بوتين يؤكد موقف بلاده حيال «جذور المشكلة» وعباس يعوّل على دعم موسكو

الرئيسان الروسي والفلسطيني بحثا حرب غزة والتطورات الإقليمية

الرئيسان بوتين وعباس في نوفو أوغاريفا خارج موسكو الثلاثاء (الكرملين - د.ب.أ)
الرئيسان بوتين وعباس في نوفو أوغاريفا خارج موسكو الثلاثاء (الكرملين - د.ب.أ)
TT

بوتين يؤكد موقف بلاده حيال «جذور المشكلة» وعباس يعوّل على دعم موسكو

الرئيسان بوتين وعباس في نوفو أوغاريفا خارج موسكو الثلاثاء (الكرملين - د.ب.أ)
الرئيسان بوتين وعباس في نوفو أوغاريفا خارج موسكو الثلاثاء (الكرملين - د.ب.أ)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جولة محادثات مطولة مع نظيره الفلسطيني محمود عباس، ركّز خلالها الجانبان على رزمة الملفات المتعلقة بالوضع حول غزة، وآفاق دفع جهود التهدئة، والملفات الإقليمية، على ضوء المخاوف من اتساع رقعة القتال وانزلاق الوضع نحو مواجهة واسعة.

وعقد الرئيسان جولة مناقشات استمرت نحو 3 ساعات في مقر إقامة بوتين الصيفي في نوفو أوغاريفا خارج موسكو.

واستهل الرئيس الروسي الحديث في الشق المفتوح من اللقاء، بالإشارة إلى الوضع الذي تمر به روسيا على خلفية احتدام المواجهة مع الغرب، والتطورات المتعلقة بتوغل الأوكرانيين في عمق الأراضي الروسية.

وخاطب ضيفه بعبارة: «الجميع يدرك جيداً أن روسيا اليوم، لسوء الحظ، يجب أن تدافع عن مصالحها، وتدافع عن شعبها بالسلاح في أيديها، لكن ما يحدث في الشرق الأوسط، وما يحدث في فلسطين، بالتأكيد لا يمر من دون أن يلاحظه أحد من جانبنا».

وقال إن موسكو «تراقب بألم وقلق كبيرين الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة، وتبذل قصارى جهدها لدعم الشعب الفلسطيني». ولفت إلى مبادرة روسيا لإرسال شحنات من المعونات إلى غزة لتخفيف الكارثة الإنسانية، وقال إن بلاده أرسلت نحو 700 طن من البضائع إلى فلسطين.

وأضاف الرئيس الروسي: «بادئ ذي بدء، بالطبع، نحن قلقون بشأن الخسائر بين السكان المدنيين، وفقاً للأمم المتحدة، ويبلغ عدد (الضحايا) بالفعل 40 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال».

وأكد أن روسيا تتمتع بعلاقات طويلة الأمد وعميقة مع العالم العربي بشكل عام، وفلسطين بشكل خاص، وهو ما تقدره موسكو كثيراً.

وأشار الرئيس الروسي إلى أن بلاده دعت دائماً إلى تسوية سلمية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

وأضاف: «نتفهم أن لدينا أنا وأنت موقفاً مشتركاً، وهو أن جذور هذه المشكلة تذهب إلى الماضي وترتبط بتجاهل القرارات التي اتخذت سابقاً على مستوى المنظمات الدولية، وعلى مستوى الأمم المتحدة في المقام الأول، فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية مستقلة».

جانب من المحادثات الموسعة بين الوفدين الروسي والفلسطيني في مقر إقامة الرئيس بوتين خارج موسكو (الكرملين - د.ب.أ)

وتابع: «لقد تمت صياغة وجهة النظر الروسية منذ وقت طويل، وهي أنه من أجل ضمان سلام طويل الأمد وموثوق ومستقر في الشرق الأوسط، من الضروري تنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة، وقبل كل شيء، إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة».

