بيروت تستقر في قائمة المدن «الأسوأ» عالمياً بنوعية الحياةhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/5036644-%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%AA-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A3-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%8B-%D8%A8%D9%86%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9
بيروت تستقر في قائمة المدن «الأسوأ» عالمياً بنوعية الحياة
مشهد لواجهة بيروت البحرية - كورنيش المنارة (رويترز)
احتفظت بيروت بتصنيفها المتدني في قائمة المدن العربية والعالمية في مؤشر «نوعية الحياة»، رغم تسجيل تقدم طفيف في كلفة المعيشة والقدرات الشرائية وبدلات الإيجارات السكنية، والذي يقابله فشل في تحقيق أي تحسّن في بنود مهمة، تشمل الأمان والتلوث والرعاية الصحية، في حين سجلت تقدماً محدوداً في الترتيب الدولي لقياسات مؤشر الغلاء.
وجرى إدراج العاصمة اللبنانية في المرتبة 171 من أصل 178 مدينة عالمية، بحصيلة مسح دولي محدث حتى منتصف العام الحالي، ومبني على 8 مؤشرات فرعية تتولى مؤسسة «نامبيو للإحصاءات» الدولية إعداده دورياً، ولمرتين في السنة الواحدة؛ إذ سجلت بيروت نتيجة 73.3 نقطة، وسبقتها عربياً القاهرة التي سجلت 75.9 نقطة، في حين احتلت المدن الخليجية المراكز الأفضل عربياً.
ويتطلب التقدم في قياسات الترتيب المعتمدة وفق المعايير الدولية تسجيل علامات مرتفعة في بنود القدرة الشرائية، والأمان، والرعاية الصحية، والمناخ، في حين يتوجب التنافس الحصول على علامات منخفضة في بنود كلفة المعيشة، ومعدل سعر المنزل على الدخل الذي يعكس القدرة على تحمل كلفة السكن، وحركة المرور، والوقت المطلوب للتنقل، ومستويات التلوث.
الغلاء وكلفة العيش
بالتوازي، برزت بيروت بصفتها سادس أغلى مدينة عربية عند مقارنة مستوى الأسعار فيها بمثيلاتها، لا سيما مدينة نيويورك، وفقاً للمسوحات الميدانية والاستقصائية التي تجريها دورياً المؤسسة الدولية عينها، إذ بلغ مؤشّر كلفة المعيشة فيها 45.2 نقطة، لتحل في المرتبة 113 في العالم.
وفي التفاصيل المدرجة لاستخلاص الترتيب، تبيّن أن كلفة العيش في بيروت هي أقلّ بنحو 55 في المائة من كلفة العيش في مدينة نيويورك، التي يجري اعتمادها مرجعية عالمية للقياس النسبي. كذلك، سجّلت بيروت نتيجة 16.9 في مؤشّر أسعار الإيجار السكني، ما يعني أنّ أسعار الإيجار فيها أقلّ كلفة منها في مدينة نيويورك بنسبة تصل إلى 83 في المائة.
وبلغ مؤشّر أسعار السلع 34 نقطة، أيّ أنّ أسعار السلع في العاصمة اللبنانية أقلّ كلفة بنسبة 66 في المائة منها في نيويورك، بعدما سجل بند أسعار المطاعم 35.9 نقطة من أصل 100 لوحدة القياس، في حين ظهرت حدة الفارق السلبي في مؤشّر القدرة الشرائيّة الذي سجل 20.5 نقطة فقط، وترجمته الرقمية أنّ القدرة الشرائيّة في مدينة بيروت هي أقلّ بنسبة 79.5 في المائة من تلك المسجلة في مدينة نيويورك.
وبالفعل، يظهر التطوّر التاريخي لمؤشّر كلفة المعيشة في بيروت أنَّ الأسعار في لبنان زادت في الفترة الممتدّة بين منتصف العام 2019 ومنتصف العام 2022، قبل أن تعود للانخفاض في فترة الاستقصاء الإحصائي للفترة بين منتصف العام 2023 ومنتصف العام الحالي.
ثقل الأزمة الاقتصادية
ويعكس الارتفاع السنوي في مؤشّر غلاء المعيشة المسجل في فترة القياس السابقة، الذي قارب 100 في المائة منتصف العام 2022، فداحة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجتها الأزمة الاقتصاديّة والماليّة، وما خلّفته من غلاء كبير وقياسي، تعدّت تراكماته عتبة 6000 في المائة نظير مستوياتها السابقة، وذلك ناتج خصوصاً عن التدهور المريع الذي تخطى نسبة 98 في المائة في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي.
لكنّ متوسط المؤشّر شهد تراجعاً ملموساً من أعلى أرقامه، ليسجل 45 في المائة منتصف العام 2023، ثم انخفض إلى 45.2 في مؤشّر منتصف العام 2024، نتيجة تدنّي نتائج كل المؤشّرات المشمولة بالمسح، بما يشمل مؤشّر «القدرة الشرائيّة المحليّة» الذي تحسّن من 11.7 نقطة في منتصف العام 2022 إلى 12.3 نقطة في منتصف العام 2023، ومن ثمّ إلى 20.5 في منتصف العام 2024.
