خولة هنية تفتح «عزاءً سريعاً» في مركز إيواء

أبناؤه لم يحضروا... وطيران إسرائيلي كثيف يفرّق المعزّين

TT

خولة هنية تفتح «عزاءً سريعاً» في مركز إيواء

تولى هنية قيادة «حماس» في 2017 (أ.ف.ب)
تولى هنية قيادة «حماس» في 2017 (أ.ف.ب)

في بلد كامل تحول بيت عزاء كبيراً، لم تستطع عائلة القائد الكبير إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» فتح بيت عزاء له، لولا الظروف الحالية، لكان ربما أكبر بيت عزاء عرفه قطاع غزة. فهو بالإضافة إلى كونه رئيس الحركة الحاكمة في غزة، يُعرَف بأنه رجل اجتماعي وقريب من الآخرين، تدرج في الحركة من أسفل الهرم إلى أعلاه، في وقت ليس قصيراً. عند الساعة الخامسة من فجر الأربعاء، دوّت صرخات خولة إسماعيل هنية من داخل جدران صف مدرسي داخل مدرسة الشاطئ الابتدائية للاجئين التابعة لـ«أونروا»، والتي تحولت مركز إيواء للعوائل التي قُصفت منازلها، معلنة بذلك، حتى قبل إيران و«حماس»، اغتيال والدها القريب إلى قلبها. لم تعرف خولة والدها إلّا قريباً ومحباً، وليس قائداً لحركة «حماس». وعلى رغم أن إسماعيل هنية كان هيأ عائلته لمثل هذه اللحظة، فإن الابنة لم تتمالك نفسها، من هول الصدمة التي يمكن القول إنها لفت كل الفلسطينيين.

كان صراخ خولة التي تلقت النبأ من عائلتها في الخارج، الإعلان الأول في غزة، قبل أن يصحو مخيم النازحين ويهبّ عن بكرة أبيه غير مصدق، لمواساة خولة وزوجها الأسير المحرر وابن عمها عبد المعطي خالد هنية، في لحظات مربكة. لم تتوقف دموع خولة والنساء من حولها لحظة. وما عاظم الحزن أنها ستفقد والدها إلى الأبد من دون وداع وبعد فترة وجيزة على فقدانها 3 أشقاء في ضربة إسرائيلية على غزة. وبدت خولة في هذه اللحظات وهي تذرف الدموع بغزارة كمن يشعر بأنه بدأ يفقد عائلته كلها.

موقع الغارة التي أودت بحياة أقارب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ أمس (رويترز)

لم تصدق الابنة كذلك أنها تتلقى التعازي بوفاة أبيها وهو الرقم 1 في غزة، في مدرسة نازحين. لكن لم يكن أمام العائلة فعلاً سوى فتح بيت عزاء في مركز الإيواء بعدما تجمع وجهاء العائلة لتقبل التعازي. لم يكن يُخيّل لأحد ألا يكون عزاء شخصية مثل إسماعيل هنية على قدر منصبه، عزاءً مهيباً يحضره كل قادة «حماس» والفصائل وآلاف المسلحين وعشرات آلاف الناس. لكن، وفي مطلق الأحوال لم يدم العزاء الغريب طويلاً. وقال مراسل «الشرق الأوسط» إن وجهاء العائلة اضطروا بعد نحو ساعة واحدة فقط من بدء استقبال المعزين، إلى الطلب من الجميع مغادرة ساحة المدرسة، وإنهاء مراسم استقبال أي من المواطنين بعد تحليق كبير لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء المدرسة ومخيم الشاطئ الذي شهد ولادة هنية ونشأته. ففيه تربى ومنه بدأ رحلته العلمية والسياسية حتى أصبح أحد أهم وجهاء المخيم ثم قائد «حماس». ولاحظ مراسل «الشرق الأوسط»، غياب بعض أبناء إسماعيل هنية ممن هم داخل قطاع غزة، وما زالوا على قيد الحياة، عن استقبال المعزين، فلم يظهروا للعلن مع أقاربهم وبقية وجهاء العائلة. وكان 3 من أبناء هنية و3 آخرون من أحفاده قُتلوا في العاشر من أبريل (نيسان) الماضي، إثر غارة إسرائيلية على باب المدرسة ذاتها التي تقيم فيها شقيقتهم خولة. فكانوا قد خرجوا للتو من زيارتها في أول أيام عيد الأضحى، قبل أن تتم تصفيتهم من قِبل طائرة استطلاع إسرائيلية استهدفت مركبة كانوا على متنها بصاروخين. ويبدو أن غياب أولاد هنية كان لدواعٍ أمنية؛ خشية تعظيم الخسارة. وخلقت ظروف الحرب أوضاعاً غير معتادة بالنسبة لسكان القطاع؛ وهو ما دفعهم في الكثير من الأحيان إلى عدم فتح بيوت عزاء أو استقبال معزين في أقاربهم الذين يفقدونهم.

صورة تعود إلى أواخر عام 1995 تُظهِر إسماعيل هنية بعد تسجيله بوصفه مرشحاً في مكتب الانتخابات المركزي بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وفي ظروف مختلفة، كان لا يمكن تخيل كيف ليوم كهذا أن يمرّ على العائلة والقطاع عموماً. ويحظى هنية بمحبة سكان مخيمه وكذلك جيرانه، وكان معروفاً أنه قريب منهم حتى بعدماً أصبح رئيساً لـ«حماس». وهبّ جيران هنية إلى منزله المدمر، الأربعاء، ورفعوا صورة له فوق الركام الذي تسببت به قوة إسرائيلية بعد أن اقتحمت المنزل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وجلسوا يبكونه، ويتذكرونه في شوارع المخيم. كان الحزن غامراً وعلى قدر الصدمة، في حين كان شريط الذكريات يمرّ على الجيران، فيتذكرون إسماعيل هنية طفلاً وشاباً ورياضياً واجتماعياً وقيادياً ورئيساً للوزراء، ورئيساً لحركة نشأت وكبرت بين أزقة بيوتهم.


مقالات ذات صلة

بعد اغتيال هنية... خطاب لنتنياهو مساء اليوم

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

بعد اغتيال هنية... خطاب لنتنياهو مساء اليوم

يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً متلفزاً مساء اليوم (الأربعاء)، وفق ما أعلن مكتبه في بيان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون لافتة تحمل صورة زعيم «حماس» إسماعيل هنية خلال مظاهرة في الخليل بالضفة الغربية المحتلة تندد بمقتله الأربعاء (أ.ف.ب)

الصدمة الفلسطينية من اغتيال هنية تعيد مطلب إنهاء الانقسام

بعد الصدمة الكبيرة من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في صفوف الشعب الفلسطيني، عاد للارتفاع المطلب الوطني الشامل بالإسراع في إنهاء…

«الشرق الأوسط» (رام الله)
أوروبا إسماعيل هنية يلوح بعلامة النصر خلال مراسم أداء اليمين للرئيس الإيراني الجديد (أ.ف.ب)

بعد اغتيال هنية... «الاتحاد الأوروبي» يدعو جميع الأطراف لـ«أكبر قدر من ضبط النفس»

دعا الاتحاد الأوروبي «جميع الأطراف» إلى التزام «أكبر قدر من ضبط النفس» وتجنب «أي تصعيد جديد» بعد اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شمال افريقيا رجل فلسطيني يخطو بين الأنقاض عقب غارة إسرائيلية على خان يونس (رويترز)

«هدنة غزة»... الوسطاء أمام «اختبار صعب» عقب اغتيال هنية

«اختبار صعب ومشهد شديد التعقيد» عقب اغتيال هنية، ما قد «يعرقل» استمرار المفاوضات، وسط ترجيحات بدخولها في حالة «تجميد مؤقت».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
خاص «هو حماس بحالها»... كيف تلقت شقيقة إسماعيل هنية خبر وفاته؟ (فيديو)

خاص «هو حماس بحالها»... كيف تلقت شقيقة إسماعيل هنية خبر وفاته؟ (فيديو)

تحدثت سهيلة عبد السلام هنية، شقيقة المسؤول السياسي في حركة «حماس» إسماعيل هنية، عن لحظات تلقيها خبر وفاته.

