النازحون اللبنانيون يدفعون ثمن الأمان باهظاً... والإيجارات بآلاف الدولارات

مالكون يؤجرون بمنازلهم للاستفادة... ولبنانيون بيوتهم مفتوحة بالمجان

زحمة خانقة في بلدة الدامور جنوب العاصمة بيروت حيث يفر الناس من جنوب لبنان (أ.ف.ب)
زحمة خانقة في بلدة الدامور جنوب العاصمة بيروت حيث يفر الناس من جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

النازحون اللبنانيون يدفعون ثمن الأمان باهظاً... والإيجارات بآلاف الدولارات

زحمة خانقة في بلدة الدامور جنوب العاصمة بيروت حيث يفر الناس من جنوب لبنان (أ.ف.ب)
زحمة خانقة في بلدة الدامور جنوب العاصمة بيروت حيث يفر الناس من جنوب لبنان (أ.ف.ب)

لم تجد اللبنانية أسمهان شقير غرفة آمنة تؤوي عائلة زوجها النازحة من النبطية كفرمان في جنوب لبنان إلا بشق الأنفاس وببدل إيجار ناري.

وتروي أسمهان، المقيمة في قطر مع زوجها وابنتها، لـ«الشرق الأوسط»، المشقة التي عاشتها عائلة زوجها لإيجاد مسكن يؤويها بعدما نزحت يوم الاثنين الماضي مع تصاعد القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان، والأسعار الخيالية التي تلقتها وكانت تصل إلى 3000 دولار في الشهر الواحد.

وبعد التصعيد العسكري الأخير استهدف القصف الإسرائيلي المنازل السكنية الآمنة وأسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، ما تسبب بأكبر موجة نزوح يشهدها لبنان من قرى وبلدات الجنوب منذ «حرب تموز» 2006، حيث بلغ عدد النازحين نصف مليون شخص، وفق ما أعلن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، والغالبية العظمى منهم خرجت من المنازل من دون أن يكون لديها مكان تلجأ إليه.

وتقول أسمهان: «في الوقت الذي كان أهل زوجي عالقين في زحمة السير لنحو 16 ساعة وسط موجة النزوح الكبيرة الاثنين، كنا نحاول أن نجد لهم مكاناً ليذهبوا إليه... لم نكن نطلب منزلاً بلا مقابل، بل كنا نريد منزلاً نستأجره للعائلة المؤلفة من 6 أشخاص وطفلة عمرها شهر واحد».

أغلب النازحين تركوا قراهم من دون أن تكون لديهم وجهة محددة يلجأون إليها (إ.ب.أ)

وفي حين فعلت الدولة اللبنانية خطة الطوارئ لإيواء النازحين في المدارس وتقديم المساعدات اللازمة لهم، يبحث البعض عن مساكن في مناطق آمنة، ما يفتح الباب أمام بعض ملاك العقارات لاستغلال الظروف القاهرة ورفع أسعار الإيجارات بشكل كبير، كما فرض البعض شروطاً قاسية على المستأجرين، بما في ذلك دفع عدة أشهر سلفاً إضافة إلى التأمينات.

إيجارات بـ3000 دولار

وبحثت أسمهان وزوجها وأصدقاؤها المقيمون في لبنان في البداية عن منزل في الجبل، حيث تركز البحث في البداية في منطقتي عاليه وبيصور، وتضيف: «كانوا يطلبون نحو 2500 أو 3000 دولار بدل إيجار. بعض الذين كانوا يحاولون تسهيل الموضوع علينا كانوا يطلبون الدفعة بشكل شهري، أما البعض الآخر كان يطلب بدل إيجار لستة أشهر سلفاً إضافة إلى تأمين، ناهيك عن السماسرة الذين كانوا يطلبون مبلغ 500 أو 600 دولار إضافية».

أما في بشامون وعرمون فكانت الإيجارات بحدود الـ800 دولار، مع العلم أن الشقق نفسها كان ممكن تأجيرها بنحو الـ400 دولار قبل الاثنين، ومع ذلك لم تجد أسمهان شقة لعائلة زوجها؛ لأنها كانت كلها قد أجرت بالفعل.

