تقرير: نظام الاتصالات منخفض التقنية ينقذ السنوار من الموت المحتم

زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار (د.ب.أ)
زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار (د.ب.أ)
TT

تقرير: نظام الاتصالات منخفض التقنية ينقذ السنوار من الموت المحتم

زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار (د.ب.أ)
زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار (د.ب.أ)

كان من الممكن أن يكون زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار مقتولاً اليوم، لولا نظام الاتصالات منخفض التقنية الذي يحميه من شبكة جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، حسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.

لقد تجنّب السنوار، إلى حد كبير، المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، وغيرها من الاتصالات الإلكترونية التي يمكن لإسرائيل تعقبها، والتي أدت إلى موت نشطاء آخرين في «حماس».

وبدلاً من ذلك، فإن السنوار يستخدم نظاماً معقّداً من الرسائل والرموز والملاحظات المكتوبة بخط اليد التي تسمح له بتوجيه عمليات «حماس» حتى في أثناء الاختباء داخل الأنفاق تحت الأرض، وفقاً لوسطاء في وقف إطلاق النار.

أزعجت هذه الطريقة منخفضة التقنية وسائل الاتصال العسكرية الإسرائيلية، العازمة على العثور على مهندس هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، وبدء الحرب في غزة.

حتى مع السيطرة العسكرية على قطاع غزة لم تتوصل المخابرات الإسرائيلية إلى السنوار الذي تضعه على رأس لائحة استهدافاتها. ولم يُشاهد السنوار علناً منذ بدء الحرب في الخريف الماضي.

وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم يعتقدون أنه مختبئ في مدينة غزة. إن لمحة عن كيفية بقاء السنوار على قيد الحياة تأتي من وسطاء عرب نقلوا الرسائل ذهاباً وإياباً خلال محادثات وقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل، التي لا تتحدث مباشرة مع بعضها.

قال الوسطاء إن الرسالة النموذجية من السنوار ستكون الآن مكتوبة بخط اليد، ويجري تمريرها أولاً إلى عضو موثوق به في «حماس» ينقلها على طول سلسلة من الرسل، وقد يكون بعضهم مدنيين. وغالباً ما تكون الرسائل مشفرة، برموز مختلفة لمتسلمين مختلفين وظروف وأوقات مختلفة، بناءً على نظام طوّره السنوار وسجناء آخرون في أثناء وجودهم داخل السجون الإسرائيلية.

وقال الوسطاء إن المذكرة قد تصل بعد ذلك إلى وسيط عربي داخل غزة، أو عميل آخر لحركة «حماس» يستخدم هاتفاً أو طريقة أخرى؛ لإرسالها إلى أعضاء الجماعة.

لقد أصبحت أساليب اتصالات السنوار أكثر حذراً وتعقيداً، إذ تمكّنت إسرائيل من العثور على رفاقه رفيعي المستوى وقتلهم، خصوصاً هجوم بيروت الذي قتل نائب الزعيم السياسي لـ«حماس»، مؤسس الجناح العسكري للجماعة، صالح العاروري.

 

سلوك شخصي صارم

يقول رئيس الشؤون الفلسطينية السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مايكل ميلشتاين: «أنا متأكد تماماً من أن هذه الطريقة (منخفضة التقنية) هي أحد الأسباب البارزة التي جعلت الجيش الإسرائيلي لا يجد السنوار». وأضاف: «إنه (السنوار) يحافظ حقاً على جميع أنماط سلوكه الشخصية الأساسية بشكل صارم للغاية».

رفضت «حماس» الإجابة عن أسئلة حول كيفية تواصل السنوار.

وتتمتع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ببعض من أكثر القدرات تطوراً في العالم لاعتراض الاتصالات الإلكترونية التي تُسمّى غالباً «استخبارات الإشارات».

وبعد مقتل العاروري، تحوّل السنوار بالكامل تقريباً إلى المذكرات المكتوبة بخط اليد والاتصالات الشفوية، وأحياناً يتداول التسجيلات الصوتية عبر دائرة صغيرة من المساعدين، وفقاً لوسطاء عرب.

وقد أعقب مقتل العاروري عدد من عمليات القتل الأخرى لكبار المسؤولين في «حماس» و«حزب الله».