وكان الكرملين أفاد قبل اللقاء بأن الجانب الروسي مهتم بمناقشة تطوير التعاون الثنائي والوضع في الشرق الأوسط في ضوء التفاقم الحالي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والكارثة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة.

«عقود من الصداقة»

من جانبه، أشاد عباس بمواقف موسكو، وقال إن «روسيا وفلسطين تربطهما عقود من الصداقة».

وزاد: «نشعر أن روسيا هي أحد أعز أصدقاء الشعب الفلسطيني، وكما قلت في بداية اللقاء، نأمل أن يحصل الشعب الفلسطيني على دولته الخاصة».

وأضاف أن «الأمم المتحدة» فشلت في تنفيذ مهمتها المتمثلة في إنشاء دولة فلسطينية.

وأوضح : «الأمم المتحدة، بسبب ضغوط الولايات المتحدة، فشلت في القيام بمهمتها المتمثلة في تقديم حل واحد، وتبني قرار واحد من شأنه تنفيذ وضمان حقوق الشعب الفلسطيني».

وتطرق إلى الوضع الحالي في غزة، مشدداً على الأهمية القصوى للتوصل إلى اتفاق لوقف النار. وأكد رفض سياسة التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة.

وقال عباس: «لن نقبل ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس كما حدث مرات عديدة في القرن العشرين، ونعتقد أنه بدعمكم سنحقق هذا الهدف».

وشارك في المفاوضات من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومعاون الرئيس يوري أوشاكوف، ورئيس وزارة العمل أنطون كوتياكوف، ورئيس الدائرة الرئيسية لهيئة الأركان العامة إيغور كوستيوكوف، وممثل روسيا لدى السلطة الوطنية الفلسطينية غوتشا بواتشيدزي. وضمّ الوفد الفلسطيني وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، والسفير في موسكو عبد الحفيظ نوفل، ومستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي.

الرئيس الروسي مرحباً بنظيره الفلسطيني في نوفو أوغاريفا الثلاثاء (الكرملين - د.ب.أ)

وكان عباس استبق محادثاته مع بوتين بتأكيد الاهتمام الفلسطيني بتنسيق المواقف مع موسكو. وقال لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية إنه يتوجه إلى روسيا لتبادل وجهات النظر حول الأحداث الدولية الأخيرة وتنسيق المواقف وتعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة عملية السلام من أجل التسوية الفلسطينية.

وتطرق عباس إلى ملف الدعوة الروسية السابقة لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، مؤكداً أن السلطة الفلسطينية تدعم هذه الفكرة. كما تطرق أيضاً إلى المبادرات الروسية السابقة لتقديم منصة للحوار في موسكو تجمع عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأكد أن الجانب الفلسطيني أبدى دائماً استعداداً للتعامل بشكل إيجابي مع الدعوات الروسية، لكن الجانب الإسرائيلي أفشل أكثر من مرة مبادرات في هذا الشأن.

وكان لافتاً أن الكرملين لم يتطرق في بياناته الرسمية أو خلال حديث بوتين في الشق المفتوح من الحوار إلى مبادرات أو أفكار من هذا النوع.

ورأى مصدر روسي، تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، أن موسكو كانت مهتمة بإجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع الجانب الفلسطيني، على ضوء التطورات الدامية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، وكذلك على ضوء المستجدات الإقليمية والدولية. لكن المصدر أشار إلى أن الاهتمام الروسي منصبّ في هذه المرحلة على ضرورات التوصل إلى وقف بأسرع وقت للقتال في غزة، ومعالجة الملفات المتعلقة بهذا الموضوع، بما في ذلك على صعيد منع انزلاق الوضع الإقليمي نحو مواجهة كبرى.

برغم ذلك، قلّل المصدر من أهمية نتائج المحادثات في هذا التوقيت، إلا في إطار تبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف واستقراء التطورات المتوقعة.

وزاد أن الموقف الروسي حالياً يقوم على دعم الجهود الصينية في ملف المصالحة الداخلية الفلسطينية، لافتاً إلى أن موسكو تدعم تحرك بكين، ولن تقوم بعمل موازٍ.

أشار المصدر أيضاً إلى عدم حماسة موسكو لتكرار طرح أفكار أو مبادرات تتعلق بالدعوة إلى لقاء دولي، أو إلى حوارات تجمع القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية.

وأوضح أن موسكو «إذا كررت طرح تلك الأفكار فسوف تبرز تساؤلات جدية حول آليات تنفيذ أي مبادرة أو اقتراح بشكل عملي».

وزاد أن موسكو منشغلة حالياً إلى أقصى درجة بالوضع حول المواجهة في أوكرانيا والعلاقات المعقدة للغاية مع الغرب. وأضاف أن «تدهور العلاقات بشكل كامل تقريباً مع واشنطن، ومستوى البرود الذي يحيط بالعلاقات الروسية - الإسرائيلية حالياً، يجعلان أي أفكار يمكن أن تطرح بحاجة إلى دعم عملي من قبل لاعبين آخرين».

ورجّح المصدر أن تدعم موسكو جهداً قد تقوم به الصين على هذا الصعيد.


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

هل ستدفع مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حكومات لتقليص اتصالاتها مع إسرائيل؟

نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن خبراء ومسؤولين أن مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستدفع بعض الحكومات لتقليص اتصالاتها مع نتنياهو وغيره من المسؤولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

عقب إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يساور القلق المسؤولين الإسرائيليين خشية ملاحقة ضباطهم أيضاً.

نظير مجلي (تل أبيب)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية، يقع أحدها في شارع مكتظ.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين، بعد ظهر الجمعة، على مبنيين يقعان على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة الشياح المعروفة باسم «طريق صيدا القديمة»، التي تفصل الشياح عن عين الرمانة، وهي خطوط التماس القديمة، خلال الحرب اللبنانية. كما قصف، مساء، مبنى يقع خلف خط بولفار كميل شمعون، الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن المناطق ذات الغالبية المسيحية التي يقع فيها المبنى المستهدف.

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

ويضمّ المبنى، في طوابقه الأربعة الأولى، مؤسسات تجارية عدة ونادياً رياضياً ومختبراً، بينما الطوابق السبعة الأخرى سكنية. واستهدف الصاروخ القسم السكني من المبنى، ما أدى إلى انهياره، بينما صمدت الطوابق الأولى. وجاء استهداف المبنيين بعد إنذار إسرائيلي لسكانهما ومحيطهما بالإخلاء، قالت الوكالة الوطنية إنه أسفر عن «حركة نزوح ملحوظة» من منطقة عين الرمانة المتاخمة للشياح، والتي تقطنها غالبية مسيحية. وجاءت الضربات بعد غارات مماثلة استهدفت، صباح الجمعة، ثلاثة أبنية في منطقتي الحدث وحارة حريك، بعد إنذار إسرائيلي.

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، سحب دخان وغبار تتصاعد على أثر الغارات الثلاث على المنطقة. وأفادت الوكالة بأن غارتين شنّهما «الطيران الحربي المُعادي» استهدفتا منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية». وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

امرأة وأطفال ينزحون من موقع قريب لمبنى دمرته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

وجاءت غارات الجمعة، غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وشرقه. وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان، بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية، وبلدتين في محيطها. وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان، منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل. وللمرة الأولى منذ بدء عملياتها البرية، توغّلت القوات الإسرائيلية إلى داخل بلدة دير ميماس، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية، مشيرة إلى أن «طائرة استطلاع معادية» حلقت فوق البلدة، وهي «تطلب من المواطنين عدم الخروج من منازلهم». وأعلن «حزب الله»، الجمعة، استهدافه، مرتين، جنوداً إسرائيليين عند أطراف كفركلا، «بقذائف المدفعية».