الحكومة اللبنانية بين ألغام الرسائل الدولية ورد «حزب الله»

رئيسها دعا المواطنين إلى «الصبر والصلاة والصمت»

يؤكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه لم يتلق أي ضمانات دولية من المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين (إ.ب.أ)
يؤكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه لم يتلق أي ضمانات دولية من المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين (إ.ب.أ)
TT

الحكومة اللبنانية بين ألغام الرسائل الدولية ورد «حزب الله»

يؤكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه لم يتلق أي ضمانات دولية من المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين (إ.ب.أ)
يؤكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه لم يتلق أي ضمانات دولية من المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين (إ.ب.أ)

تسير حكومة تصريف الأعمال في لبنان، برئاسة نجيب ميقاتي، وسط حقل ألغام تفرضه رسائل الموفدين الدوليين الذين يضغطون لتنفيذ القرار «1701» وانسحاب «حزب الله» من جنوب مجرى نهر الليطاني، لتلافي اندلاع حرب واسعة مع إسرائيل، وتفرّد الحزب بقرار المواجهة والتحضير لرد عسكري على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر في عمق الضاحية الجنوبية، مع ما يحمل ذلك من مخاطر عملية إسرائيلية لا أحد يعرف مداها.

وبينما قرأ خبراء تراجع العمليات العسكرية للحزب في الجنوب، بالتزامن مع زيارات الموفدين الدوليين إلى بيروت، أنه «يتناغم مع الحكومة ورئيسها»، نفى مصدر وزاري وجود أي تنسيق بين الحكومة والحزب. كما أكد مصدر مقرّب من «حزب الله» أن «أولويته إدارة المعركة على الجبهة الجنوبية، والاستعداد للرد على اغتيال شكر، وإرساء توازن ردع يضع حداً لتمادي إسرائيل في جرائمها بحق لبنان واللبنانيين».

وحملت العبارة التي أطلقها ميقاتي، ودعا فيها اللبنانيين إلى «الصلاة والصبر والصمت» حتى لا تقع الحرب، تفسيرات أقلقت المواطنين، ووضعتهم أمام حالة ترقب تنذر بإمكان تدحرج الأمور نحو الأسوأ، خصوصاً أن ميقاتي أطلق هذا الكلام بعد لقاءاته مع موفد الرئيس الأميركي آموس هوكستين، ووزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه.

لا ضمانات دولية

ورأى مصدر مقرب من ميقاتي أن رئيس الحكومة «أعطى توصيفاً واقعياً للأوضاع، خصوصاً أن المعطيات الدولية لا تحمل كثيراً من الإيجابيات، وأن ميقاتي لم يتلقّ ضمانات دولية على عدم انزلاق الأمور نحو الأسوأ».

ورأى المصدر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن رئيس الحكومة «عندما يجد البلد أمام واقع ضبابي فمن واجبه أن يدعو إلى اليقظة»، مشيراً إلى أن «لا أحد يضمن مغامرات (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين) نتنياهو. كما أن محادثات الدوحة التي ترعاها دول كبرى لم ترشح عنها أجواء إيجابية، وبالتالي على لبنان أن يكون يقظاً إلى حد كبير».

ويتمثّل «حزب الله» بوزيرين في حكومة تصريف الأعمال، لكن ذلك لا يعني أن رئيس الحكومة يطلع مسبقاً على ما يقوم به الحزب. وجزم مصدر وزاري بـ«عدم وجود أي تنسيق بين الحكومة و(حزب الله)»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الدولة بكل مؤسساتها الدستورية والإدارية لا تملك سلطة على الحزب وتصرفاته».

ورأى المصدر أن «المجتمع السياسي في لبنان غير متوافق على آلية الحكم، وأنه لا يمكن للحكومة أن تؤثر في قناعات (حزب الله)، لكنها معنية بعدم إدخال لبنان بمتاهات يصعب الخروج منها، بما فيها خيار الحرب». وسأل: «إذا لم يستطع المجلس النيابي أن يكون سلطة حقيقية وينتخب رئيساً للجمهورية، فكيف يمكن للحكومة أن تكون هذه السلطة في ظل الاختلال في التوازنات السياسية؟».

ولا يراهن «حزب الله» على أي دور للموفدين الدوليين، بدليل أن نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم سارع إلى وصف مهمة آموس هوكستين بـ«الاستعراضية»، ما يعني رفضه لكل طرح يفرض عليه الانسحاب إلى عمق يتراوح ما بين 7 و10 كيلومترات شمال الخط الأزرق.

«حزب الله» جاهز

وعدّ الباحث السياسي المتخصص بشؤون «حزب الله» قاسم قصير أن الحزب «معني بإدارة الجبهة العسكرية في الجنوب، أكثر من أي شيء آخر». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «أبلغ جميع اللبنانيين والمسؤولين، بمن فيهم الحكومة، أنه جاهز للرد على الجرائم الإسرائيلية، وآخرها اغتيال القيادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية»، لافتاً إلى أن «إسرائيل تضع المنطقة أمام خطر الحرب وليس الحزب».

وقال قصير: «لا شك أن الحزب اطلع من بعيد على أجواء زيارات الموفدين الدوليين إلى لبنان، لكن معيار أي حل هو نجاح مفاوضات الدوحة ووقف إطلاق النار في غزة، وفي حال مُنيت المفاوضات بالفشل، فإن الأمور ذاهبة إلى تصعيد حتمي لا أحد يمكنه أن يتنبّأ بمداه أو حجمه».

وعلى قاعدة التحضير للأسوأ، لفت قصير إلى أن الحزب «يتابع من كثب خطة الطوارئ التي تعمل الحكومة على تنفيذها، عبر تأمين مراكز إيواء للنازحين إذا ما وقعت الحرب»، مشيراً إلى أن «ما حصل في الضاحية عبر اغتيال فؤاد شكر، وما حصل في طهران باغتيال إسماعيل هنية، جريمتان لا يمكن التساهل معهما، لكن إذا حصلت تسوية أفضت إلى وقف النار في غزة يصبح الأمر قابلاً للبحث، وربما يكون الرد على الاغتيالات أقل تأثيراً».


مقالات ذات صلة

احتمالات توسّع الحرب تتراجع في لبنان على وقع المفاوضات

المشرق العربي عناصر من الصليب الأحمر اللبناني يخمدون حريقاً في بلدة شبعا إثر قصف إسرائيلي على المنطقة (د.ب.أ)

احتمالات توسّع الحرب تتراجع في لبنان على وقع المفاوضات

سجّلت عملية تسلّل للجيش الإسرائيلي إلى جنوب لبنان للمرة الثالثة منذ بدء المواجهات مع «حزب الله»، في وقت لا يزال فيه التوتر يسود في لبنان سياسياً وعسكرياً

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي «كهرباء لبنان» عاجزة عن حل الأزمة منذ سنوات طويلة (إ.ب.أ)

ضغوط لإشراك القطاع الخاص في حل أزمة الكهرباء

بعد انقطاع التيار الكهربائي عن كامل الأراضي اللبنانية، تجدّدت الدعوة إلى إشراك القطاع الخاص في حل هذه الأزمة المزمنة التي كلّفت الخزينة نصف الدَّين العام.

بولا أسطيح (بيروت)
خاص الرئيس الأسد مستقبلاً رفيق الحريري (غيتي)

خاص رفيق الحريري... جلسة إهانة أمام الرئيس السوري

تنشر «الشرق الأوسط» حلقة جديدة من كتاب «لبنان في ظلال جهنم» لباسم السبع ويروي فيه قصة لقاء خُصص لإهانة رفيق الحريري من قبل مسؤولين أمنيين سوريين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي صورة عامة لمعمل الجية الحراري المتوقف عن العمل (إ.ب.أ)

​مخرج سياسي لبناني لاستئناف إنتاج الكهرباء بالحد الأدنى

أثمرت الاتصالات بين المؤسسات العامة في لبنان مخرجاً لإعادة التغذية الكهربائية بالحد الأدنى لتشغيل المرافق الحيوية بعد يومين من العتمة الشاملة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)

توافق مالي لبناني يمهّد لاستئناف التمويل بالدولار «الفريش»

يدور حراك في أوساط القطاع المالي، بين البنك المركزي والجهاز المصرفي، لصياغة مشروع قانون لتحصين استئناف التمويل بالدولار النقدي (الفريش) لصالح الأفراد والشركات.

علي زين الدين (بيروت)

إعلام عبري: مفاوضات القاهرة لم تثمر اتفاقاً

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)
TT

إعلام عبري: مفاوضات القاهرة لم تثمر اتفاقاً

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)

أفادت وسائل إعلام عبرية، الاثنين، بأن الوفد الإسرائيلي المشارك في المفاوضات الرامية إلى تحقيق تهدئة بين حركة «حماس» وإسرائيل في غزة، عاد من الجولة التي استضافتها القاهرة من دون اتفاق.

لكن في المقابل، لم يقر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بحدوث فشل أو وجود دليل على أزمة، ونقلت مصادر إسرائيلية عنه أنه خلال زيارته إلى إسرائيل، الاثنين، «حوّل الأنظار نحو اجتماع آخر سيُعقد بعد (الأربعاء) بحضور رؤساء الوفود».

وتقود الولايات المتحدة ومصر وقطر، محاولات وساطة لإقرار اتفاق على تهدئة ووقف الحرب التي تدور منذ أكثر من 10 أشهر في غزة، وأودت بحياة ما يزيد على 40 ألف قتيل في القطاع.

والتقى بلينكن، الاثنين، الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقال إنه لا يزال «متفائلاً بالتوصل» إلى اتفاق قريب. لكن نتنياهو، بدا أكثر تحفظاً، وأعلن تمسكه بالشروط الجديدة التي طرحها، وفي صلبها «الامتناع عن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وإبقاء قوات على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وعلى محور نتساريم، وفرض (فيتو) على أسماء أسرى فلسطينيين سيجري إطلاق سراحهم مقابل الرهائن الإسرائيليين».

