«جبهة المساندة» تجمّد حياة اللبنانيين 4 مرات... بانتظار الحرب

الاتصالات الدولية نجحت بمنع تمددها... وفشلت بخفض التصعيد

لوحة بأحد شوارع بيروت تجمع صور كل من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والقيادي في «حزب الله» فؤاد شكر وقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» (رويترز)
لوحة بأحد شوارع بيروت تجمع صور كل من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والقيادي في «حزب الله» فؤاد شكر وقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» (رويترز)
TT

«جبهة المساندة» تجمّد حياة اللبنانيين 4 مرات... بانتظار الحرب

لوحة بأحد شوارع بيروت تجمع صور كل من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والقيادي في «حزب الله» فؤاد شكر وقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» (رويترز)
لوحة بأحد شوارع بيروت تجمع صور كل من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والقيادي في «حزب الله» فؤاد شكر وقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» (رويترز)

منذ أن فتح «حزب الله» جبهة الجنوب اللبناني لـ«مساندة غزّة»، انقلبت حياة اللبنانيين رأساً على عقب، وانتابهم الخوف من تحوّل هذه «المساندة» إلى حربٍ تقضي على أحلامهم وتحوّلها إلى كابوس.

وشهدت هذه الحرب، أربع محطات بارزة رافقتها تهديدات وترقبات لمسارها ومآلاتها، بدأت في الأسبوع الأول من الحرب، حيث طوقت التحركات الدبلوماسية المخاطر من توسعها، ثم تصاعدت المخاوف مع اغتيال الجيش الإسرائيلي للقيادي في حركة «حماس» صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، مطلع شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وتداعت على أثره الوفود الدبلوماسية إلى لبنان وإسرائيل لمنع تمدد الحرب.

عنصر من استخبارات الجيش اللبناني بجانب عمال ينظفون موقع استهداف العاروري في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

المحطة الثالثة كانت بُعيد اغتيال إسرائيل لقياديين في «الحرس الثوري» الإيراني في القنصلية الإيرانية في دمشق، ورد إيران على الضربة، أما الاختبار الرابع فهو الحالي مع اغتيالين نفذهما الجيش الإسرائيلي بحق المسؤول العسكري المركزي في «حزب الله» فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في طهران، وهو ما وضع لبنان في مرحلة الترقب، وجمّد حياة اللبنانيين بانتظار الردود المتوقعة سواء من إيران والحزب، أم من إسرائيل في ردها على الرد.

حرب مشاغلة... واغتيالات

تبدلت كلّ الحسابات لدى أطراف الصراع، فـ«حزب الله» الذي اعتقد أن «مشاغلة» الإسرائيليين بعملياته التي وضعت مستوطنات الشمال تحت مرمى نيرانه، ستحملهم على وقف الهجوم على غزّة، وفرض شروطه ضمن «توازن الردع» الجديد، لم تحقق الأهداف التي وضعها الحزب. وفي المقابل، اعتقد الجيش الإسرائيلي أن عمليات الاغتيال التي نفذها في لبنان وسوريا ستدفع الحزب إلى التراجع، وتجبره على تنفيذ القرار 1701 والانسحاب إلى شمال مجرى نهر الليطاني، الأمر الذي لم يتحقق رغم الضغوط الدولية.

صورة متداولة تجمع العاروري وهنية وأبو شعبان

اغتيال العاروري وقصف القنصلية الإيرانية بدمشق

عمليات جسّ النبض التي بدأت في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واستمرت لنحو 3 أشهر لدى الطرفين، لم تلتزم بها إسرائيل طويلاً، فسارعت إلى كسر قواعد الاشتباك، متخطية الخطوط الحمراء المرسومة منذ انتهاء حرب يوليو (تموز) 2006، لتنفّذ عملية اغتيال في عمق الضاحية الجنوبية، وتقتل نائب رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» صالح العاروري، وتستتبعها باغتيالات طالت قادة عسكريين وأمنيين للحزب في الجنوب والبقاع والداخل السوري، وما بين كلّ هذا وذاك، تجرّأت على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل القيادي البارز في «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال محمد رضا زاهدي، وعدد من المستشارين الإيرانيين وكوارد في «حزب الله».

