«حزب الله» يلجأ لـ«التقنين» باستخدام الصواريخ ودكّ الأهداف

خبير: فَقَدَ الردع... ويتجنّب استهداف مرفأ حيفا

جندي إسرائيلي يتفقّد موقعاً استهدفته صواريخ «حزب الله» في شمال إسرائيل (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي يتفقّد موقعاً استهدفته صواريخ «حزب الله» في شمال إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يلجأ لـ«التقنين» باستخدام الصواريخ ودكّ الأهداف

جندي إسرائيلي يتفقّد موقعاً استهدفته صواريخ «حزب الله» في شمال إسرائيل (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي يتفقّد موقعاً استهدفته صواريخ «حزب الله» في شمال إسرائيل (أ.ف.ب)

تمكّن «حزب الله» في الساعات الماضية من تنفيس بعض الاحتقان السائد في بيئته، بعد استخدامه صاروخاً باليستياً لاستهداف تل أبيب، وحتى لو لم يصل الصاروخ إلى هدفه، فإن لجوء الحزب لاستخدام هذا النوع من الأسلحة للمرة الأولى في الصراع مع إسرائيل، كما قراره ضرب تل أبيب، يشكّلان مفترقاً في الحرب الدائرة، وخصوصاً بعد الانتقادات اللاذعة لقيادة الحزب؛ لعدولها عن ترجمة معادلة الردع التي لطالما تحدثت عنها حين حان الوقت لذلك، أي بعد لجوء إسرائيل إلى الحرب الموسَّعة بوجه لبنان.

وبينما يَعُدّ خصوم الحزب أن ما هو حاصل دليل على أنه تلقى ضربة كبيرة خلال الأسبوع الماضي أدت إلى تضعضع في القيادة والسيطرة لديه، يتحدث مقرَّبون منه ومطّلعون على أجوائه عن «تكتيك عسكري» يعتمده، يتمثّل بـ«التقنين» باستخدام الصواريخ ودكّ الأهداف، بوصف أن ما تفضّله إسرائيل ضربة كبيرة واسعة وسريعة، وهو لا يرغب في إعطائها ما تريد، ويشير هؤلاء إلى أنه بات واضحاً أنه يعتمد «التصعيد التدريجي بالردود»؛ لعدم استهلاك مخزونه وعناصر قوته سريعاً.

الدخان يتصاعد نتيجة غارات جوية إسرائيلية في الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

ترسانة الحزب

وفي عام 2021، قال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، إن لدى حزبه 100 ألف مقاتل، فيما تقدِّر الاستخبارات الأميركية عدد مقاتليه بحوالي 45 ألفاً؛ 20 ألفاً منهم متفرغون.

ويشير رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر، إلى أن عدد قوات «الرضوان»، وهي قوات النخبة في الحزب، يُقدرها الإسرائيليون ما بين 3 و 4 آلاف، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قوته الأساسية هي القتال بالميدان، ولذلك فإن بقاء التراشق الناري كما هو ليس لصالحه، إنما لصالح إسرائيل؛ بوصفه أقوى في القتال على الأرض وجهاً لوجه».

وينقل جابر عن مراكز دراسات إسرائيلية «امتلاك الحزب بين 150 و 200 ألف صاروخ عادي غير باليستي وغير دقيق، وهي صواريخ متوسطة المدى وقريبة وبعيدة المدى، تصل إلى 150 كيلومتراً، كما أنه يمتلك 10 آلاف صاروخ باليستي دقيق أطلق واحداً منها فجر الأربعاء على تل أبيب، وهو لم يستخدم هذه الصواريخ إطلاقاً، كذلك لديه صواريخ (يوخونت) الدقيقة أرض - بحر، يقدّرها الجانب الإسرائيلي بـ75 صاروخاً، كما لديه زوارق سريعة كالتي يستخدمها الحوثيون، من دون أن ننسى امتلاكه لعدد كبير من المسيّرات يُرجّح أن يكون عددها عشرات الآلاف، والمؤكد أن لديه نماذج عن كل المسيّرات التي تمتلكها طهران».

تصعيد تدريجي

وشملت الصواريخ التي أطلقها «حزب الله» على إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، صواريخ كاتيوشا و«بركان»، بحمولة متفجرة تتراوح بين 300 و500 كيلوغرام، واعتمد الحزب بشكل أساسي على صواريخ الكاتيوشا، قبل أن يُدخل صواريخ «فلق 2» إيرانية الصنع التي يمكنها حمل رأس حربي كبير نسبياً.

ومع توسعة إسرائيل الحرب مطلع الأسبوع الحالي، أعلن تصعيد هجماته على شمال إسرائيل والجولان السوري المحتل، بإطلاق صواريخ من طراز فادي 1 و2، في رد على تفجيرات أجهزة «البيجر» وأجهزة اللاسلكي، علماً بأن الصاروخَين هما صاروخا أرض – أرض تكتيكيان، يُستخدمان في القصف المساحي غير النقطي.