وانتهى المطاف بالعائلة في شاليه في منطقة طبرجا، حيث استأجروا غرفتي نوم الواحدة منها بـ600 دولار، أي 1200 دولار شهرياً، وتؤكد أسمهان أن «السعر مرتفع بالنسبة لأشخاص مهجرين، خصوصاً أننا كنا بحاجة لبيت مفروش، في الشاليه لا يستطيعون تحضير الطعام أو غسل الملابس، فهو عبارة عن غرفة نوم فقط».

«صاحب الملك سلطان»

وفي هذا الإطار، يوضح رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى لـ«الشرق الأوسط»، أن «صاحب الملك سلطان ولا أحد يستطيع بالقانون أن يملي عليه ماذا يفعل بملكه»، مشيراً إلى أنه لا توجد أي سلطة من الدولة لوضع حد لأسعار الإيجارات.

ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي تضج بالحديث عن ارتفاع أسعار الإيجارات بعد قصف يوم الاثنين، يقول موسى: «إلى اليوم لم نر ارتفاعاً في أسعار الإيجارات مثلما حصل في الصيف، وربما الارتفاع في بعض المناطق، لكن الأمور تتطور بشكل سريع جداً، وكمية الناس التي تطلب شقق للإيجار مخيفة».

وشهد لبنان ارتفاعاً جنونياً في أسعار الإيجارات خلال الصيف، مع توافد المغتربين إلى لبنان، إضافة إلى ارتفاع حدة المناوشات في الجنوب والاستهدافات في الضاحية الجنوبية، ما زاد الطلب على المساكن في الأماكن الآمنة، إلا أن ارتفاع الأسعار عاد لينخفض مع دخول شهر سبتمبر (أيلول).

وإذ يؤكد أن هناك عشوائية وفوضوية في أسعار الإيجارات، يشرح أن «الموضوع يخضع للعرض والطلب، واليوم الطلب أكثر بكثير من العرض».

ويضيف: «لا أحد يستطيع الحد من ارتفاع الأسعار، ولا نستطيع أن نحدد طريقة الدفع إن كانت بالسلف أو شهرية؛ فهذا يحدده المالك مع المستأجر، وعلى المستأجر أن يرضخ لشروط المؤجر وهذا القانون».

أما عن الحلول، فيقترح موسى للمرحلة المقبلة أن يكون هناك تشريع للظروف الاستثنائية والحروب والكوارث، حيث يفرض على المالك تأجير العقار على سعر آخر مبلغ سند إيجار مسجل لدى البلدية، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحتاج لتشريع.

«لنفيد ونستفيد»

ويواجه العديد من النازحين الأزمة نفسها، حيث يجدون مساكن ببدل إيجارات مرتفعة جداً، يحاول بعض الملاك الاستفادة والإفادة في آن واحد.

ويخبر أمجد، وهو اسم مستعار، «الشرق الأوسط»، بأنه انتقل مع زوجته من منزله الكائن في منطقة مار إلياس في العاصمة بيروت للإقامة مع أهله، وأجر منزله لعائلة نازحة بسعر «جد مقبول»، على حد وصفه.

ويقول: «طلبت 800 دولار بدل إيجار في الشهر، خصوصاً أن الشقة مساحتها 150 متراً وهي مفروشة ومجهزة بالكامل... فهذا المنزل الذي أسكن فيه مع عائلتي».

وعن السبب الذي دفعه إلى القيام بهذه الخطوة، يوضح أمجد أنه أراد الاستفادة مادياً من ناحية، ومن ناحية أخرى أراد أن يساعد العائلات النازحة، ويضيف: «كلمني صديق لي من سكان النبطية وكان لا يعلم أين يذهب مع عائلته، فقدمت له منزلي بإيجار لا يستنزفه ويساعدني مادياً».

أما عن المدة التي سيبقى فيها المستأجر، وعما إذا كان أمجد سيسمح ببقائه في حال طالت الحرب على الجنوب، يجيب بأنه لا يعتقد أن الأمر سيطول لأكثر من شهر أو شهرين، لكن إذا طال سيكون عليه أن يبحث عن منزل آخر.

«من هدفه المساعدة لا يستغل الناس»

لكن بالمقابل، يفتح العديد من المالكين بيوتهم مجاناً لإيواء النازحين، فاللبنانية منى لم تتردد للحظة في فتح منزل والدتها المسافرة في عبرا لاستقبال عائلة نازحة من منطقة الغازية.

وتحكي منى وهي متزوجة لـ«الشرق الأوسط»، أنها كانت تجري اتصالات يوم الاثنين لكل معارفها الذين يسكنون في مناطق خطرة في الجنوب للاطمئنان عليهم، وكانت تكرر للجميع: «منازلنا مفتوحة لكم في أي لحظة».

وتقول: «الناس خرجوا من منازلهم ولم يكونوا يعرفون إلى أين يذهبون، فطلبت مني صديقة في آخر لحظة أن تبقى في منزل والدتي ليوم واحد لتكون قد أمنت وعائلتها مسكناً، لكني أصررت أن يبقوا».

وتؤكد منى أن «كل ما نستطيع أن نقدمه الآن هو مساعدة النازحين وهذا أقل واجب»، مشددة على أن «الهدف ليس الاستفادة، بل تأمين مأوى للنازحين، حتى لو اضطر الأمر لنفتح بيوتنا. من هدفه المساعدة يجب ألا يستغل الناس».


مقالات ذات صلة

ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

المشرق العربي أقراص من «الكبتاغون» مبعثرة بعد العثور عليها قرب العاصمة السورية دمشق الأسبوع الماضي (رويترز) play-circle 02:40

ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد تم الكشف عن منشآت تصنيع مخدر «الكبتاغون» على نطاق واسع في جميع أنحاء سوريا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهولة الهوية بمخزن للأدوية في منطقة السيدة زينب بدمشق (أ.ف.ب)

العثور على جثث مجهولة الهوية في منطقة السيدة زينب بدمشق

أعلن عضو مجلس إدارة في الدفاع المدني السوري، عمار السلمو، اليوم الأربعاء، أن فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهولة الهوية في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جلسة سابقة للبرلمان السويسري في العاصمة برن (أ.ف.ب)

البرلمان السويسري يحظر «حزب الله»

صوّت البرلمان السويسري، اليوم الثلاثاء، لصالح حظر «حزب الله» في خطوة يندر أن تقوم بها الدولة المحايدة.

«الشرق الأوسط» (زيوريخ)
تحليل إخباري رجل يحمل راية «حزب الله» على مبانٍ مدمرة في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)

تحليل إخباري الحرب الإسرائيلية وسقوط الأسد أفقدا «حزب الله» معادلة التحكّم بالاستحقاق

فرضت الحرب الإسرائيلية على لبنان وسقوط الأسد واقعهما على استحقاق انتخابات الرئاسة اللبنانية وأفقدا «حزب الله» وحلفاء النظام السوري قدرة التحكّم بانتخاب الرئيس.

يوسف دياب
المشرق العربي شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

الدمار والتعويضات يخلقان نقمة في بيئة «حزب الله»

خلقت أزمة الدمار الكبير في جنوب لبنان والالتباس حول تعويض المتضررين نقمة بدأت تخرج إلى العلن في بيئة «حزب الله». وظهرت ملامح تململ في رفض البعض العودة إلى الضاح

كارولين عاكوم (بيروت)

قائد الإدارة الجديدة في سوريا التقى فاروق الشرع ودعاه لحوار وطني

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)
TT

قائد الإدارة الجديدة في سوريا التقى فاروق الشرع ودعاه لحوار وطني

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)

التقى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، اليوم الأحد، فاروق الشرع، نائبَ الرئيس السابق، والذي أُبعد عن المشهد السياسي في الأعوام الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، ودعاه لحضور مؤتمر حوار وطني، وفق ما أفاد به أحد أقرباء المسؤول السابق.

وقال مروان الشرع، وهو ابن عم فاروق، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في اتصال هاتفي: «منذ الأيام الأولى لدخول أحمد الشرع إلى دمشق، زار فاروق الشرع بمكان إقامته في إحدى ضواحي دمشق، ووجّه له دعوة لحضور مؤتمر وطني سيعقد قريباً».

