إسرائيل تنتقل إلى مرحلة تأليب سكان غزة ضد «حماس»

هاجمت مستويات جديدة في الحركة... وأمرت بإخلاء مناطق دون اقتحامها

فلسطيني يسير (الاثنين) قرب أكوام النفايات المشتعلة في مخيم المغازي للاجئين في غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يسير (الاثنين) قرب أكوام النفايات المشتعلة في مخيم المغازي للاجئين في غزة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تنتقل إلى مرحلة تأليب سكان غزة ضد «حماس»

فلسطيني يسير (الاثنين) قرب أكوام النفايات المشتعلة في مخيم المغازي للاجئين في غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يسير (الاثنين) قرب أكوام النفايات المشتعلة في مخيم المغازي للاجئين في غزة (أ.ف.ب)

كرّست إسرائيل المرحلة الثالثة من العمليات في قطاع غزة، وهي المرحلة الأخيرة من الحرب، مكتفيةً بشن هجمات تعدّها «مركّزة» على أهداف في مختلف مناطق القطاع، عوضاً عن الهجوم البري الواسع الذي كان يرافقه قصف مكثّف.

وشرحت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، أن «نمط التحركات، وأوامر الإخلاء التي تُصدرها إسرائيل لسكان بعض مناطق القطا، تشي برغبة في تأليب سكان غزة ضد (حماس) وعناصرها»، مضيفةً أن «أوامر الإخلاء والنزوح تأتي لسكان مناطق شهدت إطلاق قذائف، لكن إسرائيل لا تقتحمها، بل تقصفها جواً».

وشن سلاح الجو الإسرائيلي، الاثنين، هجمات متفرقة على مناطق في شمال ووسط وجنوب القطاع، شاركت فيها المدفعية كذلك، فيما استمرت أعداد الضحايا بالتراجع مقارنةً بالعدد اليومي الذي كان يصل إلى مئات في الأسابيع الماضية، وآلاف مع بداية الحرب.

واستهدفت إسرائيل منازل ومدارس ومواقع غير مأهولة بمناطق مختلفة في غزة، وقالت وزارة الصحة في القطاع إن «قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت 3 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 80 شهيداً، و216 إصابة، خلال الـ24 ساعة».

وأوضحت الصحة، في تصريح مقتضب، أن عددًا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وفعلياً بدأت إسرائيل المرحلة الثالثة بشمال قطاع غزة، قبل أسابيع طويلة، لكنها تحوّلت بشكل كامل إلى هذه المرحلة في باقي مناطق القطاع، بما في ذلك رفح، التي أصبحت تعتمد فيها على القصف الجوي، على الرغم من عدم انتهاء العملية البرية هناك.

وتركّز المرحلة الثالثة على قصف أهداف محدّدة عبر الجو وفق معلومات استخباراتية، والهدف هو اغتيال مسؤولين ونشطاء من «حماس» والفصائل الأخرى، على مختلف المستويات السياسية والحكومية والعسكرية والميدانية.

توسعة النطاق

وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاغتيالات في الفترة الأخيرة لا تطال القيادات المعروفة فقط، بل استهدفت عناصر شاركت في هجوم الـ7 من أكتوبر (تشرين الأول)، وآخرين منخرطين بالاشتباكات وإطلاق الصواريخ والقذائف وغيرها، وحتى عناصر يتولون صرف رواتب نشطاء من (حماس) و(القسام) و(الجهاد الإسلامي)، وغيرها من الفصائل، أو يعملون في لجان الطوارئ المكلّفة بتأمين وتوزيع المساعدات، أو فتح الطرق والشوارع، ومحاولة إحياء الأسواق في الشمال تحديداً، وأناساً عاديين لا علاقة تنظيمية لهم بالفصائل، شاركوا بشكل أو بآخر بنقل حوالات مالية إلى غزة لنشطاء في فصائل».

وبحسب المصادر، فإن إسرائيل شنّت هجمات طالت هؤلاء في منازلهم، وفي مراكز إيواء ومواقع عمل.

والانتقال إلى المرحلة الثالثة جاء بعد ضوء أخضر، منحه المستوى السياسي للعسكري. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترأّس اجتماعاً بداية الشهر الحالي للقيادة الجنوبية وفرقة غزة، شارك فيه كبار قادة الجيش الإسرائيلي، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، ناقش الانتقال إلى المرحلة الثالثة في الحرب.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الجيش تحوّل بشكل كامل إلى الغارات في القطاع.

ولا تركّز المرحلة الثالثة فقط على ضرب أهداف من الجو، بل عمليات برية مباغتة، مثلما جرى في حيَّي الشجاعية وتل الهوى شمال القطاع، ودير البلح والبريج وسط القطاع مؤخراً.