وللمرة الأولى في صراعه مع إسرائيل، أدخل «حزب الله» الصواريخ الباليستية في المعادلة، حيث قصف مقرّ الموساد في تل أبيب، الذي قال إنه «المسؤول عن اغتيال قادته، إضافةً إلى مجزرة (البيجر) والأجهزة اللاسلكية».

إسرائيلي يسير قرب موقع استهدفه «حزب الله» بصواريخ قرب نهاريا (رويترز)

بنك الأهداف

وقبل أن يقصف تل أبيب، من دون أن يحقّق إصابات مباشرة فيها، مع تدخّل أنظمة الدفاع الإسرائيلية، بدا واضحاً أن الحزب يتفادى قصف أهداف كبيرة واستراتيجية، خشية إقدام إسرائيل على قصف مكثّف للضاحية الجنوبية لبيروت، ومرافق أساسية في البلد.

ورجّح العميد جابر أن يكون الحزب يتفادى ضرب الأهداف دفعة واحدة؛ لأنه يُبقي منها لمراحل لاحقة، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «استهداف ميناء حيفا مثلاً سيَعُدّه الإسرائيلي حجة للحرب الشاملة»، ورأى أن «الحزب بات يفقد الردع، باعتبار أنه إذا لم ترتدع إسرائيل في اليومين الماضيين فذلك يعني أنه فقد قوة الردع».

وفي الأشهر الماضية، كشف الحزب عن بنك أهدافه داخل إسرائيل، ونشر سلسلة فيديوهات بعنوان «الهدهد 1 و 2 و 3» صوّرتها طائراته المسيّرة، وشملت قواعد عسكرية ومخازن أسلحة وصواريخ وموانئ بحرية ومطارات بمدينة حيفا الواقعة على بُعد 27 كلم من الحدود اللبنانية، كما القواعد ومراكز قيادية إسرائيلية في منطقة الجولان المحتلة، إصافةً لقاعدة «رامات ديفيد الجوية».

واستهدف الحزب هذه القاعدة ومطار رامات ديفيد جنوب شرق حيفا، ومجمعات الصناعات العسكرية لشركة رافائيل شمال حيفا، مطلع الأسبوع الحالي، علماً بأنه مثلاً لم يُطلِق أي صواريخ باتجاه حقل كاريش، حيث يواصل الإسرائيليون استخراج الغاز، مع أن نصر الله كان قد هدَّد صراحةً بضربه عام 2022.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

المشرق العربي الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطا في بيروت (رويترز)

إسرائيل تطبق الحصار على مدينة الخيام تمهيداً لاقتحامها

قطعت القوات الإسرائيلية خطوط الإمداد إلى مدينة الخيام، وأحكمت طوقاً على المقاتلين الموجودين فيها، بعد تقدمها إلى بلدة ديرميماس المشرفة على مجرى نهر الليطاني

نذير رضا (بيروت)
خاص صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

خاص «وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

بعد قراره التراجع عن «وحدة الساحات» واقتناعه بـ«فصل المسارات»، باتت القوى السياسية لا تتردد باعتبار التزام «حزب الله» السابق بهذه الاستراتيجية خطأ استراتيجياً.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي عمال إنقاذ يبحثون بين الركام عن ناجين في موقع استهداف إسرائيلي لمنطقة البسطة في وسط بيروت (أ.ب)

تضارب حول اغتيال رئيس «هيئة العمليات» بـ«حزب الله» في غارة وسط بيروت

تضاربت الأنباء حول هوية القيادي من «حزب الله» الذي استهدفته غارة إسرائيلية عنيفة في وسط العاصمة اللبنانية، أدت إلى مقتل 11 شخصاً وإصابة آخرين بجروح

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عمال يزيلون الأنقاض من موقع غارة جوية إسرائيلية على احد المنازل في بعلبك (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 5 في قصف إسرائيلي على بعلبك

أفادت تقارير إعلامية لبنانية اليوم (السبت) بمقتل خمسة في قصف إسرائيلي استهدف بلدة شمسطار في بعلبك.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

قُتلت 3 سيدات فلسطينيات، صباح السبت، بعد إطلاق نار أمام أحد المخابز العاملة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في مشهد جديد يكشف عن حجم المأساة التي وصل إليها سكان القطاع في ظل تفاقم الظروف الإنسانية والحياتية. ووقع الحادث أمام مخبز «زادنا 2» في شارع البركة بدير البلح، حينما تم إطلاق نار في المكان، وسط تضارب للروايات حول ظروف إطلاق النار، وإذا ما كان مباشراً أو نتيجة خطأ.