ركام القنصلية الإيرانية بدمشق حيث قُتل زاهدي ورفاقه بغارة إسرائيلية في الأول من أبريل (أ.ف.ب)

بعد استهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية ومقتل زاهدي، عاشت الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية ساعات طويلة من حبس الأنفاس، وجاء ردّ طهران في منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي بقصف إسرائيل بعشرات المسيرات والصواريخ الباليستية، غير أن نتيجته جاءت متواضعة أعلنت على أثره طهران أن ردّها كان كبيراً وتاريخياً.

اتصالات دولية لتجنب الحرب

في كل مرة كان يتصاعد فيها التوتر، كانت الحركة الدبلوماسية تتفعل، ونجحت في مرات سابقة قبل الرد على اغتيال شكر وهنية، بمنع توسعة الحرب، لكنها لم تنجح بخفض التصعيد وإنهاء الحرب القائمة.

ويرى مصدر دبلوماسي أن «الاتصالات الدولية لم تنجح حتى الآن في تخفيف حدّة التصعيد ما بين إسرائيل من جهة، وإيران و(حزب الله) من جهة ثانية». ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «لبنان سيشهد أياماً صعبة ومصيرية بانتظار ردّ الحزب على اغتيال قائده العسكري وترقّب الموقف الإسرائيلي منه»، مشيراً إلى أن «إقفال بعض السفارات أبوابها في بيروت، ودعوات السفارات الغربية المتكررة لمواطنيها بضرورة مغادرة لبنان على الفور، كلّها تزيد من قيمة التحذير وإفهام الحزب بأن أي عملية كبيرة ضدّ إسرائيل ستكون لها تداعيات كبيرة على لبنان».

وتمنّى المصدر الدبلوماسي أن «يفهم أطراف الصراع أن الحركة السياسية والدبلوماسية الناشطة تجاه تل أبيب وبيروت وطهران، هي محاولات الساعة الأخيرة لمنع الانزلاق إلى حرب واسعة».

عناصر من «حزب الله» يحملون نعش قائدهم العسكري فؤاد شكر خلال تشييعه في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

قواعد الاشتباك

رغم التطورات الخطيرة التي شهدتها الجبهة اللبنانية والاغتيالات والضربات الموجعة التي تلقاها، لم يكسر «حزب الله» قواعد الاشتباك، صحيح أنه نفّذ عمليات تخطّت خمسة كيلومترات، ونجح في إصابة مراكز ومقرات للجيش والاستخبارات الإسرائيلية، لكنه آثر عدم ارتكاب خطأ استراتيجي يؤدي إلى قتل مدنيين إسرائيليين، ويعطي بنيامين نتنياهو وحكومته المبرر لشنّ حرب واسعة على لبنان، إلى أن جاءت عملية مجدل شمس في الجولان السوري المحتلّ التي أدت إلى مقتل 14 مدنياً غالبيتهم من الأطفال، ورغم أن «حزب الله» نفى مسؤوليته عنها، فإن تل أبيب حمّلته تبعاتها، وردّت عليها باغتيال القائد العسكري الأول في الحزب فؤاد شكر داخل منزله في حارة حريك في الضاحية الجنوبية، وبعد ساعات اغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية داخل غرفة نومه في قصر الضيافة في طهران.

قلق ونزوح

بانتظار أن يأتي ردّ «حزب الله» على اغتيال شكر، والردّ الإيراني على اغتيال هنيّة، يعيش اللبنانيون ساعات قلق شديد، يعززها دعوات السفارات الغربية والعربية رعاياها إلى مغادرة لبنان على الفور، مترافقة مع وقف أغلب شركات الطيران رحلاتها إلى مطار بيروت الدولي.