ففي يوليو (تموز)، شنّت إسرائيل غارة جوية ضخمة قالت إنها قتلت القائد العسكري الأعلى لـ«حماس»، محمد الضيف. وفي ذلك الشهر، أكدت إسرائيل أيضاً أنها قتلت الزعيم السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في ذلك الوقت، في طهران، وشنت غارة على مبنى سكني في بيروت أودت بحياة فؤاد شكر، أحد قادة «حزب الله» الأساسيين الذي أفلت من الولايات المتحدة لعقود من الزمن.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن قائد «حزب الله» تم توجيهه إلى شقة بعد تلقي مكالمة هاتفية من المرجح أن تكون من شخص اخترق شبكة الاتصالات الداخلية لـ«حزب الله».

وقال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية الذي عاش في غزة، عزمي كيشاوي: «إنهم يعرفون حال استخدامهم أي أجهزة إلكترونية فستُكتشف».

وقال إن السنوار عاد إلى طرق «حماس» القديمة. إن النهج البدائي الذي يتبعه السنوار في التعامل مع الاتصالات يعود إلى نظام استخدمته «حماس» في سنواتها الأولى، الذي تبناه زعيم «حماس» عندما اعتُقل في عام 1988 وسُجن لاحقاً في سجن إسرائيلي، وفقاً لخبراء في المجموعة.

قبل سجنه، أسّس السنوار شرطة الأمن الداخلي لـ«حماس» التي طاردت المشتبه بتعاونهم مع إسرائيل. وكانت هذه الشرطة نشطة في السجون الإسرائيلية؛ إذ جنّدت عملاء داخل السجن يُطلق عليهم «السواعد» الذين وزّعوا الرسائل المشفرة من قسم إلى آخر، وفقاً لكتاب «ابن حماس» الذي كتبه عميل سابق في الحركة تحول إلى جاسوس إسرائيلي.

وفقاً للكتاب، كان السواعد يلفون الرسائل المكتوبة بخط اليد في خبز أبيض، ويشكلونها على شكل كرات، ثم يتركونها تجف وتتصلب. ومثل لاعبي البيسبول، كان العملاء يرمون الكرات من قسم إلى آخر في السجن، وهم يصرخون «بريد من مقاتلي الحرية!». وتقدّر إسرائيل أن السنوار أمضى سنوات في التخطيط لحرب كبرى مع إسرائيل، بما في ذلك بناء شبكة أنفاق واسعة النطاق. وقال المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ميلشتاين، إن استعدادات السنوار شملت على الأرجح إنشاء شبكة اتصالات مع إسرائيل.

إن الأساليب التي يستخدمها السنوار، وفق التقرير، فعالة للغاية، لدرجة أن مطارديه لا يستطيعون استبعاد أنه ليس في غزة. إن الوصول إلى السنوار أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة إلى الإسرائيليين.

 

تواصل سريع عند الضرورة

وخلال مفاوضات وقف إطلاق النار، من غير الواضح ما إذا كان تأخير عملية الاتصال تكتيكاً تفاوضياً أم انعكاساً لبروتوكولات السنوار الصارمة. لكن السنوار تمكّن من التواصل بسرعة عند الضرورة.

وكتب في رسالة إلى هنية في أبريل (نيسان) بعد مقتل ثلاثة من أبنائه في غارة جوية إسرائيلية: «نقدّم إليك وإلى عائلتك الموقرة تعازينا الحارة وبركاتنا على تضحياتك المقدسة».

ووفقاً لمسؤولين عرب، وصلت هذه الرسالة إلى هنية عبر سعاة بعد ساعات فقط من مقتلهم.

وليس من الواضح كيف كان السنوار ينقل أوامره خلال المفاوضات. وقد عرفت إسرائيل منذ عقد من الزمان على الأقل أن «حماس» أنشأت نظام هاتف أرضياً في أنفاقها تحت الأرض. كانت عملية «الكوماندوز» الإسرائيلية الفاشلة في عام 2018 التي أشعلت تبادل إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» لبضعة أيام، محاولة من قِبل الجيش الإسرائيلي للتنصت على شبكة الهاتف التابعة لـ«حماس»، وفقاً لبيان عام لاحق من الحركة.

ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على العملية. في بداية الحرب الحالية، كان الوسطاء يسعون إلى التوسط في صفقة رهائن بين إسرائيل و«حماس» من شأنها أن تمنع الغزو العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة، وأرسلوا رسلاً داخل غزة للقاء أعضاء الجناح العسكري للحركة وتمرير رسائل مشفرة.

وقال الوسطاء إن السنوار نظّم أيضاً مكالمات هاتفية مع الوسطاء على شبكة الهاتف الثابت لـ«حماس» في الأنفاق، باستخدام رموز لتحديد اليوم والوقت بالإضافة إلى الأسماء المستعارة في الرسائل لإعداد المكالمات. وقال الوسطاء إن السنوار استخدم في بعض الأحيان أسماء الأشخاص الذين كانوا معه في السجن لإخفاء هويته الحقيقية.

وقال الخبير في الحرب الإلكترونية، زميل الأبحاث المشارك في معهد الخدمات المتحدة الملكي في لندن، توماس ويثينغتون، إنه على الرغم من حرصه فإن زعيم «حماس» لا يحتاج إلا إلى ارتكاب خطأ واحد لإعطاء إسرائيل فرصة. وقال ويثينغتون: «تلك الثانية التي تنسى فيها الانضباط، يمكن أن توقع حكم إعدامك».


مقالات ذات صلة

مساعد لنتنياهو يُشتبه بتسريبه وثائق «خطط للانتحار في المعتقل»

شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو في الكنيست الاثنين (رويترز)

مساعد لنتنياهو يُشتبه بتسريبه وثائق «خطط للانتحار في المعتقل»

كشفت مصادر بإدارة مصلحة السجون عن أن كبير مستشاري بنيامين نتنياهو، إليعازر فلدشتاين، الذي تولى مهمة «المتحدث باسم رئيس الحكومة»، خطط للانتحار في زنزانته بالسجن.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي صورة وزعها الجيش الإسرائيلي في 17 ديسمبر 2023 لمحمد السنوار، شقيق يحيى، في سيارة داخل أحد أنفاق «حماس» قرب معبر إيرز شمال قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي - رويترز)

هيئة البث الإسرائيلية: محمد السنوار بات الزعيم الفعلي للجناح العسكري لـ«حماس»

بات شقيق يحيى السنوار، محمد، زعيماً فعلياً للجناح العسكري لـ«حماس» في غزة، إلى جانب مجلس صغير من كبار القادة، وفقاً لتقارير هيئة البث العام الإسرائيلية (كان).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو يشارك في اجتماع أمني بوزارة الدفاع في تل أبيب خلال الضربة التي استهدفت إيران الشهر الماضي (مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي - أ.ف.ب)

فضيحة تسريبات مكتب نتنياهو... كيف بدأت وإلى أين تتجه؟

تعيش إسرائيل فضيحةً جديدةً ذات طابعَين أمني وجنائي في آن، يتورط فيها 11 شخصاً في مكتب بنيامين نتنياهو، وربما هو بشكل شخصي، ومحورها تسريب وثائق منسوبة لـ«حماس».

نظير مجلي (تل أبيب)
خاص لقطة من مقطع نشره الجيش الإسرائيلي يظهر الرئيس السابق للمكتب السياسي لـ«حماس» يحيى السنوار في نفق بغزة (إكس)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: رسالة من السنوار وصلت عائلته بعد مقتله بيومين

تُظهر معلومات موثوق بها حصلت عليها «الشرق الأوسط» أن يحيى السنوار فضّل في كثير من اللحظات مواجهة القوات الإسرائيلية عن قرب، وكان فوق الأرض وليس تحتها.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يستقبل أنتوني بلينكن في الدوحة (أ.ب)

الدوحة تواصلت مع «حماس» بعد مقتل السنوار

أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن اجتماع اليوم الخميس مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كان «مهماً ومثمراً».

