«وقت للتضامن» و«بيتنا بيتك»... لبنان يغص بحملات إنسانية لمساعدة النازحين من القصف الإسرائيلي

بين المبادرات الفردية وحملات المؤثرين على مواقع التواصل... اللبنانيون متمسكون بالتعاضد وسط التصعيد الأخير

متطوعون يقومون بإعداد ملاجئ للأشخاص الذين فروا من جنوب لبنان في أعقاب الضربات العسكرية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة (إ.ب.أ)
متطوعون يقومون بإعداد ملاجئ للأشخاص الذين فروا من جنوب لبنان في أعقاب الضربات العسكرية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة (إ.ب.أ)
TT

«وقت للتضامن» و«بيتنا بيتك»... لبنان يغص بحملات إنسانية لمساعدة النازحين من القصف الإسرائيلي

متطوعون يقومون بإعداد ملاجئ للأشخاص الذين فروا من جنوب لبنان في أعقاب الضربات العسكرية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة (إ.ب.أ)
متطوعون يقومون بإعداد ملاجئ للأشخاص الذين فروا من جنوب لبنان في أعقاب الضربات العسكرية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة (إ.ب.أ)

تعج المناطق اللبنانية التي لم يطلها القصف الإسرائيلي حتى الآن، والتي تعتبر آمنة نوعاً ما، مثل مدن وبلدات في جبل لبنان وشماله، بالنازحين الهاربين من الدمار والغارات، منذ يوم الاثنين.

وعند السير في شوارع مناطق جبلية مثل عاليه وبحمدون وصوفر وغيرها، نرى معظم المباني تعج بسكان جدد، وسيارات مكدسة بكل ما اتسع فيها من أمتعة، على أمل أن تكون كافية لمدة إقامة يأمل أصحابها أن تكون قصيرة.

وأعلن منسق خطة الطوارئ الحكومية، وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال في لبنان الدكتور ناصر ياسين أمس (الأربعاء) أن عدد النازحين خلال الـ72 ساعة الماضية بسبب الغارات الإسرائيلية على لبنان بلغ أكثر من 150 ألف شخص.

وقال الوزير ياسين خلال مؤتمر صحافي «تقديرنا أنه منذ 72 ساعة أصبح لدينا أكثر من 150 ألف شخص تركوا أراضيهم وبلداتهم وبيوتهم تحت وطأة القصف والمجازر»، مضيفاً «نقدر أن عدد النازحين في مراكز الإيواء يشكل نحو 30 في المائة من مجموع الأهالي الذين هجروا، وأصبحنا نقدر عدد النازحين من المناطق اللبنانية وخصوصاً الجنوب والبقاع بأكثر من 150 ألفاً حتى الساعة».

«وقت للتضامن»

مع موجة النزوح الكثيفة، تظهر حملات تضامن إنسانية واسعة مع المتضررين، حيث تكتسح مواقع التواصل الاجتماعي صفحات تدعو الناس للتبرع، وما هو أهم من ذلك، بروز نشاط اجتماعي فعال على الأرض، أمام المدارس التي تؤوي المتضررين، وحتى وسط الأحياء التي تستقبلهم في المدن والقرى المختلفة.

وتحت عنوان «وقت نتضامن» time for solidarity تنتقل مجموعة من الناشطين بين المدارس التي تؤوي النازحين، وتقوم بدراسة الوضع وتحديد الأولويات لما قد يحتاجونه من مساعدات طارئة مثل المياه الصالحة للشرب والطعام والملابس.

ويتحدث أحد مؤسسي هذه الحملة، علاء الصايغ لـ«الشرق الأوسط»، ويشرح أن «المبادرة بدأت من الأشخاص المتواجدين على الأرض منذ بداية النزوح، وبما أن قضاء عاليه يضم نحو 10 في المائة من النازحين، أي أكثر من 20 ألف نازح، وبغياب خطة طوارئ حكومية مناسبة، بدأنا العمل في أربع نقاط أساسية ضمن المناطق، وأولوياتنا هي الغذاء والسكن بالمدارس، وتأمين الملابس والمستلزمات الشخصية».

ويقول الصايغ إن المبادرة فردية، وبدأ الشباب في جمع التبرعات من بعضهم البعض قبل الانتقال إلى استقبال التبرعات عبر منصات لتحويل الأموال داخلياً.

ويؤكد الصايغ أن الإقبال على التطوع كبير، ويوضح «أصبح لدينا أكثر من 100 متطوع حتى الآن، وساعدنا أكثر من ألف نازح».

وعن مشهد التضامن الواسع، يعلق الصايغ «مشهد التضامن مهم وجيد، ولكن بهدف استدامة تدفق المساعدات، هناك حاجة إلى منظمات أكبر لدعم الشبكات المجتمعية التي تكتسب خبرة على الأرض في تلبية الحاجات والمتطلبات».

ويحذر الصايغ من أن الأزمة إذا استمرت «ستزيد من المعاناة المتراكمة في البلاد وسط أزمة النزوح السوري، والحالة الاقتصادية الصعبة للبنانيين أيضاً».

