حصان طروادة من نوع جديد

«حزب الله» وإسرائيل وحالة اللاتماثل في الحرب

غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا الحدودية (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا الحدودية (أ.ف.ب)
TT

حصان طروادة من نوع جديد

غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا الحدودية (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا الحدودية (أ.ف.ب)

ارتبط دائماً مفهوم حصان طروادة في الحروب والصراعات بعاملَي المفاجأة والخداع؛ أن تخترق جهوزية العدو العسكرية دون أن يدري، وأن تدرس ثقافة العدو الاستراتيجيّة بعمق، وأن تفهمها لتخطط بناءً عليها. كل هذا في سبيل خلق حالة اللاتماثل (Asymmetry) مع العدو.

وقد تعطي حالة اللاتماثل أفضلية لفريق على آخر، لكن هذه الأفضلية مؤقتة، فهي تسقط بمجرد أن يعي الآخر واقعه الميداني والعسكري. إذن، اللاتماثل هو حالة متنقّلة ومتأرجحة بين أفرقاء الصراع، وهي دائمة ومستمرّة في الزمان والمكان إبان الصراعات والحروب.

حصان طروادة «حزب الله»

يعتمد «حزب الله» اللاتماثل بامتياز ضد الجيش الإسرائيليّ، خصوصاً أن الجيش الإسرائيليّ يُصنّف على أنه جيش ما بعد الحداثة، وهو جيش يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة بهدف تجنّب الخسائر البشرية في صفوفه. ويُعد «حزب الله» نفسه من جهّة أخرى على أنه لاعب من خارج إطار الدولة (Non State Actor)، لا تقيّده قرارات الدولة اللبنانية العاجزة، وهو من ضمن وحدة الساحات وما يُسمّى بمحور المقاومة. هو لاعب لا يمكن لإسرائيل قياس النجاح في حربها ضدّه، كما لا يمكن ردعه. هو لاعب هجين (Hybrid). هو في الدولة عندما يناسبه الأمر، وخارجها عندما تتطلّب منه الضرورات الاستراتيجية التي يرسمها اللاعب الأصيل.

يُركّز «حزب الله» على ما يُسمّى بالـ«Low-Tec» في ترسانته العسكرية القديمة، كما يُركّز على استعمال الكميّة مقابل النوعيّة في السلاح لضرب التفوّق التكنولوجي للجيش الإسرائيليّ. كذلك يُخطط لإطالة الحرب قدر الإمكان بهدف استنزاف الجيش الإسرائيليّ، الذي كان قد أُعدّ ودُرّب في عقيدته العسكرية الاستراتيجية على الحسم السريع.

ومن خلال هذه المقاربة لـ«حزب الله»، يريد الحزب خلق لاتماثلية لا يمكن للجيش الإسرائيليّ تخطيها والهروب منها. فهل يمكن للجيش الإسرائيليّ الهروب من القدر الجغرافيّ؟ أو الهروب من القدر الطوبوغرافيّ؟ أو التعويض في القدرية الديموغرافيّة؟

ردّت إسرائيل على «حزب الله» بحصان طروادة من نوع مختلف، هو ليس الأحدث. فبدل استعمال التكنولوجيا الرقميّة (Digital) استعملت تكنولوجيا الموجة (Analogue). وإذا كان «حزب الله» يهرب من وسائل الاتصال الأحدث تكنولوجياً لأنها هشّة أمنيّاً، وذلك بسبب التفوّق الإسرائيلي في هذا المجال، فإن إسرائيل عادت إلى التكنولوجيا القديمة نسبياً كي تنفّذ هجومها.

هو سلاح مُصمّم ضد أشخاص معيّنين. فإذا كنت تحمل جهازاً كان الحزب قد وزّعه بهدف حماية التواصل بين عناصره وضمن مجتمعه الحاضن، وإذا كان هذا الجهاز يرمز إلى الانتماء، ويميّزك عن غيرك من المواطنين على أنك مقاوم، إذن، أنت هدف عسكري محتمل.

وقد عكست الإصابات خريطة المناطق الجغرافيّة للانتماء، حتى إن «داتا» المستشفيات سوف تكون مصدراً مهمّاً لتقدير حجم خسائر الحزب البشريّة، كما ستكون مقياساً مهماً لقياس نجاح الهجوم.

وبذلك، تكون إسرائيل قد استعملت ما يُسمّى بالـ«Hi-Tec»، ضد عدوّ يركز على الـ«Low-Tec»، لضرب تفوّقها التكنولوجي. والهدف من ذلك هو خلق اللاتماثل تجاه «حزب الله» ووضعه في موقع الضعيف.

في تحليل ما جرى

- إنه الاستطلاع عبر الموجات بدل الاستطلاع بالنار، وهي أدقّ من الاستطلاع بالنار، فقط لأن نتائجها بدت ظاهرة وجلية ومنقولة «آنياً»، (Real Time) على وسائل التواصل الاجتماعي.

- إنه هجوم مفاجئ، لكنه مُحضّر مسبقاً، اعتمد على عملية خداع. ألا تقوم الحرب ككل على الخداع كما قال المفكّر الصيني صان تسو؟ إنها «بيرل هاربور (حزب الله)». وقد عكست هذه العملية هشاشة الأمن العملاني لبنية «حزب الله» العملانيّة، خصوصاً أن الحزب يعد نفسه منظومة مغلقة، حصريّة وآمنة.

- إنه هجوم من نوع فريد. فبغضّ النظر عن الأمور التقنية البحتة، وتعقيدات العملية ككلّ، فإنها أول هجوم يستعمل التكنولوجيا ذات الاستعمال المزدوج لتنفيذ عملية ضد العدو. إنها أوّل عملية تضرب خلفيّة العدو بأقل كلفة ممكنة. وبدل المناورة البريّة لضرب خلفية العدو كما نظّر المفكّر الإنجليزي ليدل هارت، أتت المناورة لضرب عمق العدو عبر الأثير.

- في العقل العسكري الغربي، عادة، وقبل الهجوم البريّ، لا بد من حملة جوية مُكثّفة لضرب مراكز ثقل العدو تسهيلاً للتقدّم البرّي. فهل كان هذا الهجوم على أجهزة اتصال «حزب الله» مُعدّاً ومُخططاً له ليكون بمثابة الحملة الجويّة؟

- تزامن الهجوم مع تحوّلات في المقاربة الإسرائيلية للحرب، كانت قد بدأت بعيد مجزرة مجدل شمس في الجولان. فبعد الحادثة، اغتيل فؤاد شكر وإسماعيل هنيّة، وبدأنا نلاحظ انتقال الجهد العسكري الإسرائيلي الأساسيّ من جبهة غزّة إلى جبهة لبنان.

- قد يمكن إضافة عملية التفجير هذه إلى المقاربة الإسرائيلية تجاه تركيبة منظومة «حزب الله»، خصوصاً العسكريّة، لا سيما وأنها تتعلّق بمنظومة القيادة والسيطرة. فهي استهدفت من قَبل القيادات العملانية من الأدنى وصولاً إلى رئيس الأركان في «حزب الله» فؤاد شكر، كما سعت إلى ضرب عمق «حزب الله»، خصوصاً المواقع اللوجيستية في منطقة البقاع وغيرها من المناطق. وها هي اليوم تحشد في الشمال لردع «حزب الله»، كما تقوم بعمليات استباقية لضرب المنصّات الصاروخية التابعة للحزب، كونها تشكّل عموده الفقري في حربه مع إسرائيل. وبهذه المقاربة قد يمكن القول إن إسرائيل تَعدُّ «حزب الله» منظومة مترابطة بعضها مع بعض، وفيها مراكز ثقل وآلية عمل ترتكز عليها. وبمجرّد ضرب مراكز الثقل هذه فإن «حزب الله» ككل سيصبح خارج الميدان.

يختلف هذا الهجوم عن الهجمات المباشرة، كاغتيال القيادات مثلاً، بأنه «ناعم» ودموي في الوقت نفسه. بكلام آخر، لا خبرات تاريخية تراكمية في المكتبات الحربيّة لنوع كهذا من الحروب. وفي هذا الهجوم طريق الحقيقة طويل ومعقّد، وقد يمكن النكران، ولا يمكن تحديد المسؤولية عنه بشكل كامل، حتى إن القانون الدولي يحتار في كيفيّة التعامل مع هذه المخاطر الجديدة.