فلسطينيون في دير البلح ينتظرون الحصول على خبز (أرشيفية - رويترز)

وتقف يومياً ولساعات، طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة» خبز واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً، ومن بينها المخبز الذي وقعت أمامه الحادثة، وهو يعد من أشهر المخابز، كما أنه الوحيد الذي لم يتوقف تقريباً عن العمل، قبل أن يضطر لإغلاق أبوابه بعد الحادثة المؤلمة. وبينما قال أصحاب المخبز، إن النساء قُتلن بعد إطلاق نار من خارج المخبز، بعد تدافع وقع خارجه، وإن مصدره ليس من الحراس الذين يقفون للتنظيم ولحماية المخبز من السرقة، بل كان نتيجة إشكالية خارجه بين أفراد من عائلتين، قال شهود عيان إن إطلاق النار تمّ من قبل أحد الحراس، لكنه لم يكن مباشراً، بل كان نتيجة انفلات سلاحه منه بعد إطلاقه النار في الهواء.

فلسطينيون أمام مخبز مقفل وسط غزة (أرشيفية - أ.ب)

وقال مصدر صحافي من دير البلح لـ«الشرق الأوسط»، إن عائلة المتهم بإطلاق النار اضطرت لترك منزلها خوفاً من عملية انتقامية ضدها، مشيراً إلى أن النساء اللواتي قتلن هن نازحات من مدينة غزة. وأوضح المصدر أن مُطلِق النار كان يقف أمام المخبز للمشاركة والمساهمة في حمايته، ضمن اتفاق جرى بين أصحاب المخبز وعوائل دير البلح؛ لتمكين المواطنين من الحصول على الخبز في ظل المجاعة الكبيرة التي باتت تزداد صعوبةً في مناطق وسط وجنوب القطاع. ويوجد في دير البلح نحو 850 ألف نازح، يضاف إليهم أكثر من 300 ألف نسمة من سكان المدينة.

فلسطيني يلوح بيده بعد الحصول على ربطة خبز في مدينة غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ودفع الحادث مخاتير ووجهاء المدينة للتدخل لمحاولة منع تفاقم الأوضاع فيها، وأن تكون هناك ردة فعل انتقامية تخرج عن سيطرة الجميع. وحمَّل بعض المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، المخاتير والوجهاء والشخصيات المختصة المسؤولية عن الحادث، بعد أن قرروا تخصيص كميات الطحين التي تدخل إلى دير البلح، لصالح المخابز، وبيع «ربطة واحدة» فقط لكل عائلة، لإتاحة الفرصة أمام العوائل الأخرى للحصول على حصة مماثلة. ورأى البعض أنه كان من الممكن أن يتم توزيع كيس طحين واحد على كل عائلة بدلاً من زيادة الازدحام على المخابز، وتحميل المواطنين فوق طاقاتهم بالانتظار لساعات طويلة جداً، من أجل الحصول على ربطة واحدة لا تكفي لوجبة طعام واحدة فقط.

فلسطيني يعبِّر عن فرحته بعد حصوله على أرغفة الخبز من مخبر في غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويصل سعر «ربطة الخبز» الواحدة داخل المخبز بعد اصطفاف طابور لساعات طويلة إلى 3 شواقل (أقل من دولار واحد بقليل)، بينما يصل السعر خارجه إلى 30 أو 40 شيقلاً (ما يعادل نحو 11 دولاراً)، في حين وصل سعر كيس الطحين الواحد في وسط وجنوب القطاع، إلى 1000 شيقل أو أكثر (أي ما يعادل نحو 255 دولاراً). ويعاني وسط وجنوب قطاع غزة، من نقص حاد في توفر كميات الطحين بفعل الإجراءات الإسرائيلية وسرقة المساعدات من قبل بعض عصابات اللصوص، إلا أن الأوضاع في الشمال بالنسبة لتوفر الطحين أفضل حالاً بعد أشهر من المجاعة التي عانى منها سكان تلك المناطق، واضطروا حينها لطحن أكل الحيوانات من أجل سد رمق جوعهم. وبدأت هذه المعاناة في وسط وجنوب القطاع منذ نحو شهر فقط، مع توقف إمدادات المساعدات الغذائية، وسرقة غالبية ما كان يتم السماح بدخوله، الأمر الذي أدى لمفاقمة الوضع الإنساني. وأفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن القوات الإسرائيلية منعت ثلثي عمليات المساعدات الإنسانية المختلفة، البالغ عددها 129، من الوصول إلى قطاع غزة، الأسبوع الماضي. وأجبر الواقع الحالي، أصحاب المخابز لنشر مسلحين لحماية الطحين المتوفر لديها، ومنع سرقته من قبل عصابات اللصوص المنتشرة بشكل كبير. ولجأت بعض المخابز لاستئجار أولئك المسلحين على هيئة حراس أمنيين، في حين اتفق وجهاء ومخاتير وجهات مختصة مع مسلحين من عوائل لحماية المخابز في مناطقهم التي يعيشون فيها. ويتخوف السكان من استمرار إسرائيل في التلاعب بإدخال كميات مساعدات كافية، الأمر الذي سيفاقم من حالة المجاعة التي تزداد حالياً في مناطق وسط وجنوب القطاع بشكل أكبر من الشمال الذي عاش هذه الظروف بشكل أقسى لأشهر عدة.