النزوح يضاعف معاناة المرضى اللبنانيين المصابين بالأمراض المزمنة
مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
خرج يوسف زريق (70 سنة) نازحاً من بلدته شقرا الجنوبية، منذ بدء الحرب الموسعة على لبنان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى إحدى قرى شرق صيدا، وبعد 16 يوماً من النزوح خضع لجلسة العلاج الكيميائي الأولى، في مستشفى سبلين الحكومي.
يقول لـ«الشرق الأوسط»: «دواء الوزارة متوفر، لكن الطبيب المتابع ارتأى، بسبب وضعي الصحي ونتائج الفحوص التي أجريت لي، استبدال دواء آخر به، لا تؤمّنه الوزارة، دفعت ثمنه 62 دولاراً، وهي كلفة مرتفعة عليّ، ونحن نازحون، نحاول تأمين احتياجاتنا الأساسيّة والضرورية جداً ليس أكثر»، خصوصاً أن غالبية الناس، ممن نزحوا من مناطقهم، توقفت مصالحهم وأشغالهم، ولا مصدر رزق لهم، ولا يعلمون متى ستنتهي الحرب، وإن كانت أرزاقهم وبيوتهم لا تزال صامدة أو دمرتها الغارات الإسرائيلية.
وزريق، واحد من اللبنانيين المصابين بالأمراض المستعصية والمزمنة، الذين تضاعفت معاناتهم بفعل النزوح، بعدما انتقلوا للعيش في مراكز الإيواء ومساكن مستأجرة، وهم يحتاجون للعلاج والمتابعة المستمرة مثل مرضى السرطان وغسيل الكلى والقلب وغيرها.
ويشكو زريق من «عدم وجود جمعيات أو أيّ جهة تساعد في دفع تكاليف الدواء الخاص بجلسات أو بعلاج مرضى السرطان، على عكس أدوية الضغط والسكري والدهن، المتوفرة في كل مكان».
ويحتاج زريق راهناً إلى صورة أشعة لا تتوفر سوى في المستشفيات الخاصة، أو في المستشفى الحكومي في طرابلس (شمال لبنان) كما يقول، ومن الصعب عليه جداً أن يتنقل على الطرقات في لبنان بسبب تصاعد وتيرة الغارات والاستهدافات الإسرائيلية في غالبية المناطق، في حين كان يجريها سابقاً في أحد مشافي النبطية.
وقد تمّ تحويل مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي والإشعاعي إلى أقسام العلاج النهاري في المستشفيات القريبة لأماكن النزوح، لكن مشاكل عديدة واجهت كثيراً منهم.
مشكلة سابقة للحرب
وعن واقع المرضى والصعوبات والتحديات في ظل النزوح والحرب، يقول رئيس جمعية «بربارة نصّار»، هاني نصّار، لـ«الشرق الأوسط»: «من المعروف في لبنان أن مشكلة مرضى السرطان سابقة لوجود الحرب، رغم التحسن الكبير الذي طرأ في هذا الخصوص لدى وزارة الصحة، لا سيّما لجهة المكننة وتأمين الدواء إلى أقرب صيدلية لمكان السكن أو المشفى الذي يتلقى فيه المريض العلاج، وهذا سهّل تأمين العلاج للنازحين».
ولهذه الغاية، طلبت الوزارة من جميع مرضى السرطان النازحين الاتصال على الخط الساخن رقم 1214 لإعلامها بمكان السكن الجديد. وقد نزح منذ بداية الحرب، أكثر من ألفي شخص مصاب بالسرطان، تبدلت ملفاتهم، وتحولت أدويتهم من منطقة إلى أخرى، وتمّ ترتيب أمورهم، حسبما يؤكد نصّار.
لكن المشكلة المزمنة، والقديمة، تكمن في قدرة المرضى الشرائية، والتي تدنت كما غالبية اللبنانيين الذين يعيشون تبعات الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد؛ إذ يقول نصّار: «الحرب ليس لها تأثير أكبر من تأثير الأزمة الاقتصادية بحد ذاتها على مرضى السرطان؛ إذ تؤمن الوزارة بعض العلاجات بشكل مجاني وليس جميعها، ويتحمل المريض تكاليف كبيرة جداً أحياناً، وتصل كلفة الجلسة الواحدة إلى الألف دولار تقريباً».
مشكلة أخرى يشير إليها نصّار، وهي الأدوية التي رُفع عنها الدعم وليست معتمدة من قبل وزارة الصحة حالياً، ولا تتكفل بإعطائها لمرضى السرطان، وتصل كلفتها إلى 6 و8 آلاف دولار، تؤمن الوزارة البديل عنها أحياناً، لكنه عادة يكون أقل فاعلية.
ووفق نصّار، «أحياناً كثيرة لا يتوافر البديل، كدواء مرضى سرطان المبيض الذي تبلغ تكلفته 6 آلاف دولار، وبالتالي تنجو الفتاة في حال كان لديها القدرة على تأمينه من لبنان أو خارجه، وتفقد حياتها في حال العكس، وللأسف الحالات المماثلة كثيرة». مع العلم أن هناك العديد من الأدوية المزورة التي تصل إلى أيدي مرضى السرطان.
مرضى الفشل الكلوي
تتوسع المعاناة لتشمل معظم مرضى الأمراض المستعصية من النازحين. ويُعدّ علي عز الدين (56 سنة) واحداً من بين نازحين كثر يعانون من الفشل الكلويّ، ويحتاجون لإجراء غسيل كلى دورياً، بمعدل ثلاثة أيام أو أكثر في الأسبوع.
يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أبحث عن مستشفى ألجأ إليه لإجراء غسيل الكلى، ومن ثمّ أؤمن مسكني، لذا تنقلت بين منطقتين، قبل أن أستقر راهناً في منطقة الروشة على مقربة من مستشفى رفيق الحريري الحكومي».
مرّ أكثر من أسبوع على بدء الحرب الموسعة (23 سبتمبر)، حتّى تمكن عز الدين من الخروج من منزله في بلدة العباسية، قضاء صور، لكن «قبلها أرسلت عائلتي إلى مكان أكثر أماناً، وبقيت أنا لوحدي هناك، كي أجري جلسات غسيل الكلى في موعدها ومن دون انقطاع في مستشفى اللبناني - الإيطالي في صور، وإلّا ستتدهور حالتي الصحّية»، كما يقول، علماً بأن محيط المستشفى تعرض للغارات الإسرائيلية مرات كثيرة.
ويضيف: «بداية لم نتوقع أن الحرب ستطول والضربات ستكون متزايدة وكثيفة خلال مدة قصيرة جداً، إلى أن شعرت بأن المسألة خطيرة، وأن سقف المنزل سيقع على رأسي في أيّ لحظة. عشت تجربة القصف في صور، وخاصة حين كنت أتنقل بين المنزل والمشفى».
ويقول: «تمكنت من ترتيب أمور المستشفى الجديد، في قرنايل بالقرب من عاليه، حيث نزحت واستأجرت منزلاً في المرة الأولى للنزوح، أجريت 4 جلسات غسيل للكلى، لكن الطقس لم يلائمني هناك؛ برد قارس وضباب في المكان»، لينزح مرة أخرى إلى منطقة الروشة، حيث يوجد راهناً؛ كونها آمنة نسبياً حتّى الآن، وعلى مسافة قريبة من المستشفى.
يقارن عز الدين بين الأماكن التي تنقل بينها، وفي المستشفيان «لم يتغير عليّ شيء، سوى أن مدة الجلسة انخفضت من 4 إلى 3 ساعات، بسبب الضغط الهائل على المستشفيات التي نزح إليها المرضى. وللصراحة لم أعتد الأماكن الجديدة، فرغم أنني أعاني من الفشل الكلوي، فإنني كنت أعمل وأمارس حياتي بشكل طبيعي قبل بدء الحرب، والآن ننتظر أن تنتهي، ونعود إلى منازلنا وحياتنا وحتّى المستشفى الذي كنت فيه فقط».
وعن شعوره بالخوف في أثناء التنقل، قال: «بالطبع لدي مخاوف، خصوصاً أن لا شيء يردع إسرائيل؛ إذ إنها تقتل بلا رحمة وتدمر المقدسات، وبالتالي يسهل عليها قصفنا، ونحن على الطرقات وحتّى على أسرّة المستشفيات».
أمراض أخرى أيضاً
تقصد عبير، النازحة من بلدتها في بنت جبيل إلى الفوار، قضاء زغرتا، أحد المستوصفات التي تقدم خدماتها للنازحين، لتحصل على الأدوية الضرورية التي تحتاج إليها وعائلتها؛ كالسكري والضغط والغدة والقلب.
تقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نزحنا إلى هنا، قبل نحو شهرين، قصدت المركز مرتين، وفي المرتين حصلت على ما يحتاج إليه والديّ، فهما يعانيان من أمراض مزمنة، ويحتاجان للدواء باستمرار، أو بالأحرى عند بداية كل شهر».
وتضيف: «يتوفر في المركز أيضاً أطباء باختصاصات مختلفة، وجميع هذه الخدمات كانت مجانية»، لافتة إلى أن الأدوية التي حصلت عليها كانت بديلاً متوفراً في المركز، وأن بعض الأدوية لم تتمكن من الحصول عليها في الزيارة الأولى، بسبب ازدياد طلب النازحين كما أخبروها.
وخصصت الوزارة الخط الساخن رقم 1787 للرد على أسئلة النازحين واستفساراتهم، وقد فاق عددهم أكثر من 1.5 مليون شخص أخرجوا من منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان.