تراجع التهديدات الإسرائيلية للبنان: العودة إلى الواقعية وتعويل على الدبلوماسية

الانتخابات الأميركية والإيرانية تفرضان تجنّب التصعيد

سيدات يشاركن في تشييع عناصر في «حزب الله» (أ.ف.ب)
سيدات يشاركن في تشييع عناصر في «حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

تراجع التهديدات الإسرائيلية للبنان: العودة إلى الواقعية وتعويل على الدبلوماسية

سيدات يشاركن في تشييع عناصر في «حزب الله» (أ.ف.ب)
سيدات يشاركن في تشييع عناصر في «حزب الله» (أ.ف.ب)

بعد أكثر من أسبوع على رفع سقف تهديدات المسؤولين الإسرائيليين، يسجّل في الأيام الأخيرة تراجع لافت في مستوى المواقف الإسرائيلية مترافقة مع تبدّل في دينامية المعركة التي باتت تتركّز بشكل أساسي على قصف متقطع وعمليات اغتيال تستهدف عناصر وقياديين لـ«حزب الله» بين يوم وآخر، ما يستدعي رداً من «حزب الله»، وكان آخر هذه العمليات اغتيال، الأربعاء، القيادي محمد نعمة ناصر.

ويأتي ذلك في موازاة حماوة الانتخابات الرئاسية في إيران وأميركا، والتحرك الدبلوماسي الدولي الذي كان آخره اجتماع الموفد الأميركي آموس هوكستين مع مسؤولين فرنسيين بينهم الموفد الفرنسي الخاص جان - إيف لودريان لبحث نزع فتيل التصعيد على الحدود اللبنانية، وذلك بعد ساعات على اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شدّد خلاله على «الضرورة المطلقة لمنع اشتعال» الوضع بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان.

وكانت قد وصلت التهديدات الإسرائيلية إلى درجة التهديد بتدمير لبنان وإعادته إلى العصر الحجري، وقد أحصت «الدولية للمعلومات» 178 تهديداً، بدءاً من 7 أكتوبر (تشرين الأول) إلى منتصف يونيو (حزيران)، أطلقها 6 من كبار المسؤولين الإسرائيليين (نتنياهو، وبني غانتز، وغالانت، وهاليفي، وبن غفير، وسموتريش)، وتراوحت عبارات التهديد من: «سنعيد لبنان إلى العصر الحجري»، و«سنقضي على (حزب الله)» إلى «سنجعل بيروت كغزة».

لكن يسجل في الأيام الأخيرة تراجع كبير في سقف التهديدات، وهي إن صدرت تصدر دائماً مرفقة بالتعويل على الحل السياسي وتأكيد المسؤولين الإسرائيليين بأنهم يفضلون المفاوضات، وهو ما أشار إليه الأربعاء بشكل واضح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالقول: «نفضل التوصل لاتفاق عبر التفاوض، لكن إذا تطلب الأمر فنحن نعرف كيف نقاتل»، مؤكداً: «سنبلغ حالة الجاهزية التامة لأي تحرك مطلوب في لبنان».

ورأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «العدو دخل مرحلة التراجع في التصريحات وفي الميدان، وبدأ يتحدث عن عجزه عن إعادة المستوطنين إلى مستوطناتهم إلا بحل سياسي، ولا حل سياسياً إلا بإيقاف الحرب على غزة».

ويربط العميد المتقاعد الخبير العسكري خليل الحلو، بين هذا التراجع والوقائع الميدانية والعسكرية، إضافة إلى السياسية المرتبطة برفض الولايات المتحدة للتصعيد، وما يعرف بـ«تعب الحرب» الذي ينسحب على كل الأطراف المشاركة بها.

ويقول الحلو لـ«الشرق الأوسط»: «الموانع لتوسيع الحرب هي أولاً أميركية، حيث تمارس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطاً كبيرة لعدم القيام بعمل في لبنان، لا سيما في مرحلة التفاوض مع إيران، ولا تريد الدخول في مواجهة معها». أما المانع الثاني للحرب، فهو، وفق الحلو، التعب الناتج عن الحرب في صفوف القيادات والعسكريين واللوجيستيين في إسرائيل، حيث استهلكت طاقات كل الأطراف، من أميركا إلى إسرائيل وحركة «حماس» و«حزب الله»، وهو ما يجعل الاختلاف بين العسكريين الذين يحتاجون إلى فترة استراحة وبين السياسيين في إسرائيل الذين يرفعون سقف التهديدات.