أطفال يلهون في باحة فندق يستضيف نازحين في بلدة المروانية بجنوب لبنان (أ.ب)

وأثارت عملية اغتيال فؤاد شكر في عمق الضاحية الجنوبية، مخاوف اللبنانيين خصوصاً المقيمين في ضاحية بيروت الجنوبية، الذين استعادت ذاكرتهم مشاهد حرب يوليو 2006 التي شهدت تدميراً واسعاً، حيث سارعت آلاف العائلات إلى مغادرة المنطقة فوراً إلى مدنٍ وبلدات آمنة أو أقلّ خطراً، وغالبيتهم انتقل إلى منازل استأجروها في وقت سابق في جبل لبنان، فيما تركت العملية والتهديد بالانتقام نتائج سلبية على الوضع الاقتصادي، عززتها مغادرة الجاليات الأجنبية وغالبية المغتربين الذين حضروا إلى لبنان لقضاء موسم الاصطياف، ترافق ذلك مع تراجع في حركة الأسواق، بالإضافة إلى إلغاء معظم المهرجانات الفنية والحفلات التي كانت مقررة منذ أشهر، فيما ألغيت آلاف الحجوزات في الفنادق والمؤسسات السياحية.


مقالات ذات صلة

مساهمة بريطانية في استحداث مراكز عسكرية للجيش اللبناني على الحدود الجنوبية

المشرق العربي رئيس البرلمان اللبناني خلال مناقشته بنود الورقة الأميركية مع الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين (أ.ف.ب)

مساهمة بريطانية في استحداث مراكز عسكرية للجيش اللبناني على الحدود الجنوبية

تصدرت عودة النازحين إلى بلداتهم في جنوب لبنان أولويات المفاوض اللبناني الذي أزال جميع العوائق أمام عودتهم بمجرد التوصل إلى اتفاق لوقف النار.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي السفينة الحربية الألمانية المشاركة في «يونيفيل» تطلق صواريخ خلال تدريبات قرب جزيرة كريت الشهر الماضي (أرشيفية - د.ب.أ)

مصدر دبلوماسي: ألمانيا لم تُسأل عن المشاركة بلجنة تنفيذ اتفاق بين لبنان وإسرائيل

استبق مصدر دبلوماسي غربي المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية بالتأكيد أن ألمانيا لم تُفاتح بمشاركتها بلجنة مقترحة لمراقبة تنفيذ «1701».

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي أشخاص يحملون أمتعتهم أثناء عبورهم إلى سوريا سيراً على الأقدام عبر حفرة ناجمة عن غارات جوية إسرائيلية تهدف إلى قطع الطريق السريع بين بيروت ودمشق عند معبر المصنع في شرق البقاع بلبنان في 5 أكتوبر 2024 (أ.ب)

عبور 385 ألف سوري و225 ألف لبناني من لبنان إلى سوريا منذ 23 سبتمبر

أظهر تقرير للحكومة اللبنانية تسجيل عبور أكثر من 385 ألف سوري و225 ألف لبناني إلى الأراضي السورية منذ 23 سبتمبر (أيلول) وحتى الاثنين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي آلية لقوات «اليونيفيل» ضمن قافلة تمر من مدينة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

«توسعة عملية» لصلاحيات «اليونيفيل» تشمل ملاحقة الأسلحة في جنوب لبنان

عكس إعلان قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، الخميس، عن الرد على مصادر النيران إثر تعرض إحدى دورياتها لإطلاق نار في جنوب لبنان، تحوّلاً في تجربتها

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي غرافيتي لجورج إبراهيم عبد الله على أحد جدران بيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)

عائلة جورج عبد الله تخشى تدخلات سياسية تنسف قرار الإفراج عنه

عبّرت عائلة السجين اللبناني في فرنسا منذ 40 عاماً، جورج عبد الله، عن خشيتها من «تدخلات سياسية تنسف القرار القضائي» القاضي بالإفراج عنه.

