بن غفير يحيي شبح الحرب الدينية بفكرة بناء كنيس في الأقصى

تهديدات فلسطينية وغضب إسرائيلي من تصريحاته واتهامات بأنه يهدد التحالفات بالمنطقة

مصلون أمام قبة الصخرة قبل صلاة الجمعة في مجمع الأقصى (أرشيفية - رويترز)
مصلون أمام قبة الصخرة قبل صلاة الجمعة في مجمع الأقصى (أرشيفية - رويترز)
TT

بن غفير يحيي شبح الحرب الدينية بفكرة بناء كنيس في الأقصى

مصلون أمام قبة الصخرة قبل صلاة الجمعة في مجمع الأقصى (أرشيفية - رويترز)
مصلون أمام قبة الصخرة قبل صلاة الجمعة في مجمع الأقصى (أرشيفية - رويترز)

جدد وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، دعوته للسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، معلناً أنه يريد بناء كنيس هناك، ما خلّف عاصفة من التهديدات والانتقادات والتحفظات الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء. وبينما خرج مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومسؤولون وقادة أمنيون، بتصريحات ضد بن غفير، كتبت «يديعوت أحرونوت» أنه لم يخترع العجلة، وأن مدرسة عسكرية للصلاة بُنيت هناك بالفعل بعد حرب الأيام الستة، قبل أن تسلّم إسرائيل المكان للأوقاف الإسلامية ضمن تفاهمات مع المملكة الأردنية.

وقال بن غفير في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، إنه سيبني كنيساً في المسجد الأقصى لأنه لا يوجد أي قانون يمنع اليهود من الصلاة هناك. وعدّ بن غفير أنه يجب أن تكون هناك «مساواة» بين «الطرفين؛ اليهود والمسلمين»، موضحاً وجهة نظره: «يمكن لليهود أن يصلّوا في جبل الهيكل وأن يسجدوا أيضاً. أنا وزير الأمن القومي، وفي إطار ولايتي لن يكون هناك تمييز بين اليهود والمسلمين الذين يصلّون هم فقط هناك. السياسة تسمح بالصلاة في جبل الهيكل، هناك قانون متساوٍ بين اليهود والمسلمين - وسأبني كنيساً هناك».

وجاءت تصريحات بن غفير بعد أسبوعين على قيادته اقتحاماً للأقصى، أعلن خلاله أنه سيسمح لليهود بالصلاة فيه، قبل أن يواجهه نتنياهو قائلاً إنه من يحدد السياسات وليس بن غفير.

ومنذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) 2022، اقتحم بن غفير الأقصى مرات عدة، متحدياً الانتقادات الإسلامية والعربية والدولية، وحتى الإسرائيلية، لكنه للمرة الأولى يتحدث عن إقامة كنيس داخل المسجد الأقصى.

وحذّرت الرئاسة الفلسطينية من جر بن غفير المنطقة إلى حرب دينية، وعدّت تصريحاته خطيرة جداً. وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن الشعب الفلسطيني لن يقبل المساس بالمسجد الأقصى المبارك، وهو خط أحمر لا يمكن السماح بالمساس به إطلاقاً. وأضاف: «هذه الدعوات المرفوضة والمدانة للمساس بالمسجد الأقصى المبارك، هي محاولات لجر المنطقة إلى حرب دينية ستحرق الجميع»، مؤكداً أن مساحة الحرم الشريف البالغة 144 دونماً هي ملك للمسلمين فقط.

ودعا أبو ردينة المجتمع الدولي، خصوصاً الإدارة الأميركية، إلى التحرك الفوري للجم الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وإجبارها على الالتزام بالوضع القانوني والتاريخي السائد في الحرم الشريف.

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يريد بناء كنيس في المسجد الأقصى (د.ب.أ)

كما حذّر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، من حرب دينية تطال العالم أجمع، في حال تم المس بالمسجد الأقصى المبارك. وقال في بيان: «إن التهديد ببناء كنيس في المسجد الأقصى المبارك، والسماح للمستعمرين المتطرفين بأداء رقصات وغناء والمسّ بحرمة المسجد الأقصى المبارك، يدفع المنطقة إلى الانفجار، الذي سيطال العالم أجمع».

أما حركة «حماس»، فوصفت تصريح بن غفير بالخطير، محذرة من «صب مزيد من الزيت على النار». ودعت الحركة، الفلسطينيين في الضفة الغربية والداخل المحتل، «للنفير العام والحشد في الأقصى والرباط في ساحاته، والتصدي لمخططات الاحتلال»، و«تصعيد الاشتباك مع العدو المجرم وقطعان مستوطنيه، في الضفة».

ودعوات «حماس» إلى التصعيد في الضفة وتحذيرات السلطة من حرب دينية أشمل هو ما تخشاه إسرائيل فعلاً. وقالت صحيفة «معاريف» إن المؤسسة الأمنية والجيش يخشيان من أن تؤدي كلمات بن غفير إلى تفاقم التوترات في الأراضي الفلسطينية، التي هي أيضاً مثل طنجرة ضغط على وشك الانفجار، وقد تحرّض على العنف ضد اليهود أينما وجدوا. وبحسب الصحيفة، فإن المؤسسة الأمنية منزعجة من تصريحات بن غفير، باعتبار أنه «لدينا مشكلة مع (حماس) و(الجهاد الإسلامي). وليست لدينا مشكلة مع العالم الإسلامي. وبن غفير يحوّل الحدث إلى حرب دينية».

وقال مصدر في الجيش الإسرائيلي: «هذا الحديث يخلق توترات، ويخلق تحريضاً يشجع الإرهابيين على ارتكاب أعمال». وفوراً سارع مكتب نتنياهو إلى إصدار توضيح جاء فيه أنه «لا يوجد تغيير في الوضع الراهن» بالمسجد الأقصى. والوضع الراهن هو الوضع المتفق عليه مع المملكة الأردنية بوصفها راعية المقدسات في القدس، ويضمن السماح لعدد محدود من اليهود مثل أي شخص غير مسلم بزيارة الأقصى، ولكن ليس الصلاة فيه أو تأدية أي طقوس دينية.

وجاء تأكيد نتنياهو بعد هجوم إسرائيلي عليه وعلى بن غفير، وتهديدات فلسطينية وانتقادات عربية ودولية. وطالب وزير الداخلية الإسرائيلي، موشيه أربيل (حزب شاس)، نتنياهو بـ«أن يتحرك فوراً لوضع بن غفير في مكانه المناسب». وأضاف: «تصريحاته غير المسؤولة تهدد تحالفات إسرائيل الاستراتيجية مع الدول الإسلامية التي تشكل ائتلافاً في المواجهة ضد محور الشر الإيراني. إن افتقاره إلى الفهم قد يؤدي إلى إراقة الدماء».

ورد المقربون من بن غفير على كلام أربيل، قائلين: «المتملق لليسار الذي لا يمل، يتملق بلا كلل، لليسار، للعرب، للجهاز القضائي، وفي حالة جبل الهيكل، لـ(حماس) والأوقاف. اتهاماته المستمرة لليهود تخلق خطراً أمنياً».

بن غفير عند مدخل المسجد الأقصى يوم 13 أغسطس (أ.ب)

لكن لاحقاً انضم كثير من المسؤولين لمهاجمة بن غفير. وقال رئيس معسكر الدولة، بيني غانتس: «لا أحد لديه أي توقعات من الوزير بن غفير، ولا حتى من رئيس الحكومة الذي يسمح له بأن يأخذنا إلى الهاوية مقابل الهدوء السياسي. يتوقع الشعب منكم اتخاذ إجراءات بشأنه. لن تكون الإدانات والكلمات اللطيفة كافية هنا، وسيحكم عليكم التاريخ لكونكم جزءاً من هذه الرحلة الخطيرة».

وقال وزير الدفاع، يوآف غالانت، إن «تحدي الوضع القائم في المسجد الأقصى هو عمل خطير وغير ضروري وغير مسؤول. تصرفات بن غفير تعرّض دولة إسرائيل ومكانتها الدولية للخطر». وعقّب رئيس المعارضة، يائير لبيد، بالقول إن «المنطقة كلها ترى ضعف نتنياهو مقابل بن غفير. وهو ليس قادراً على السيطرة في الحكومة حتى عندما تكون هذه محاولة واضحة لتقويض أمننا القومي. لا توجد سياسة، ولا استراتيجية، ولا توجد حكومة في الواقع».

وأعادت تصريحات بن غفير عن الكنيس التذكير بمحاولة سابقة. إذ أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن تصريح بن غفير حول إقامة كنيس أثار ضجة سياسية كبيرة، لكن نظرة تاريخية تكشف أن مكاناً للصلاة وتعليم التوراة كان قد أُقيم هناك في فترة قصيرة بعد حرب الأيام الستة (عام 1967)، والحديث يدور عن «مدرسة الحاخامية العسكرية على جبل الهيكل». وأوضحت أنه بعد عام 1967، أسس الحاخام شلومو غورين (حاخام في الجيش) مدرسة دينية بجوار باب المغاربة، وقام بنقل عائلات يهودية إلى مساكن جديدة، وأقام الصلاة بشكل منتظم في المدرسة. كما عُين 10 ضباط لإدارة المكان الذي استمر نحو 40 يوماً. لكن بعد ذلك، أمر وزير الدفاع في تلك الفترة، موشيه دايان، بإخلاء المدرسة وتسليم السيطرة على الحرم القدسي للأوقاف الإسلامية.