ويلفت الحلو إلى الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الكونغرس الأميركي في 24 الشهر الحالي، «بحيث لا يمكن أن يقوم بهذه الزيارة، ويكون قد اتخذ قرار توسع الحرب، في حين أن نصف الكونغرس ضدّ هذا القرار». أما السبب الرابع، بحسب الحلو، فهو أن الوقت لم يعد ضاغطاً بالنسبة إلى إسرائيل مع بوادر احتمال فوز دونالد الذي يفضّل نتنياهو خوض الحرب في مرحلة رئاسته، وهو ما من شأنه أن يشكّل فرصة للاستراحة والهدنة بالنسبة إلى جميع الأطراف، وقد يتّخذ بعد فترة قرار العودة إلى الحرب.

بدوره، يعزو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، عماد سلامة، تراجع التصعيد وارتفاع وتيرة الوساطة للتهدئة على الحدود إلى عوامل أساسية عدة.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح واضحاً أن جميع الأطراف في مأزق، حيث أدرك الجميع أن الحسم العسكري وتحقيق انتصار كاسح غير ممكن لدى أي من الأطراف، وبالتالي هذا الوضع يحتم على طرفي النزاع، وخاصة الإيراني والإسرائيلي، البحث عن ترتيبات أمنية وضمانات سياسية لمنع الانزلاق إلى حرب واسعة غير مضمونة النتائج، كما أن الفهم المشترك بأن أي تصعيد كبير قد يؤدي إلى عواقب وخيمة وغير محسوبة يشجع الأطراف على البحث عن سبل للتخفيف من حدة الصراع».

أما السبب الثاني، بحسب سلامة، فهو أن «هناك حالة من الترقب بين الطرفين بسبب الانتخابات المبكرة في إيران، مما يجعل الحكومة الإيرانية في موقف حذر تسعى من خلاله إلى تجنب التصعيد الذي قد يؤثر سلباً على نتائج الانتخابات. وبالمثل، الولايات المتحدة، الداعم الأساسي لإسرائيل، تستعد لدخول انتخابات مصيرية، مما يدفع الأطراف إلى تهدئة الوضع ريثما تتضح الخريطة السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي»، مضيفاً: «الأطراف تفضل عدم المخاطرة في هذه المرحلة الحساسة، انتظاراً لمعرفة التوجهات السياسية القادمة وتأثيراتها المحتملة على النزاع».

من هنا يرى سلامة أن «تلك العوامل مجتمعة تدفع الأطراف المعنية إلى زيادة وتيرة الوساطة والبحث عن حلول دبلوماسية للتهدئة على الحدود اللبنانية، حفاظاً على الاستقرار النسبي، وتجنباً للتصعيد غير المحسوب في ظل ظروف سياسية مضطربة».


مقالات ذات صلة

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز)

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية» وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز) play-circle 00:25

الجيش الإسرائيلي: قصفنا 25 هدفاً للمجلس التنفيذي ﻟ«حزب الله» خلال ساعة واحدة

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين)، إن قواته الجوية نفذت خلال الساعة الماضية ضربات على ما يقرب من 25 هدفاً تابعاً للمجلس التنفيذي لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ميقاتي: متمسكون بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً

TT

ميقاتي: متمسكون بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً

رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بالقصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز)
رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بالقصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز)

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الأربعاء، التمسك بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً، مشدداً على «المرجعية الأمنية للجيش في الجنوب، ما يُسقط الحجج التي يرتكز عليها العدو».

وقال ميقاتي، في كلمة بعد جلسة مجلس الوزراء، اليوم: «نبدأ، اليوم، مسيرة إعادة ما تهدَّم، ونُعلِّق الأمل على الجيش لإعادة الأمن إلى الجنوب»، مضيفاً: «أكدنا التزام الحكومة بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 بكل بنوده».

وتابع ميقاتي: «إننا نعيش لحظات استثنائية، والمسؤولية كبرى وجماعية للتكاتف وبناء دولة تحمي المكتسبات»، مضيفاً: «نستعيد ثقة العالم بنا، ونعيد ثقة اللبنانيين بالدولة، ونؤكد المرجعية الأمنية للجيش في الجنوب».

رجل يلوِّح بعَلم لبنان في مدينة صيدا بالجنوب بينما يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

وطالب ميقاتي «بالتزام العدو الإسرائيلي بقرار وقف إطلاق النار، والانسحاب من الأراضي التي احتلها»، مضيفاً: «نحن على ثقة تامة بأن الغد سيكون أفضل للبنان، شرط أن نضع خلافاتنا جانباً».

وأوضح أن «الجميع كان يراهن على فتنة، ولكننا رأينا رغم صعوبة الأوضاع الاجتماعية احتضان المواطنين لبعضهم البعض»، متمنياً أن «يحمل هذا اليوم الأمن والاستقرار للبنان رغم الوجع».

ودخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني حيز التنفيذ، في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء، بعد أن وافق الجانبان على اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا.