صاروخان يؤجلان انسحاب «التحالف الدولي» من العراق

خلاف بين واشنطن وبغداد حول «مهمة المستشارين العسكريين»

لقطة أرشيفية من داخل قاعدة «عين الأسد» في الأنبار بالعراق (رويترز)
لقطة أرشيفية من داخل قاعدة «عين الأسد» في الأنبار بالعراق (رويترز)
TT

صاروخان يؤجلان انسحاب «التحالف الدولي» من العراق

لقطة أرشيفية من داخل قاعدة «عين الأسد» في الأنبار بالعراق (رويترز)
لقطة أرشيفية من داخل قاعدة «عين الأسد» في الأنبار بالعراق (رويترز)

تتجه واشنطن إلى إلغاء تفاهمات مع العراق حول جدولة انسحاب قواتها، وقال مسؤولون عراقيون إن الهجوم الأخير بصاروخين على قاعدة «عين الأسد» يقف وراء هذا التحول.

وجاء ذلك بالتزامن مع خلاف بين وزارتي الخارجية في البلدين حول تفسير عبارات دبلوماسية تتعلق بمستقبل التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، الذي تقوده الولايات المتحدة.

وقالت مصادر مسؤولة لـ«الشرق الأوسط»، إن مسار التفاوض حول انسحاب القوات الأميركية من العراق توقف من طرف واشنطن.

وأضافت المصادر: «ليس من المعلوم إن كانت واشنطن ستعود إلى هذه النقطة مجدداً (الانسحاب)، لكن الوضع معقد للغاية بسبب الهجوم الأخير على (عين الأسد)».

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن (إعلام حكومي)

تأجيل الإعلان

وقالت وزارة الخارجية العراقية في بيان، الخميس، إن بغداد قررت تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وأضافت: «لم يبقَ سوى الاتفاق على تفاصيل وموعد الإعلان وبعض الجوانب اللوجستية الأخرى. كنا قريبين جداً من الإعلان عن هذا الاتفاق، ولكن بسبب التطورات الأخيرة تم تأجيل الإعلان عن إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي في العراق».

وكانت الخارجية الأميركية نفت أن تكون المفاوضات مع العراقيين حول الانسحاب، بل حول تطوير العلاقات وتنسيق الجهود الأمنية.

وروجت وسائل إعلام عراقية إلى أن رئيس الحكومة العراقية كان على وشك الإعلان عن انسحاب التحالف الدولي من البلاد. وهو ما أقره رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي، خلال لقائه صحافيين في بغداد، حين قال: «كان مقرراً انسحاب التحالف الدولي ضمن جدولة متفق عليها بين الطرفين، لولا القصف الذي طال قاعدة (عين الأسد)».

وتعرضت القاعدة العسكرية العراقية، التي تستضيف مستشارين أميركيين، إلى قصف بصاروخين، تبنته مجموعة مجهولة تسمي نفسها «ثوريون».

واعتقلت القوات الأمنية أشخاصاً قالت إنهم متورطون بإطلاق الصواريخ، بعد أن ضبطت منصة إطلاقها. لكنها خلال أسبوع، أعلنت الإفراج عنهم جميعاً لعدم ثبوت مشاركتهم في الهجوم.

وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية إصابة عدد من الجنود الأميركيين الموجودين ضمن القاعدة في إطار مهمات التحالف الدولي في العراق.

ومنذ فبراير (شباط) الماضي تحافظ الحكومة العراقية على هدنة حرجة مع الفصائل المسلحة، بزعم أنها المسؤولة الحصرية عن مفاوضات انسحاب القوات الأميركية.

وكان الاتفاق بين الحكومة والفصائل، عبر وساطات سياسية شيعية، يستند بالدرجة الأساسية على أن أي عمل عدائي ضد الأميركيين سيدمر مفاوضات انسحابهم نهائياً من العراق، كما يقول مسؤولون.

ومع ذلك، كانت البيانات الحكومية، من بغداد وواشنطن، تفيد بأن البلدين يتفاوضان لإنهاء مهمة التحالف الدولي للانتقال إلى شراكة أمنية دائمة، وهذا ما أثار حفيظة جماعات مسلحة شديدة التطرف، مثل حركة «النجباء»، و«كتائب حزب الله».

مسؤولون عسكريون أميركيون وعراقيون في قاعدة «عين الأسد» (الجيش الأميركي)

التباس أم خلاف؟

ومساء الخميس، قال متحدث الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر: «لقد أجرينا مناقشات مع حكومة العراق حول مستقبل التحالف الدولي، وشمل ذلك عندما التقى رئيس الحكومة محمد السوداني مع الرئيس بايدن هنا في واشنطن في أبريل (نيسان)، ولم نناقش في أي وقت انسحاب القوات الأميركية من العراق، لكننا نواصل مناقشة الانتقال إلى ما يمكن أن نطلق عليه شراكة أمنية ثنائية».

وتابع المتحدث الأميركي: «لقد أبرز السوداني في بيانه لاتصاله مع الوزير بلينكن هذا الأمر، وتستمر هذه المناقشات، وهي عملية تعتمد على الاتفاقيات الثنائية السابقة، والمناقشات الاستراتيجية متجذرة، فما أود أن أقوله هو التزامنا المتبادل لتعزيز التعاون الأمني والمصلحة المشتركة والاستقرار الإقليمي».

وسرعان ما ردت الخارجية العراقية على التصريحات الأميركية بالقول إنها «غير دقيقة». وقالت الوزارة في بيان صحافي: «أعمال اللجنة العسكرية العليا ركزت خلال الأشهر الماضية على تقييم خطر تنظیم (داعش) بهدف الوصول إلى موعد نهائي لإنهاء المهمة العسكرية لعملية (العزم الصلب). وعلى هذا الأساس، سيتم إنهاء وجود مستشاري التحالف الدولي بكل جنسياتهم على أرض العراق».

وبينت الخارجية العراقية أن النقاشات الخاصة بذلك كانت «قد شملت تفاصيل تضمنت تراتبية انسحاب المستشارين من المواقع، ولم يبقَ سوى الاتفاق على تفاصيل وموعد الإعلان وبعض الجوانب اللوجستية الأخرى».

وأشارت الخارجية العراقية إلى أن «العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة في جميع المجالات، بما في ذلك العلاقة الأمنية، منفصلة تماماً عن مسار العلاقة مع قوات التحالف الدولي»، مؤكدة أن «هذه العلاقة قائمة قبل التحالف وستستمر بعده».

ولفتت إلى أن «الوفد العراقي ناقش مستقبل العلاقة الأمنية في مجالات التدريب والتسليح والتجهيز والتعاون الأمني، وذلك في ضوء ما يسمح به الدستور العراقي وإطار الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة».

تدريب في قاعدة «عين الأسد» الجوية غرب العراق (الجيش الأميركي)

الانسحاب الأميركي

من جهته، قال حسين علاوي، مستشار رئيس الوزراء العراقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «بيان الخارجية يشير إلى أن الذين يعملون على الأراضي العراقية هم مستشارو التحالف الدولي، وهنالك عمل من قبل الحكومة العراقية لإنهاء عملهم طبقاً للقرار الذي اتخذته الحكومة في 5 يناير (كانون الثاني) 2024».

وأوضح علاوي أن «اللجنة العليا المشتركة كان لديها ثلاث مهام هي: تقييم مخاطر (داعش) وقياس القابليات والقدرات العسكرية العراقية، ووضع الجدول الزمني لإنهاء مهام عمل دول التحالف الدولي، ونقل العلاقات العراقية مع دول التحالف الدولي إلى علاقات ثنائية مستقرة في كل المجالات بما فيها الجانب الدفاعي لمرحلة ما قبل سقوط الموصل، وهو تاريخ تشكيل التحالف الدولي عام 2014».

وتابع المستشار الحكومي: «بعد عشر سنوات نجد أن القوات الأمنية العراقية قادرة على إدارة السيادة الوطنية بصورة تامة، ولذلك فاللجنة العسكرية العليا أمامها اجتماعات حاسمة ووضع الجدول الزمني لإنهاء مهمة التحالف».

في السياق، قال الخبير الأمني سرمد البياتي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك التباساً وليس خلافاً بين العراقيين والأميركيين، وثمة اتفاق على جدولة الانسحاب»، لكنه أكد أن «الطرفين اتفقا على نقاط رئيسية منها جدولة الانسحاب، غير أن التطورات الأمنية الأخيرة أجّلت كل شيء».


مقالات ذات صلة

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام منتدى السلام في دهوك (شبكة روداو)

رئيس البرلمان العراقي: المنطقة قريبة من «نكبة ثانية»

قدم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يزور مقر وزارة التخطيط المشرفة على التعداد صباح الأربعاء (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: انطلاق عمليات التعداد السكاني بعد سنوات من التأجيل

بدت معظم شوارع المدن والمحافظات العراقية، الأربعاء، خالية من السكان الذين فُرض عليهم حظر للتجول بهدف إنجاز التعداد السكاني الذي تأخر لأكثر من 10 سنوات.

فاضل النشمي (بغداد)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)
تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)
TT

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)
تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

ارتفعت حصيلة قتلى الهجوم الإسرائيلي على تدمر إلى 93 قتيلاً، وسط أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف. في حين استقدمت قوات التحالف تعزيز عسكرية إلى قاعدة حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي؛ لمواجهة التهديدات المتزايدة في المنطقة.

وتَواصل تشييع قتلى الهجوم على تدمر، لليوم الثاني على التوالي، في معظم البلدات والقرى ذات الغالبية الشيعية في أرياف حلب وحمص ودمشق ودير الزور، وأظهرت صور، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، كثافة أعداد المشاركين؛ من عسكريين ومدنيين.