نازحون وسط الدمار في حي الشجاعية شرق مدينة غزة الأحد (أ.ف.ب)

وخطت إسرائيل نهجاً جديداً يقوم على الطلب من سكان مناطق محدّدة بالنزوح منها إلى مناطق أخرى، ليتبيّن لاحقاً أن الهدف فقط قصف أرض زراعية أو خالية أُطلقت منها صواريخ وقذائف، دون أن تضطر القوات إلى الدخول إليها براً، كما جرت العادة عند كل أوامر نزوح، وحدث ذلك في بيت حانون وبيت لاهيا، وحيَّي الدرج والتفاح شمال القطاع، ومناطق شرق خان يونس.

تأليب السكان

وقالت مصادر مطلعة على التفاصيل إن «الهدف الأساسي من أوامر الإخلاء والنزوح الأخيرة جعل السكان يُلقون باللائمة على (حماس)، ومحاولة تأليبهم ضد الحركة، ودفعهم إلى التحرك لمنع أي مسلّحين من إطلاق قذائف، كما جرى في حي الصبر من أفراد إحدى العشائر».

ولا يُعرف سقف زمني لهذه المرحلة، التي كان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قال إنها «ستكون طويلة للغاية».

وقال غالانت، الأحد، إن «ملاحقة مسلحي (حماس) ستستمر لسنوات، وأثناء ذلك ستحاول إسرائيل إيجاد طريق لحكم عسكري في القطاع، أو تثبيت حُكم بديل لـ(حماس)، فلسطيني أو متعدد الجنسيات».

ومواصلة الحرب بشكلها الجديد على القطاع يعمّق المأساة الإنسانية هناك، ويرفع أعداد الضحايا، ويوسّع حجم الدمار.

وبدأت إسرائيل في الـ7 من أكتوبر حرباً واسعة على غزة، قتلت خلالها 38.664 فلسطينياً، غالبيتهم من النساء والأطفال، وجرحت 89.097 آخرين، فيما يوجد آلاف تحت الأنقاض التي ملأت القطاع من شماله إلى جنوبه.

وقدّرت الأمم المتحدة أن إسرائيل خلّفت في حربها الحالية أكثر من 40 مليون طن من الركام في القطاع، وهو ما سيحتاج إلى عمل متواصل يستمر 15 عامًا لإزالة هذا الركام، بكلفة تتراوح ما بين 500 مليون دولار و600 مليون دولار.

شاب فلسطيني يمر (الاثنين) قرب أكوام من النفايات في كمين المغازي (أ.ف.ب)

ووفق تقرير نشرته صحيفة «الغارديان»، فإن هذه الاستنتاجات تسلّط الضوء على التحدي الهائل، المتمثّل في إعادة بناء الأراضي الفلسطينية، بعد أشهر من الهجوم الإسرائيلي، الذي أدّى إلى تدمير هائل للمنازل والبنية التحتية.

ونشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الشهر الماضي، تقييماً قال فيه إن 137297 مبنى في غزة قد تضرّر، أي أكثر من نصف العدد الإجمالي للمنازل، من بينها جرى تدمير ما يزيد قليلاً عن رُبعها، ونحو عُشرها تعرّض لأضرار جسيمة، والثلث تعرَّض لأضرار متوسطة.

ووجد التقييم أن مواقع دفن النفايات الضخمة التي تغطي ما بين 250 و500 هكتار (618 إلى 1235 فداناً) ستكون ضرورية للتخلص من الأنقاض، اعتماداً على الكمية التي يمكن إعادة تدويرها.

وفي شهر مايو (أيار) الماضي، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن إعادة بناء المنازل في غزة التي دُمّرت خلال الحرب، قد تستغرق حتى عام 2040، في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، حيث تبلغ تكلفة إعادة الإعمار الإجمالية في جميع أنحاء القطاع ما يصل إلى 40 مليار دولار.

هذا التقييم، الذي نُشر بوصفه جزءاً من حملة لجمع الأموال، من أجل التخطيط المبكر لإعادة تأهيل غزة، وجد أيضاً أن الصراع يمكن أن يخفّض مستويات الصحة والتعليم والثروة في القطاع إلى مستويات عام 1980، مما يمحو 44 عاماً من التنمية.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة، مقيم في غزة، الأسبوع الماضي، إن «الأضرار التي لحقت البنية التحتية جنونية... في خان يونس لم يكن هناك مبنى واحد لم يُمس».

وتعرضت المدارس والمرافق الصحية والطرق والمجاري، وجميع البنى التحتية الحيوية الأخرى، لأضرار جسيمة. وعملياً ترتفع كلفة وأخطار إزالة الأنقاض كل يوم.

وقال الدفاع المدني في غزة إن جبال الأنقاض مليئة بالذخائر غير المنفجرة، التي تؤدي إلى أكثر من 10 انفجارات كل أسبوع، ما يتسبّب في مزيد من الوفيات وفقدان الأطراف.