وأضاف: «قبِل ابن عمي الأستاذ فاروق الدعوة وبصدر رحب. وللصدفة، فإن آخر ظهور علني لابن عمي كان في (مؤتمر الحوار الوطني) بفندق (صحارى) عام 2011، وأول ظهور علني له بعد ذلك سيكون في (مؤتمر الحوار الوطني) المقبل».

نائب الرئيس وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع مع الشاعر هادي دانيال (فيسبوك)

كان فاروق الشرع، على مدى أكثر من عقدين، أحد أبرز الدعامات التي رسمت السياسة الخارجية لسوريا. وشغل السياسي المخضرم منصب وزير الخارجية بدءاً من عام 1984 خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وبقي فيه مع تولّي نجله بشار السلطة في عام 2000.

عُيّن نائباً لرئيس الجمهورية عام 2006، وترأس مؤتمر حوار وطني في فندق «صحارى» بدمشق عام 2011، بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات المناهضة للأسد. وأدلى الشرع خلال المؤتمر بتصريحات تنادي بتسوية سياسية للنزاع، غاب بعدها عن المشهد السياسي والأنظار لفترة طويلة.

وأوضح قريبه أن فاروق الشرع البالغ حالياً (86 عاماً)، كان «قيد الإقامة الجبرية، وسُجِن سائقه ومرافقه الشخصي بتهمة تسهيل محاولة انشقاقه (عن حكم الأسد) ولم يسمح له طوال الفترة الماضية بمغادرة دمشق».

صورة تجمع (من اليمين) فارس بويز ورفيق الحريري وفاروق الشرع وإلياس الهراوي وعبد الحليم خدام وغازي كنعان (غيتي)

وتابع: «ابن عمي بصحة جيدة ويتحضّر حالياً لإصدار كتاب عن كامل مرحلة حكم بشار منذ عام 2000 وحتى الآن».

وطرح فاروق الشرع منذ بداية الاحتجاجات أن يؤدي دور الوسيط، بعدما وجد نفسه بين شِقَّي ولائه للنظام القائم، وارتباطه بمسقط رأسه درعا (جنوب) حيث اندلعت شرارة الاحتجاجات.

غاب عن عدسات وسائل الإعلام واللقاءات الرسمية منذ عام 2011، باستثناء مرات نادرة ظهر فيها بمجالس عزاء أو خلال زيارة شخصية؛ في صور بدت مسرّبة.

وأشار مروان، الذي يقول إنه مؤرّخ نسب العائلة، إلى وجود صلة قرابة بعيدة بين أحمد وفاروق الشرع، موضحاً: «نحن عائلة واحدة في الأساس، وشقيق جدّ أحمد الشرع متزوّج من عمّة فاروق».

وكان فاروق الشرع المسؤول الوحيد الذي أخرج إلى العلن تبايناته مع مقاربة الأسد للتعامل مع الاحتجاجات.

وقال في مقابلة مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية خلال ديسمبر (كانون الأول) 2012، إن الأسد «لا يخفي رغبته بحسم الأمور عسكرياً حتى تحقيق النصر النهائي». وأضاف: «ليس في إمكان كل المعارضات حسم المعركة عسكرياً، كما أن ما تقوم به قوات الأمن ووحدات الجيش لن يحقق حسماً».

ودعا فاروق الشرع، الذي طُرح اسمه مراراً في السابق لاحتمال تولي سدة المسؤولية خلفاً للأسد في حال التوافق على فترة انتقالية للخروج من الأزمة، إلى «تسوية تاريخية» تشمل الدول الإقليمية وأعضاء مجلس الأمن الدولي.

وأُبعد الشرع من القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في يوليو (تموز) 2013. وبعد نحو 25 عاماً في الرئاسة، انتهى حكم بشار الأسد في فجر 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي مع دخول فصائل معارضة تقودها «هيئة تحرير الشام» بزعامة أحمد الشرع، الذي كان يعرف باسم «أبو محمد الجولاني»، دمشق وفرار الرئيس.