مقالات ذات صلة

سلام: نشر السلطة في كل لبنان... وعدم إقصاء أحد

المشرق العربي 
رئيس الجمهورية اللبناني مجتمعاً مع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة المكلف أمس (رويترز)

سلام: نشر السلطة في كل لبنان... وعدم إقصاء أحد

تكثفت الاتصالات في لبنان لمعالجة تداعيات تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة وسط معارضة «حزب الله» وحركة «أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري لهذا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام يلوح بيده لدى وصوله للقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون (إ.ب.أ) play-circle 01:44

ما مشكلة «الثنائي الشيعي» مع رئيس الحكومة المكلف نواف سلام؟

يستغرب كثيرون معارضة «الثنائي الشيعي (حزب الله) و(حركة أمل)» الشديدة تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام يدلي بتصريح عقب اجتماع مع الرئيس اللبناني جوزيف عون في القصر الرئاسي في بعبدا (إ.ب.أ)

عون يقود مساعي لتجنب مقاطعة شيعية للحكومة... وبري: الأمور ليست سلبية للغاية

وصل رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام إلى بيروت، لبدء المشاورات النيابية لتشكيل حكومةٍ طمأن إلى أنها «ليست للإقصاء».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي كتلة نواب «حزب الله» بعد لقاء رئيس الجمهورية جوزيف عون (أ.ب)

لبنان... «الثنائي الشيعي» يهدد وسلام يستوعب رد فعله ويطمئنه

توقفت الأوساط السياسية أمام رد فعل «الثنائي الشيعي» على التبدُّل المفاجئ للمزاج النيابي الذي سمّى رئيس «محكمة العدل الدولية» نوّاف سلام رئيساً للحكومة.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون خلال اجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الاثنين في قصر بعبدا (أ.ف.ب)

«خريطة طريق» فرنسية طموحة جداً للبنان

تواكب باريس عن قرب التطورات الإيجابية التي يشهدها لبنان بدءاً بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وتكليف نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى.

ميشال أبونجم (باريس)

«هدنة غزة» تختمر... وتنتظر الإعلان


فلسطينيون يقفون أمام سيارة مدمرة وسط أنقاض مبنى منهار بعد قصف إسرائيلي في مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يقفون أمام سيارة مدمرة وسط أنقاض مبنى منهار بعد قصف إسرائيلي في مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة» تختمر... وتنتظر الإعلان


فلسطينيون يقفون أمام سيارة مدمرة وسط أنقاض مبنى منهار بعد قصف إسرائيلي في مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يقفون أمام سيارة مدمرة وسط أنقاض مبنى منهار بعد قصف إسرائيلي في مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)

اختمرت على نحو كبير، حتى مساء أمس، ملامح اتفاق لوقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل بعد 15 شهراً من الحرب، وسط ترجيحات كبيرة بقرب إعلانه.

وتحدثت مصادر من حركة «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، عن أن المرحلة الأولى للاتفاق ستكون لمدة 60 يوماً، وتتضمن انسحاباً برياً «تدريجياً» لإسرائيل من محوري نتساريم، وفيلادلفيا. لكن مصدراً من «حماس» قال لـ«رويترز» في ساعة متأخرة من مساء أمس، إن الحركة لم ترد على الوسطاء، حتى وقت تصريحه، «بسبب عدم تسليم إسرائيل خرائط الانسحاب».

وواكبت إسرائيل قرب الاتفاق، بمزيد من المجازر في القطاع، ما أسفر عن مقتل 18 شخصاً بينهم أطفال، ورفع حصيلة الضحايا منذ بدء الحرب إلى 46645 قتيلاً.

وسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إلى لجم معارضي الصفقة من اليمين المتطرف عبر اجتماعات مع رموزه، وذلك بعد تهديد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بالاستقالة رداً على الاتفاق.

أميركياً، أعلن الوزير أنتوني بلينكن، في خطابه الأخير بصفته وزيراً للخارجية، عن اعتزام إدارة الرئيس جو بايدن، تسليم «خطة اليوم التالي» في غزة إلى إدارة الرئيس دونالد ترمب.