محافظة حمص وسط سوريا، وقالت مصادر إعلامية سورية إن «الدفاع الجوي السوري تصدى لهدف معادٍ في ريف مدينة حمص»، وذلك بعد ساعات قليلة من استهداف غارة جوية إسرائيلية موقعاً قرب حاجز للقوات الحكومية في منطقة وادي حنا بريف القصير جنوب غربي حمص على الحدود السورية - اللبنانية.

مقتل 12 عنصراً موالياً لإيران

أرشيفية لمدخل بلدة الشحيل بريف دير الزور شرق سوريا (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل 12 عنصراً موالياً لإيران، ليل السبت - الأحد، في غارات جوية نفذتها طائرات مجهولة على مواقعهم في شرق سوريا. وقال المرصد إن الغارات الخمس أوقعت أيضاً عدداً كبيراً من الجرحى واستهدفت مواقع في مدينة دير الزور وشرقها، وكذلك منطقة البوكمال القريبة من الحدود مع العراق، ولم يعلن أي طرف مسؤوليته على الفور عن الهجمات. وأفاد المرصد بأن الغارات استهدفت خصوصاً مواقع عسكرية قرب مطار دير الزور.

وأضاف المرصد أن غارات جوية إسرائيلية استهدفت معابر تربط منطقة سرغايا بريف دمشق بالأراضي اللبنانية، وذلك في إطار مواصلة إسرائيل تصعيدها على الحدود السورية – اللبنانية للتضييق على «حزب الله» اللبناني عبر «استهدافات متكررة تهدف إلى شل حركة نقل سلاحه من داخل الأراضي السورية وقطع طرق الإمداد، ولم ترد معلومات حتى اللحظة عن سقوط خسائر بشرية».

في غضون ذلك، عاش الأهالي في مدينة دير الزور شرق سوريا حالة ذعر شديد ليل السبت - الأحد مع تعرض مدينتهم للقصف، وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن القصف استهدف مواقع للميليشيات الإيرانية داخل الأحياء السكنية، وسادت حالة من الغضب بين الأهالي ضد الوجود الإيراني، رفضاً لاستخدام المدنيين دروعاً بشرية لحماية مقراتهم.

6 غارات جوية

القاعدة الأميركية في حقل كونيكو للغاز بريف دير الزور الشمالي بسوريا (أرشيفية)

وأفادت شبكة «نهر» ميديا المحلية، بمقتل وإصابة نحو 18 شخصاً من الميليشيات الإيرانية بغارات جوية استهدفت مقراتهم في بلدة الهري بريف دير الزور الشرقي، وذلك بالإضافة إلى 6 غارات جوية يرجح أنها لقوات التحالف الدولي استهدفت مواقع الميليشيات الإيرانية في مدينة دير الزور وريفها. وجاءت الغارات بعد تعرض قاعدة قوات التحالف في حقل كونيكو للغاز بريف دير الزور الشمالي إلى قصف مكثف بالصواريخ والمسيرات وتحقيق إصابات مباشرة في مقر فرقة المدرعات، وفق مصادر محلية.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن قوات التحالف أرسلت دورية عسكرية من قاعدة «كونيكو» باتجاه ريف دير الزور الشرقي، وكانت طائرة مسيّرة مجهولة قد استهدفت آلية تابعة للميليشيات العراقية العاملة مع «الحرس الثوري» الإيراني في مدينة القورية بريف دير الزور الشرقي، مما أدى إلى احتراقها وسط أنباء عن سقوط قتلى وجرحى.

وأشار المرصد إلى أن ذلك جاء بعد التصعيد ضد الميليشيات الإيرانية في مدينة دير الزور وريف البوكمال في ريف دير الزور الشرقي قرب الحدود السورية - العراقية، حيث استهدفت الغارات الجوية موقعاً لـ«الحرس الثوري» الإيراني في قرية الهري، ومستودعي أسلحة في قرية الحزام.

كما طالت الضربات الجوية مستودعاً آخر في قرية السويعية، ومقرات عسكرية لـ«الحرس الثوري» الإيراني في حي هرابش ومؤسسة التنمية في شارع بورسعيد في حي العمال، وراداراً عسكرياً في جبل هرابش، وأسفرت عن سقوط 17 قتيلاً بينهم سوريان وإصابة أكثر من 20 آخرين.

من جهة أخرى، قالت «القيادة المركزية الأميركية» إن الولايات المتحدة نفذت ضربتين في سوريا هذا الشهر، ما أسفر عن مقتل 37 مسلحاً، بينهم عدد من كبار قيادات «داعش»، وتنظيم «حراس الدين» التابع لتنظيم «القاعدة». وأضافت «القيادة»، في بيان، أن الضربتين نُفذتا في 16 و24 سبتمبر (أيلول) الحالي، وقالت إنه ليست هناك مؤشرات على إصابة أي مدنيين في أي من الضربتين، وفق ما ذكرت «رويترز».

استنفار الأجهزة الأمنية

سيارة تحمل سوريين من لبنان على معبر جوسية السوري (فيسبوك)

وتبع الغارات انتشار واسع واستنفار للأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية، وتوجه عدد من سيارات الإسعاف للأماكن المستهدفة، كما أدت الغارات الجوية إلى قطع الطريق الواصل بين مدينة دير الزور والريف الشرقي نتيجة تدمير الطريق.

في غضون ذلك، قام وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية لؤي خريطة ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل سمر السباعي، بتفقد معبر جوسيه الحدودي بريف منطقة القصير، الأحد، وزارا مراكز الإيواء للعائلات اللبنانية الوافدة. وتزامنت الزيارة مع قصف إسرائيلي على منطقة القصير التي تعتبر إحدى أهم نقاط استقبال الوافدين من لبنان إلى الأراضي السورية.

مع تصاعد حالة العداء لإيران في أوساط الموالين لـ«حزب الله»، على خلفية اتهامها بالتخلي عن نصر الله والتقصير في تقديم الإسناد له في المعركة ضد إسرائيل، قالت مصادر محلية في دمشق إن هذه الأوساط تعيش حالة «غضب لشعورها بالخذلان، وهناك اتهامات للحكومة الإيرانية بالتخاذل عن نصرة حسن نصر لله الذي كان مخلصاً لها». وأشارت المصادر إلى حالة حزن وتوتر شديدة تسود أجواء منطقة السيدة زينب، المعقل الرئيسي للميليشيات التابعة لإيران و«حزب الله» اللبناني. ونكست دمشق الأعلام في جميع أنحاء البلاد، وفي جميع السفارات والهيئات الدبلوماسية السورية في الخارج لثلاثة أيام من الحداد.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي أعلام سوريا و«حزب الله» في القصير خلال يونيو 2013 (أ.ف.ب)

حذر متبادل يزعزع شبكات «حزب الله» الاجتماعية بين سوريا ولبنان

تحول الحضور الأمني والعسكري لـ«حزب الله» في المناطق الحدودية السورية - اللبنانية، إلى حضور اجتماعي طاغٍ مع تواصل تدفق عائلات من حاضنته الشعبية في لبنان.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية لافتة مرورية تشير إلى مدينة رأس العين الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

ارتفاع وتيرة الاشتباكات بين القوات التركية والفصائل مع «قسد»

زادت حدة التوتر بشمال سوريا في ظل التصعيد بين القوات التركية و«قسد» من جانب، وتحضير «هيئة تحرير الشام» لعملية ضد القوات السورية من جانب آخر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان 11 أكتوبر 2024 (أسوشييتد برس)

إردوغان: إسرائيل تشكل تهديداً ملموساً لسلام الشرق الأوسط والعالم

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رداً على سؤال عن الضربة الإسرائيلية على دمشق إنه من الضروري أن تتخذ روسيا وإيران وسوريا إجراءات أكثر فاعلية.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الدفاع التركي يشار غولر خلال متابعة تدريب «فري فاير 2024» الخميس (وزارة الدفاع التركية)

تعزيزات تركية ضخمة إلى شمال سوريا

دفعت تركيا على مدى الأسبوعين الأخيرين بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى مواقع قواتها بمختلف المحاور شمال غربي سوريا، ولا سيما إدلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

كيف يستخدم الجيش الإسرائيلي فلسطينيين دروعاً بشرية في غزة؟

جندي إسرائيلي في قطاع غزة في هذه الصورة التي تم نشرها في 21 ديسمبر 2023 عبر قوات الدفاع الإسرائيلية (رويترز)
جندي إسرائيلي في قطاع غزة في هذه الصورة التي تم نشرها في 21 ديسمبر 2023 عبر قوات الدفاع الإسرائيلية (رويترز)
TT

كيف يستخدم الجيش الإسرائيلي فلسطينيين دروعاً بشرية في غزة؟

جندي إسرائيلي في قطاع غزة في هذه الصورة التي تم نشرها في 21 ديسمبر 2023 عبر قوات الدفاع الإسرائيلية (رويترز)
جندي إسرائيلي في قطاع غزة في هذه الصورة التي تم نشرها في 21 ديسمبر 2023 عبر قوات الدفاع الإسرائيلية (رويترز)

توصل تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن جنوداً إسرائيليين أجبروا فلسطينيين أسرى على القيام بمهام استطلاعية تهدد حياتهم طوال الحرب في غزة، لتجنب تعريض الجنود الإسرائيليين للخطر.

فعندما عثر جنود إسرائيليون على الفلسطيني محمد شبير مختبئاً مع عائلته في أوائل مارس (آذار)، احتجزوه لمدة 10 أيام تقريباً قبل إطلاق سراحه دون توجيه اتهام إليه. وخلال تلك الفترة، قال شبير إن الجنود استخدموه درعاً بشرياً.

وقال شبير، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 17 عاماً، للصحيفة إنه أُرغم على السير مكبل اليدين عبر أنقاض المباني المدمرة في خان يونس بجنوب غزة، مسقط رأسه، بحثاً عن متفجرات قد تكون زرعتها «حماس». وأضاف شبير أنه لتجنب تعرضهم للتفجير، أجبره الجنود على المضي قدماً.

وفي أحد المباني المحطمة، توقف عن الحركة، وقال إنه كان يركض على طول الجدار، كانت هناك سلسلة من الأسلاك المتصلة بالمتفجرات. وتابع الشاب الفلسطيني، وهو طالب في المدرسة الثانوية، أن الجنود «أرسلوني مثل الكلب إلى شقة مفخخة. اعتقدت أن هذه ستكون اللحظات الأخيرة في حياتي».

وأشار تحقيق الصحيفة إلى أنه في حين أن مدى وحجم مثل هذه العمليات غير معروف، فإن استخدام فلسطينيين دروعاً بشرية غير قانوني بموجب القانون الإسرائيلي والدولي، فقد تمت هذه الممارسة من قبل ما لا يقل عن 11 مرة في خمس مدن في غزة، وكثيراً ما شارك فيها ضباط من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إذ أُرغم المعتقلون الفلسطينيون على استكشاف أماكن في غزة يعتقد الجيش الإسرائيلي أن مسلحي «حماس» أعدوا فيها كميناً أو فخاً. وأصبحت الممارسة أكثر انتشاراً تدريجياً منذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

لواء سابق يؤكد الرواية

كما أُجبر المعتقلون على استطلاع وتصوير شبكات الأنفاق في غزة، كما دخلوا المباني المفخخة بالألغام للعثور على متفجرات مخفية. وأُمروا بالتقاط أو نقل أشياء مثل المولدات وخزانات المياه التي يخشى الجنود الإسرائيليون أن تكون مداخل أنفاق مخفية أو فخاخاً.

وأجرت الصحيفة مقابلات مع سبعة جنود إسرائيليين لاحظوا أو شاركوا في استخدام أسرى فلسطينيين دروعاً بشرية، ووصفوا الممارسة بأنها «روتينية وشائعة ومنظمة، وتُجرى بدعم لوجيستي كبير ومعرفة رؤسائهم في ساحة المعركة». وقال العديد منهم إن المعتقلين كانوا يُدارون ويُنقلون بين الفرق العسكرية من قبل ضباط من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ورغم أنهم خدموا في أجزاء مختلفة من غزة في نقاط مختلفة من الحرب، فإن الجنود استخدموا إلى حد كبير نفس المصطلحات للإشارة إلى الدروع البشرية.

كما تحدثت الصحيفة إلى ثمانية جنود ومسؤولين مطلعين على استخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية، وتحدثوا جميعاً بشرط عدم الكشف عن هوياتهم. وأكد اللواء تامير هايمان، وهو رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق يتلقى إحاطات روتينية من كبار المسؤولين العسكريين والدفاعيين حول سير الحرب، قائلاً إن بعض المعتقلين أُرغموا على دخول الأنفاق بينما تطوع آخرون لمرافقة القوات والعمل مرشدين لهم، على أمل كسب ود الجيش. كما أدلى ثلاثة فلسطينيين بشهادات مسجلة حول استخدامهم دروعاً بشرية.

اللواء تامير هايمان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق يتحدث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، 28 يناير 2020 (أرشيفية - وزارة الدفاع الإسرائيلية)

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن «توجيهاته وإرشاداته تحظر بشدة استخدام المدنيين المعتقلين من غزة في العمليات العسكرية». وأضاف أن روايات المعتقلين والجنود الفلسطينيين الذين قابلتهم صحيفة «نيويورك تايمز» سوف «تخضع لفحص السلطات المختصة».

محظور في القانون الدولي... والإسرائيلي

ويحظر القانون الدولي استخدام المدنيين أو المقاتلين دروعاً بشرية ضد الهجوم. كما أنه من غير القانوني إرسال الأسرى إلى أماكن قد يتعرضون فيها لإطلاق النار، أو إجبار المدنيين على القيام بأي شيء يتعلق بإدارة العمليات العسكرية.

ويقول لورانس هيل كاوثورن، أستاذ في جامعة بريستول في إنجلترا وخبير في القوانين التي تحكم الاحتجاز في النزاعات للصحيفة إنه «من غير القانوني إجبار المعتقلين الفلسطينيين على استكشاف أماكن خطيرة بغض النظر عما إذا كان هؤلاء المعتقلون مدنيين أو أعضاء (حماس)».

وقد استخدم الجيش الإسرائيلي ممارسة مماثلة، تُعرف باسم «إجراء الجار»، في غزة والضفة الغربية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. حيث يجبر الجنود المدنيين الفلسطينيين على الاقتراب من منازل المسلحين لإقناعهم بالاستسلام.

كما حظرت المحكمة العليا الإسرائيلية هذا الإجراء في عام 2005، في حكم موسع حظر أيضاً استخدام الدروع البشرية في سياقات أخرى. وقد حكم رئيس المحكمة، أهارون باراك، بأن أحد سكان الأراضي المحتلة «لا ينبغي أن يُجلب، حتى بموافقته، إلى منطقة تجري فيها عملية عسكرية».

«جريمة حرب»

وبعد عام من الهجمات الإسرائيلية التي تقول السلطات الصحية في غزة إنها قتلت حتى الآن ما يربو على 42 ألف فلسطيني، واتهمت إسرائيل بالتصرف دون اهتمام كافٍ بالخسائر المدنية، فإن إسرائيل تدافع عن نفسها قائلة إن «حماس» تدس مقاتليها وأسلحتها في المناطق المدنية، وتستخدم مجتمعات بأكملها دروعاً بشرية.

جنود إسرائيليون في غزة (أرشيفية - رويترز)

وقد استخدم الجنود الإسرائيليون الدروع البشرية بطريقة مختلفة. وقال البروفسور مايكل شميت، وهو باحث في «ويست بوينت» درس استخدام الدروع البشرية في الصراعات المسلحة، إنه لم يكن على علم بأي جيش آخر يستخدم بشكل روتيني المدنيين أو أسرى الحرب أو الإرهابيين الأسرى في مهام استطلاع تهدد الحياة في العقود الأخيرة. ويقول المؤرخون العسكريون إن هذه الممارسة استخدمتها القوات الأميركية في فيتنام. وقال البروفسور شميت: «في معظم الحالات، يشكل هذا جريمة حرب».

وقال الجنود الذين تحدثوا إلى الصحيفة إنهم بدأوا في استخدام فلسطينيين دروعاً بشرية أثناء الحرب الحالية؛ بسبب الرغبة في الحد من المخاطر التي يتعرض لها المشاة.

«حياة الإرهابيين أقل قيمة»

ووجد بعض الجنود الذين شاهدوا أو شاركوا في استخدام الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين دروعاً بشرية أنها «مزعجة للغاية»، مما دفعهم إلى المخاطرة بمناقشة هذه الممارسة مع صحافي. وتم ربط اثنين من هذه التقارير بصحيفة «نيويورك تايمز» من خلال منظمة «كسر الصمت»، وهي منظمة مراقبة مستقلة تجمع شهادات من الجنود الإسرائيليين.

وقال جنود إن بعض الضباط من ذوي الرتب الأقل حاولوا تبرير هذه الممارسة من خلال الادعاء، دون دليل، بأن «المعتقلين إرهابيون». وقال الجنود إنهم أُبلغوا بأن «حياة الإرهابيين أقل قيمة من حياة الإسرائيليين» ــ رغم أن الضباط غالباً ما خلصوا إلى أن المعتقلين لا ينتمون إلى جماعات إرهابية وأفرجوا عنهم فيما بعد دون تهمة، وفقاً لجندي إسرائيلي وثلاثة فلسطينيين تحدثوا إلى صحيفة «نيويورك تايمز».

وأجبرت فرقة إسرائيلية حشداً من الفلسطينيين النازحين على السير إلى الأمام بحثاً عن غطاء أثناء تقدمها نحو مخبأ للمسلحين في وسط مدينة غزة، وفقاً لجهاد صيام (31 عاماً) وهو مصمم غرافيكي فلسطيني كان جزءاً من المجموعة.

وقال صيام: «طلب منا الجنود التقدم إلى الأمام حتى لا يطلق الجانب الآخر النار». وبمجرد وصول المجموعة إلى المخبأ، خرج الجنود من خلف المدنيين واندفعوا إلى داخل المبنى، وقال إنه بعد أن تمكن الجنود من قتل المسلحين على ما يبدو، سمحوا للمدنيين بالمغادرة.

تفتيش تحت تهديد السلاح

وأشار في مقابلة أجريت معه في غزة بعد إطلاق سراحه دون توجيه اتهامات إليه، إن الجنود أمروا الدلو بخلع ملابسه ليبقى بالملابس الداخلية، ثم قيدوه بالأصفاد وعصبوا عينيه. وقال الدلو إنه بعد استجوابه حول أنشطة «حماس» في المنطقة، أمره الجنود بالدخول إلى الفناء الخلفي لمنزل مجاور مكون من خمسة طوابق. وقال إن الفناء كان مليئاً بالحطام، بما في ذلك أقفاص الطيور وخزانات المياه وأدوات البستنة والكراسي المكسورة والزجاج المحطم ومولد كبير. ويتذكر الدلو: «دفعني ثلاثة جنود إلى الأمام بعنف. كانوا خائفين من الأنفاق المحتملة تحت الأرض أو المتفجرات المخبأة تحت أي جسم هناك». وقال إنه كان يمشي حافي القدمين، فجُرحت قدماه بشظايا الزجاج.

بعد تزويده بمكان وتاريخ ووصف ما قاله الدلو، رفض الجيش الإسرائيلي التعليق. وكان وصف الدلو يعكس روايات عن حوادث مماثلة من قِبَل 10 جنود إسرائيليين وصفوا أيضاً أنهم شهدوا أو تلقوا إحاطة حول كيفية استخدام المعتقلين الفلسطينيين لتمشيط المباني والساحات، وفق الصحيفة.

وقال الدلو إن نحو سبعة أو ثمانية جنود كانوا يختبئون خلف أنقاض جدار الفناء المهشم، للاحتماء في حالة تعثره بقنبلة. وأصدر أحدهم توجيهاته باستخدام مكبر صوت. وتابع الدلو أن الجنود أمروه بالسير في الفناء وهو مقيد اليدين خلف ظهره، وهو يركل الطوب وقطع المعدن والصناديق الفارغة. وفي مرحلة ما، قيد الجنود يديه أمامه حتى يتمكن بسهولة أكبر من إبعاد الأجسام المشبوهة في طريقه. ثم تحرك شيء فجأة من خلف مولد كهربائي في الفناء. فبدأ الجنود في إطلاق النار باتجاه مصدر الضجيج، وكادوا أن يصيبوا الدلو، كما قال. وتبين أنه قطة.

بعد ذلك، أمر الجنود الرجل الفلسطيني بمحاولة تحريك المولد، حيث اشتبهوا في أنه يخفي مدخل نفق، كما قال. وبعد تردده، ضربه جندي على ظهره بعقب بندقيته، كما قال الدلو، وقال إنه في وقت لاحق من ذلك اليوم، أمروه بالسير أمام دبابة إسرائيلية بينما كانت تتقدم نحو مسجد حيث كان الجنود قلقين من مواجهتهم للمسلحين. وقال إن بعض جيرانه نُقلوا للبحث عن مداخل أنفاق في مستشفى الرنتيسي القريب، ولم يراهم منذ ذلك الحين. وقال الدلو إنه نُقل في ذلك المساء إلى مركز احتجاز في إسرائيل.

كاميرا في جسد «دبور» فلسطيني

في أوائل فبراير (شباط)، استولى الجيش الإسرائيلي على مقر يتبع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في مدينة غزة، وبعد اكتشاف أن شبكة أنفاق حماس تمتد تحت المجمع، حفر المهندسون العسكريون في الجيش الإسرائيلي في الأرض لإنشاء نقاط وصول جديدة. وفي مرحلة ما، أنزل المهندسون كاميرا في الأنفاق باستخدام حبل، حتى يتمكنوا من رؤية ما بداخلها بوضوح أكبر، وفقًا لجندي مشارك في العملية. وبمشاهدة بث مباشر من الكاميرا، رأى المهندسون رجلاً داخل النفق، يعتقد الجيش أنه ربما كان أحد عناصر «حماس».

وقال الجندي للصحيفة إن الضباط في الموقع، بعد استنتاجهم أن مقاتلي «حماس» ما زالوا يستخدمون النفق، قرروا إرسال فلسطيني بكاميرا مثبتة على جسده لاستكشافه بشكل أكبر، بدلاً من المهندسين الإسرائيليين.

وأكد جنديان رواية مشابهة. كما تطابق وصف هذا الجندي للموقع مع وصف مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» الذي زاره بعد فترة وجيزة برفقة حراسة عسكرية لكنه لم ير أي فلسطينيين. وبعد أن تم تزويدهم بالمكان والتاريخ ووصف تجربة الجندي، رفض الجيش الإسرائيلي التعليق.

وقال الجندي للصحيفة إن الضباط فكروا في البداية في نشر أحد المدنيين الفلسطينيين الذين تم القبض عليهم في المنطقة واحتجازهم حتى انتهاء العملية، وفي النهاية قرر الضباط إرسال ما أسموه «دبور» أو «فلسطيني محتجز في إسرائيل» لأسباب لم تكن واضحة للجندي. وقال الجندي إن هذا أدى إلى عملية أكثر تعقيداً استغرقت عدة أيام وتنسيقاً كبيراً مع وحدات أخرى لإكمالها.

«(البعوض) سيموت لا واحد منا»

وأشار تحقيق «نيويورك تايمز» أنه طوال الحرب، كان الجنود في مختلف الوحدات يشيرون عموماً إلى المعتقلين بنفس المصطلحات. فكلمة «دبور» تعني عموماً الفلسطينيين الذين أحضرهم ضباط الاستخبارات إلى غزة من إسرائيل لمهام قصيرة ومحددة؛ ومع ذلك، قال بعض الجنود إنها تشير إلى المتعاونين المدفوع لهم الأجر الذين دخلوا غزة طواعية، بينما قال آخرون إنها تشير إلى المعتقلين.

ووصفت كلمة «بعوضة» المعتقلين الذين تم القبض عليهم في غزة واستخدامهم من قبل الجيش بسرعة دون نقلهم إلى إسرائيل، وأحياناً لعدة أيام وحتى أسابيع. وكان استخدام «البعوض» أكثر بكثير من «الدبابير». وقال الجندي إنهم كانوا يعتبرون جميعهم (الفلسطينيين) قابلين للاستبدال. وتذكر أن ضابطاً قال له: «إذا انفجر النفق، فسوف يموت (الفلسطيني) على الأقل ولن يموت أحد منا».

وذكرت الصحيفة أنه داخل نفق تحت مجمع الأمم المتحدة، اكتشفت وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي بنكاً ضخماً من خوادم الكومبيوتر التي خلص الجيش الإسرائيلي لاحقاً إلى أنها مركز اتصالات رئيسي لـ«حماس»، وبعد أيام، أحضر الجيش مجموعة من الصحافيين، بما في ذلك من صحيفة «نيويورك تايمز»، لرؤية الخوادم في الأنفاق، ولم يكشف الجيش حينها عن استخدام معتقل فلسطيني لاستكشاف المنطقة. وكشف تحقيق الصحيفة تورط معتقل فلسطيني بعد أربعة أشهر تقريباً.

مُراقَب من مسيّرة «كواد كابتر»

وتم القبض على شبير بعد أن اجتاح الجيش حيّه على حافة خان يونس، في جنوب غزة، إذ أمر الجيش السكان بإخلاء الشقة، لكن عائلة شبير قررت الانتظار حتى التقدم الإسرائيلي الوشيك في شقتها في الطابق الرابع. وللخروج، كان على عائلة شبير أن تمر عبر نقاط تفتيش إسرائيلية، حيث واجهوا احتمال الاعتقال والاحتجاز.

وقال شبير إن عائلته سرعان ما وجدت نفسها في خضم معركة. وقال إن القذائف أصابت مبناهم، مما أسفر عن مقتل والده، وقال إن شقيقته، 15 عاماً، قُتلت بالرصاص بعد أن دخل جنود إسرائيليون المبنى. وقال إنه تم القبض عليه وفصله عن أقاربه الناجين.

وأردف شبير أنه حتى إطلاق سراحه دون تهمة بعد نحو 10 أيام، كان الجنود يرسلونه غالباً للتجول في شوارع خان يونس برفقة مسيرة صغيرة تعرف باسم «كواد كابتر». وقال إن المسيرة راقبت تحركاته وأصدرت له تعليمات من خلال مكبر الصوت الخاص بها.

وأُمر شوبير من قبل الجيش الإسرائيلي بالبحث بين الأنقاض عن مداخل الأنفاق. وقال إنه أُرسل إلى داخل المباني السكنية، وكانت الطائرة المسيرة تحوم على مقربة من رأسه، كما أُمر بالبحث عن جثث المسلحين، والتي يخشى الإسرائيليون عادة أن تكون مفخخة. وفي إحدى الشقق، رأى فخاً جعله يخشى على حياته، وتابع «لقد كان الأمر أصعب شيء مررت به. لقد فهمت أنه فخ». في النهاية، لم ينفجر الجهاز، لأسباب قال إنه لم يفهمها.

وقال إنه قبل أيام قليلة من إطلاق سراحه، فك الجنود قيود يديه وأجبروه على ارتداء زي عسكري إسرائيلي. ثم أطلقوا سراحه، وطلبوا منه أن يتجول في الشوارع، حتى يتمكن مقاتلو «حماس» من إطلاق النار عليه والكشف عن مواقعهم، كما قال. وأضاف أن الإسرائيليين كانوا يلاحقونه من مسافة بعيدة، وتابع الشاب الفلسطيني أنه بعد أن تحررت يداه لأول مرة منذ أيام، فكر في محاولة الفرار. ثم قرر عدم القيام بذلك. وقال: «كانت الطائرة المسيرة تتبعني وتراقب ما كنت أفعله. سيطلقون النار علي».