ومع أن بلينكن أفاد بأن لقاءه مع نتنياهو حدث في «أجواء إيجابية»، إلا أن مصادر إسرائيلية نقلت عن مسؤول في مكتب نتنياهو أنه «أصر على التمسك بالمصالح الأمنية الإسرائيلية الحيوية»، وهو ما ترجمه متابعون مناوئون لنتنياهو على أنه استمرار في السعي لإجهاض الصفقة.

لقاء جديد

بدورها، تحدثت مصادر أميركية عن أن رؤساء الوفود (لدول الوساطة) سيلتقون من جديد في القاهرة، الأربعاء، لكي يسعوا إلى إغلاق الثغرات، وجسر الخلافات، وإنهاء المفاوضات بنجاح. وأفادت بإمكانية «استمرار لقاءات القاهرة أيضاً، الخميس والجمعة، ونية بلينكن العودة إلى تل أبيب والقيام بزيارات مكوكية بين مصر وإسرائيل».

لكن الانطباع في تل أبيب أن نتنياهو لا يريد هذه الصفقة، وحتى لو أراد فإنه لا يستطيع تمريرها؛ ولذلك فإنه يقامر بإجهاضها والتدهور نحو حرب إقليمية، لكن الأميركيين يغطون عليه على أمل أن يقتنع في النهاية، ويسير على طريقهم.

المرحلة الأولى

وذهب عاموس هرئيل، في مقال نشرته صحيفة «هآرتس»، الاثنين، إلى المعنى السابق، وقال: «في بداية الأسبوع الحالي، الذي يبدو أنه حاسم لصفقة التبادل وربما منع حرب إقليمية، جرى تحديث رسائل الخطاب السياسي للجميع. من يؤيدون رئيس الحكومة، يطلون فجأة على واقع بديل... كلمة صفقة لم تعد كلمة فظة، وليس بالضرورة أن يجري التخلي عنها، يجب فحصها بجدية».

ووفق هرئيل فإن «نتنياهو يفحص الذهاب إلى المرحلة الأولى في الصفقة (التي سيجري فيها إطلاق سراح عدد من المخطوفين، بينهم نساء وكبار سن «لأسباب إنسانية»)، وتوسل إلى شركائه في اليمين المتطرف كي يؤجلوا انسحابهم من الائتلاف، حيث إنه في الأصل في الطريق إلى المرحلة الثانية ستنفجر المفاوضات مع (حماس)، وعندها يمكن العودة للقتال في غزة، كما هم (وهو «أي نتنياهو») يريدون».

وبشأن مدى استجابة وزراء اليمين المتطرف لتلك الصفقة على الأقل في مرحلتها الأولى، قال الكاتب: «احتمالية استجابة الوزير إيتمار بن غفير، والوزير بتسلئيل سموتريتش، لذلك ضئيلة في الوقت الحالي؛ فهما يستندان إلى دعم ناخبيهما لمواقفهما المتطرفة حتى فيما يتعلق بإدارة الحرب. ونتنياهو يظهر مرونة معينة، وبهذا يهدئ الأميركيين».

وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني إيتمار بن غفير (وسط الصورة) في البلدة القديمة بالقدس في 13 أغسطس الحالي (أ.ب)

وتابع هرئيل: «الافتراض المعقول هو أن المفاوضات ستفشل في نهاية المطاف، ولكن رسائل نتنياهو الإيجابية ربما تُحسِّن بشكل قليل وضعه إزاء الإدانات الأميركية، وغضب عائلات المخطوفين. وفي لعبة الاتهامات التي ستبدأ عندها سيريد العودة وإلقاء المسؤولية عن رفض الصفقة على (حماس)، لكن من غير المؤكد أن الإدارة الأميركية ستتعاون معه في ذلك؛ فورقة رئيسية توجد في يد الرئيس الأميركي (جو بايدن)، وهي خوف نتنياهو من أن يتهمه علناً بإفشال المفاوضات؛ الأمر الذي لم يحدث منذ بداية الحرب».

لكن هذا اللعب على الجميع يُخرج رؤساء جهاز الأمن الإسرائيلي عن أطوارهم، فهؤلاء لا تقنعهم التصريحات المتفائلة؛ لأنهم يعرفون الوضع الحقيقي. وفي الشهر الماضي، أدخل نتنياهو إلى المفاوضات عقبتين، هما: سيطرة إسرائيل على ممر نتساريم في وسط القطاع، وعلى محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر.

ومؤخراً، وجهت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، الانتقاد لطريقة اتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة، التي اتخذت من دون المصادقة المطلوبة. وكذلك توجه ووزير الدفاع، يوآف غالانت، إلى نتنياهو مباشرة، وعبر الإعلام طالباً عقد جلسة لمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، وطرح الموضع للتصويت. ويقول غالانت إن إجهاض الصفقة سيشعل حرباً إقليمية والقانون يلزم رئيس الحكومة في هذه الحالة على طرح المسألة والتصويت عليها، حتى يعرف من يصوت ضد الصفقة أنه صوت لصالح الحرب.