التقارب التركي السوري المحتمل يثير مخاوف سكان مناطق «المعارضة»

اعتصامات ومظاهرات متواصلة في إدلب وريف حلب

العشرات تجمعوا في حديقة المشتل بإدلب للتنديد بالتعليقات التركية حول التقارب مع النظام (الشرق الأوسط)
العشرات تجمعوا في حديقة المشتل بإدلب للتنديد بالتعليقات التركية حول التقارب مع النظام (الشرق الأوسط)
TT

التقارب التركي السوري المحتمل يثير مخاوف سكان مناطق «المعارضة»

العشرات تجمعوا في حديقة المشتل بإدلب للتنديد بالتعليقات التركية حول التقارب مع النظام (الشرق الأوسط)
العشرات تجمعوا في حديقة المشتل بإدلب للتنديد بالتعليقات التركية حول التقارب مع النظام (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين على بدء دعوات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للتصالح مع نظيره السوري بشار الأسد، ما زال سكان مناطق شمال غربي سوريا، الخاضعة لسيطرة الفصائل «المعارضة»، يعبرون عن رفضهم الخطوة باحتجاجات واعتصامات يومية في مدن مركزية ضمن منطقتيْ إدلب وريف حلب الشمالي.

المحتجّون بدورهم نددوا بالتصريحات التركية التي عدّوها «مصادرة» لقرارهم وأكدوا رفضهم «المصالحة المحتملة»، إضافة إلى تعبيرهم عن غضبهم من تبعية المؤسسات السياسية والإدارية الممثلة للمعارضة السورية، لإرادة تركيا، وأعلنوا، يوم الجمعة الماضي، إغلاق مكتبَي «الائتلاف» و«الحكومة السورية المؤقتة» في ريف حلب الشمالي.

ورغم أن الخشية من «التعامل الأمني» السوري مع المعارضة حال استعادت دمشق سيطرتها على الشمال الغربي كانت المحرك الأول للاحتجاجات؛ فإن رفض التوجه التركي نحو المصالحة والتطبيع له تبعات اقتصادية جلية أخرى على سكان المنطقة المحاصَرة، والتي تُعد تركيا مَنفذها الوحيد للتبادل التجاري، ودخول المساعدات الإنسانية، والحصول على خدمات الكهرباء والاتصالات، ما يعني بقاء سكان المنطقة بين نارين لا قدرة لهم على مواجهتهما.

«المصادرة» التركية

وتجمَّع العشرات وسط حديقة «المشتل» في إدلب حاملين لافتات تحمل شعارات ضد المصالحة بين الأسد وإردوغان، وهم يرددون هتافات المعارضة ورفض «الوصاية والمصادرة» التركية لقرارهم بالبقاء خارج سيطرة سلطة دمشق.

ومنذ الأشهر الأولى للاحتجاجات المطالِبة بالإصلاح في سوريا عام 2011، سمحت تركيا للمعارضين بعقد اجتماعاتهم على أراضيها، وتشكيل هيئاتهم التي أصبحت تمثل المعارضة السياسية لدمشق، وما زالت مقرات أبرزها «الائتلاف السوري المعارض، والحكومة السورية المؤقتة» قائمة.

المظاهرات استمرت في إدلب طيلة الأسبوعين الماضيين رفضاً للتقارب التركي مع النظام (الشرق الأوسط)

ولم تقف مساندة تركيا للمعارضة عند استقبال اللاجئين، الذين وصلت أعدادهم إلى 3.6 مليون شخص، أو الدعم السياسي خلال جولات التفاوض المتكررة طيلة سنوات الحرب، لكنها تدير أيضاً مناطق ريف حلب الشمالي برفقة فصائل ما يُعرَف بـ«الجيش الوطني».

وقالت إحدى المشارِكات بالاحتجاجات؛ وتُدعى ليلي، لـ«الشرق الأوسط»، إن التقارب التركي السوري «غير مقبول مهما كانت النتائج»، مشيرة إلى إمكانية انقطاع الاتصالات والكهرباء والبضائع التركية عن منطقة الشمال الغربي التي اجتمع فيها المُهجّرون والنازحون جراء الحملات العسكرية لقوات الأسد مع حلفائه من روسيا وإيران على مختلف المحافظات السورية خلال السنوات الـ13 الماضية.

ولم تردَّ هيئات المعارضة السياسية الأساسية بالمنطقة على طلب تعليق من «الشرق الأوسط»، لكنها أصدرت بيانات ضد حادثة إغلاق مكاتب «الائتلاف» و«الحكومة المؤقتة» من قِبل المتظاهرين في ريف حلب الشمالي.

وجاء في بيان «الائتلاف السوري»، يوم السبت، تأكيد حق السوريين بالتظاهر والاعتصام السلميين وحرية التعبير، «في ظل التزامهم وحرصهم على الأمن العام وسلامة الأملاك العامة والخاصة».

وفيما يخص تركيا، أشار البيان إلى «حق الدول الصديقة (في) بناء سياساتها بما يحافظ على مصالحها وأمنها الوطني»، محذراً مما سمّاه «التسويق لصناعة الأعداء، عوضاً عن صناعة الأصدقاء لإضعاف الثورة وشق صفوفها».