يوسف دياب (بيروت)

بعد أنباء استهدافه في بيروت... مَن هو طلال حميّة الملقب بـ«الشبح»؟

صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حيدر
صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حيدر
TT

بعد أنباء استهدافه في بيروت... مَن هو طلال حميّة الملقب بـ«الشبح»؟

صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حيدر
صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حيدر

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هدف الغارات العنيفة على منطقة البسطة في قلب بيروت فجر اليوم (السبت)، كان القيادي الكبير في «حزب الله» طلال حميّة.

ونقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن إعلام إسرائيلي أن «حزب الله» عيّن حمية رئيساً للعمليات خلفاً لإبراهيم عقيل الذي اغتالته إسرائيل في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وكان برنامج «مكافآت من أجل العدالة» الأميركي رصد مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني.

وقال البرنامج إن حمية يُعد رئيس منظمة الأمن الخارجي التابعة لـ«حزب الله» التي تتبعها خلايا منظمة في جميع أنحاء العالم.

وبحسب البرنامج، تشكل منظمة الأمن الخارجي أحد عناصر «حزب الله» المسؤولة عن تخطيط الهجمات الإرهابية خارج لبنان وتنسيقها وتنفيذها.

مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل معلومات عن طلال حيدر الملقب بـ«الشبح»

وفي 13 سبتمبر 2012، صنَّفت وزارة الخزانة الأميركية حمية بشكل خاص كإرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي «13224» بصيغته المعدلة على خلفية دعم أنشطة «حزب الله» الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وفي مختلف أنحاء العالم.

ونتيجة لهذا التصنيف تم حظر جميع ممتلكات حمية، والفوائد العائدة عليها التي تخضع للولاية القضائية الأميركية، وتم منع الأميركيين بوجه عام من إجراء أي معاملات مع حمية.

أبو جعفر «الشبح»

يعد طلال حمية المُكنّى بـ«أبو جعفر» والذي يبلغ من العمر نحو 50 عاماً، القائد التنفيذي للوحدة «910»، وهي وحدة العمليات الخارجية التابعة لـ«حزب الله»، والمسؤولة عن تنفيذ عمليات الحزب خارج الأراضي اللبنانية.

وهو القائد التنفيذي الحالي للوحدة، ومُلقَّب بـ«الشبح» من قِبل القيادات العسكرية الإسرائيلية لعدم وجود أي أوراق ثبوتية رسمية له في لبنان، ولابتعاده تماماً عن الحياة الاجتماعية والظهور العلني، واتباعه بصرامة الاحتياطات الأمنية المشددة لحظياً.

ويُدير حميّة الوحدة في منصب شغله قيادي «حزب الله» الأشهر عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق عام 2008، كما يحمل عدّة أسماء مستعارة من بينها طلال حسني وعصمت ميزاراني.

خليفة بدر الدين

وقد خلف طلال حمية قائد الوحدة السابق مصطفى بدر الدين، صهر مغنية وخليفته والذي قُتل أيضاً في سوريا عام 2016.

وينحدر طلال حمية من منطقة بعلبك الهرمل، وقد عمل إلى جانب كلٍّ من بدر الدين ومُغنية ووزير الدفاع الإيراني السابق أحمد وحيدي، كما كان وفق معلومات «الموساد» مسؤولاً عن نقل ترسانة «حزب الله» عبر سوريا.

بدأ نشاطه مع «حزب الله» في منتصف الثمانينات، وكانت انطلاقته الأولى كمسؤول أمني في الحزب من برج البراجنة، حيث كان المسؤول عن العديد من العناصر التي أصبحت فيما بعد من أهم القيادات العملياتية في الحزب، كما كان حميّة نائب مغنية في شبكة «الجهاد»، وهي وحدة البعثات الخاصة والهجمات الخارجية في «حزب الله».