مقالات ذات صلة

نتنياهو يوجه قيادات الجيش بوقف تسجيل النقاشات العسكرية في أيام الحرب الأولى

شؤون إقليمية صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعها مكتبه لزيارته الأخيرة للمقر العملياتي لسلاح الجو في تل أبيب

نتنياهو يوجه قيادات الجيش بوقف تسجيل النقاشات العسكرية في أيام الحرب الأولى

أمر بنيامين نتنياهو الجيش بالتوقف عن تسجيل الاستشارات الأمنية والنقاشات الوزارية التي جرت في مركز العمليات تحت الأرض في مقر القيادة العسكرية خلال الأيام الأولى.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب )
المشرق العربي جنود إسرائيليون بجوار مركبات عسكرية في رفح جنوب قطاع غزة الشهر الحالي (رويترز)

جنرال إسرائيلي: نحتلّ نصف رفح... وأصبنا كل بيوتها

اعترف مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي بأن عمليات القصف، التي نفّذتها قواته، لم تترك بيتاً واحداً في مدينة رفح (أقصى جنوب قطاع غزة) إلا أصابته.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي بنيامين نتنياهو وسموتريتش (رويترز)

سموتريتش: لن نُبرم صفقة ونُحرّر «السنوار التالي»

في الوقت الذي يتطلع فيه إسرائيليون إلى احتمال استئناف المفاوضات الرامية لصفقة مع «حماس»... تعهّد الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش منع نتنياهو من إبرامها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج السعودية جددت مطالبتها بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار وحماية المدنيين العزّل (الشرق الأوسط)

السعودية تؤكد ضرورة محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للشرعية الدولية

أدانت السعودية، بأشد العبارات، استمرار مجازر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني على يد آلة الحرب الإسرائيلية، وآخرها استهداف مخيمات النازحين في خان يونس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي صورة توثق الضربة الإسرائيلية على المواصي في خان يونس 13 يوليو 2024 (إ.ب.أ)

«حماس»: حديث إسرائيل عن استهداف الضيف «كلام فارغ»

قالت «حركة المقاومة الفلسطينية» إن الادعاءات الإسرائيلية حول استهداف قيادات الحركة كاذبة وهدفها التغطية على حجم المجزرة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

لقاء بين حركتي «فتح» و«حماس» في بكين في نهاية الأسبوع

علم فلسطين (إ.ب.أ)
علم فلسطين (إ.ب.أ)
TT

لقاء بين حركتي «فتح» و«حماس» في بكين في نهاية الأسبوع

علم فلسطين (إ.ب.أ)
علم فلسطين (إ.ب.أ)

أعلن مسؤولان فلسطينيان، الاثنين، أن حركتي «فتح» و«حماس» ستجتمعان في العشرين والحادي والعشرين من الشهر الجاري في بكين تلبية لدعوة صينية، في لقاء يعقبه اجتماع لكل الفصائل الفلسطينية، للبحث في سبل «إنهاء» الانقسام والوضع الراهن.

وأكد أمين سر المجلس الثوري في حركة «فتح» صبري صيدم لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن اللقاء سيعقد في الصين في العشرين والحادي والعشرين من شهر يوليو (تموز) الجاري، وأنه من الممكن أن يعقد لقاء ثنائي بين حركتي «فتح» و«حماس» قبيل انعقاد اجتماع الفصائل.

وسيرأس وفد حركة «حماس» رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، فيما سيرأس وفد حركة «فتح» نائب رئيس الحركة محمود العالول، وفق مصادر «فتح».

ولم تدل «حماس» على الفور بأي تعليق.

وكانت الفصائل الفلسطينية التقت في شهر أبريل (نيسان) الماضي في العاصمة بكين، وكذلك «حماس» و«فتح»، وتم الاتفاق على اجتماع آخر يونيو (حزيران) الماضي، لكن هذا الاجتماع تم تأجيله.

وأكد صيدم أن «هدف هذا اللقاء هو إنهاء حالة الانقسام على أرضية أن يكون هناك التزام بما تم الاتفاق عليه، والاتفاق على شكل العلاقة بين الفصائل الفلسطينية في المرحلة المقبلة».

وأكد عضو في اللجنة التنفيذية لـ«فتح»، فضل عدم كشف اسمه، في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن الاجتماع بين الحركتين تقرر، وأنه «سيكون قبل ساعات من اجتماع بقية الفصائل بشكل مشترك».

ولم يفصح هذا المسؤول عن تفاصيل هذا اللقاء، مشيراً إلى أن الصين طلبت من المسؤولين الفلسطينيين «تجنب الحديث عن اللقاء».

ويسود الانقسام الساحة الفلسطينية منذ أن سيطرت حركة «حماس»، بالقوة العسكرية، على قطاع غزة في عام 2007، وبعد أن فازت في الانتخابات التشريعية في عام 2006.

ولم تفلح العديد من المحاولات التي جرت في العديد من العواصم لتحقيق مصالحة بين الطرفين.