«الشرق الأوسط» (غزة)

هنية... دبلوماسي «حماس» ومهندس نظامها

صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
TT

هنية... دبلوماسي «حماس» ومهندس نظامها

صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)

اكتسبت شخصية إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، داخل حركته وخارجها، الكثير من الحضور الشعبي والسياسي الرسمي، الذي ميزه عن العديد من قيادات الحركة، خصوصاً بعد انتخابه رئيساً للوزراء في الحكومة الفلسطينية العاشرة، ومن ثم لاحقاً رئيساً للمكتب السياسي، ليقود «حماس» في مرحلة صعبة محلياً وإقليمياً ودولياً.

ووصل هنية، الذي اغتيل في ظروف غامضة بالعاصمة الإيرانية «طهران»، فجر الأربعاء، إلى سدة الحكم في قيادة «حماس» بعد منافسة في فترتين انتخابيتين داخل الحركة، مع رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، وكذلك مع صالح العاروري الذي كان في الدورة الأخيرة نائباً له، وكذلك مع القيادي محمد نزال، إلا أن كل النتائج كانت محسومة لصالحه بحكم نجاحه في تطوير الكثير من المواقف داخل «حماس»، كما تقول العديد من المصادر لـ«الشرق الأوسط».

وتؤكد مصادر مقربة من هنية، أنه أبلغها قبل شهر واحد فقط إنه لا ينوي أبداً المنافسة في الانتخابات الداخلية المقبلة لقيادة حركة «حماس» مرة أخرى، وإنه لا بد من تجديد الدماء داخل الحركة بصفوف الشباب، وبسبب ثقل المهام والملفات الداخلية والخارجية والتحديات التي تواجه «حماس» على كل الأصعدة.

ويبدو أن تفكير هنية لم يأت من فراغ، ولكنه نابع من ضغوط تعرض لها كثيراً خلال فترة قيادته لحركة «حماس»، ومنها تحديات تتعلق بالحكم داخل قطاع غزة، وكلفة ذلك على الحركة التي كانت تفضل عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل لأسباب عدة، وتحديات أخرى تتعلق بالعمل التنظيمي الذي كان يتعاظم في ظل تحديات إقليمية ومحاربة إسرائيلية وأميركية لمصادر أموال ودعم الحركة، وغيرها من القضايا المتعلقة أيضاً بإدارة الملفات داخل الحركة.

ويبدو أن الحرب الحالية ونتائجها المدمرة على قطاع غزة، هي ما عكس بشكل أساسي قرار هنية الذي كان يطمح للاستمرار في قيادة حكم «حماس».

صورة لقائد حركة «حماس» إسماعيل هنية مرفوعة في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا اللبنانية (أ.ف.ب)

قال مصدر قيادي بارز من «حماس» في قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»: «اغتيال هنية له تأثير كبير على الحركة، وبالتأكيد سيترك فراغاً في حضوره لكنه لن يكون له تأثير على عمل التنظيم وهيكلية من سيخلفه». وأوضح المصدر أن هنية بوصفه رئيساً للمكتب السياسي قام بتطوير سياسات الحركة داخلياً وخارجياً. فقد كان له حضور مهم جداً على صعيد التعامل مع حلفاء الحركة، ومنهم من استعاد العلاقات مجدداً معه مثل إيران بعد قطيعة لعدة سنوات بسبب الأحداث في سوريا.

ولفت المصدر إلى أن هنية تميز بعلاقات أفضل من سابقيه مع العديد من الشخصيات السياسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية ليس فقط داخل فلسطين، بل امتد ذلك إلى خارجها من خلال بناء شبكة علاقات كبيرة مع تلك الشخصيات سواء دبلوماسية أو غيرها، ما أتاح له توفير الكثير من الدعم للحركة.

وقالت مصادر داخل «حماس» من خارج قطاع غزة، إن هنية كان يحافظ على علاقات مع رجال أعمال وشيوخ قبائل في دول عدة، وكانوا يحبذون دائماً دعوته لزيارتهم.

