غزة... اغتيال التعليم يدخل عامه الثاني

الحرب الإسرائيلية قتلت وجرحت 10 آلاف طالب ودمرت 90 % من مدارس القطاع

أطفال يتلقون الدروس في مخيم للنازحين بخان يونس (الشرق الأوسط)
أطفال يتلقون الدروس في مخيم للنازحين بخان يونس (الشرق الأوسط)
TT

غزة... اغتيال التعليم يدخل عامه الثاني

أطفال يتلقون الدروس في مخيم للنازحين بخان يونس (الشرق الأوسط)
أطفال يتلقون الدروس في مخيم للنازحين بخان يونس (الشرق الأوسط)

للعام الثاني على التوالي، يواجه الطلبة في غزة مستقبلاً مجهولاً بعدما اغتالت الحرب الإسرائيلية عناصر المنظومة التعليمية بالقطاع فحصدت أرواح تلاميذ ومعلمين بالآلاف، ودمرت 90 في المائة من المدارس.

وبينما عاد طلبة الضفة الغربية إلى مقاعد الدراسة، الاثنين، بقي طلاب غزة دون تعليم، في وقت تتخوف فيه عائلاتهم من أن عاماً ثانياً دون دراسة، سيكون كارثياً على مستقبل أبنائهم.

والتحق، صباح الاثنين، أكثر من 806360 طالباً وطالبة، في 2459 مدرسة حكومية وخاصة وتابعة لوكالة الغوث «الأونروا»، في الضفة الغربية وبعض مناطق القدس المحتلة، يتلقون تعليمهم على يد 51447 معلماً ومعلمة.

أشخاص يتفقدون الأضرار بعد غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

وحُرم أكثر من 630 ألف طالب وطالبة في غزة من حقهم في التعليم، ويُضاف إليهم أكثر من 58 ألفاً كان يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد، فضلاً عن 39 ألفاً ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.

بأسى بالغ، قال إبراهيم أحمد (41 عاماً) وهو من سكان مخيم الشاطئ (غرب غزة) لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يعرف ماذا ينتظر أطفاله الثلاثة؟ مضيفاً: «هذا العام الثاني دون مدارس. ابني الصغير كان لازم يكون في الصف الثاني الآن. درس شهراً واحداً وبدأت الحرب، وحتى إذا خلصت الحرب، ما في وزارة ولا مدارس ولا معلمون ولا طلاب».

ويحاول أحمد تعليم أبنائه بعض ما يعرفه، ويعتقد أنه ضروري في حياتهم، متسائلاً لماذا لا تحاول الجهات الحكومية في غزة إيجاد أي بدائل لتعليم الأطفال.

ومن بين أمور أخرى، يفحص أحمد إذا كان يمكن تخصيص معلمة لأطفاله الثلاثة، وهو أمر لجأت إليه بعض العائلات الميسورة.

وبينما ينتظر الأطفال ما سيقرره الآباء، تجتهد الطالبة فرح ياسين من سكان حي الشيخ رضوان (شمال غزة)، في متابعة دروسها ذاتياً، بعدما منعتها الحرب من إنهاء الصف التاسع (الثالث الإعدادي).

ولا تعرف فرج مثل البقية أي مستقبل ينتظرها في ظل استمرار الحرب، لكنها تدرك أنها كان يجب أن تبدأ صفها العاشر (الأول الثانوي) هذا العام، وهو أمر لم يتحقق. تقول فرح لـ«الشرق الأوسط»: «المستقبل يضيع».

وأضافت بالدارجة الفلسطينية: «الاحتلال ما بده إيانا نتعلم ولا نقرأ ولا نكتب، بده إيانا شعب جاهل، هو ما بيقتلنا وبيدمر بيوتنا بس، هو بيقتل فينا كل حاجة حلوة، حتى المدارس قصفها».