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)

نفّذت القوات الإسرائيلية أوسع اختراق بري داخل العمق اللبناني منذ بدء الحرب، بوصولها إلى مشارف نهر الليطاني من جهة ديرميماس، ودخلت إلى أطراف البلدة، وذلك في محاولة لفصل النبطية عن مرجعيون، والتمهيد لهجوم على بلدة الطيبة من الجهتين الغربية والشمالية، وتحييد تلة الطيبة التي تشرف شرقاً على سهل الخيام الذي يستعد الجيش الإسرائيلي لتمديد عمليته البرية إليه، في محاولة للسيطرة على مدينة الخيام.

وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن الجيش الإسرائيلي نصب حاجزاً عند مفرق ديرميماس في جنوب لبنان ليفصل بين مرجعيون والنبطية. وقطع الجيش الإسرائيلي الطريق عند المدخل الغربي لبلدة ديرميماس قرب محطة وقود، بالسواتر الترابية، حيث تتمركز آليات تابعة له. وأوردت تقارير إعلامية أن القوات الإسرائيلية منعت دوريات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) والجيش اللبناني من المرور باتجاه مرجعيون.

5 كيلومترات

وقالت مصادر لبنانية مواكبة لتطورات المعركة في الجنوب، إن القوات الإسرائيلية تقدمت من بلدة كفركلا التي تسيطر عليها، باتجاه الغرب عبر حقول الزيتون، لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات، مستفيدة من غياب مقاتلي الحزب في تلك المناطق المسيحية، مثل محيط القليعة وبرج الملوك وديرميماس. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تلك الثغرة «مكنت القوات الإسرائيلية من الوصول إلى مشارف نهر الليطاني، للمرة الأولى منذ عام 2006 وفصلت النبطية عن مرجعيون»، علماً بأن المدفعية الإسرائيلية كانت قد قطعت ذلك الطريق مراراً على مدار الأشهر الماضية، كما نفذت مسيّرات عمليات اغتيال عليها.

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

ومهّدت إسرائيل لهذا التقدم، بتغطية نارية. وقالت مصادر أمنية لبنانية في الجنوب إن المدفعية الإسرائيلية «لم تهدأ طوال ليل الخميس - الجمعة في استهداف المرتفعات المطلة على ديرميماس، سواء في قلعة الشقيف، أو أرنون ويحمر ووادي زوطر ودير سريان»، لافتة إلى أن هذا التمهيد المدفعي «يسعى عادة إلى توفير تغطية نارية تواكب تقدم المشاة»، وأكدت المصادر أن التحركات البرية الإسرائيلية «سارت على إيقاع قصف جوي عنيف، وتحليق للمسيّرات، لتأمين القوة المتقدمة». ورجحت أن مسار العبور سلك كفركلا - تل النحاس - برج الملوك باتجاه ديرميماس، وأشارت إلى أن البلدة «شبه خالية من السكان، إذ تضم بضع عائلات فقط، كما لا يحظى (حزب الله) بوجود فيها».

وأطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه القوات الإسرائيلية في تلك المنطقة، حسبما قال في ثلاثة بيانات، أكد فيها أنه استهدف التجمعات والآليات الإسرائيلية على تخوم ديرميماس بالصواريخ. وتحدثت وسائل إعلام عن «رشقات صواريخ متتالية استهدفت تجمعات إسرائيلية في الخيام ومحيط تل النحاس وصاروخ موجه استهدف تحركات آلية في كروم الزيتون قرب محطة مرقص في أطراف ديرميماس».

دبابة وجرافة

وانتشرت صورة في وسائل الإعلام اللبنانية لدبابة إسرائيلية تتمركز وراء مرتفع مكشوف من جهة الشرق (بلدة القليعة)، لكنه محمي من جهتي الغرب والشمال. أما من الجهة الجنوبية، فتشرف عليه بلدة ديرميماس التي دخلت إليها القوات الإسرائيلية.

وقال الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية مصطفى أسعد إن الصورة التي تداولتها وسائل إعلام لبنانية وتظهر جرافة تسير وراء دبابة على مثلث القليعة - مرجعيون - ديرميماس «تعني أن قوة مهاجمة من المشاة انتقلت من المنطقة وأمنتها، سواء سيراً على الأقدام أو بآليات مدولبة وسريعة، ودخلت إلى بلدة ديرميماس».