مستلزمات للتنظيف يجمعها الناشطون ضمن مدارس تستقبل النازحين في جبل لبنان (حملة وقت نتضامن)

وضمن الإطار نفسه، تتحدث الناشطة الاجتماعية اللبنانية لما حرب عن حملة التضامن الواسعة التي أطلقها الشباب والشابات في منطقتها في جبل لبنان، تحديداً في قرى الجرد مثل شارون وصوفر ومجدلبعنا والمشرفة التي تستقطب أعداداً كبيرة من النازحين.

وقالت حرب في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هبّ الكثير من الأشخاص في مناطقنا للتطوع ومساعدة النازحين، ومن هذه المبادرات الفردية ولد ما يعرف اليوم بـ(وقت نتضامن) مع شبان وشابات متحمسين للعمل الاجتماعي الخيري».

وأضافت «نحاول تلبية المتطلبات الأساسية أولاً، مثل الفراش للنوم وبعض المأكولات ومياه الشرب ووسائل النظافة الشخصية الأساسية، وحاجات الأطفال الصغار مثل الحليب والحفاضات وغيرها».

وتشرح حرب أن المتطوعين يحاولون في هذه المرحلة الأولية مساعدة النازحين في المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء لأن هؤلاء الأشخاص «فروا من القصف مع أمتعة قليلة ومن دون أي مستلزمات شخصية ووضعهم صعب».

طعام قام بتوزيعه شبان وشابات على النازحين في مدرسة بجبل لبنان (من حملة وقت نتضامن)

وتتحدث حرب عن الصعوبة التي يواجهها المتطوعون في تقسيم الغرف داخل المدارس بين العائلات، بسبب كثرة الأعداد، وعدم رغبة العائلات الغريبة عن بعضها في الاندماج والنوم في نفس الغرف، لأسباب ترتبط بالتقاليد الاجتماعية.

وتشير الناشطة إلى خطورة امتداد فترة النزوح أيضاً، وتقول «نحن اليوم نحاول ضمن مبادرات فردية المساعدة، وهناك طبعاً جمعيات كثيرة وأحزاب تحاول تقديم المعونة، ولكن في حال امتدت الحرب، فلا أحد يعرف ما إذا كنا سنقدر على تلبية احتياجات هذه الأعداد الكبيرة من النازحين بفاعلية».

ولا يغيب دور المغترب اللبناني أبداً في أي أزمة تواجهها بلاده، حيث أشارت حرب إلى مبادرات يقوم بها مغتربون في الخارج، حيث يرسلون الأموال لأشخاص موثوقين بهدف تأمين احتياجات النازحين بقدر الإمكان.

وفي بيروت، تحديداً منطقة فردان، تطوعت حرب في البداية لمساعدة النازحين هناك ضمن حملة أطلقتها المؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي غنى صنديد. وتوضح «بسبب كثرة المتطوعين في بيروت، قررت التوجه إلى جبل لبنان لأن هذه المناطق بحاجة للمساعدة أكثر».

وجبات غذائية يوزعها ناشطون على النازحين في مراكز الإيواء (حملة وقت نتضامن)

«شتاء من دون برد»

من بين الحملات الأخرى التي انطلقت في لبنان، يظهر نداء وجهته جمعية الكشاف اللبناني عبر أفواجها في كل البلاد، بضرورة التبرع بالملابس والأدوية والمستلزمات الشخصية، تحت شعار «شتاء من دون برد».

وجمعية الكشاف اللبناني هي جمعية كشفية مستقلة تعمل على تطوير مهارات الأفراد وصقل أدوارهم في المجتمع، ولها وجود في كل لبنان تقريباً.

يوضح مكرم أبو صالحة، قائد فوج منطقة عاليه في الجمعية «قررنا إطلاق الحملة لجمع التبرعات لأهلنا النازحين، في كل المناطق اللبنانية».

ويتابع «نعمل على لوائح تضم العائلات النازحة في كل منطقة على حدة، ونقوم باستطلاع ما تحتاجه هذه العائلات، لتصل لكل عائلة لاحقاً علبة تضم كل ما تحتاجها في الوقت الراهن».

ويشرح أبو صالحة «نحن في الكشافة لدينا شعار (كن دائماً مستعداً)، لذلك يجب علينا الاهتمام بتوزيع ما يلزم على أبواب الشتاء والاستعداد له، ونحاول دمج جميع أفرادنا، من كل الأعمار في عملية جمع المساعدات لتعليمهم أهمية التطوع».

دور «المؤثرين»

شارك المؤثرون اللبنانيون الذين يتابعهم الآلاف وأحياناً ملايين الأشخاص على منصاتهم بحملات جمع التبرعات للنازحين.

ومن بين المؤثرين الذين يستغلون صفحاتهم الشيف ليلى فتح الله التي تدعو من خلال فيديوهاتها الناس إلى التبرع بقدر الإمكان.

ونشرت المؤثرة سارة حمود التي يتابعها نحو مليوني شخص عبر «إنستغرام» فيديوهات وصوراً تظهر مشاركتها بحملة تجميع وتوزيع التبرعات على النازحين.