ووفقاً لإحصاءات وزارة التربية والتعليم، فإن الحرب على غزة خلفت أكثر من 25 ألف طفل ما بين قتيل وجريح منهم ما يزيد على 10 آلاف من طلبة المدارس، وسط تدمير 90 في المائة من مباني المدارس الحكومية البالغ عدد أبنيتها 307.

زوجان يبكيان وهما يحملان طفليهما بعيداً عن مدرسة استهدفتها ضربة إسرائيلية وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويقول المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إن «الاحتلال دمر بشكل كلي 122 مدرسة وجامعة، بينما تعرضت 334 أخرى لأضرار مختلفة، وتسبب بقتل 500 مدرس، و110 من العلماء وأساتذة الجامعات والباحثين الأكاديميين، بينما قُتل قرابة 9 آلاف طالب وطالبة من جميع المراحل، في وقت يعاني فيه البقية من ويلات النزوح المتكرر وفقدان العائلة وسوء التغذية وعدم الشعور بالأمان».

مبادرات فردية

ودفع الوضع الحالي في قطاع غزة، بعض المدرسين والمدرسات وحتى المؤسسات للبدء بمبادرات فردية وجماعية من أجل محاولة إنقاذ مستقبل مئات الآلاف من الطلبة في القطاع.

المدرس أحمد صيام، من سكان حي الشيخ رضوان ونازح إلى مواصي خان يونس، خصص خيمة صغيرة يستقبل فيها يومياً عشرات الطلاب على دفعات، جميعهم من طلبة صفوف المرحلة الابتدائية، ويقدم لهم خدماته التعليمية مجاناً.

وقال صيام الذي يعمل مدرساً لصالح وزارة التربية والتعليم في غزة لـ«الشرق الأوسط»، إنه أراد أن يواجه «خطط إسرائيل لتجهيل طلاب غزة» بإمكاناته المتواضعة. مضيفاً: «كل واحد فينا يجب أن يتجند لهذا الهدف، وبالعلم سننتصر، وهذا ما أشرحه لطلابي».

ولم تكن مبادرة صيام الوحيدة، حيث دأب مدرسون ومدرسات على تنفيذ مبادرات أخرى، إحداها كانت للشابة بيسان السُّردي التي أنشأت في النصيرات وسط القطاع خيمة أطلقت عليها «خيمة بيسان لتعليم الأطفال».

وقالت السردي في فيديو نشرته عبر صفحتها في «إنستغرام»، إن ما دفعها لهذه الخطوة هو محاولة تعليم الأطفال الذين باتوا يجهلون وينسون ما يتلقونه من تعليم في المدارس قبل الحرب.

وأضافت: «قبل الحرب كان عنا حياة حلوة، وكنا بنعمة، لكن الحرب غيرت كل إشي، وواجهتنا الكثير من المشاكل، ومنها أنه الكثير من الطلبة كانوا يعانون من نسيان كل المواد التعليمية التي يتلقونها ويعانون من ظروف نفسية صعبة، ولذلك بدأت هذه الخطوة لتعليم الأطفال مع التركيز على الأساسيات مثل الحروف والأرقام والكتابة وغيرها».

بينما لجأت آمنة غراب وهي معلمة أساسية، لاستخدام صف مدرسي في مدرسة بمنطقة مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وبدأت باستقبال الطلبة فيه لتعليمهم المنهاج الدراسي، قبل أن يلتحق بها كثير من المدرسات.

وقالت غراب لـ«الشرق الأوسط»: «هذه أفضل فرصة من أجل أن يبقى أطفالنا على قيد الحياة، وليواجهوا هذا الاحتلال بسلاح العلم الذي يسعى لتغييبه عن مستقبل أبنائنا».

صف مدرسي في مدرسة بحي الشاطئ (الشرق الأوسط)

ووفق مصادر لـ«الشرق الأوسط»، فإن هيئات إدارية تابعة لـ«الأونروا»، بدأت فعلياً بمبادرات لتعليم الأطفال في خيام خصصتها على شكل مدارس لتعليم الطلاب خصوصاً في مناطق النزوح.

وتحولت غالبية المدارس التي تديرها «الأونروا» (نحو 200) في قطاع غزة، إلى مراكز إيواء للنازحين، كما تعرضت 70 في المائة منها للقصف، حيث جرى تدمير بعضها بالكامل، وتضررت أخرى بشكل كبير، وحسب «الأونروا» فإن ‏4 من كل 5 مبانٍ مدرسية في غزة تعرضت لضربات مباشرة أو تضررت.


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية جانب من اجتماع الوفدين المصري والتركي في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقاهرة (من حساب رئيس مجلس العليم العالي التركي في «إكس»)

مصر وتركيا تتفقان على إنشاء جامعة مشتركة في القاهرة

تم الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية - تركية مشتركة بالقاهرة تنفيذاً لمذكرة تفاهم وُقِّعت بين الجانبين خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في سبتمبر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق الطالبان الفائزان بمنحة «رودس تراست» الدراسية (الشرق الأوسط)

«رودس تراست» تقدم منحة لطالبَين سعوديَّين في جامعة أكسفورد

أعلنت مؤسسة «رودس تراست» اختيار شاب وشابة سعوديَّين متفوقَين بمنحتَين لعام 2025، ضمن مجموعة عالمية تضم أكثر من 100 من الطلاب المتميزين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)

أوكرانيا تبني مدارس تحت الأرض لحماية التلاميذ من القنابل والإشعاعات

مع استمرار القصف اليومي الروسي بالصواريخ والقنابل، تواصل زابوريجيا بأوكرانيا بناء شبكة مدارس تحت الأرض مصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل وتستوعب 12 ألف طالب.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مقتل مسؤول العلاقات الإعلامية بـ«حزب الله» في بيروت

يتجمع السكان ورجال الإنقاذ في موقع غارة جوية إسرائيلية أصابت مبنى بمنطقة رأس النبع بوسط بيروت (أ.ب)
يتجمع السكان ورجال الإنقاذ في موقع غارة جوية إسرائيلية أصابت مبنى بمنطقة رأس النبع بوسط بيروت (أ.ب)
TT

مقتل مسؤول العلاقات الإعلامية بـ«حزب الله» في بيروت

يتجمع السكان ورجال الإنقاذ في موقع غارة جوية إسرائيلية أصابت مبنى بمنطقة رأس النبع بوسط بيروت (أ.ب)
يتجمع السكان ورجال الإنقاذ في موقع غارة جوية إسرائيلية أصابت مبنى بمنطقة رأس النبع بوسط بيروت (أ.ب)

قال مصدران أمنيان لبنانيان، لـ«رويترز»، إن غارة إسرائيلية على منطقة مكتظة بالسكان في بيروت، اليوم الأحد، أسفرت عن مقتل محمد عفيف، مسؤول العلاقات الإعلامية في جماعة «حزب الله»، وهو ما أكدته مصادر الحزب، في وقت لاحق.

وأصابت الغارة حياً لجأ إليه كثير من النازحين من الضاحية الجنوبية لبيروت، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، صرح علي حجازي، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، لقناة «الميادين»، بأن مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف قُتل في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مبنى الحزب في بيروت، اليوم. وقال حجازي إن عفيف كان موجوداً بالصدفة في المبنى المستهدف، مشيراً إلى أن المبنى لا يوجد به مدنيون. وذكرت قناة «الميادين» أن استهداف مقر حزب البعث في رأس النبع ببيروت أسفر عن مقتل خمسة. ووسّعت إسرائيل حربها التي تشنها على قطاع غزة لتشمل لبنان، في الأسابيع القليلة الماضية، وقتلت عدداً من كبار قادة جماعة «حزب الله» التي تتبادل معها إطلاق النار منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وتسببت الهجمات الإسرائيلية في مقتل الآلاف، ونزوح ما لا يقل عن مليون لبناني من جنوب لبنان، وألحقت دماراً واسعاً في أنحاء مختلفة من البلاد.