وأفاد رئيس بلدية البلدة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، بحصول «توغل إسرائيلي بسيط داخل البلدة»، مشيراً إلى أن الجنود الإسرائيليين «توغلوا بين حقول الزيتون من جهة بلدة كفركلا».

ويقول «حزب الله» إنه لم يقم مراكز تجمع عسكري له في أراضي بلدات مسيحية أو درزية في الجنوب، وذلك في ظل رفض من تلك المكونات لوجود الحزب في أراضيهم. ويقول مقربون منه إنه يحجم عن ذلك لسببين؛ أولهما «سبب سياسي، لتجنب السجال مع أبناء الطوائف الأخرى»، وثانيهما «لضرورات أمنية».

مسيرة إسرائيلية تحلق في أجواء الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

مرتفعات الطيبة

وتسعى القوات الإسرائيلية من هذا التقدم إلى الإشراف على مجرى نهر الليطاني، الذي يُعتقد أن جزءاً من منصات الإسناد الصاروخي لـ«حزب الله» توجد فيه، وهي المنصات التي تمنع القوات الإسرائيلية من التقدم في بلدة الخيام. كما تسعى إلى الالتفاف على بلدة الطيبة الاستراتيجية التي تضم مرتفعات مشرفة على نهر الليطاني من الغرب، ومرتفعات مشرفة على سهل الخيام من جهة أخرى. ولم تدخل إليها القوات الإسرائيلية من جهة الشرق بعد، رغم المحاولات للتوغل فيها، ورغم الغارات الجوية التي استهدفتها على مدى أشهر.

وفي حال التوغل من جهة ديرميماس، فإن القوات الإسرائيلية ستفتح مجالاً للتوغل في الطيبة من الجهتين الغربية والشمالية، إضافة إلى محور مركبا - العديسة من الجهة الشرقية، وذلك في محاولة لتحقيق اختراق والتفاف عليها.

«الطيبة» لتأمين التوغل بـ«الخيام»

وتعد بلدة الطيبة أبرز الموانع التي تحول دون افتتاح القوات الإسرائيلية جبهة من الجهة الغربية للتقدم باتجاه مدينة الخيام، كون الدبابات الإسرائيلية «ستكون تحت نيران الصواريخ المضادة للدروع في حال العبور بسهل الخيام»، وهو ما حال دون افتتاح الجيش الإسرائيلي لمحور توغل جديد من الجهة الغربية للتقدم إلى الخيام التي فشل مرتين في السيطرة عليها، الأولى قبل أسبوعين حين توغل من الجهتين الشرقية والجنوبية، والمرة الثانية قبل أيام حين أضاف محوراً جديداً من شمال شرق المدينة قرب إبل السقي، وتمكن في المرتين من الوصول إلى أطرافها الشرقية والجنوبية، وبينها أسفل معتقل الخيام، فيما تعرضت آلياته لاستهداف ناري حين توسعت من المطلة إلى سهل الخيام (جنوب غرب) باتجاه المدينة.

القبة الحديدية تعترض صواريخ أطلقها «حزب الله» باتجاه شمال إسرائيل (إ.ب.أ)

وقال «حزب الله» إنه استهدف تجمعات إسرائيلية 6 مرات على أطراف الخيام الشرقية والجنوبية بالصواريخ، كما أطلق مقاتلوه صواريخ مضادة للدروع باتجاه إحدى الدبابات الإسرائيلية على مشارف الخيام، مما أدى إلى احتراقها.

وتقول المصادر إن القوات الإسرائيلية «تسعى للسيطرة على إحدى مدينتين، إما بنت جبيل وإما الخيام»، وذلك بعد التوغل في عدة قرى، وتفجير المنازل فيها، ومسحها بالكامل. ويعد الدخول إلى بنت جبيل معقداً من الناحية العسكرية، كونها مدينة كبيرة وتتضمن أحياء واسعة ومترامية الأطراف، وقد فشلت محاولات سابقة للتوغل فيها والسيطرة عليها، رغم القتال على أطرافها، خصوصاً الحي الواقع على تخوم عيناثا.

وأفادت وسائل إعلام لبنانية باشتباكات عنيفة في مدينة الخيام، حيث «تُسمع بوضوح أصوات الانفجارات والاشتباكات بالأسلحة الرشاشة»، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف وغارات على مدينة الخيام.