وخلال الحرب الحالية على القطاع، بحسب مصادر من هناك، فإن هنية كان على تواصل مستمر مع أبنائه وأفراد عائلته وقيادات من الحركة، وحافظ على هذا التواصل باستمرار ودون انقطاع، وكان يسعى دائماً لتلبية احتياجاتهم في ظل الظروف الصعبة، كما كان يتواصل مع أقاربه وجيران سابقين له وشخصيات تربطه بهم علاقات اجتماعية، ما يشير إلى قدرته المميزة عن غيره من قيادات «حماس» على نسج علاقات عميقة.

ورغم الأوضاع الأمنية الصعبة، استمر هنية في الاتصال بقيادات «حماس» داخل القطاع، والتشاور معهم في بعض القضايا المصيرية، فإن تلك الاتصالات كانت تجري بطريقة أمنية، فيما كان لا يستطيع التواصل مع آخرين منهم سوى عبر نقل الرسائل التي تنقل إما شفهياً وإما كتابياً.

اختيار خليفة هنية

مع رحيل هنية، وغيابه عن المشهد في ظل الظروف المعقدة، تُثار الكثير من التساؤلات حول الشخصية التي ستخلفه، ومدى الفراغ الذي سيتركه داخل الحركة. وأشار المصدر إلى أن هناك نظاماً داخلياً معمولاً به، يتولى بموجبه مؤقتاً نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» دفة القيادة في حال الاغتيال. فبعد اغتيال العاروري تم فعلياً اختيار نائب لهنية وفق اللوائح المتبعة وليس انتخاباً، لكن لم يعلن عن ذلك لأسباب أمنية، وبسبب الحرب الدائرة.

ولفت المصدر إلى أن هناك سلاسة في الإجراءات المتبعة بهيكلية العمل التنظيمي التي تم تطويرها بشكل كبير في عهد هنية الذي وضع الكثير من نقاط النظام الداخلي واللوائح المعمول بها.

مؤسس حركة «حماس» الشيخ أحمد ياسين يتحدث مع مدير مكتبه إسماعيل هنية في صورة تعود لعام 2002 (رويترز)

وأشارت المصادر إلى أن خليفة هنية لن يكون منتخباً بل يتم اختياره ضمن إجراءات محددة وفق اللوائح الداخلية، كذلك فإن الاغتيال لن يكون له تأثير على مسار المفاوضات المتعلقة بوقف الحرب على القطاع.

وتقول مصادر مطلعة من داخل «حماس»، إن طول أمد الحرب دفع قيادة الحركة لتكليف هنية بشكل أساسي بقيادة ملف المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار، وقد أبدى مرونة عالية قد تفقدها إسرائيل في الفترة المقبلة ما قد يشكل ضغطاً عسكرياً على الحركة بعد اغتياله.

وأشارت المصادر كذلك إلى أن هنية كان على تواصل دائم مع الوسطاء، وكان كثيراً ما يقنع قيادة الحركة بضرورة تقديم المرونة اللازمة في العديد من المواقف، كما أنه كان يتعمد الحفاظ على تواصل مع قيادة الفصائل الأخرى، خصوصاً الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وحتى قيادة السلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، واطلاعهم على أي نتائج تتعلق بالمشاورات التي يجريها.

وتشير المصادر، إلى أن هنية كان معنياً بتحسين العلاقات بين «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية، خصوصاً الجهاد الإسلامي والفصائل التي تناهض طريقة حكم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بشكلها الحالي، وهو في الوقت نفسه يفضل الوحدة على الانقسام، وكثيراً ما كان يدعم أي قرار يتعلق بالمصالحة داخل أروقة مؤسسات «حماس». ورغم أن هنية لم يكن يتمتع بالحضور نفسه الذي تمتعت به قيادات أخرى مثل محمود الزهار، وغيره من القيادات التاريخية، فإن دبلوماسيته وعلاقاته الواسعة سياسياً واجتماعياً هي التي أوصلته إلى ما كان عليه.

عاجل نتنياهو بعد اغتيال هنية وشكر: إسرائيل وجهت "ضربات ساحقة" لوكلاء إيران