أما «الحكومة السورية» المؤقتة فذكرت، في بيانها، الجمعة، أن «الإجراءات القانونية» ستُتخذ ضد من يقوم بتخريب المباني والمؤسسات الحكومية والمدنية والعسكرية التي وصفوها بـ«مكتسبات الثورة وإنجازاتها»، وتجنبت الابتعاد عن مناقشة مطالب المحتجّين ومخاوفهم.

التقارب بين صد ورد

التصريحات التي أدلى بها إردوغان، خلال الأسابيع الماضية، والتي تصاعدت مع قبول احتمالية الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإيعاز لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بالتواصل مع دمشق، قابلتها وزارة الخارجية السورية ببيان يؤكد أن سحب القوات «الموجودة بشكل غير شرعي» على الأراضي السورية، في إشارة للقوات التركية، و«مكافحة المجموعات الإرهابية» في إشارة للفصائل المعارضة، هي «الأسس» لبدء أي مبادرة «لتصحيح» العلاقات.

وشنَّت القوات التركية، برفقة ما يسمى «الجيش الوطني»، ثلاث حملات عسكرية في الأراضي السورية منذ عام 2016 مكّنتها من السيطرة على مناطق ريف حلب الشمالي وعفرين وتل أبيض في الرقة ضد القوات الكردية التي تداخل صراعها الممتد لعقود مع تركيا بالحرب السورية.

متظاهرون يحملون لافتات ضد المصالحة بين تركيا والنظام السوري (الشرق الأوسط)

وخلال السنوات الماضية، كان الحفاظ على وجود القوات التركية وإنشاء «منطقة آمنة» على طول الحدود بين سوريا وتركيا مطلباً للمسؤولين الأتراك للحفاظ على ما يرون أنه «الأمن القومي» لبلادهم، في حين تقاربت القوات الكردية مع القوات السورية الموالية لدمشق لصد التقدم التركي، دون تحالف كامل نتيجة رفض دمشق مطالب «الإدارة الذاتية» ذات القيادة الكردية بإنشاء حكم ذاتي في شمال شرقي سوريا، واصفة إياها بأنها مطالب «انفصالية».

وائل علوان، الباحث في مركز «جسور» للدراسات، قال، لـ«الشرق الأوسط»، إن «النظام السوري غير قادر على التنازل والدخول في التزامات تتعلق بأمن الحدود ومكافحة الإرهاب، ويعلم أن شرطه بانسحاب القوات التركية غير ممكن؛ لأن الوجود التركي العسكري المباشر هو الضمان الوحيد لتركيا لحماية أمنها القومي»، وفق تقييمه.

وأوضح علوان أن تركيا أيضاً غير قادرة على سحب قواتها، «خاصة مع ارتياب أنقرة من دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية (قسد)، والعلاقة المستمرة بين النظام وإيران وحزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابياً في تركيا، وترتبط به القوات الكردية في سوريا)».

برأي الباحث السياسي، فإن «آفاق المصالحة بين سوريا وتركيا لن تتعدى فتح الطرق والخطوط التجارية، وعودة العلاقات الدبلوماسية، وأما بالنسبة للسوريين في الشمال الغربي، فإن خشيتهم من النظام وآثار وتداعيات التصالح التركي معه تحمل بعضاً من (المبالغة)، خاصة أن الجانب التركي يدرك سلوك النظام بشكل جيد، وتكاد تكون الثقة بتغيره معدومة»، وفق علوان.

وعلى مستوى آخر لا يعتقد علوان أن السلطات في دمشق قادرة على استعادة الشمال الغربي، ويقول إن تعاملها مع درعا التي عادت إلى سيطرة دمشق منذ عام 2018 بالوجود الأمني والعسكري «لم يشمل المناطق كافة»، دون أن تتمكن دمشق من «تقديم أي خدمات حكومية أو إدارية حتى الآن».

بدوره، يصف الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، تطور الأوضاع سياسياً بين دمشق وأنقرة بأنه «لا يزال مبهماً، لكن في حال استمرار الرفض الشعبي للمصالحة التركية مع النظام، من المتوقع أن تلجأ تركيا للضغط الاقتصادي، من خلال إغلاق المعابر، وهذا من شأنه التأثير السلبي على اقتصاد المنطقة، على اعتبار أن تركيا المتنفس الاقتصادي الوحيد لشمال وشمال غربي سوريا».

ويدعو عمر إلى «معرفة تفاصيل المبادرة التركية قبل الحكم عليها»، ويقول، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحل السياسي في سوريا هو المسار الوحيد الذي يحقق مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة بالقضية السورية».


مقالات ذات صلة

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي صورة من موقع غارة إسرائيلية على معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا - 20 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

«المرصد السوري» يعلن ارتفاع عدد قتلى الهجوم الإسرائيلي على تدمر إلى 92

قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، اليوم (الجمعة)، إن عدد قتلى القصف الأخير الذي شنَّته إسرائيل على مدينة تدمر، في ريف حمص الشرقي بوسط البلاد هذا الأسبوع ارتفع

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».