تشييع قتلى في الزهراء بريف حلب (متداولة)

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، اليوم الجمعة، إن قرية الربوة في ريف حمص الغربي، والتي يقطنها غالبية من أبناء الطائفة الشيعية، شهدت مراسم تشييع حاشدة لقتلى «حزب الله» اللبناني، حيث شيّع المئات من المدنيين والعسكريين جثامين 4 عناصر من الحزب قُتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة تدمر. ورفع المشيّعون رايات «حزب الله» اللبناني، وهتفوا بشعارات تُمجد الحزب وعناصره، مع ترديد عبارات دينية؛ منها: «هنيئاً قد فُزتم بجِنان الله يا جنود المنتظر، أنتم حزب الله»، في أجواء طغى عليها الحزن. وخرج في بلدة الحطانية بريف حمص، وبلدة الزهراء بريف حلب، ومنطقة السيدة زينب، جنوب العاصمة دمشق، وفي ريف دير الزور، جنازات مماثلة من حيث كثافة المشاركين.

وقالت مصادر متابعة في دمشق، لـ«الشرق الأوسط»، إن تلك الجنازات رسالة لتأكيد حجم الحضور الشعبي لإيران و«حزب الله» في مناطق نفوذها بسوريا، في رد على أنباء «تحجيم دور» الميليشيات الإيرانية في سوريا، خلال الفترة الماضية. ولفتت المصادر إلى أن الهجوم الإسرائيلي على تدمر جاء بعد أيام قليلة من كشف مصادر إعلامية محلية عن تعزيز إيران ميليشياتها في سوريا في مواجهة التصعيد الإسرائيلي، والتهديد بقطع طريق طهران-بيروت، ومواصلة «الحرس الثوري الإيراني» إقامة معسكرات تدريب كبيرة للميليشيات التابعة له، ولا سيما «حركة النجباء» العراقية، في بادية السخنة الجنوبية شرق حمص.

تشييع قتلى هجوم تدمر في السيدة زينب اليوم الجمعة (متداولة)

وقالت المصادر إن إسرائيل وجّهت ضربة استباقية مُوجعة للميليشيات الإيرانية، وتحذيراً لإيران من مغبّة تنشيط الميليشيات العراقية ضد إسرائيل. وأضافت المصادر أن إسرائيل عازمة على قطع خط الإمداد عبر سوريا تماماً، مع احتمال التوسع نحو قطع امتداده عبر العراق.

يأتي ذلك مع أنباء عن توجه قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تتبع إيران من الأراضي السورية نحو العراق؛ خشية تعرضهم لاستهدافات بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير، والضربات الجوية المتزايدة مؤخراً. ووفق ما ذكره موقع «نورث برس» الإخباري، الذي نقل عن مصدر عسكري قوله: «إن ثلاث سيارات تُقل 11 قيادياً من الصف الأول في (الثوري الإيراني) والميليشيات الإيرانية، غادرت الأراضي السورية ودخلت الأراضي العراقية، عبر معبر القائم الحدودي»، مصيفاً أن القياديين قدموا من مناطق حمص وتدمر ودمشق، وجميعهم من جنسيات إيرانية وعراقية.

مروحية أميركية فوق قادة للتحالف الدولي (متداولة)

ونفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات جوية، يوم الأربعاء، استهدفت ثلاثة مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي. وتركزت الضربات على موقع كان يُعقَد فيه اجتماع ضمَّ قياديين من الميليشيات الإيرانية و«حركة النجباء» العراقية، إلى جانب قيادي من «حزب الله» اللبناني. كما استهدفت الغارات موقعين في حي الجمعية؛ أحدهما مستودع أسلحة قرب المنطقة الصناعية التي تقطنها عائلات عناصر مُوالية لإيران من جنسيات عراقية وأجنبية. وفق تقارير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي أفاد، اليوم الجمعة، بوصول حصيلة قتلى الهجوم الجوي على تدمر إلى 92 قتيلاً، منهم 61 من الميليشيات التابعة لإيران من الجنسية السورية، بينهم 11 ضابطاً، وصف ضابط يعملون لصالح «حزب الله» اللبناني، و27 من جنسيات غير سورية غالبيتهم من «حركة النجباء»، و4 من «حزب الله» اللبناني. كما أصيب في الهجوم نحو 21 آخرين، بينهم 7 مدنيين.

وفي سياق التصعيد الذي تشهده المنطقة، أفاد نشطاء المرصد بهبوط عدة طائرات شحن عسكرية تابعة لقوات «التحالف الدولي» في أكبر القواعد الأميركية بسوريا، في قاعدة حقل العمر النفطي بريف دير الزور الشرقي، محملة بمعدات عسكرية ولوجستية.

تأتي هذه التعزيزات في خطوة لتعزيز القدرات الدفاعية للقوات، ورفع جاهزيتها القتالية لمواجهة التهديدات المتزايدة من إيران وميليشياتها في المنطقة.