حقائق

1967

أقامت إسرائيل بعد حرب الأيام الستة عام 1967 «مدرسة الحاخامية العسكرية على جبل الهيكل». أسسها الحاخام شلومو غورين (حاخام في الجيش) بجوار باب المغاربة، وقام بنقل عائلات يهودية إلى مساكن جديدة، وأقام الصلاة بشكل منتظم في المدرسة.


مقالات ذات صلة

مئات المستعمرين يقتحمون «الأقصى»

المشرق العربي مئات المستعمرين في المسجد الأقصى بحماية مشددة من الشرطة الإسرائيلية (وفا)

مئات المستعمرين يقتحمون «الأقصى»

أفادت مصادر محلية فلسطينية بـ«اقتحام  مئات المستعمرين، اليوم (الخميس)، المسجد الأقصى المبارك، وأدوا طقوساً، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي».

«الشرق الأوسط» (القدس)
الخليج فلسطينيون يتفقدون الدمار جراء القصف الإسرائيلي على بيت لاهيا في شمال غزة (أ.ف.ب)

السعودية تدين القصف الإسرائيلي لبيت لاهيا في غزة واقتحام الأقصى

أعربت الخارجية السعودية عن إدانة المملكة بأشد العبارات قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية منازل في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، واقتحام المستوطنين باحات الأقصى.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية فتاة فلسطينية أمام مسجد قبة الصخرة في باحة المسجد الأقصى المبارك بالقدس القديمة بعد صلاة ظهر الجمعة الماضية (أ.ف.ب)

نتنياهو يمنع وزراءه من الوصول إلى «الأقصى» دون إذن مسبق

في جلسة للمجلس الوزاري السياسي والأمني المصغر «الكابينت»، قال نتنياهو إنه «لا يوجد تغيير في الوضع القائم بالحرم القدسي».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية صحيفة «ييتد نئمان» الناطقة باسم حزب «ديغل هتوراة» الحريدي صدرت الثلاثاء بعنوان بالعبرية والعربية يؤكد تحريم زيارة الأقصى

نتنياهو يدفع بمشروع «مضاعفة الاقتحامات» اليهودية لباحات «الأقصى»

بعد يوم من إعلان الوزير بن غفير، أنه يسعى لإقامة معبد يهودي في باحة المسجد الأقصى، دفع نتنياهو بمشروع «مضاعفة الاقتحامات».

«الشرق الأوسط» (القدس)
الخليج السعودية جددت دعوتها للمجتمع الدولي بتفعيل آليات جادة لمساءلة المسؤولين الإسرائيليين على الانتهاكات المتواصلة (الشرق الأوسط)

السعودية تدين دعوة وزير إسرائيلي إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة لتصريح وزير في حكومة الاحتلال الإسرائيلي دعا فيه لإقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى المبارك.


ملف «المفقودين» يُربك «حزب الله»

أطفال مشاركون في تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا خلال الحرب مع إسرائيل (أ.ب)
أطفال مشاركون في تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا خلال الحرب مع إسرائيل (أ.ب)
TT

ملف «المفقودين» يُربك «حزب الله»

أطفال مشاركون في تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا خلال الحرب مع إسرائيل (أ.ب)
أطفال مشاركون في تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا خلال الحرب مع إسرائيل (أ.ب)

يُربك ملف المقاتلين المفقودين «حزب الله» بعد مرور نحو 3 أسابيع على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، حيث لا يزال مصير أكثر من ألف مقاتل مجهولاً، بعدما فُقد الاتصال بهم ولم يُعثر على جثثهم حتى الساعة، وبالتالي لم يجرِ التأكد مما إذا كانوا قد قُتلوا في المعارك، أم أن الجيش الإسرائيلي أسر عدداً منهم.

وفي ظل هذا الواقع، عمد «حزب الله» إلى إبلاغ عائلات هؤلاء بفقدان الاتصال بهم، على أن يحدَّد مصيرهم في الفترة المقبلة بناءً على عمليات البحث ورفع الأنقاض التي تجري منذ توقف الحرب.

من جهة أخرى، وفي حادثة هي الأولى من نوعها، سُجل اجتيازٌ لعناصر من اليمين الإسرائيلي المتطرف الحدود اللبنانية، حيث حاولوا نصب خيام، مطالبين بالاستيطان، قبل أن يعمد الجيش الإسرائيلي إلى إخراجهم، واصفاً ما حصل بأنه «واقعة خطيرة تخضع حالياً للتحقيق».