لبنان يترقب «التقدير» الدولي لانخراط قضائه في مكافحة الجرائم المالية

السلطة النقدية «منغمسة» إصلاحياً وقانونياً في توقيف حاكمها السابق

متظاهران أمام قصر العدل في بيروت يطالبان بمحاسبة سلامة (رويترز)
متظاهران أمام قصر العدل في بيروت يطالبان بمحاسبة سلامة (رويترز)
TT

لبنان يترقب «التقدير» الدولي لانخراط قضائه في مكافحة الجرائم المالية

متظاهران أمام قصر العدل في بيروت يطالبان بمحاسبة سلامة (رويترز)
متظاهران أمام قصر العدل في بيروت يطالبان بمحاسبة سلامة (رويترز)

يطغى البُعد القضائي على عاصفة توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، وسط دفق استثنائي للمعلومات والتحليلات التي تُحاول استنباط المحطات التالية في المسار الاتهامي، واحتمالات التوسع في التحقيقات، بما يفرضه ذلك من فتح ملفات واستدعاءات تقع تحت شبهات الاختلاسات والفساد المالي والإداري وعمليات غسل الأموال.

ومن الواضح، وفق مصادر مالية ومصرفية متابعة، أن السلطة النقدية منغمسة تماماً في الحدث وحيثياته، من ضمن منهجية السياسات البديلة التي اعتمدها حاكم بالإنابة، الدكتور وسيم منصوري، ونوابه، فور تسلمهم زمام صناعة القرار النقدي قبل 13 شهراً، والتي ترتكز على استعادة المسؤوليات والوظائف القانونية لمؤسسة البنك المركزي، وحضوره المحوري في إدارة القطاع المالي، فضلاً عن الإدارة السليمة لمنظومة التعاملات مع البنوك المراسلة والعلاقات مع المؤسسات المالية العربية والدولية.

«المركزي» يستجيب للقضاء

ووفق تأكيدات من مسؤول كبير في البنك المركزي، فإن هيئة التحقيق الخاصة، التي يرأسها منصوري أيضاً، تستجيب من دون أي تحفظ لكل الاستعلامات القضائية، بما يشمل الطلبات ذات الصلة بملفات الحاكم السابق أو أي مسؤول مالي ومصرفي، حالي أو سابق.

وبالمثل تُصدر الهيئة تباعاً القرارات الذاتية أو المطلوبة بتجميد أي حسابات مصرفية عائدة للمقيمين أو غير المقيمين، تحتمل الشبهات المكتشفة من خلال معلوماتها وتحرياتها الميدانية الخاصة أو عبر كتب واردة من مصادر قانونية محلية وخارجية، وبمعزل عن هويات المتهمين ومستويات وظائفهم في الأسلاك المدنية والعسكرية.

ومن المرجح، وفق المسؤول المعني، أن ذيول قضية سلامة لن تقتصر قضائياً وإدارياً على شخصه، إنما ستطال، في حال ثبوت أي اتهامات، كل الشركاء الذين سيخضعون للمساءلة، وهذا ما يقع ضمن موجبات الإصلاحات البنيوية لمؤسسة البنك المركزي، التي تجري بسياق منتظم منذ أشهر، وبإعلام متزامن لمرجعيات سياسية وغير سياسية، منعاً لتأويلات أو ضغوط تخرج المهمة عن سياقها الهادف إلى تكريس مبدأ الثواب والعقاب بشفافية تامة.

متظاهرة أمام قصر العدل ترفع لافتة تطالب باستمرار سجن سلامة (إ.ب.أ)

وزارة الخزانة الأميركية

أما في الإطار القانوني الأوسع، فقد بدا واضحاً أن تحريك الجهود القضائية في ملاحقة ملفات مشبوهة، يستكمل جهود السلطة النقدية في الاستجابة لطلبات واردة من قبل وزارة الخزانة الأميركية ومجموعتي العمل المالي (فاتف) الدولية والإقليمية، وهيئات رقابية أوروبية، بوجوب معالجة أوجه القصور التي يعانيها لبنان في مكافحة عمليات غسل (تبييض) الأموال وتمويل الإرهاب، فضلاً عن ضرورات ضبط الانفلاش المستمر للاقتصاد النقدي.

بذلك، قد لا يندرج في خانة المصادفة، وفق المصادر المتابعة، حدث توقيف سلامة التوسع في التحقيقات والتوقيفات المرتقبة، مع قرب انعقاد الاجتماع نصف السنوي لمجموعة العمل المالي الدولية بنهاية الشهر الحالي، وارتفاع منسوب المخاطر من صدور قرار بإدراج لبنان ضمن القائمة «الرمادية» للدول غير المتعاونة بشكل كافٍ في الاستجابة لمتطلبات تعالج أوجه القصور في تحديث البنية القانونية والقضائية والإجرائية والأمنية في مكافحة الجرائم المالية.

اجتماعات لندن

وبالتزامن، تُفيد معلومات تلقتها «الشرق الأوسط»، بأن منصوري يشارك حالياً في اجتماعات عمل في لندن مع رؤساء ومديري مصارف دولية، مستكملاً جهوده التي بدأها في واشنطن، بغية تحصيل اتفاقات وضمانات بحماية خطوط تواصل القطاع المالي اللبناني مع شبكة البنوك المراسلة، سواء عبر البنك المركزي أو البنوك التجارية وشركات تحويل الأموال، حتى لو صدر القرار المؤلم بخفض تصنيفه السيادي في مجال مكافحة غسل الأموال، وباعتبار أن القطاع المالي يلتزم بصرامة كامل المعايير الدولية في هذا النطاق.

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)

كذلك، بدا لافتاً في سياق قضية سلامة، أن حصانة الاستقرار النقدي لسعر صرف الليرة لم تتأثر مطلقاً بالتطورات القضائية المستجدة، إذ غابت المضاربات المعهودة في التعامل مع أحداث شبيهة أقل تأثيراً على أسواق القطع، بل تُحافظ جهود تنمية الاحتياطات بالعملات الأجنبية على زخمها الإيجابي، ليبلغ رصيد الزيادة نحو الملياري دولار على مدار سنوي بنهاية الشهر الماضي، والإجمالي نحو 10.5 مليار دولار.

وبالأسبقية، أثبتت هذه الحصانة متانتها بعد اندلاع المواجهات العسكرية في الجنوب اللبناني، ربطاً بحرب غزّة، وما تلاها من نشوء مخاطر جدية لإمكانية توسع الأعمال الحربية، في حين يؤكد منصوري، أن المصرف المركزي يستخدم «الأداة الوحيدة التقليدية التي لا تزال موجودة بين أيدينا، وهي السيطرة على الكتل النقدية بالعملة اللبنانية، بحيث يتوافق حجم النقد في التداول مع الطلب عليه، وعادة لضبط الكتل النقدية يحصل ذلك، إما بالتعاون مع الحكومة وإما بضبط أسعار الفائدة»، علماً بأن حجم السيولة السوقية بالعملة الوطنية يبلغ حالياً نحو 57.2 تريليون ليرة، أي ما يوازي نحو 640 مليون دولار.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)
أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)
أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها في نقل الأسلحة.

ودعا الجيش الإسرائيلي السلطات السورية واللبنانية إلى «العمل لمنع استخدام المعابر المدنية لأغراض إرهابية».

وأضاف المتحدث باسم «حزب الله» أنه يستغل المعابر المدنية، ومن ضمنها معبر جوسية، لنقل الأسلحة التي يعود مصدرها إلى إيران عبر سوريا؛ حيث يتم استخدام هذه الوسائل القتالية ضد إسرائيل وقوات الجيش الإسرائيلي العاملة في لبنان.

وطالب الجيش الإسرائيلي في بيان، اليوم (الأحد)، سكان 5 بلدات في جنوب لبنان بإخلائها تمهيداً لقصفها، محذراً السكان من التوجه جنوباً. والبلدات الخمس هي: زوطر الشرقية وزوطر الغربية وأرنون ويحمر والقصيبة.

وقال الجيش الإسرائيلي: «عليكم إخلاء منازلكم فوراً والانتقال إلى شمال نهر الأولي. لضمان سلامتكم، يجب عليكم الإخلاء دون تأخير. كل من يوجد بالقرب من عناصر (حزب الله) أو منشآته أو أسلحته يعرض حياته للخطر».

كما قال الجيش الإسرائيلي في بيان منفصل إن صفارات الإنذارات دوت في وسط البلاد بسبب صواريخ أُطلِقت من لبنان.

وأضاف الجيش أنه رصد 6 قذائف عبرت من لبنان إلى الأراضي الإسرائيلية، وقال إن قواته الجوية اعترضت 5 صواريخ منها، وسقط الأخير في منطقة مفتوحة.

وقصفت القوات الإسرائيلية ليلاً أطراف الماري، قرب حاجز الجيش، بالقذائف الفوسفورية، بالتزامن مع تنفيذ غارات على مدينة الخيام، وتفخيخ المنازل وتفجيرها، بعد تدمير مسجد طيرحرفا، بحسب ما أوردته «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية، الأحد.

وطالت الغارات كفرشوبا، الخيام، النبطية حي الراهبات، النبطية الفوقا وبين النميرية والشرقية، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص، ونفذت غارة من مسيرة على دوحة كفررمان، وفقاً لوكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.

كما قصفت المدفعية الإسرائيلية صباح اليوم بلدات يحمر الشقيف، الجبل الأحمر بين حاروف وشوكين وزبدين، وأغارت على أرنون وكفرتبنيت وحرش علي الطاهر ومحيط قلعة الشقيف، مجرى اللليطاني بين زوطر وديرسريان، وبين شوكين وميفدون، وأطراف كفرصير، بالإضافة إلى شنها 3 غارات على عين قانا في إقليم التفاح.

وقالت الوكالة اللبنانية: «أغار الطيران المعادي على طريق الخردلي، مما أدى إلى قطع الطريق بين النبطية ومرجعيون، بعدما كان الجيش وقوات (اليونيفيل) قد فتحاه أول من أمس، إثر غارة عليه».