وشاركت فيديو تتحدث فيه عن قيامها إلى جانب بعض المؤثرين اللبنانيين الآخرين بجمع التبرعات لشراء ما يلزم للمتضررين من القصف.

من جهته، ينشر المؤثر باتريك داود فيديوهات أيضاً تُظهر حملة الدعم الواسعة التي يقودها، ومن أبرز ما يحاول طلبه من متابعيه مساعدته على العثور على منازل تؤوي النازحين، وقال في أحد الفيديوهات عبر «إنستغرام»، «كفى تجارة في ظل هذه الظروف، ولا تستغلوا الأمر لكسب المال»، في إشارة إلى الارتفاع الجنوني بأسعار الإيجارات وسط الطلب القوي على المساكن.

مبادرات فردية

لم يكن مشعل ماضي وزوجته ريم، أصحاب متجر لبيع الألبسة في منطقة العبادية، التابعة لقضاء بعبدا، في حيرة من أمرهما عندما سمعا عن توجه النازحين إلى مدارس في بلدتهما، حيث قررا التطوع والمساعدة بشكل عاجل.

وقالت ريم لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت فوراً، وبشكل فردي بالتوجه إلى المدارس ومحاولة مساعدة الشباب هناك لتأمين المياه والفراش والملابس الضرورية».

كما فتح مشعل وريم متجراً فرعياً أمام متجرهما الكبير، مخصصاً للنازحين الذين يحتاجون ألبسة بشكل أساسي، وتشرح «نحاول تقديم المساعدات ضمن قدرتنا، وبما يسمح لنا وضعنا، وسنعطي الألبسة مجاناً للعائلات الأكثر عوزاً».

ومن المبادرات الفردية الأخرى التي يحاول عبرها الناس المساعدة، تظهر لفتة من المواطن خضر الأخضر، وهو مدير مطعم في شارع الحمرا في بيروت.

وكتب الأخضر في منشور عبر منصة «فيسبوك»، «قررنا أنا والشيف والشباب أن نقوم بطهي الطعام وتوزيعه على المدارس التي تضم نازحين، وفي الأسبوع الأول ستتم تغطية النفقات من جيبنا الخاص».

ودعا الأخضر في منشور الناس على التبرع بمواد للطهي.

وفي منشور متابع، قال «اليوم كان طويلاً، واستطعنا الوصول إلى نحو 700 إلى 800 شخص... نحن لسنا جمعية ولا نتبع لأي جهة، والبادرة فردية... وصلتنا مساعدات كمواد غذائية وتحويلات أموال... سيستخدم ذلك لتلبية تكاليف الغاز».

«بيتنا بيتك»

بين الحملات الكثيرة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان، تبرز مبادرة «بيتنا بيتك» التي أطلقتها مجموعة «سندك» الشبابية المستقلة.

وتحاول هذه المبادرة تأمين منازل ومراكز إيواء لكل النازحين، وتعمل على «جمع التبرعات لتلبية احتياجات الناس الأساسية، وتأمين ملاجئ وأماكن للنوم لاستقبال المتضررين، وتوصيل المساعدات لهم، وتأمين المواد الغذائية والحليب والحفاضات وفرش النوم»، بحسب منشور للحملة عبر تطبيق «إنستغرام».

وتدعو الحملة الناس للتبرع بكل ما يمكنهم تقديمه، وفي كل المناطق اللبنانية.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

المشرق العربي أبنية مدمرة في منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب) play-circle 00:42

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

أعاد «حزب الله» تفعيل معادلة «بيروت مقابل تل أبيب» التي كثيراً ما رفعها، عبر استهداف قلب إسرائيل.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

​تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تجددت الغارة الإسرائيلية (الأحد) على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء موقعين

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي، بغارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي أصابت مركز الجيش اللبناني في منطقة العامرية في قضاء صور إثر استهدافه بقصف إسرائيلي مباشر (أ.ف.ب) play-circle 00:37

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن استهداف إسرائيل مركزاً للجيش اللبناني بالجنوب يمثل رسالة دموية مباشرة برفض مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت ذات طابع عسكري فقط؛ بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثل في ضرب منطقة أضحت بيئة مؤيدة لـ«حزب الله».

يوسف دياب (بيروت)

​تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
TT

​تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

تجددت الغارة الإسرائيلية، (الأحد)، على ضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء موقعين.

ووجَّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، إنذار إخلاء مرفقاً بخرائط إلى سكان منطقتي الحدث وبرج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقال: «أنتم توجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله)»، محذّراً من ضربات وشيكة على منطقة الغبيري.

وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان منذ إنهاء المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، زيارته إلى بيروت، الأربعاء الماضي، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل.

وبعد تبادل القصف مع «حزب الله» مدة عام تقريباً، بدأت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، حملة جوية واسعة تستهدف خصوصاً معاقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها. وأعلنت منذ نهاية الشهر نفسه بدء عمليات توغل بري في جنوب لبنان. وأحصى لبنان مقتل 3583 شخصاً على الأقل بنيران إسرائيلية منذ بدء «حزب الله» وإسرائيل تبادل القصف.